Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

”المنتصر يغنم كل شيء“

نشوب الحرب في السودان بسبب سيطرة الجيش على الاقتصاد

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭ | ‬الصور‭ ‬بعدسة‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الفرنسية‭/‬صور‭ ‬غيتي

يُعد بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬فله‭ ‬فروع‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أرجاء‭ ‬البلاد،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬بنك‭ ‬سوداني‭ ‬يستخدم‭ ‬ماكينات‭ ‬الصراف‭ ‬الآلي،‭ ‬وقد‭ ‬تأسس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬شبكة‭ ‬موسعة‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬فيعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬مساهم‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭.‬

يستخدم‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬ويمتلك‭ ‬نسبة‭ ‬87‭ ‬‭% ‬من‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬سراً،‭ ‬ويمتلك‭ ‬البنك‭ ‬أصولاً‭ ‬بقيمة‭ ‬950‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬ويعتبر‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬قوى‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬السوداني‭. ‬

سيطر‭ ‬بنك‭ ‬السودان‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬‭% ‬من‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬الوطني،‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬ملكية‭ ‬البنك‭ ‬قد‭ ‬آلت‭ ‬للجيش‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬فصار‭ ‬رمزاً‭ ‬لاقتصاد‭ ‬السودان‭. ‬أما‭ ‬المالك‭ ‬الوحيد‭ ‬غير‭ ‬العسكري‭ ‬لبنك‭ ‬أم‭ ‬درمان،‭ ‬فهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬كرري‭ ‬العالمية‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬ولهذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬علاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭.‬

يتجرَّع‭ ‬السودان‭ ‬الآن‭ ‬مرارة‭ ‬القتال‭ ‬الدائر‭ ‬بين‭ ‬جنرالي‭ ‬الجيش‭: ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬البرهان،‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية،‭ ‬والجنرال‭ ‬محمد‭ ‬حمدان‭ ‬دقلو،‭ ‬الشهير‭ ‬بحميدتي،‭ ‬قائد‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭. ‬وإذ‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬القتال،‭ ‬فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬نظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬وتشكل‭ ‬نسبة‭ ‬85٪‭ ‬من‭ ‬اقتصاد‭ ‬السودان،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬المحللة‭ ‬سماح‭ ‬سلمان،‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬دولية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

فقالت‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬”هذا‭ ‬رقمٌ‭ ‬لا‭ ‬يصدقه‭ ‬عقل“،‭ ‬ونوَّهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬السودانية‭ ‬كانت‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬80‭ ‬‭% ‬من‭ ‬الميزانية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الديكتاتور‭ ‬السابق‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭.‬

الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، أصبح من أغنى أغنياء السودان بفضل ما يمتلكه في شبكة السودان الواسعة من المؤسسات التي تسيطر عليها الدولة.

وقالت‭: ‬”هذا‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬مساحة‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬للعمل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتواطأ‭ ‬معهم‭ ‬وتلعب‭ ‬وفقاً‭ ‬لقواعد‭ ‬اللعبة‭.‬“

وشأنها‭ ‬شأن‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني،‭ ‬تمتلك‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬بنكها‭ ‬الخاص،‭ ‬وهو‭ ‬بنك‭ ‬الخليج،‭ ‬تديره‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭. ‬ويعتبر‭ ‬بنك‭ ‬الخليج‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬بنك‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قيمة‭ ‬الأصول‭ ‬بعد‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬الوطني‭. ‬كما‭ ‬يرتبط‭ ‬بشركة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالدعم‭ ‬السريع‭ ‬تُدعى‭ ‬‮«‬جي‭ ‬إس‭ ‬كيه‭ ‬أدفانس‮»‬،‭ ‬طالتها‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2023‭.‬

ويقول‭ ‬الخبراء‭ ‬إن‭ ‬لانخراط‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬دورٌ‭ ‬في‭ ‬نشوب‭ ‬القتال‭.‬‭ ‬

