أسرة منبر الدفاع الإفريق
كان طلبة كلية العلوم الحكومية في ولاية النيجر بنيجيريا ينامون ذات ليلة من ليالي شباط/ فبراير 2021، وإذا بأكثر من 50 مسلحاً من غابة قريبة يغيرون على حرم كليتهم، ولم يكن يوجد سوى فرد أمن واحد لمقاومتهم.
ومع أنَّ مركز الشرطة كان يقع على مسيرة لا تتجاوز 3 كيلومترات، فقد جاب الغزاة حرم الكلية لمدة ثلاث ساعات دون أن يعترض أحد سبيلهم، ثمَّ فروا عائدين إلى الغابة، محتجزين 42 رهينة، معظمهم من الفتيان في سن 15 عاماً، نقلاً عن مجلة «أفريكا ريبورت».
أثار هذا الغزو ضجة وطنية، وكان أشبه باختطاف 276 فتاة من مدرسة تشيبوك على يد جماعة بوكو حرام المتطرفة في عام 2014، واختطاف 317 فتاة من مدرسة ثانوية بولاية زمفرة في شباط/ فبراير 2021، وحالات احتجاز رهائن أخرى في نيجيريا.
ولكن على النقيض من عمليات الاختطاف هذه، فقد انتهت حادثة ولاية النيجر بسرعة نسبية، إذ أرسل الحاكم أبو بكر ساني بيلو إحدى جماعات الأمن الأهلية المحلية إلى الغابات في مهمة بحث وإنقاذ، وأطلق الخاطفون سراح معظم أسراهم خلال 10 أيام.
بلغ من شيوع الهجمات التي يشنها قطَّاع الطرق المسلحون والمتطرفون في بقاع من نيجيريا أنَّ شكل المدنيون جماعات أمن أهلية لتدعيم صفوف رجال الجيش والشرطة الذين تقل أعدادهم عن أعداد هؤلاء المجرمين.
تتعرَّض جماعات الأمن الأهلية هذه لمخاطر لا تقل عن المخاطر التي يتعرَّض لها نظيرتها الرسمية؛ إذ قتلت عصابات إجرامية في آذار/مارس 2021 أكثر من 20 من عناصر جماعات الأمن الأهلية وأحد عناصر الجيش في وسط نيجيريا، وأطلق عشرات من قطَّاع الطرق على متن دراجات نارية النار على عناصر جماعات أمن أهلية في كمين بمنطقة ماريجا الحكومية المحلية بولاية النيجر، وكانت تلك العناصر تتقفى أثر قطَّاع الطرق الذين هاجموا نقطة عسكرية في المنطقة.
كان الهدف الأصلي لبوكو حرام، التي تشكلت في عام 2002، يكمن في فرض شكل متعصب من «صحيح» الإسلام شمالي نيجيريا وغايتها الإطاحة بالحكومة النيجيرية في نهاية المطاف. وقد بدأ التمرد الحالي للجماعة في عام 2009، وقتل منذ ذلك الحين أكثر من 36,000 مواطن وأجبر ما يُقدَّر بنحو 2.3 مليون آخرين على ترك منازلهم.
كشف مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية أنَّ أعمال العنف المرتبطة بجماعة بوكو حرام وفرعها، أي ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، تضاعفت منذ عام 2015، وذلك حين شنَّت الحكومة هجوماً موسعاً لطرد الجماعتين. ومنذ ذلك الحين والمركز يلاحظ أنَّ الجماعتين تركزان على المناطق منخفضة الكثافة السكانية في ولاية بورنو، ومنها غابة سامبيسا الوعرة المتاخمة للجبال الواقعة شمال غربي الكاميرون ومستنقعات فيركي (القطن الأسود) الواقعة جنوبي وجنوب غربي بحيرة تشاد.
إلَّا أنَّ الجماعات المتطرفة ليست المشكلة الوحيدة. فالعصابات الإجرامية تجوب شمال غربي ووسط نيجيريا، وتسرق الماشية، وتختطف المواطنين للمطالبة بفدية، وتقتلهم، وتنهب أموالهم، وتصيبهم بعاهات مستديمة، وتضرم النيران في منازلهم، ولا تتبنى أيديولوجية بعينها، ولا تلهث إلَّا وراء المال، وتتزايد حالة من القلق حيال تسللها بتدبير متطرفين من الشمال.
