دافع عن شيء وإلَّا ستخسر كل شيء

الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو يحدثنا عن سبب معارضته للانقلابات العسكرية وإيمانه بالسلام من خلال الحوار

يُكنَّى أولوسيجون‭ ‬أوباسانجو‭ ‬حباً‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بابا‭ ‬إفريقيا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬مسيرة‭ ‬مهنية‭ ‬حافلة،‭ ‬فكان‭ ‬ضابطاً‭ ‬بالجيش‭ ‬ورجل‭ ‬دولة‭ ‬وصانع‭ ‬سلام‭ ‬ونصيراً‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فقد‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1937‭ ‬جنوب‭ ‬غربي‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وقضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬لواء،‭ ‬وتولَّى‭ ‬رئاسة‭ ‬نيجيريا‭ ‬مرتين؛‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬1976‭ ‬إلى‭ ‬1979،‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬1999‭ ‬إلى‭ ‬2007‭. ‬وبات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬أول‭ ‬حاكم‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬يسلِّم‭ ‬السلطة‭ ‬لحكومة‭ ‬مدنية،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬انتقال‭ ‬سلمي‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬مدنية‭ ‬لأخرى‭. ‬وعمل‭ ‬بعد‭ ‬الرئاسة‭ ‬وسيطاً‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬عدة،‭ ‬وترأس‭ ‬جهود‭ ‬مراقبة‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬القارة،‭ ‬وعُيِّن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬مبعوثاً‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬لمنطقة‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭. ‬وقد‭ ‬تحدَّث‭ ‬سيادته‭ ‬مع‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬من‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬أبيوكوتا‭ ‬بنيجيريا،‭ ‬واضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬الكلمة‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬وهذا‭ ‬التنسيق‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬لما‭ ‬قرَّرت‭ ‬في‭ ‬شبابك‭ ‬خدمة‭ ‬وطنك‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬فرص‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬في‭ ‬أيامي،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬توجد‭ ‬إلَّا‭ ‬جامعة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬حين‭ ‬أتممت‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬فالتحقت‭ ‬بجامعة‭ ‬إبادان،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عندي‭ ‬من‭ ‬يكفل‭ ‬دراستي،‭ ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬الذهاب،‭ ‬ثمَّ‭ ‬أتتني‭ ‬الفرصة‭ ‬لمواصلة‭ ‬دراستي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجيش‭ ‬عندما‭ ‬رأيت‭ ‬إعلاناً‭ ‬لأصبح‭ ‬مرشح‭ ‬ضابط‭. ‬وكانت‭ ‬الضرورة‭ ‬والإثارة‭ ‬وجاذبية‭ ‬الجديد‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؛‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تسميه‭ ‬عائلة‭ ‬عسكرية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬العرف‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬عائلتي‭ ‬هو‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬وأشياء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬وكان‭ ‬لعائلتي‭ ‬باع‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يسبقني‭ ‬أيٌ‭ ‬من‭ ‬أفرادها‭ ‬بالانضمام‭ ‬للجيش،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ساقني‭ ‬للانضمام؛‭ ‬بحكم‭ ‬الفضول‭ ‬والإثارة‭ ‬والضرورة‭.‬

السيد أولوسيجون أوباسانجو، وسط الصورة، يترأس استسلام قوات بيافرا المسلَّحة خلال الحرب الأهلية النيجيرية في عام 1967. أسوشييتد برس

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬أكان‭ ‬هناك‭ ‬حدث‭ ‬فائق‭ ‬الأهمية؟‭ ‬ما‭ ‬أبرز‭ ‬شيء‭ ‬تتذكره؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬ربما‭ ‬سأذكر‭ ‬لك‭ ‬شيئين؛‭ ‬أمَّا‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬تدريبي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الغانية‭ ‬أكرا،‭ ‬فقد‭ ‬التحقت‭ ‬بالجيش‭ ‬قبل‭ ‬استقلال‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وكان‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ ‬كلية‭ ‬تدريب‭ ‬مرشَّحي‭ ‬الضباط‭ ‬لغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬غانا‭. ‬والتقيت‭ ‬هناك‭ ‬بطلبة‭ ‬سيراليونيين،‭ ‬وطلبة‭ ‬غانيين،‭ ‬وطلبة‭ ‬نيجيريين‭ ‬من‭ ‬شتَّى‭ ‬بقاع‭ ‬نيجيريا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬طوائف‭ ‬اليوروبا‭ ‬والإيجبو‭ ‬وأهل‭ ‬الشمال‭ ‬–‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬تجربة‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬الأهمية‭. ‬ثمَّ‭ ‬مضيت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعزيز‭ ‬تدريبي‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬حيث‭ ‬تواجد‭ ‬طلبة‭ ‬أفارقة‭ ‬وطلبة‭ ‬من‭ ‬سائر‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لذلك‭ ‬فوائد‭ ‬جمة‭ ‬ومصيرية‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬حياتي‭.‬

