Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

آفة أمنية

الانقلابات تتضاعف في غرب إفريقيا مع غياب الحكم الرشيد وتزايد هجمات المتطرفين

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي

تعاني بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬الأمرين‭ ‬جرَّاء‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المتطرفين‭ ‬المتسللين‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬جارتها‭ ‬مالي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2021‭ ‬أمسى‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬فاصلة‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭. ‬

ففي‭ ‬صباح‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬اقتحم‭ ‬مسلحون‭ ‬متطرفون‭ ‬إحدى‭ ‬نقاط‭ ‬الشرطة‭ ‬العسكرية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منجم‭ ‬ذهب‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬إيناتا‭ ‬الشمالية‭ ‬الواقعة‭ ‬بمحافظة‭ ‬سوم‭ ‬ببوركينا‭ ‬فاسو‭. ‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬مفاجئة‭ ‬ومأساوية‭ ‬وأحدثت‭ ‬تحولاً‭ ‬جذرياً‭.‬

فقال‭ ‬السيد‭ ‬ماكسيم‭ ‬كوني،‭ ‬وزير‭ ‬الأمن،‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومية،‭ ‬والجثث‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تُعد‭: ‬“تعرَّضت‭ ‬إحدى‭ ‬فصائل‭ ‬الدرك‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬لهجوم‭ ‬خسيس‭ ‬ووحشي،‭ ‬لكنهم‭ ‬احتفظوا‭ ‬بمواقعهم‭.‬”‭ ‬

وتبين‭ ‬أنَّ‭ ‬49‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدرك‭ ‬لقوا‭ ‬مصرعهم‭ ‬مع‭ ‬أربعة‭ ‬مدنيين‭. ‬وأفادت‭ ‬الجزيرة‭ ‬أنَّ‭ ‬الهجوم‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬فحسب‭ ‬من‭ ‬هجوم‭ ‬آخر‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬سبعة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر‭.‬

وفي‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2022،‭ ‬خرجت‭ ‬احتجاجات‭ ‬عنيفة‭ ‬هزَّت‭ ‬العاصمة‭ ‬واغادوغو‭ ‬ومدينة‭ ‬بوبو‭ ‬ديولاسو،‭ ‬أعرب‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬عن‭ ‬انتقادهم‭ ‬للبيئة‭ ‬الأمنية‭ ‬المتدهورة،‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بيوم،‭ ‬سُمع‭ ‬دوي‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬ثكنات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وكتب‭ ‬الجنود‭ ‬المتمركزون‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬سانغولي‭ ‬لاميزانا‭ ‬قائمة‭ ‬بمطالبهم،‭ ‬منادين‭ ‬بزيادة‭ ‬القوات‭ ‬والعتاد‭ ‬لمحاربة‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وتحسين‭ ‬الرعاية‭ ‬المقدمة‭ ‬للجرحى،‭ ‬وتوفير‭ ‬الدعم‭ ‬لأسر‭ ‬الجنود‭ ‬الذين‭ ‬لقوا‭ ‬مصرعهم‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬مطالبات‭ ‬أخرى‭.‬

العقيد المالي مالك دياو، وسط الصورة، كان ثاني اثنين من مدبري الانقلاب اللذين تدرَّبا في روسيا. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

وفي‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬عودة‭ ‬الهدوء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬خرجت‭ ‬جموع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬العاصمة‭ ‬لتأييد‭ ‬الجيش‭. ‬وانضم‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدرك‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الموالين‭ ‬للرئيس‭ ‬روش‭ ‬مارك‭ ‬كابوري‭ ‬إلى‭ ‬المتمردين‭. ‬وهاجمت‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬منزل‭ ‬كابوري،‭ ‬واضطر‭ ‬إلى‭ ‬التنحي‭ ‬في‭ ‬مساء‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭.‬‭ ‬وتولَّى‭ ‬المقدم‭ ‬بول‭ ‬هنري‭ ‬سانداوغو‭ ‬داميبا‭ ‬زمام‭ ‬الحكم‭ ‬بصفته‭ ‬رئيساً‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬للحماية‭ ‬والإصلاح،‭ ‬وهي‭ ‬الهيئة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للطغمة‭ ‬العسكرية‭.‬