مشكلة تتعلق بالحجم
لم تتمكن الشرطة والجيش من التصدِّي للتطرف وقطع الطرق والعنف الطائفي، بيد أنَّ المراقبين يقولون إنَّ هذا ليس خطأهما دون سواهما؛ فنيجيريا تعاني من مشكلة تتعلق بالحجم، فمع أنها الدولة الرابعة عشرة من حيث المساحة في إفريقيا، فهي أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان وصاحبة أكبر اقتصاد فيها، وتضم ولاياتها وعددها 36 ولاية أغلبية مسيحية في الجنوب وأغلبية مسلمة في الشمال، وهي واحدة من أثرى البلدان بالتنوع الثقافي في العالم، إذ تضم أكثر من 500 لغة و300 طائفة عرقية، ويمكن أن تكون تضاريسها وعرة، لا سيما خلال موسم الأمطار.
وهنالك أيضاً مشكلة الأعداد؛ ذلك لأن نسبة رجال الشرطة إلى المدنيين أقل بكثير من توصيات الأمم المتحدة، كما تتحدث وكالة أنباء «نيو هيومانيتيريان» عن “نقص العتاد، وضعف التدريب، وانخفاض الروح المعنوية لرجل الشرطة العادي” في أجهزة الشرطة النيجيرية.
ولجأت الحكومة الاتحادية إلى قواتها المسلحة لمساعدتها، لكنها تعاني هي الأخرى من قلة عناصرها وتنشغل بالصراع الدائر شمال شرقي البلاد، كما أنَّ رجال الجيش غير مدرَّبين على تأدية المهام الشرطية؛ فتقول وكالة «نيو هيومانيتيريان»: “وهذا يدل على أنهم جميعاً يطلقون النار باستمرار للقتل، وفي ظل إفلات شبه تام من العقاب.”
وقد أسفرت هذه الظروف عن تشكيل جماعات الأمن الأهلية؛ أي مواطنين يطبقون القانون بأيديهم. وتشكل جماعات الأمن الأهلية تهديداً للأمن في معظم أنحاء العالم، لكنها باتت ضرورة تقرها الدولة في بقاع من نيجيريا.
مشكلة متنامية
تتفاقم المشكلة يوماً تلو الآخر، فقد أفاد معهد الولايات المتحدة للسلام أنَّ معدَّل عمليات الاختطاف في ربوع نيجيريا ارتفع بنسبة 169٪ خلال الفترة من بداية عام 2019 وحتى نهاية عام 2020.
وفي تقرير منشور على موقعه الإلكتروني بعنوان «ست طرق بديلة لقياس مستويات السلام في نيجيريا»، خلص المعهد إلى أنَّ تزايد مستوى غياب الأمن في البلاد يمكن أن يرجع إلى ضعف أداء الأجهزة الأمنية، وهذا بدوره دفع النيجيريين للجوء إلى تطبيق القانون بأيديهم من خلال تشكيل جماعات الأمن الأهلية.
ويقول التقرير: “تبدو نيجيريا مبتلاة بأعمال العنف عند قياس الوضع بعدد القتلى؛ وتسببت جائحة كورونا في شيوع أعمال العنف في ضوء بعض المقاييس.”
واستخدم تقرير المعهد بحثاً تناول أربع ولايات نيجيرية، وأشار التقرير إلى أنَّ المواطنين الذين استنجدوا بالشرطة تحدثوا عن نتائج مخيبة للآمال، إذ ذكر نسبة 64٪ من المشاركين في الاستبيانات أنَّ التجربة كانت «صعبة» أو «صعبة للغاية».
وجاء في التقرير: “ثمة دعم قوي لجماعات الأمن الأهلية؛ في حين أنَّ كثيراً من المراقبين لديهم مخاوف بشأن مساءلة هذه الجماعات وانضباطها، مع الإشراف المحدود على أنشطتها، فإنَّ النيجيريين الذين شاركوا في هذا البحث يعبرون عن دعمهم القوي لجماعات الأمن الأهلية. فقد وافق أكثر من ثمانية من كل 10 مشاركين في جميع الولايات التي شملتها الاستبيانات على أنَّ «لجماعات الأمن الأهلية مساهمة إيجابية في نشر الأمن في نيجيريا».”
