أسرة ايه دي اف
لوحة فنية من تصميم أنطوني أزيكوه
منذ ما يقرب من 500 عام، كان هنالك رجل يُقال له «ياسوكي» يخطف أنظار الناس أينما ذهب في اليابان، وكان أول رجل أجنبي المولد يصبح من محاربي الساموراي، وهم نخبة المحاربين اليابانيين.
كما كان الرجل الأسود الأول، والوحيد، الذي يراه السواد الأعظم من اليابانيين في حياتهم، ووصفه أحد زملائه من المحاربين الساموراي آنذاك بأنه كان طويل القامة بشكل يسترعي النظر“وكان جلده كالفحم.” ويظن المؤرخون أنه كان يبلغ طوله 1.88 متراً، وكان يفوق بذلك الرجال اليابانيين طولاً، إذ كان متوسط طولهم يبلغ 1.6 متراً في ذلك الوقت.
ولا يعرف أحد اسمه الحقيقي، أمَّا ياسكي فهو اسمه الياباني الذي سُمَّي به.
وصل ياسوكي إلى اليابان عام 1579، ويعتقد المؤرخون أنه كان من أبناء موزمبيق أيام الاستعمار البرتغالي لها، في حين يقول آخرون إنه ربما جاء من إثيوبيا أو نيجيريا، ويصر نفر من المؤرخين على أنه كان من العبيد، في حين يقول نفر آخر منهم إنه ما كان ليرتقي في مدارج المحاربين الساموراي بهذه السرعة دون أن يكون محارباً.
وربما كان أول رجل أسود يطأ اليابان بقدميه، وكان يجوب البلاد برفقة أحد اليسوعيين الإيطاليين ولفت انتباه أمير الحرب أودا نوبوناغا الذي كان يحاول توحيد البلاد ويصبح الشوغون، أو الحاكم العسكري الأوحد للبلاد.
ويُقال إنَّ ياسوكي زار الهند كذلك قبل وصوله إلى اليابان، الأمر الذي كان ليثير اهتمام نوبوناغا، ولاحظ أحد المؤرخين أنَّ نوبوناغا كان ليقدر كذلك أنَّ ياسكي لم يكن لديه أجندة دينية على النقيض من اليسوعيين، ويكاد نوبوناغا يكون قد أجزل له العطاء فور مقابلته.
تتفق الروايات كافة على أنَّ ياسكي كان يتمتع بذكاء حاد، وسرعان ما أتقن التحدث باللغة اليابانية، وما كان ليرتقي في المجتمع الياباني من دونها، ووصل إلى أعلى مدارج الساموراي في غضون نحو عام – وهو إنجاز غير عادي تحت أي ظرف من الظروف.
كانت توجد قواسم مشتركة بين ياسوكي ونوبوناغا، إذ سعى كلاهما إلى مرافقة الأسوياء والأذكياء، ويقول المخرج فلويد ويب إنَّ نوبوناغا كان يعشق فن «النو»، وهو شكل من أشكال المسرح الموسيقي الكلاسيكي، في حين أنَّ ياسوكي كان يحب الرقص وإلقاء «اليوتنزي»، وهو نوع من الشعر السردي السواحلي الذي يتغنَّى بالأعمال البطولية.
وقرر نوبوناغا أن يجعل ياسوكي حامل سلاحه، وهي وظيفة معقدة تجمع بين كونه كبير مساعديه، ومستشار من أهل الثقة، ومؤتمن على أسرار الدولة.
لم يلبث ياسوكي في رحاب محاربي الساموراي طويلاً، إذ بحلول عام 1582، أي بعد عامين فحسب منذ أن أصبح ياسوكي محارباً يابانياً، أصبح نوبوناغا أقوى أمراء الحرب في اليابان، ونجح خلال سعيه لتوحيد البلاد تحت حكمه في القضاء على عشيرة «تاكيدا» المناوئة له في وقت سابق من ذلك العام في معركة «تنموكوزان»، وتمكن بذلك من السيطرة على وسط اليابان. وكان المناوئون الوحيدون المتبقون أمام نوبوناغا هم عشائر «موري» و«أوسوجي» و«هوجو»، وكانت كل منها تعاني من مشكلات داخلية خاصة بها.
وتوجَّه في حزيران/يونيو 1582 إلى قتال عشيرة «موري»، وأمر بتقسيم جيشه وسار مع ياسوكي و29 مقاتلاً ممَّن يثق بهم، وعندما كان هؤلاء الرجال الـ 31 يستريحون في معبد هونوجي، قام 13,000 مقاتل تحت إمرة أكيشي ميتسوهيدي، أحد قادة نوبوناغا الذين كان يثق بهم، بنصب كمين لهم وأغاروا عليهم.
واشتعلت النيران في أروقة المعبد، وتملَّك اليأس من نوبوناغا حتى قام بتنفيذ طقس انتحاري يُعرف باسم «السيبوكو»
ويُقال إنَّ ياسوكي كان الوحيد الذي نجى من هذا الكمين، ثمَّ وقع في الأسر بعد ذلك وأُجبر على الوقوف بين يدي ميتسوهيدي، فوصفه ميتسوهيدي بأنه “حيوان” ولم يأمر بقلته، وإنما أمر برده إلى اليسوعيين، وربما يكون قد أمضى ما تبقى من سنيْ عمره في مهمة في كيوتو، ولكن لا علم لأحد بذلك.
وما يزال الناس يروون قصة ياسوكي، لا سيما في اليابان، حيث يتذكره الناس خير ذكرى بكتاب للأطفال نال جوائز قيمة، وتحدثت عنه أفلام وثائقية، وكتب كثيرة، بل ظهر في القصص المصوَّرة وألعاب الفيديو.