لكنه‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬طويلاً،‭ ‬إذ‭ ‬أطاح‭ ‬به‭ ‬النقيب‭ ‬إبراهيم‭ ‬تراوري‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2022‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬الدهشة‭ ‬والاستغراب،‭ ‬أنَّ‭ ‬الانقلاب‭ ‬وقع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتهمت‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬داميبا‭ ‬بالفشل‭ ‬في‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬المستمرة‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭. ‬

تقف‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬مالي‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬فأدت‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬انقلابين‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬انقلاب‭ ‬في‭ ‬النيجر‭ ‬شرقاً‭. ‬والواقع‭ ‬أنَّ‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬ظلت‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬مرتعاً‭ ‬لأعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬العناصر‭ ‬المتطرفة‭. ‬

أفاد‭ ‬مركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2022‭ ‬قائلاً‭: ‬“تكاد‭ ‬تكون‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬قد‭ ‬تضاعفت‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2021‭ (‬من‭ ‬1‭,‬180‭ ‬حادثة‭ ‬إلى‭ ‬2‭,‬005‭ ‬حادثة‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التهديد‭ ‬الأمني‭ ‬المتصاعد‭ ‬بسرعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬أبرز‭ ‬تغيير‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬مسارح‭ ‬العنف‭ ‬بسبب‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بل‭ ‬وحجب‭ ‬تراجع‭ ‬الأنشطة‭ ‬العنيفة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬حوض‭ ‬بحيرة‭ ‬تشاد‭ ‬وشمال‭ ‬موزمبيق‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭.‬”

يعد‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬النتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬لغياب‭ ‬الأمن،‭ ‬والساحل‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬المسلَّم‭ ‬بها‭. ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والانقلابات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬إنما‭ ‬تحدث‭ ‬بسبب‭ ‬قادة‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬للالتزام‭ ‬بالقواعد‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬عليها‭ ‬الدساتير‭ ‬والقوانين‭ ‬الوطنية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غينيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬حين‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬ألفا‭ ‬كوندي‭ ‬تعديل‭ ‬دستور‭ ‬بلاده‭ ‬لتولي‭ ‬الرئاسة‭ ‬لفترة‭ ‬ثالثة‭ ‬بما‭ ‬يخالف‭ ‬نصوص‭ ‬الدستور‭.‬

قال‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬فوكس‮»‬‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2022‭: ‬“مع‭ ‬أنه‭ ‬فاز‭ ‬ابتداءً‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬زعيم‭ ‬غيني‭ ‬يفعلها‭ ‬–‭ ‬فإنَّ‭ ‬إحكام‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬وتفشي‭ ‬الظلم‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة،‭ ‬قد‭ ‬وفر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬التي‭ ‬أرادها‭ ‬الجيش‭ ‬للانقلاب‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭.‬”

تكشف‭ ‬دراسة‭ ‬كثرة‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والساحل‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬مشتركة‭: ‬غياب‭ ‬الحكم‭ ‬الفعال‭ ‬أو‭ ‬القانوني،‭ ‬وتدخل‭ ‬جهات‭ ‬خارجية‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬ومرتزقة‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭.‬

التدخل‭ ‬والحكم‭ ‬غير‭ ‬الرشيد

يرى‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬دان‭ ‬سليمان،‭ ‬الزميل‭ ‬الباحث‭ ‬بجامعة‭ ‬غرب‭ ‬أستراليا،‭ ‬والدكتور‭ ‬حكيم‭ ‬أوناباجو،‭ ‬المحاضر‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬النيل‭ ‬بنيجيريا،‭ ‬أنَّ‭ ‬الانقلابات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬بسبب‭ ‬عوامل‭ ‬‮«‬داخلية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬خارجية‮»‬‭.‬