فقالت‭ ‬السيدة‭ ‬دينيس‭ ‬سبيمونت‭ ‬فاسكيز،‭ ‬المحللة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬”لا‭ ‬يتضح‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المصالح‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬نشوب‭ ‬الصراع،‭ ‬ولكن‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬يدركان‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لهما‭ ‬لحكم‭ ‬السودان‭ ‬دون‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد؛‭ ‬فلا‭ ‬حكم‭ ‬دون‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ولذا‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬قبضته‭ ‬المحكمة‭ ‬عن‭ ‬أركان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭.‬“

يضيف‭ ‬نطاق‭ ‬التعاملات‭ ‬المالية‭ ‬للجنرالين‭ ‬بعداً‭ ‬إضافياً‭ ‬لحربهما‭ ‬المتوسعة‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬السودان،‭ ‬إذ‭ ‬يبتغي‭ ‬كلٌ‭ ‬منهما‭ ‬الغنيمة‭ ‬عند‭ ‬النصر‭.‬

فتقول‭ ‬سلمان‭: ‬”كلاهما‭ ‬يحمي‭ ‬إمبراطوريته‭ ‬الاقتصادية؛‭ ‬فالمنتصر‭ ‬يغنم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬“

إرث‭ ‬التمكين

نشأ‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حالياً‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬المحسوبية‭ ‬المستفحل‭ ‬المعروف‭ ‬بنظام‭ ‬‮«‬التمكين‮»‬،‭ ‬أنشأه‭ ‬البشير‭ ‬بعد‭ ‬انقلابه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬منتخبة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬ديمقراطية‭. ‬

فعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الانقلاب‭ ‬السابقين،‭ ‬كان‭ ‬البشير‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لحكم‭ ‬البلاد،‭ ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬المحسوبية،‭ ‬بأن‭ ‬يشتري‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬تهديد‭ ‬عرشه،‭ ‬وذلك‭ ‬بزيادة‭ ‬نفوذ‭ ‬القيادات‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭.‬

فتقول‭ ‬سلمان‭: ‬”لم‭ ‬يكن‭ ‬البشير‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الديكتاتوريين‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬السودان؛‭ ‬فقد‭ ‬اشترى‭ ‬الولاء‭ ‬شراءً‭.‬“

تقول‭ ‬الدكتورة‭ ‬ويلو‭ ‬بيريدج،‭ ‬المحاضرة‭ ‬بجامعة‭ ‬نيوكاسل،‭ ‬إن‭ ‬نظام‭ ‬التمكين‭ ‬منح‭ ‬قادة‭ ‬الأمن‭ ‬وحلفاء‭ ‬البشير‭ ‬الإسلاميين‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬تقريباً‭. ‬

وأفرز‭ ‬النظام‭ ‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشركات،‭ ‬مثل‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان،‭ ‬تصور‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مملوكة‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مؤسسات‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة،‭ ‬وتُعرف‭ ‬أيضاً‭ ‬بالشركات‭ ‬شبه‭ ‬الحكومية‭. ‬وعرّف‭ ‬باحثون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬بأنها‭ ‬شركات‭ ‬تؤول‭ ‬نسبة‭ ‬10‭ ‬‭% ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬ملكيتها‭ ‬للحكومة‭ ‬أو‭ ‬أفراد‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬أو‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬أو‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭. ‬وهذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬يجعلها‭ ‬عرضة‭ ‬للتلاعب‭ ‬بملكيتها‭.‬

بصفته قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان يترأس شبكة من الشركات المملوكة للدولة تسيطر على نسبة 85 % من اقتصاد السودان، وتصب في جيبه هو والنخب العسكرية والسياسية ذات النفوذ.