وذكر المعهد أنَّ نسبة لا تتجاوز 10٪ من المشاركين شعروا أنَّ لجماعات الأمن الأهلية تأثير سلبي على الأمن النيجيري، ومع أنَّ استبيانات المعهد لم تشمل إلَّا أربعة ولايات من ولايات نيجيريا التي يبلغ عددها 36 ولاية، فيمكن تفسير النتائج بصفة عامة على أنها تتسق مع سائر الدولة. فقد كشفت شركة «إس بي إم إنتلچَنس» الأمنية بلاغوس أنَّ 590 نيجيرياً لاقوا حتفهم في نيسان/أبريل 2021 في هجمات عنيفة في ربوع البلاد، باستثناء خمس ولايات فحسب.
سياسة وطنية
ما تزال الحكومة النيجيرية تتمسك بقدرة الشرطة والجيش على حماية مواطنيها بدون قوات مساعدة ما إن توفرت لهما الموارد الكافية، بيد أنَّ هذا لا يمثل رأي الكثير من حكام ولايات الدولة وعددهم 36 حاكماً، فقد باتوا يهتمون بتشكيل جماعات الأمن الأهلية، بل أقروها بالفعل في حالات كثيرة.
ومن أمثلة هذه الجماعات «فرقة العمل المدنية المشتركة»، التي تشكلت في ولاية بورنو في عام 2013، وبدأت في شكل مجموعة من صائدي الطرائد المحليين الذين أرادوا حماية مجتمعاتهم، ولكن كما أشارت مؤسسة «كونڤرسيشن» الإخبارية، فسرعان ما أُدمجت فرقة العمل في الجهود الحكومية الرسمية لمكافحة الحركات المتمردة. وقال خبراء لمجلة «الإيكونوميست» في عام 2016 أنَّ فرقة العمل تضم أكثر من 26,000 عضو في ولايتي بورنو ويوكو، يحصل 1,800 منهم على راتب شهري قدره 50 دولاراً أمريكياً.
استعانت فرقة العمل على مر السنين بإلمامها بالمجتمعات والتضاريس المحلية لاكتشاف عناصر بوكو حرام والحد من هجماتها، وساهمت خلال السنوات الأخيرة في تأمين مخيمات النازحين. لكن شأن الكثير من جماعات الأمن الأهلية، اتُهمت عناصر القوة كذلك بارتكاب انتهاكات، مثل جرائم القتل، واضطرت الأمم المتحدة إلى الضغط عليها في عام 2017 لإنهاء ممارستها لتجنيد الأطفال.
لبعض جماعات الأمن الأهلية أصولها كقوات شرطية عينت نفسها بنفسها واكتسبت الشرعية من خلال تأييد الحكومة لها؛ فقد بدأت جماعة «باكاسي بويز» بالقيام بدوريات أمنية في سوق في مدينة أبا بولاية أبيا وتعمل الآن جنوب شرقي البلاد، وأعادت حكومة الولاية تسميتها باسم «خدمة الأمن الأهلية بولاية أبيا» في عام 2000، ومنحتها المال والعتاد. وفي نفس العام، دعا حاكم ولاية أنامبرا عناصر «باكاسي بويز» للتصدِّي لتزايد معدَّلات الجريمة في الولاية، وأقر مجلس نواب الولاية قانوناً لإضفاء الشرعية على الجماعة تحت اسم «خدمات الأمن الأهلية بأنامبرا». وحذت ولاية إيمو حذوها.
لم تلقَ جماعة «باكاسي بويز» استحسان الجميع، فقد أيدت المحكمة النيجيرية العليا في عام 2018 حكم الإعدام الصادر بحق ثلاثة من عناصر الجماعة على خلفية ارتكاب جريمتي قتل في عام 2006، وذكرت صحيفة «بانش» النيجيرية أنَّ القاضية أمينة أوجي التي نطقت بحكم المحكمة العليا قالت: “ليست جماعة «باكاسي بويز» سوى فئة من الخارجين عن القانون.” وقالت إنهم كانوا “أشخاص خارجين على القانون يعملون خارج نطاق القانون، ودنسوا قوانين الأرض في ظل سعيهم غير القانوني والمضلل لإقامة العدل بقتل المجرمين المزعومين.”
لا «نموذج» للجماعات
لا يوجد «نموذج» لجماعات الأمن الأهلية في نيجيريا؛ فبعضها يحصل على التمويل والعتاد من الحكومات المحلية، وبعضها يضم مئات، بل آلاف، من المتطوعين، وبعضها عبارة عن باحثين عن الانتقام وليدي اللحظة، دعتهم القيادات المحلية إلى التحرك للثأر لهجوم.