فيقولان‭: ‬“تشمل‭ ‬الأسباب‭ ‬الداخلية‭ ‬عيوب‭ ‬الحكم‭ ‬وعدم‭ ‬الوفاء‭ ‬بحقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬وشعور‭ ‬المواطنين‭ ‬بالإحباط‭ (‬ومعظمهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭) ‬وتفشي‭ ‬غياب‭ ‬الأمن‭.‬”

وتحدثا‭ ‬عن‭ ‬نمو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬ديمقراطية‭ ‬“سطحية”،‭ ‬تتميَّز‭ ‬بانتخابات‭ ‬دورية‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬“ركائز‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كالمشاركة‭ ‬المستنيرة‭ ‬والفعالة،‭ ‬واحترام‭ ‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬واستقلال‭ ‬القضاء،‭ ‬والحريات‭ ‬المدنية‭.‬”‭ ‬ويقولان‭ ‬في‭ ‬مقالهما‭ ‬المنشور‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬كونفرسيشن‮»‬‭ ‬إنَّ‭ ‬المواطنين‭ ‬يفضلون‭ ‬أحياناً‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭ ‬بدافع‭ ‬الخوف،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يلجأ‭ ‬رؤساء‭ ‬القارة‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬دساتير‭ ‬بلادهم‭ ‬لتمديد‭ ‬فترات‭ ‬حكمهم‭.‬

وذكر‭ ‬سليمان‭ ‬وأوناباجو‭ ‬أنَّ‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬المؤدية‭ ‬للانقلابات‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬“بصمات‭ ‬أجنبية‭.‬”

يشير‭ ‬تقرير‭ ‬أعدَّه‭ ‬الباحث‭ ‬صمويل‭ ‬رماني‭ ‬لمعهد‭ ‬أبحاث‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وبين‭ ‬مدبري‭ ‬الانقلاب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مالي‭. ‬فيقول‭ ‬إنَّ‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬مدبري‭ ‬الانقلاب‭ (‬وهما‭ ‬مالك‭ ‬دياو‭ ‬وساديو‭ ‬كمارا‭) ‬كانا‭ ‬قد‭ ‬عادا‭ ‬من‭ ‬التدريب‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬العسكرية‭ ‬العليا‭ ‬بموسكو‭ ‬قبل‭ ‬انقلاب‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬

ومع‭ ‬أنَّ‭ ‬روسيا‭ ‬نفت‭ ‬ضلوعها‭ ‬في‭ ‬الانقلاب‭ ‬الأول،‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬عليها‭ ‬بالنفع،‭ ‬بل‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬استفادت‭ ‬بالفعل؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الكرملين‭ ‬قد‭ ‬وقَّع‭ ‬اتفاقية‭ ‬تعاون‭ ‬عسكري‭ ‬مع‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭. ‬ويقول‭ ‬رماني‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬عززت‭ ‬الروابط‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬الجيش‭ ‬المالي‭ ‬الذين‭ ‬ساندوا‭ ‬الانقلاب‭. ‬كما‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬سأم‭ ‬المواطنين‭ ‬الماليين‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفرنسية‭ ‬واستعدادهم‭ ‬ليجربوا‭ ‬حظهم‭ ‬مع‭ ‬الروس‭.‬

وكتب‭ ‬رماني‭ ‬قائلاً‭: ‬“في‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بميدان‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬باماكو‭ ‬عقب‭ ‬الانقلاب،‭ ‬شوهد‭ ‬محتجون‭ ‬يلوحون‭ ‬بالأعلام‭ ‬الروسية‭ ‬ويحملون‭ ‬لافتات‭ ‬تشيد‭ ‬بروسيا‭ ‬لتضامنها‭ ‬مع‭ ‬مالي‭.‬”

