Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

الاستثمار في الابتكار

إفريقيا توشك بفضل التخطيط الاستراتيجي على إطلاق العنان لطاقاتها العلمية

المهندس‭ ‬إدوارد‭ ‬دوريل،‭ ‬استشاري‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬بالقيادة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لقارة‭ ‬إفريقيا

منالمتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أنَّ‭ ‬الابتكارات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬ثمرة‭ ‬التخطيط‭ ‬والدعم‭ ‬المتواصل،‭ ‬ويوجد‭ ‬لدى‭ ‬25‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬استراتيجيات‭ ‬خاصة‭ ‬بمجالات‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والابتكار،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الإفريقية‭ ‬للعلوم‭ ‬نوَّهت‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قطاعي‭ ‬الأعمال‭ ‬والصناعة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬“الأهداف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبيئية‭ ‬ليست‭ ‬مدمجة‭ ‬إدماجاً‭ ‬وافياً‭.‬”‭ ‬

وكشف‭ ‬تقرير‭ ‬لتطبيقات‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والابتكار‭ ‬أنَّ‭ ‬مواطن‭ ‬القوى‭ ‬البحثية‭ ‬للقارة‭ ‬السمراء‭ ‬تنصب‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬وطب‭ ‬المناطق‭ ‬الحارة‭ ‬والأمراض‭ ‬المعدية،‭ ‬ويمكن‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬البحث‭ ‬والاستثمار‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الإمكانيات‭ ‬البحثية‭ ‬الهائلة‭ ‬لإفريقيا‭. ‬

فالقارة‭ ‬تحتفي‭ ‬بما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬بشرية‭ ‬تاريخية‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أعمار‭ ‬نحو‭ %‬60‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬25‭ ‬عاماً،‭ ‬ويفيد‭ ‬استبيان‭ ‬الشباب‭ ‬الإفريقي‭ ‬لعام‭ ‬2020‭ ‬بأنَّ‭ %‬78‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬القارة‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتحرص‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬العملاقة‭ ‬أمثال‭ ‬‮«‬ميكروسوفت‮»‬‭ ‬و«جوجل‮»‬‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواهب‭ ‬الشابة،‭ ‬وضخت‭ ‬كلتا‭ ‬الشركتين‭ ‬استثمارات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬ومن‭ ‬ثمَّ‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬التأني‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬بيئة‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤتي‭ ‬الاستثمار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬أفضل‭ ‬ثماره‭ ‬فيها‭. ‬

تمويل‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير

تعتبر‭ ‬دراسة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬سبل‭ ‬قياس‭ ‬درجة‭ ‬استعداد‭ ‬الدولة‭ ‬لتخصيص‭ ‬موارد‭ ‬لدعم‭ ‬مشروعات‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬رقمية‭ ‬تحتسب‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬نسبة‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬هدفاً‭ ‬بتخصيص‭ ‬نسبة‭ %‬1‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬للدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ %‬2.7‭. ‬وتنشر‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلوم‭ ‬والثقافة‭ (‬اليونسكو‭) ‬تقريراً‭ ‬سنوياً‭ ‬مستفيضاً‭ ‬يتناول‭ ‬قضايا‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والابتكار‭ ‬والحوكمة،‭ ‬ويزخر‭ ‬التقرير‭ ‬بإحصائيات‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬إحصائية‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭. ‬

لا‭ ‬تتوفر‭ ‬البيانات‭ ‬لسائر‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ولكن‭ ‬يظهر‭ ‬الجدول‭ ‬الأول‭ ‬أعلى‭ ‬15‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بتقاريرها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير؛‭ ‬وعندما‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الجدول‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المجتمعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإقليمية،‭ ‬نجد‭ ‬أنَّ‭ ‬أفضل‭ ‬مستوى‭ ‬لإجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الخمس‭ ‬دول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬ثلاثة‭ ‬منها‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬10‭ ‬دول‭: ‬وهي‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬وتونس‭.‬

ويعتبر‭ ‬الإنفاق‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الإنجازات‭ ‬التكنولوجية؟‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬القابلة‭ ‬لقياس‭ ‬مستوى‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬ضمن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الابتكار،‭ ‬وإذا‭ ‬عقدنا‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أنَّ‭ ‬عدد‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬لكل‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬129‭ ‬براءة‭ ‬اختراع‭. ‬ويظهر‭ ‬الجدول‭ ‬الثاني‭ ‬عدد‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬للمقيمين‭ ‬لكل‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭. ‬ولا‭ ‬تتوفر‭ ‬البيانات‭ ‬لسائر‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وتستعين‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬بالمنظمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬للملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬لتقديم‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬بيانات‭ ‬الطلبات‭ ‬بها‭ ‬بحسب‭ ‬كل‭ ‬دولة‭. ‬ونرى‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬تقدم‭ ‬الخمس‭ ‬دول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬ثلاثة‭ ‬منها‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬ثماني‭ ‬دول‭: ‬وهي‭ ‬تونس‭ ‬والمغرب‭ ‬والجزائر‭.‬

وتحرز‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬تقدماً‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتعدادها‭ ‬مع‭ ‬أنَّ‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬ثلث‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬إنفاقاً،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬الرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬وغانا‭ ‬ومدغشقر‭ ‬وموريشيوس‭ ‬وناميبيا‭ ‬وتنزانيا‭. ‬وتظهر‭ ‬دراسات‭ ‬أخرى‭ ‬أنَّ‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬تخصص‭ ‬نسبة‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬للتعليم‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬يتجاوز‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ %‬4‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي؛‭ ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬المدهشة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مدغشقر‭ ‬وناميبيا‭ ‬وتنزانيا،‭ ‬إذ‭ ‬ينخفض‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬والتعليم‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬لكنها‭ ‬تظهر‭ ‬نتائج‭ ‬طيبة‭ ‬في‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭.‬

ويمكننا‭ ‬ملاحظة‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬الجدول‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭ ‬أنَّ‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث‭ ‬والتطوير‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬زيادة‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬الجديرة‭ ‬بالاحترام،‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬نصف‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تفوقت‭ ‬في‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬خصصت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ %‬5‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬و‭%‬0.5‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير،‭ ‬وخصص‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬نسبة‭ %‬4‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬وأقل‭ ‬من‭ %‬0.4‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير،‭ ‬بحيث‭ ‬تقل‭ ‬طلبات‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬كلما‭ ‬قلَّ‭ ‬هذا‭ ‬الإنفاق‭. ‬وهذا‭ ‬يؤيد‭ ‬الإيمان‭ ‬الراسخ‭ ‬بأنَّ‭ ‬الابتكار‭ ‬ثمرة‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث‭ ‬والتطوير‭.‬

تعتبر‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬والملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬البيئة‭ ‬الخصبة‭ ‬التي‭ ‬تعين‭ ‬على‭ ‬الابتكار،‭ ‬فهي‭ ‬تحمي‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬والقواعد‭ ‬التنظيمية‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬المستويات‭. ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬تقرير‭ ‬تطبيق‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والابتكار‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬عدم‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬المنظمة‭ ‬الإفريقية‭ ‬للملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬النشاط‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إدارة‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬ونقل‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ويجب‭ ‬ألَّا‭ ‬يفوتنا‭ ‬أنَّ‭ ‬مكافأة‭ ‬المبتكرين‭ ‬وتكريمهم‭ ‬اليوم‭ ‬يمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لاكتشافات‭ ‬الغد‭. ‬