تمثل مشكلات نيجيريا الأمنية المشكلات التي تعاني منها غرب إفريقيا والساحل، وتتمتع نيجيريا بتعدادها الذي يبلغ 200 مليون نسمة بنفوذ هائل على المنطقة بأكملها، وتقول مجلة «فورين أفيرز»: “من المعتاد أن تتوقف سائر اقتصادات المنطقة عن النمو حين تنزلق نيجيريا إلى حالة من الكساد الاقتصادي.”
وخلال توضيحها لإخفاقات جماعات الأمن الإقليمية، أشارت «فورين أفيرز» إلى أنها “تمتلك أيضاً القدرة على التحرك بقدر أكبر من المرونة والدقة للتصدِّي للتحديات الأمنية المحلية، لا سيما إذا تمكنت الحكومة الاتحادية من البدء في معالجة بعض الدوافع الاقتصادية وراء عدم الاستقرار.”
كما دافع آخرون عن تلك الجماعات، قائلين إنها عبارة عن رد فعل منطقي لمشكلة بعينها.
فيقول السيد جودوين أوباسكي، حاكم ولاية إيدو: “ندير اتحاداً؛ ولدينا ثلاث مستويات من الحكومة: الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والحكومات المحلية؛ فلماذا ينبغي أن يقتصر الأمن على المستوى الاتحادي؟ ماذا حلَّ بالاثنين الآخرين؟ فلن نكون قادرين على التعامل مع صميم المشكلة الأمنية لحين معالجة هذا الخلل الهيكلي.”
وضعت بعض المناطق لوائح لمراقبة جماعات الأمن الأهلية، فقد أفاد موقع «كونڤرسيشن» أنَّ اللوائح الرسمية لم تفلح في التخلص من الانتهاكات تماماً، ولكن يبدو أنها أجدى من حظر تلك الجماعات.
ويقول الموقع: “وعلاوة على ذلك، فلا يمكن الطعن في فعالية جماعات الأمن الأهلية في مكافحة الجريمة، وبوسع هذه الجماعات مع تعزيز آليات التدريب والمساءلة أن تصبح ركيزة من ركائز الشرطة المجتمعية.”
ويقول منتقدو جماعات الأمن الأهلية إنَّ غياب الأمن على مستوى الدولة لا يمكن معالجته إلَّا من خلال منظومتي جيش وشرطة قويتين، ويقولون إنَّ أي شيء آخر يمثل فشلاً وطنياً.
فقد صرَّح السيد شيهو ساني، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي الشعبي المعارض في كادونا، في أيَّار/مايو 2021 أنَّ نيجيريا بحاجة إلى إعادة هيكلة الشرطة وزيادة تمويلها.
ونقلت صحيفة «الجارديان» عنه قوله: “لقد فشلت الحكومة للتو في الوفاء بمسؤولياتها وتوقعاتها؛ فيجب التعامل مع رجال الأمن الفاسدين الذين ينهبون ميزانية الدفاع ويجب رفع مستوى رفاهية القوات، ويجب تحسين مستوى تسليح الجيش والشرطة لمجاراة قطَّاع الطرق والإرهابيين.”
نيجيريا عبارة عن «خلطة» من الاستجابات الأمنية
الدكتور مارك دويركسن باحث مشارك بمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وتركز أبحاثه على الأوضاع الأمنية في نيجيريا والتوسع العمراني الذي عزَّ نظيره في إفريقيا، فضلاً عن التحديات الأمنية والفرص التي توفرها المدن. وتتناول مشاريعه في المركز تتبع الأخبار المتعلقة بالأمن وإنشاء رسوم الإنفوجرافيك التحليلية. وقد حاوره منبر الدفاع الإفريقي عبر البريد الإلكتروني، واضطررنا إلى تحرير الحوار بما يتفق وهذا التنسيق.
منبر الدفاع الإفريقي: هل جماعات المرتزقة النيجيرية مجدية على أرض الواقع؟ فيبدو أنَّ الكثير منها أصبحت أشبه بالتنظيمات التي تشكلت لمكافحتها، ومثال ذلك أنَّ قاضية اتحادية في نيجيريا قالت إنَّ عناصر جماعة «باكاسي بويز» “ليسوا سوء فئة من الخارجين عن القانون.”