أمَّا‭ ‬الحدث‭ ‬الآخر‭ ‬شديد‭ ‬الأهمية،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬سفري‭ ‬للخدمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عملية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لحفظ‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الكونغو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1960،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬فارقة،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬تعلمتها‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬تدريبي‭ ‬والاحتكاك‭ ‬المبكر‭ ‬بالخدمة‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬كضابط‭ ‬شاب‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬وفي‭ ‬حياتي‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المعارضين‭ ‬للحكم‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وأمسيت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬عسكري‭ ‬لنيجيريا‭ ‬يسلِّم‭ ‬السلطة‭ ‬لحكومة‭ ‬مدنية‭ ‬منتخبة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬ديمقراطية؛‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬جعلك‭ ‬تؤيد‭ ‬الحكم‭ ‬المدني؟

الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر يلتقي باللواء أوباسانجو خلال زيارة رسمية لنيجيريا في عام 1978. إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية الأمريكية

أوباسانجو‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬تأثرت‭ ‬بتدريبي‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الجيش‭ ‬يخضع‭ ‬للسلطة‭ ‬المدنية‭ ‬خلال‭ ‬تدريبي،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬متأصلاً‭ ‬في‭ ‬تدريبي‭ ‬وحياتي‭. ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬تدريبي،‭ ‬ويتعارض‭ ‬مع‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الجيش‭. ‬كما‭ ‬رأيت‭ ‬أنه‭ ‬يتسبَّب‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬الهيكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬للجيش،‭ ‬فالجيش‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬هرمي،‭ ‬وعندما‭ ‬تجد‭ ‬رجلاً‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مرؤوسيك‭ ‬بالأمس‭ ‬يأخذ‭ ‬البندقية‭ ‬الآن‭ ‬ويقصد‭ ‬القصر‭ ‬الرئاسي‭ ‬ويطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬يلقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منهما،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يصبح‭ ‬الرئيس‭ ‬العسكري،‭ ‬فهذا‭ ‬يفسد‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬للجيش،‭ ‬ويسيء‭ ‬للزمالة‭ ‬العسكرية‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬التصرف‭ ‬الأمثل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭: ‬في‭ ‬الثكنات‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬إخراج‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬التدريب‭ ‬المناسب‭ ‬والخصال‭ ‬المهنية‭ ‬المناسبة‭ ‬والتجهيز‭ ‬المناسب‭ ‬للجيش؛‭ ‬فهذا‭ ‬مراده‭:‬‭ ‬الاستعداد‭ ‬للخدمة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬مساندة‭ ‬السلطة‭ ‬المدنية‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬لبثت‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬معارضتك‭ ‬للحكم‭ ‬العسكري‭ ‬لساني‭ ‬أباتشا؛‭ ‬فلما‭ ‬دافعت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وأنت‭ ‬تعلم‭ ‬أنك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الثمن‭ ‬الباهظ؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬تؤمن‭ ‬بشيء،‭ ‬فعليك‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجله‭. ‬فلا‭ ‬يمكنك‭ ‬القول‭ ‬إنك‭ ‬مؤمن‭ ‬بشيء‭ ‬وأنت‭ ‬لست‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لدفع‭ ‬الثمن،‭ ‬فأنا‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بفصل‭ ‬الجيش‭ ‬عن‭ ‬الحكومة،‭ ‬وهكذا‭ ‬تحرَّكت‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬عليَّ‭ ‬التحرك،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬شيء،‭ ‬فلسوف‭ ‬تخسر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬ففي‭ ‬حياة‭ ‬مكرسة‭ ‬للمبادئ،‭ ‬ولمعايير‭ ‬وقواعد‭ ‬معينة،‭ ‬عليك‭ ‬الاستعداد‭ ‬لدفع‭ ‬الثمن‭. ‬وقد‭ ‬يثبت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬أنك‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬ثبت‭ ‬أنك‭ ‬على‭ ‬باطل،‭ ‬فعليك‭ ‬الاستعداد‭ ‬أيضاً‭ ‬لتقبل‭ ‬ذلك‭. ‬ويبدو‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬عند‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحك،‭ ‬ترشَّحت‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬بصفتك‭ ‬المدنية‭ ‬وانتُخبت‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬وجعلت‭ ‬مهنية‭ ‬الجيش‭ ‬إحدى‭ ‬أولوياتك‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاستك،‭ ‬وأجبرت‭ ‬93‭ ‬ضابطاً‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬التقاعد؛‭ ‬فما‭ ‬أهمية‭ ‬ذلك،‭ ‬وما‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬للجيش‭ ‬والدولة؟