كما‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬تزرع‭ ‬بذور‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬جارة‭ ‬مالي‭ ‬حين‭ ‬أمسك‭ ‬الجيش‭ ‬بمقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬بها‭. ‬فيقول‭ ‬الدكتور‭ ‬جوزيف‭ ‬سيغل،‭ ‬مدير‭ ‬الأبحاث‭ ‬بمركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬للمعهد‭ ‬الإيطالي‭ ‬للدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬2021،‭ ‬إنَّ‭ ‬روسيا‭ ‬عملت‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬انقلاب‭ ‬2020‭ ‬بمالي‭ ‬على‭ ‬مساندة‭ ‬جهود‭ ‬التضليل‭ ‬التي‭ ‬هدمت‭ ‬سلطة‭ ‬الرئيس‭ ‬إبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬كيتا‭. ‬

رجل يربط الفروع لبناء خيمة في مخيم مبيرا للاجئين بموريتانيا الذي يأوي آلاف الماليين الذين فروا من ديارهم.
وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ويقول‭ ‬سيغل‭: ‬“ساهمت‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المناهضة‭ ‬لكيتا‭ ‬وصارت‭ ‬ذريعة‭ ‬للانقلاب‭.‬”

وذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬قادة‭ ‬الانقلاب‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬خارجي‭ ‬بهم‭ ‬لتعويض‭ ‬افتقارهم‭ ‬للشرعية‭ ‬في‭ ‬أوطانهم‭. ‬فما‭ ‬أن‭ ‬أمسكت‭ ‬الطغمة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬بمقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬حتى‭ ‬سمحت‭ ‬لمرتزقة‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬الروسية‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬مساعدتها‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لموجة‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭. ‬وأكدت‭ ‬عدة‭ ‬روايات‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬فشلت‭ ‬تكتيكياً‭ ‬واستراتيجياً‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬ترهيب‭ ‬الشعب‭ ‬المالي‭.‬

استمرار‭ ‬العنف

كشف‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬2022‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬مايكل‭ ‬شوركين،‭ ‬مدير‭ ‬البرامج‭ ‬العالمية‭ ‬بمؤسسة‭ ‬‮«‬14‭ ‬نورث‭ ‬استراتيجيز‮»‬،‭ ‬أنَّ‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬جرَّاء‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬مختلف‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬ومالي‭ ‬والنيجر‭ ‬الواقعة‭ ‬بالساحل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتضاعف‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬مقارنة‭ ‬بعام‭ ‬2021‭.‬

وكانت‭ ‬الأوضاع‭ ‬أشد‭ ‬وبالاً‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وحدها،‭ ‬إذ‭ ‬كشف‭ ‬تقرير‭ ‬نشره‭ ‬المركز‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2022‭ ‬أنَّ‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬قد‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬المالية‭ ‬باماكو‭ ‬منذ‭ ‬استيلاء‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬وأسفر‭ ‬ذاك‭ ‬التقدم‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬حصيلة‭ ‬القتلى،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المدنيين‭. ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬التقرير‭: ‬“إنَّ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬سفكت‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬دماءهم‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬المدنيين‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬يقارب‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬من‭ ‬سفكت‭ ‬دماءهم‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2021؛‭ ‬وسقط‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬مقارنة‭ ‬بأي‭ ‬عام‭ ‬سابق‭.‬”

وأي‭ ‬ذريعة‭ ‬يتذرع‭ ‬بها‭ ‬مدبرو‭ ‬الانقلابات‭ ‬بأنَّ‭ ‬تدخلهم‭ ‬إنما‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الأمن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬ادعاءات‭ ‬جوفاء،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬ومالي؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬الانقلابات‭ ‬أي‭ ‬بوادر‭ ‬على‭ ‬تحسن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية،‭ ‬بل‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬العكس‭ ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