وتوصل‭ ‬باحثو‭ ‬المركز‭ ‬إلى‭ ‬408‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬البيانات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬السودانية‭ ‬ولجنة‭ ‬تفكيك‭ ‬نظام‭ ‬الإنقاذ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬والتحقيقات‭ ‬المستقلة‭. ‬وتبينوا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تخفي‭ ‬ملكيتها‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬للتحايل‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية،‭ ‬إذ‭ ‬”تخصخص“‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬بنقل‭ ‬ملكيتها‭ ‬إلى‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬ربحية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬أخرى‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬أعضاء‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬أصحاب‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭.‬

ويدل‭ ‬تنظيم‭ ‬ملكية‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬مثل‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬وشركة‭ ‬زادنا‭ ‬العالمية‭ ‬للاستثمار‭ ‬إما‭ ‬تخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬الحكومة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شركات‭ ‬أخرى‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الحكومة‭. ‬

ويقولون‭: ‬”أُخفيت‭ ‬سيطرة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬خلف‭ ‬شركات‭ ‬داخل‭ ‬شبكة‭ ‬جياد‭ ‬التابعة‭ ‬لهيئة‭ ‬التصنيع‭ ‬الحربي،‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬الوكلاء‭ ‬لملكية‭ ‬الدولة‭.‬“‭ ‬وهذه‭ ‬الهيئة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شركة‭ ‬لتصنيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬تؤول‭ ‬ملكيتها‭ ‬للدولة،‭ ‬ولها‭ ‬فروع‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنشطة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني،‭ ‬مثل‭ ‬حصة‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭.‬

إفساد‭ ‬السوق

من‭ ‬المعهود‭ ‬ألا‭ ‬تخضع‭ ‬أرباح‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬للضريبة،‭ ‬فتُحرم‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬إيرادات‭ ‬حيوية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تصب‭ ‬أنشطتها‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬شرذمة‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العسكريين‭ ‬والحكوميين‭. ‬وتنتشر‭ ‬408‭ ‬مؤسسة‭ ‬تسطير‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني،‭ ‬كالشركات‭ ‬الزراعية‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬سكر‭ ‬النيل‭ ‬الأبيض‭ ‬والخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬واستخراج‭ ‬الذهب‭ ‬والنقل‭ ‬والمواصلات‭ ‬وتصنيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬وغيرها‭. ‬

وتقول‭ ‬سلمان‭: ‬”لا‭ ‬تقع‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬شبه‭ ‬الحكومية‭ ‬داخل‭ ‬أي‭ ‬أسواق‭ ‬رسمية؛‭ ‬بل‭ ‬تشكل‭ ‬سوقاً‭ ‬موازية،‭ ‬وأفسدت‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬“

يصنف‭ ‬معهد‭ ‬فريزر‭ ‬الكندي‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬162‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬165‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحرية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬فيضعها‭ ‬بجانب‭ ‬كلٍ‭ ‬من‭ ‬كوبا‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وفنزويلا‭ ‬وزيمبابوي‭ ‬في‭ ‬ذيل‭ ‬التصنيف‭ ‬العالمي‭. ‬كما‭ ‬سجل‭ ‬السودان‭ ‬درجة‭ ‬1‭.‬67‭ ‬على‭ ‬مقياس‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬نقاط‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬درجة‭ ‬تدخل‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬القانون‭ ‬والسياسة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وكلما‭ ‬قلت‭ ‬الدرجة،‭ ‬زاد‭ ‬نفوذ‭ ‬الجيش‭.‬

ويقول‭ ‬باحثو‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬في‭ ‬تحليلهم‭: ‬”تُعد‭ ‬سيطرة‭ ‬المدنيين‭ ‬المؤيدين‭ ‬للديمقراطية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬الأساسية‭ ‬لينعم‭ ‬السودان‭ ‬بالديمقراطية‭.‬“