اللواء أوباسانجو، رئيس دولة نيجيريا، في لاجوس في عام 1978. أسوشييتد برس

أوباسانجو‭:‬‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬عندنا‭ ‬لعبة‭ ‬الكراسي‭ ‬بانقلاب‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬المدنيين،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يعود‭ ‬المدنيون،‭ ‬وينقلب‭ ‬الجيش‭ ‬عليهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭. ‬وكان‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬المواطنين‭ ‬يقول‭: ‬“انظر،‭ ‬ماذا‭ ‬عسانا‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬من‭ ‬الانقلابات؟”‭ ‬وقال‭ ‬البعض‭: ‬“يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬فقرة‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الانقلاب‭ ‬خيانة‭.‬”‭ ‬والمشكلة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بالانقلابات‭ ‬يعرفون‭ ‬أنها‭ ‬خيانة،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬لا‭ ‬يتركون‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬للصدفة‭. ‬وكنت‭ ‬أرى‭ ‬ضرورة‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الانقلابات،‭ ‬بالحرص‭ ‬–‭ ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬طول‭ ‬الوقت‭ ‬اللازم‭ ‬لذلك‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حرمان‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬المستفيدين‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الفوائد‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬عليهم،‭ ‬وهكذا‭ ‬تهوِّن‭ ‬عليهم‭ ‬عدم‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬الانقلابات‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬أحيل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضباط‭ ‬للتقاعد،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬تصرفهم،‭ ‬لأننا‭ ‬قمنا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بإعادة‭ ‬بعضهم‭ ‬للجيش،‭ ‬وتعيين‭ ‬بعضهم‭ ‬سفراءً،‭ ‬بل‭ ‬دعونا‭ ‬بعضهم‭ ‬للانضمام‭ ‬لأحزاب‭ ‬سياسية،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬وأصبح‭ ‬بعضهم‭ ‬حكاماً‭ ‬منتخبين‭ ‬ديمقراطياً‭ [‬للولايات‭]‬،‭ ‬لكننا‭ ‬استهجنا‭ ‬الانقلاب،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬مستهجناً‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬والفكرة‭ ‬مفادها‭ ‬أنك‭ ‬حين‭ ‬تصبح‭ ‬رجل‭ ‬جيش‭ ‬محترف،‭ ‬فعليك‭ ‬الالتزام‭ ‬بتلك‭ ‬المهنية‭ ‬والاحترافية،‭ ‬وهب‭ ‬حياتك‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنك‭ ‬وشعبك‭ ‬وخدمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬وإذا‭ ‬اخترت‭ ‬تغيير‭ ‬مهنتك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬فهذه‭ ‬حريتك،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬الجيش‭ ‬والبندقية‭ ‬الممنوحة‭ ‬لك‭ ‬لحماية‭ ‬وطنك‭ ‬لتدميره،‭ ‬فلا‭ ‬تتولَّ‭ ‬حكم‭ ‬وطنك‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬السلاح‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬كيف‭ ‬حاولت‭ ‬ترسيخ‭ ‬المهنية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاستك؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬بسبب‭ ‬خلفيتي‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬الثكنات‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬رتبة‭ ‬ملازم‭ ‬ثانٍ‭ ‬وحتى‭ ‬رتبة‭ ‬لواء،‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬ضابط‭ ‬الجيش؛‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التدريب،‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التجهيز،‭ ‬ويريد‭ ‬مسكناً‭ ‬كريماً‭. ‬فقد‭ ‬توسَّع‭ ‬الجيش‭ ‬النيجيري‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬حين‭ ‬اندلعت‭ ‬حربنا‭ ‬الأهلية‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬12‭,‬000‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون،‭ ‬وكانت‭ ‬الإقامة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المشكلات،‭ ‬ولذلك‭ ‬أوليتها‭ ‬اهتمامي‭ ‬الشخصي،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬اشترينا‭ ‬مواداً‭ ‬مصنَّعة‭ ‬حتى‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬ثكنات؛‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭. ‬وكان‭ ‬التدريب‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى،‭ ‬فأولينا‭ ‬اهتماماً‭ ‬للتدريب‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬وخارجها،‭ ‬وأنشأنا‭ ‬أول‭ ‬كلية‭ ‬للأركان،‭ ‬بل‭ ‬واصلنا‭ ‬العمل‭ ‬بإنشاء‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية،‭ ‬ذي‭ ‬الطابع‭ ‬العسكري‭ ‬والمدني‭. ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالمهنية،‭ ‬وكان‭ ‬الجانب‭ ‬المالي‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬راعيناها؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بوسع‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬خدمتي‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬لشراء‭ ‬سيارة،‭ ‬فأعدت‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يستطيع‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬شراء‭ ‬سياراتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬وسداد‭ ‬القرض‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬فترة‭ ‬تتجاوز‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭. ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬منحهم‭ ‬الأساسيات‭ ‬العادية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوفرة‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬بداياتي‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬لكنها‭ ‬أخذت‭ ‬تختفي‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬مشاركة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬وتفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬لدرجة‭ ‬كادت‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬واقتضت‭ ‬الضرورة‭ ‬القيام‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬لرفاهية‭ ‬وسعادة‭ ‬ضباط‭ ‬ورجال‭ ‬الجيش‭ ‬حتى‭ ‬يفتخروا‭ ‬بانتمائهم‭ ‬للقوات‭ ‬المسلَّحة‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭:‬‭ ‬لديك‭ ‬تاريخ‭ ‬حافل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الوساطة‭ ‬بفضل‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬نهضت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أنجولا‭ ‬وبوروندي‭ ‬وتشاد‭ ‬والكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وموزمبيق‭ ‬وناميبيا‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وعُيِّنت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬مبعوثاً‭ ‬خاصاً‭ ‬للأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمنطقة‭ ‬البحيرات‭ ‬العظمى؛‭ ‬فما‭ ‬المهارات‭ ‬والرؤى‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الاستعانة‭ ‬بها‭ ‬للوساطة‭ ‬في‭ ‬الصراعات؟