النقاط‭ ‬المضيئة

تكثر‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬التفاؤل‭ ‬حيال‭ ‬مستقبل‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬مبادرة‭ ‬أينشتاين‭ ‬القادم‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬المعهد‭ ‬الإفريقي‭ ‬لعلوم‭ ‬الرياضيات‭ ‬بكيب‭ ‬تاون،‭ ‬وقد‭ ‬تأسس‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬تمنح‭ ‬درجة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬الرياضيات،‭ ‬وله‭ ‬مراكز‭ ‬في‭ ‬ستة‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقية‭. ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬مبادرة‭ ‬أينشتاين‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬‮«‬تيد‮»‬‭ ‬العالمي‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬عندما‭ ‬تحدث‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقي‭ ‬الدكتور‭ ‬نيل‭ ‬توروك‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أينشتاين‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتعقد‭ ‬المبادرة‭ ‬فعالية‭ ‬كل‭ ‬عامين،‭ ‬وهي‭ ‬التجمع‭ ‬العالمي‭ ‬لمنتدى‭ ‬أينشتاين‭ ‬القادم،‭ ‬لتعظيم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬للتطور‭ ‬الإنساني‭. ‬ويتمثل‭ ‬الباعث‭ ‬وراء‭ ‬الفعالية‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬بأنَّ‭ ‬إسهامات‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العلمي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬لإحراز‭ ‬التقدم‭ ‬العالمي،‭ ‬ويتم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تجمع‭ ‬عالمي‭ ‬اختيار‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬“تحدي‭ ‬الاختراع‭ ‬والابتكار”؛‭ ‬ويُعرف‭ ‬المرشحون‭ ‬النهائيون‭ ‬باسم‭ ‬“رواد‭ ‬العلم‭.‬”‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬الاختراعات‭ ‬الحديثة‭ ‬منصة‭ ‬تحليل‭ ‬بيانات‭ ‬من‭ ‬رواندا‭ ‬تستخدم‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬موفرة‭ ‬للطاقة‭ ‬لتحديد‭ ‬أفضل‭ ‬مستويات‭ ‬التخمر‭ ‬لصناعة‭ ‬الشاي‭. ‬وهنالك‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬لاختراع‭ ‬من‭ ‬تصميم‭ ‬وتصنيع‭ ‬مبتكر‭ ‬نيجيري‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬تبريد‭ ‬محمول‭ ‬ويمكن‭ ‬تعقبه‭ ‬وقابل‭ ‬للشحن‭ ‬يمكِّن‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬تخزين‭ ‬السلع‭ ‬الحساسة‭ ‬للحرارة‭ ‬ونقلها،‭ ‬ويمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الصندوق‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬التبريد‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الإمداد‭ ‬والتموين‭ ‬الباردة‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬للمنتجات‭ ‬الحساسة‭ ‬للحرارة‭ ‬مثل‭ ‬الأدوية‭ ‬واللقاحات‭.‬

علماء الأحياء الجزيئية بمركز التميز الإفريقي لأبحاث جينوم الأمراض المعدية يحللون فيروس كورونا عينات في مدينة إيدي بنيجيريا وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي

وتخرج‭ ‬الابتكارات‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬بفضل‭ ‬المبادرات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مجلس‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬والصناعية‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إذ‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬بهدف‭ ‬الارتقاء‭ ‬بقدرة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬ويعتبر‭ ‬المركز‭ ‬أكبر‭ ‬مؤسسة‭ ‬بحثية‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ويعمل‭ ‬به‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭,‬000‭ ‬شخص‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬غالبية‭ ‬تمويله‭ ‬من‭ ‬ريع‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬وبعض‭ ‬الآليات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬المركز‭. ‬

ومن‭ ‬الاكتشافات‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬بفضل‭ ‬مجلس‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬والصناعية‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬بعض‭ ‬مكونات‭ ‬بطاريات‭ ‬الليثيوم،‭ ‬والمحاصيل‭ ‬المهندسة‭ ‬وراثياً‭ ‬لتحمل‭ ‬الظروف‭ ‬القاسية،‭ ‬وأبحاث‭ ‬الخلايا‭ ‬الكهروضوئية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وإنجازات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬النانو،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنَّ‭ ‬المجلس‭ ‬يعتبر‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دولياً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أبحاث‭ ‬الإيدز‭ ‬والسل‭. ‬