توجد‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬من‭ ‬الاحتكارات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التكامل‭ ‬الرأسي،‭ ‬بحيث‭ ‬تؤول‭ ‬ملكية‭ ‬عدة‭ ‬شركات‭ ‬لمالك‭ ‬واحد‭. ‬ويقول‭ ‬الخبراء‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬فساد‭ ‬مستشرٍ‭ ‬يلتهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة؛‭ ‬فأي‭ ‬شركة‭ ‬خاصة‭ ‬تحاول‭ ‬مزاولة‭ ‬أنشطتها‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬لا‭ ‬بدَّ‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬الفساد‭.‬

جمَّع‭ ‬المركز‭ ‬قاعدة‭ ‬بياناته‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬الشركات‭ ‬شبه‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بتتبع‭ ‬الملكية‭ ‬ومجالس‭ ‬الإدارة‭ ‬والمستفيدين‭ ‬لعمل‭ ‬خريطة‭ ‬للدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

الجيش السوداني متغلغل في مئات الشركات التي تسيطر على ما يصل إلى 85 % من الاقتصاد الوطني مثل حقول النفط ومناجم الذهب والأراضي الزراعية.

ويقول‭ ‬محللو‭ ‬المركز‭ ‬في‭ ‬تقريرهم‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬تحطيم‭ ‬البنك‮»‬‭: ‬”على‭ ‬مدار‭ ‬الثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬التي‭ ‬حكم‭ ‬فيها‭ ‬البشير،‭ ‬وبينما‭ ‬تداعى‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بسطت‭ ‬الدولة‭ ‬ا‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬وأصول‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬السودان‭ ‬الرئيسية‭.‬“

وذكر‭ ‬تقرير‭ ‬المركز‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬استغل‭ ‬علاقاته‭ ‬لاستصدار‭ ‬خطابات‭ ‬اعتماد‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬ضرائب‭ ‬الاستيراد،‭ ‬فصار‭ ‬يمتاز‭ ‬بميزة‭ ‬لا‭ ‬تمتاز‭ ‬بها‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬ارتكبت‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬وهي‭ ‬قوات‭ ‬الجنجويد‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬حميدتي،‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬بحق‭ ‬غير‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬دارفور،‭ ‬فإذا‭ ‬بالبشير‭ ‬يكافئ‭ ‬حميدتي‭ ‬بمنحه‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬منجم‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬عامر‭ ‬في‭ ‬دارفور‭.‬

يقول‭ ‬المحلل‭ ‬أليكس‭ ‬دي‭ ‬وال‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ديمقراطية‭ ‬السودان‭ ‬غير‭ ‬المكتملة‭: ‬الوعد‭ ‬وخيانة‭ ‬ثورة‭ ‬شعب‮»‬‭: ‬”أصبح‭ ‬حميدتي‭ ‬بذلك‭ ‬تاجر‭ ‬الذهب‭ ‬والمهرب‭ ‬وحارس‭ ‬الحدود‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وأمست‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬الحاكم‭ ‬العسكري‭ ‬الفعلي‭ ‬لشمال‭ ‬دارفور‭.‬“

أصبح‭ ‬استخراج‭ ‬الذهب‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬للعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حُرم‭ ‬من‭ ‬شطر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬عقب‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬وسيطرة‭ ‬حميدتي‭ ‬على‭ ‬شطر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬راعي‭ ‬إبل‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬السودان،‭ ‬وتُقدَّر‭ ‬ثروة‭ ‬عائلته‭ ‬مجتمعة‭ ‬بنحو‭ ‬9‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭.‬

ويقول‭ ‬باحثو‭ ‬المركز‭: ‬”قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شركة‭ ‬تمتلكها‭ ‬عائلة‭ ‬وتنتشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬“

وتمكن‭ ‬حميدتي‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الدولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬بفضل‭ ‬العائدات‭ ‬التي‭ ‬يجنيها‭ ‬من‭ ‬استخراج‭ ‬الذهب‭ ‬والتهريب‭ ‬ونشر‭ ‬مقاتليه‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬جمع‭ ‬مساحات‭ ‬شائعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شركات‭ ‬وهمية‭ ‬داخل‭ ‬السودان‭ ‬وخارجه‭.‬