فيقول‭ ‬شوركين‭: ‬“تسببت‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭… ‬في‭ ‬سحب‭ ‬الانتباه‭ ‬والموارد‭ ‬النفيسة‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬مما‭ ‬سمح‭ ‬للمسلحين‭ ‬باكتساب‭ ‬الزخم‭ ‬والتوسع‭.‬”

‭ ‬واستأسد‭ ‬المتطرفون‭ ‬الماليون‭ ‬منذ‭ ‬وقوع‭ ‬الانقلابين‭ ‬ووصول‭ ‬فاغنر‭. ‬فقد‭ ‬أفاد‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2022‭ ‬أنَّ‭ ‬مسلحي‭ ‬جبهة‭ ‬تحرير‭ ‬ماسينا‭ ‬أطلقوا‭ ‬خلال‭ ‬تقدمهم‭ ‬نحو‭ ‬باماكو‭ ‬صواريخ‭ ‬على‭ ‬مطار‭ ‬موبتي‭ ‬سيفاري،‭ ‬وهو‭ ‬مركز‭ ‬نقل‭ ‬حيوي‭ ‬لعمليات‭ ‬بعثة‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالبلاد‭.‬

لوحة إعلانية عليها صورة ممزقة للرئيس الغيني السابق ألفا كوندي الذي أطاح به انقلاب وقع في أيلول/سبتمبر 2021. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

وقال‭ ‬المجلس‭: ‬“من‭ ‬حيث‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية،‭ ‬تفاقمت‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ربع‭ ‬من‭ ‬الأعوام‭ ‬منذ‭ ‬وقوع‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬مقارنة‭ ‬بأي‭ ‬ربع‭ ‬من‭ ‬الأعوام‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬استيلاء‭ ‬الطغمة‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬الحكم‭.‬”

بل‭ ‬أمست‭ ‬قوات‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجناة‭ ‬الآن،‭ ‬إذ‭ ‬يقدم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬الدعم‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬امتيازات‭ ‬التعدين،‭ ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مالي،‭ ‬ويُتهم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفاغنريين‭ ‬بنهب‭ ‬القرى‭ ‬وإعدام‭ ‬المدنيين‭ ‬بالمئات‭ ‬منذ‭ ‬وصولهم‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬

ويبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬مسؤولي‭ ‬الجيش‭ ‬المالي‭ ‬أنفسهم‭ ‬بدأوا‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬تردي‭ ‬أوضاع‭ ‬البلاد‭. ‬ففي‭ ‬منتصف‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬رسم‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬الحاج‭ ‬آغ‭ ‬جامو‭ ‬صورة‭ ‬كئيبة‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬المدنيين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬دجيبوك‭ ‬الشمالية‭ ‬والمناطق‭ ‬الواقعة‭ ‬بين‭ ‬غاو‭ ‬وتلاتاي‭. ‬

المعهد الفرنسي بواغادوغو تعرَّض للهجوم بعد الانقلاب الثاني في بوركينا فاسو في أقل من عام يوم 30 أيلول/سبتمبر 2022. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ونقلت‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الفرنسية‭ ‬عنه‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬صوتية‭ ‬باللغة‭ ‬التماشقية‭: ‬“لا‭ ‬توجد‭ ‬قوات‭ ‬مسلحة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬كيان‭ ‬لتأمين‭ ‬أهالي‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭.‬”‭ ‬وانتشرت‭ ‬الرسالة‭ ‬على‭ ‬الواتساب‭.‬

وحثَّ‭ ‬المدنيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بتلك‭ ‬المناطق‭ ‬على‭ ‬الفرار‭ ‬والاستقرار‭ ‬“في‭ ‬المدن‭ ‬الكبيرة‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬سلامتهم‭.‬”

“لا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬العدو‭ ‬سيبسط‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬قوات‭ ‬أمن‭ ‬للتصدي‭ ‬له‭.‬”‭ 

التعليقات مغلقة.