الرئيس النيجيري المنتهية ولايته أوباسانجو يدلي بصوته في مركز اقتراع في مسقط رأسه أبيوكوتا في عام 2007؛ كانت تلك الانتخابات أول انتقال للسلطة من رئيس مدني لآخر. رويترز

أوباسانجو‭:‬‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬تنشئتي‭ ‬أيما‭ ‬استفادة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الوساطة؛‭ ‬فقد‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬تعتبر‭ ‬الوساطة‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬وتجربتنا‭ ‬المعيشية،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أنه‭ ‬حيثما‭ ‬كان‭ ‬الناس،‭ ‬كانت‭ ‬الوساطة‭ ‬والتصالح‭ ‬والتراضي‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭. ‬وعلى‭ ‬الوسيط‭ ‬الإنصات‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭ ‬والتحلِّي‭ ‬بحياد‭ ‬تام،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬التجرد‭ ‬من‭ ‬العاطفة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬عليك‭ ‬كبح‭ ‬عواطفك،‭ ‬وعليك‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬تحاول‭ ‬التوسط‭ ‬فيها؛‭ ‬ما‭ ‬تاريخها؟‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬عليك‭ ‬معرفة‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬الذي‭ ‬سيقبله‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الجانبين،‭ ‬لأنك‭ ‬ستجد‭ ‬فجوة‭ ‬بينهما،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وظيفتك‭ ‬هي‭ ‬تقليص‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬تدريجياً؛‭ ‬فإذا‭ ‬قال‭ ‬أحدهما‭: ‬“سأرضى‭ ‬بخمس”‭ ‬والآخر‭ ‬يطلب‭ ‬10،‭ ‬فكيف‭ ‬تجعل‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬“خمس”‭ ‬فقط‭ ‬يقبل‭ ‬بست،‭ ‬وتجعل‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬“10”‭ ‬يقبل‭ ‬بتسع؟‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التضييق‭. ‬ونعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬الوسيط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلَّى‭ ‬بالصبر،‭ ‬فلا‭ ‬تنزعج‭ ‬قط‭ ‬ممَّا‭ ‬يحدث‭ ‬مهماً‭ ‬كان،‭ ‬وسيهاجمك‭ ‬الناس،‭ ‬ولكن‭ ‬عليك‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحق،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬ألَّا‭ ‬يرضى‭ ‬الناس‭ ‬بسماع‭ ‬الحق،‭ ‬إذ‭ ‬يريد‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتصار،‭ ‬وسينجح‭ ‬الوسيط‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬إشعار‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بالانتصار‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬هل‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬مسيرتك‭ ‬العسكرية؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬تتعلَّم‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬أنه‭ ‬يكاد‭ ‬يوجد‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬أو‭ ‬صراع‭ ‬مفاوضات‭ ‬ووساطة‭ ‬ومناقشات‭ ‬ومصالحة‭. ‬وقد‭ ‬خضنا‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬حرباً‭ ‬أهلية‭ ‬دمَّرنا‭ ‬فيها‭ ‬أطول‭ ‬جسر‭ ‬لدينا،‭ ‬ومصفاة‭ ‬النَّفط‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لدينا،‭ ‬وأسقطنا‭ ‬قتلى‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين؛‭ ‬فكانت‭ ‬حرباً‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬خوضها‭ ‬قط،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬المصالحة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭. ‬وتتطلب‭ ‬الوساطة‭ ‬مهارة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الخبرة؛‭ ‬مهارة‭ ‬تستقيها‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعب،‭ ‬ونقول‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬إنَّ‭ ‬الوسيط‭ ‬لا‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬الأذى،‭ ‬وعلى‭ ‬الوسيط‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭. ‬وتوجد‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬بالطبع،‭ ‬أشياء‭ ‬معينة‭ ‬تتعلمها؛‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬كيف‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬أسرى‭ ‬الحرب؟‭ ‬وهذه‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬صرت‭ ‬أراها‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬كذلك؛‭ ‬فينبغي‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بوجود‭ ‬شيء‭ ‬لها‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬وجود‭ ‬منتصر‭ ‬ولا‭ ‬مهزوم‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬منذ‭ ‬تركت‭ ‬منصبك‭ ‬ومراقبة‭ ‬الانتخابات‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تلعبها‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬القارة،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا؛‭ ‬فَلِمَ‭ ‬تشغل‭ ‬مراقبة‭ ‬الانتخابات‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬عندك؟

رجال القوات المسلَّحة يسيرون خلال الاحتفال بعيد الديمقراطية في نيجيريا في أبوجا يوم 12 حزيران/يونيو 2019؛ يحتفل هذا اليوم بالذكرى السنوية لأول انتخابات حرة في نيجيريا. وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي

أوباسانجو‭:‬‭ ‬تعطي‭ ‬مراقبة‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬للمعارضة،‭ ‬شعوراً‭ ‬بأنَّ‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬ستسير‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬وتقول‭ ‬إنَّ‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬لن‭ ‬يدهس‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬فهي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬والمصداقية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬

لا‭ ‬توجد‭ ‬بالطبع‭ ‬انتخابات‭ ‬يمكنك‭ ‬اعتبارها‭ ‬تحوز‭ ‬كافة‭ ‬أركان‭ ‬المثالية،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬بعثات‭ ‬المراقبين‭ ‬أو‭ ‬مدى‭ ‬دقتها،‭ ‬فستظل‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬لن‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬رؤيتها،‭ ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬شعور‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬بتواجد‭ ‬بعثات‭ ‬المراقبين،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬ساءت‭ ‬الأمور،‭ ‬فإنهم‭ ‬سيلفتون‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭. ‬وقد‭ ‬اعتدت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬للبلدان‭ ‬التي‭ ‬أذهب‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬بعثات‭ ‬مراقبة‭ ‬الانتخابات‭: ‬“إننا‭ ‬مراقبون،‭ ‬ولسنا‭ ‬تدخليين؛‭ ‬سنبلغ‭ ‬عما‭ ‬رأيناه،‭ ‬لكننا‭ ‬لسنا‭ ‬قضاة‭.‬”‭ ‬كما‭ ‬نقترح‭ ‬ونقدم‭ ‬توصيات‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تحسين‭ ‬الوضع،‭ ‬ونجح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬وكنت‭ ‬أتساءل‭: ‬“ما‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬الانتخابات؟”‭ ‬فاتصل‭ ‬بي‭ ‬السفير‭ ‬موسى‭ ‬فقي،‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وقلت‭: ‬“أنا‭ ‬متردد‭.‬”‭ ‬فقال‭: ‬“ما‭ ‬الغرض‭ ‬الذي‭ ‬تريده‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا؟”‭ ‬فقلت‭: ‬“أريدها‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬التفاوض،‭ ‬وأن‭ ‬تفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬النقاش‭ ‬بين‭ ‬أهالي‭ ‬تيغراي‭ ‬والحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬وبين‭ ‬مختلف‭ ‬طوائف‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا‭.‬”‭ ‬فقال‭ ‬السفير‭ ‬فقي‭: ‬“حسناً،‭ ‬جدير‭ ‬بك‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية،‭ ‬فإذا‭ ‬تواجدت‭ ‬هناك،‭ ‬فقد‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تشجيعهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬”‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬ذهبت،‭ ‬وقد‭ ‬أصاب‭ ‬فيما‭ ‬قال‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر؛‭ ‬فمع‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬حيثما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬الجميع‭ ‬باتوا‭ ‬مستعدين‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬للتحدث‭ ‬بعد‭ ‬الانتخابات‭. ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬بعثة‭ ‬مراقبي‭ ‬الانتخابات‭ ‬جميع‭ ‬المشكلات،‭ ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬الاستعانة‭ ‬بها‭ ‬حيثما‭ ‬تفيد‭.‬

منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬مع‭ ‬خروج‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد19-‭)‬؛‭ ‬فما‭ ‬أعظم‭ ‬أمل‭ ‬يراودك‭ ‬لهذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن‭ ‬والقيادات‭ ‬المدنية؟‭ ‬كيف‭ ‬ينبغي‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬ينتهزوا‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة؟‭ ‬فهل‭ ‬تسدي‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬نصائح؟

أوباسانجو‭:‬‭ ‬ثمة‭ ‬عدة‭ ‬أشياء‭ ‬أمامنا،‭ ‬وثمة‭ ‬أدوات‭ ‬لإرشادنا؛‭ ‬فلدينا‭ ‬رؤية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإفريقيا‭ ‬2030،‭ ‬ولدينا‭ ‬أجندة‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬نريدها‭ ‬2063‭. ‬ولدينا‭ ‬التحديات‭ ‬الموجودة‭ ‬أمامنا‭ ‬جميعاً؛‭ ‬فلدينا‭ ‬تحدي‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬والتحديات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والإرهاب‭ ‬المحلي،‭ ‬والإرهاب‭ ‬الدولي،‭ ‬وسوء‭ ‬إدارة‭ ‬اقتصاداتنا،‭ ‬وسوء‭ ‬الحكم،‭ ‬ولدينا‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬ما‭ ‬نصيحتي؟‭ ‬مع‭ ‬أنَّ‭ ‬الأوضاع‭ ‬لا‭ ‬تبشر‭ ‬بخير،‭ ‬فإذا‭ ‬وحَّدنا‭ ‬صفنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي‭ ‬والقاري،‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬سنسبح‭ ‬معاً‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬كلٌ‭ ‬منا‭ ‬بمفرده،‭ ‬وما‭ ‬نحتاجه‭ ‬لا‭ ‬يفوق‭ ‬إمكانياتنا،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أنَّ‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬لن‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬بل‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكافح،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬العالم‭ ‬يعرف‭ ‬أننا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬ولن‭ ‬ننفك‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬حتى‭ ‬نبلغ‭ ‬مرادنا،‭ ‬ويمكننا‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬معاً‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬معاً‭ ‬داخل‭ ‬أوطاننا،‭ ‬وداخل‭ ‬القارة‭. ‬فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬شراكة‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتكامل‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالأخص،‭ ‬وشراكة‭ ‬بين‭ ‬إفريقيا‭ ‬وسائر‭ ‬العالم‭. ‬وعلى‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭: ‬“أنتم‭ ‬قادة‭ ‬الغد‭.‬”‭ ‬بل‭ ‬أقول‭ ‬لهم‭: ‬“قيادتكم‭ ‬تبدأ‭ ‬اليوم‭.‬”‭ ‬وإلَّا‭ ‬سيدمِّر‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬غدهم،‭ ‬فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬لكيلا‭ ‬يُدمَّر‭ ‬غدهم‭.  

التعليقات مغلقة.