وقالت‭ ‬سلمان‭: ‬”كنا‭ ‬نعرف‭ ‬أي‭ ‬المشاريع‭ ‬الزراعية‭ ‬يشتريها‭ ‬حميدتي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت؛‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بنفسه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬كيانات‭ ‬سودانية‭ ‬أو‭ ‬كيانات‭ ‬خارجية‭ ‬أخرى؛‭ ‬شركات‭ ‬إماراتية‭ ‬وكويتية‭. ‬فلديه‭ ‬هيكل‭ ‬مالي‭ ‬وقانوني‭ ‬بالغ‭ ‬القوة‭.‬“

أما‭ ‬البرهان،‭ ‬فهو‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬وحاكم‭ ‬السودان‭ ‬الفعلي،‭ ‬ويترأس‭ ‬شبكة‭ ‬مالية‭ ‬تشمل‭ ‬هيئة‭ ‬التصنيع‭ ‬الحربي‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬السوداني‭. ‬ولم‭ ‬يكد‭ ‬يؤثر‭ ‬القتال‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬والدعم‭ ‬السريع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬وعبر‭ ‬خطوط‭ ‬الأنابيب‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭.‬

وبينما‭ ‬يستغل‭ ‬حميدتي‭ ‬ثروته‭ ‬لتمويل‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬قوامها‭ ‬100‭,‬000‭ ‬جندي،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬هو‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬مؤسساته‭. ‬ويتولى‭ ‬البرهان‭ ‬مسؤولية‭ ‬دفع‭ ‬رواتب‭ ‬نفس‭ ‬العدد‭ ‬تقريباً‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معاشات‭ ‬المتقاعدين‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الجيش،‭ ‬وعليه‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬نظام‭ ‬محسوبية‭ ‬البشير‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬النخبة‭ ‬السودانية‭.‬

وقالت‭ ‬سلمان‭: ‬”على‭ ‬البرهان‭ ‬أن‭ ‬يحمي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬المستفيدين‭ ‬منها‭.‬“

الصراع الدائر بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان وغريمه المدعو حميدتي يعتبر في جوهره صراعاً من أجل السيطرة على الاقتصاد السوداني الذي يكاد يسيطر عليه الجيش بالكامل.

حماية‭ ‬مصالحهم

تقول‭ ‬بعض‭ ‬التقييمات‭ ‬إن‭ ‬تغلغل‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬كان‭ ‬الدافع‭ ‬الأساسي‭ ‬لانقلاب‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2021‭ ‬الذي‭ ‬عطل‭ ‬خطة‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭. ‬وفي‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية،‭ ‬شرعت‭ ‬لجنة‭ ‬تفكيك‭ ‬النظام،‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بلجنة‭ ‬إزالة‭ ‬التمكين،‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬قبضة‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭.‬

ونجحت‭ ‬اللجنة‭ ‬أيام‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬مقدرات‭ ‬الدولة‭ ‬المكتسبة‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬فصادرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬شركة‭ ‬و60‭ ‬مؤسسة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬420‭,‬000‭ ‬هكتار‭ [‬نحو‭ ‬1‭,‬300‭,‬000‭ ‬فدان‭] ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬و2‭,‬000‭ ‬هكتار‭ [‬نحو‭ ‬5‭,‬000‭ ‬فدان‭] ‬من‭ ‬العقارات‭ ‬السكنية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الفنادق‭ ‬والمدارس‭ ‬والمصانع‭ ‬وملعب‭ ‬للغولف‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬الخرطوم‭. ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬بسبب‭ ‬ملكيتها‭ ‬المعقدة‭ ‬عمداً‭.‬