التطلع‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء

أصدر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬وثيقتين‭ ‬مهمتين‭ ‬تتعلقان‭ ‬بأبحاث‭ ‬الفضاء؛‭ ‬وهما‭ ‬سياسة‭ ‬الفضاء‭ ‬الإفريقية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬الفضاء‭ ‬الإفريقية‭. ‬أمَّا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬فترتكز‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭: ‬رصد‭ ‬الأرض،‭ ‬الملاحة‭ ‬وتحديد‭ ‬المواقع،‭ ‬والاتصالات‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬وعلوم‭ ‬الفضاء‭ ‬والفلك‭. ‬وقد‭ ‬أطلقت‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬أقماراً‭ ‬صناعية‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬قبل‭ ‬نشر‭ ‬هاتين‭ ‬الوثيقتين‭ ‬بفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬أنَّ‭ ‬لدى‭ ‬10‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقية‭ ‬أقماراً‭ ‬صناعية؛‭ ‬وهي‭ ‬الجزائر‭ ‬وأنجولا‭ ‬ومصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬وغانا‭ ‬وكينيا‭ ‬والمغرب‭ ‬ونيجيريا‭ ‬ورواندا‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬وساهمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬أيٍ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬إفريقيا‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬والجابون‭ ‬مثلاً‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬قمر‭ ‬صناعي،‭ ‬ولكن‭ ‬لديها‭ ‬مركز‭ ‬أرضي‭ ‬للاستشعار‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬خارج‭ ‬العاصمة‭ ‬ليبرفيل،‭ ‬ويعرف‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬باسم‭ ‬الوكالة‭ ‬الجابونية‭ ‬لدراسات‭ ‬ورصد‭ ‬الفضاء،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتشغيل‭ ‬هوائي‭ ‬ضخم‭ ‬يجمع‭ ‬الصور‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬ويرسلها‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬مثل‭ ‬التعدين‭ ‬والبترول‭ ‬والغابات‭ ‬والشركات‭ ‬البحرية‭. ‬وتتميز‭ ‬الجابون‭ ‬بموقعها‭ ‬المحوري،‭ ‬إذ‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬حوض‭ ‬الكونغو‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬به‭ ‬ثاني‭ ‬أكثر‭ ‬غابة‭ ‬مطيرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويبلغ‭ ‬نصف‭ ‬قطر‭ ‬تغطية‭ ‬المركز‭ ‬2‭,‬800‭ ‬كيلومتر،‭ ‬ويغطي‭ ‬17‭ ‬دولة‭ ‬وأجزاء‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬المركز‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬محطة‭ ‬للأرصاد‭ ‬الجوية‭.‬

وتتعاون‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬مع‭ ‬أستراليا‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مشروع‭ ‬تلسكوب‭ ‬مصفوفة‭ ‬الكيلومتر‭ ‬المربع‭ ‬الراديوي،‭ ‬وسيوفر‭ ‬المشروع‭ ‬لعلماء‭ ‬الفلك‭ ‬بمجرد‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬معلومات‭ ‬أفضل‭ ‬عن‭ ‬الفضاء‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬التلسكوبات‭ ‬الأخرى‭. ‬

الطريق‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل

تعتبر‭ ‬إفريقيا‭ ‬قارة‭ ‬صاعدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وتكثر‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬استكشافها،‭ ‬وهذا‭ ‬خير‭ ‬توقيت،‭ ‬والموهبة‭ ‬متوفرة،‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬الفرص‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭. ‬والمطلوب‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬الاستثمار‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التعليم‭ ‬والمؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬والدعم‭ ‬الحكومي؛‭ ‬وإذا‭ ‬اجتمعت‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الأمثل،‭ ‬فربما‭ ‬يحدث‭ ‬الاكتشاف‭ ‬العلمي‭ ‬العظيم‭ ‬التالي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭.   

المهندس‭ ‬إدوارد‭ ‬دوريل‭ ‬هو‭ ‬اختصاصي‭ ‬البرامج‭ ‬الدولية‭ ‬بالقيادة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لقارة‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬الهندسة،‭ ‬ويترأس‭ ‬جهود‭ ‬التوعية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بمكتب‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والابتكار،‭ ‬وقد‭ ‬تولَّى‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬ومبادرات‭ ‬عدة‭. ‬وقد‭ ‬ترأس‭ ‬قبل‭ ‬منصبه‭ ‬الحالي‭ ‬برنامجاً‭ ‬بإحدى‭ ‬الهيئات‭ ‬الفيدرالية‭ ‬لتطوير‭ ‬المواصفات‭ ‬والمعايير‭ ‬التقنية‭ ‬وتطبيقها‭. ‬

التعليقات مغلقة.