ويقول‭ ‬دي‭ ‬وال‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ديمقراطية‭ ‬السودان‭ ‬غير‭ ‬المكتملة‮»‬‭: ‬”كان‭ ‬تفكيك‭ ‬المنظومة‭ ‬العسكرية‭ ‬التجارية‭ ‬يبرز‭ ‬بهدوء‭ ‬كأولوية‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ [‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬آنذاك‭ ‬عبد‭ ‬الله‭] ‬حمدوك،‭ ‬وكان‭ ‬سيصبح‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬التحرك‭ ‬بقوة‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬الأغلبية‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬السيادي‭.‬“

ووثقت‭ ‬اللجنة‭ ‬شبكات‭ ‬الشركات‭ ‬الفاسدة‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬القيادات‭ ‬العسكرية‭ ‬وشبه‭ ‬العسكرية،‭ ‬وذكر‭ ‬دي‭ ‬وال‭ ‬أنها‭ ‬لما‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬”أثارت‭ ‬غضب‭ ‬كبار‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬باستهداف‭ ‬عصابات‭ ‬تهريب‭ ‬الذهب‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬ضالعين‭ ‬فيها‭.‬“

وحدث‭ ‬انقلاب‭ ‬25‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2021،‭ ‬وأجهض‭ ‬خطة‭ ‬حمدوك،‭ ‬وأعادت‭ ‬الحكومة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأملاك‭ ‬المصادرة‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭ ‬السابقين،‭ ‬وفرضت‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬ضد‭ ‬رغبة‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬وذكر‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬تزايد‭ ‬بشدة‭ ‬عقب‭ ‬الانقلاب‭.‬

ويقول‭ ‬باحثو‭ ‬المركز‭: ‬”كان‭ ‬الفلول‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬البشير‭ ‬والأعضاء‭ ‬العسكريون‭ ‬البارزون‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬المدنيون‭ ‬يعارضون‭ ‬سيطرة‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬وكانوا‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني‭ ‬ستفضي‭ ‬إلى‭ ‬سيطرتهم‭ ‬الدائمة‭.‬“

الإفلات‭ ‬من‭ ‬المساءلة

لقد‭ ‬أظهر‭ ‬انقلاب‭  ‬2021‭ ‬إن‭ ‬فتح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني‭ ‬والتحول‭ ‬الى‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬رغم‭ ‬كونهما‭ ‬مطلبان‭ ‬شعبيان،‭ ‬لكنهما‭ ‬لايصبان‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭. ‬

فيقول‭ ‬باحثو‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الدفاعية‭: ‬”ولحين‭ ‬تفكيك‭ ‬الشبكات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬العميقة،‭ ‬سيظل‭ ‬الجيش‭ ‬يمسك‭ ‬جميع‭ ‬الأوراق،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يحفزه‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭.‬“

وإذ‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يفسدون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لصالحهم،‭ ‬يحافظ‭ ‬البرهان‭ ‬وحميدتي‭ ‬وسائر‭ ‬النخبة‭ ‬السودانية‭ ‬على‭ ‬ثرائهم‭ ‬وراحتهم‭ ‬بينما‭ ‬يعاني‭ ‬أبناء‭ ‬وطنهم‭ ‬الأمرين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قبضتهم‭ ‬الحديدية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني‭ ‬تقيهم‭ ‬المساءلة‭.‬

وتقول‭ ‬سلمان‭ ‬إن‭ ‬البرهان‭ ‬وحميدتي‭ ‬شاركا‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬دارفور‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وتحقق‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬فيما‭ ‬فعلا‭ ‬بسبب‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬جرَّاء‭ ‬حربهما‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬دارفور‭ ‬وحول‭ ‬العاصمة‭. ‬والخاسر‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬سيخسر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إمبراطوريته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬نفسها‭.‬

وتقول‭: ‬”الوضع‭ ‬شديد‭ ‬الخطورة‭ ‬على‭ ‬كليهما؛‭ ‬فلا‭ ‬يرى‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬ما‭ ‬يحفزه‭ ‬على‭ ‬إلقاء‭ ‬السلاح،‭ ‬ويتبعان‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأرض‭ ‬المحروقة‭.‬“‭ 

التعليقات مغلقة.