دويركسن: هذا سؤال معقد؛ فلا يتضح دوماً ما إذا كانت الجماعات الأمنية الإقليمية والمحلية غير الحكومية في نيجيريا مجدية، وقد يكون من السابق لأوانه معرفة ذلك في بعض الحالات. وأعتقد أنه يجدر بنا التمييز بين:
•الشركات الأمنية الخاصة التي عادةً ما يجري التعاقد معها عن طريق المصالح الخاصة.
•الميليشيات المحلية وجماعات الأمن الأهلية التي تأسست للدفاع عن الممتلكات والمجتمعات المحلية، وفي بعض الأحيان تتغاضي الحكومات المحلية عنها وتتولى تجهيزها وتدريبها.
•الأجهزة الأمنية الإقليمية التي أنشأتها حكومات الولايات أو أقرتها رسمياً، ولئن كانت دستوريتها موضع خلاف.
تتداخل كل هذه القوات أحياناً على الصعيد الجغرافي وتعمل في نيجيريا في ظل وجود القوات المسلحة التي لا حصر لها، والعديد من فرق الشرطة الاتحادية، فضلاً عن قوات الأمن الأخرى مثل جهاز أمن الدولة. وهكذا يوجد بالفعل «خلطة» من الاستجابات الأمنية في نيجيريا تتألف من مختلف هذه الجماعات التي تحاول ظاهرياً تأمين الدولة من مختلف الجماعات المسلحة التي تنشط فيها.
وفي حالة اللجوء إلى جماعات الأمن الأهلية أو القوات الإقليمية الجديدة لملء الفراغ الأمني، فكثيراً ما تخطو هذه الجماعات خطوات متشابهة بالانخراط في نهاية المطاف في أنواع السلوك الإجرامي والانتهاكات التي كُلِّفت بمنعها. وتلك هي الحال مع مليشيات الدفاع عن النفس في المنطقة الشمالية الغربية؛ إذ أنشأها المزارعون المحليون في بادئ الأمر لحماية مصالحهم من الميليشيات المسلحة الموالية للرعاة، لكنها انخرطت بمرور الوقت في جرائم التعذيب والأعمال الوحشية، بل أصبحت مصدرة للعصابات الإجرامية الشهيرة التي تعمل في المنطقة.
وتعد مثل هذه النتائج، التي تظهر كذلك في حالة جماعة «باكاسي بويز»، ثمرة عدم وجود إشراف جيد على هذه القوات مع تلقيها تدريبات أقل من التدريبات التي تتلقاها قوات الأمن الرسمية.
منبر الدفاع الإفريقي: هل توجد استثناءات لهذا الوضع؟
دويركسن: نعم، توجد بالتأكيد مجتمعات استفادت من إنشاء جماعات تقوم بدوريات أمنية وتتولَّى أعمال المراقبة، ولكن كثيراً ما يتوقف ذلك على تفاني القيادات المحلية وإشرافها وليس الضوابط والمساءلة المؤسسية. لذلك قد يكون من الصعب تعميم أي من هذه النجاحات لإحداث أثر كبير في غياب الأمن في المنظومة النيجيرية.
وفي نهاية المطاف، من المستبعد أن تحقق هذه الحلول الأمنية «البديلة» نتائج مستدامة ما لم تُدمج في المؤسسات الرسمية التي ستراقبها وتدرِّبها وتحاسبها. وفي الوقت ذاته، فقد تزايدت أحداث العنف الموثقة على أيدي الجماعات المسلحة في نيجيريا بشدة خلال السنوات الخمس الماضية، من أقل من 700 حادث سنوياً إلى أكثر من 2,000 حادث سنوياً. ويُنسب في كل عام عدد كبير من الأحداث التي تنطوي على عنف بحق المدنيين إلى قوات الأمن النيجيرية والميليشيات التي تشكلت في الأصل لتكثيف الأمن على الصعيد المحلي.
منبر الدفاع الإفريقي: مع كل الدعاية المصاحبة لتشكيل جماعتي «أموتكون» و«شيجي كا فاسا» المرتزقتين، فلا يبدو أنهما تنجزان شيئاً جديراً بالذكر.
دويركسن: لا يتضح ما الذي تنجزه أي من هاتين الجماعتين بخلاف إثارة الجدل حول شرعيتهما، كما تتواصل في الوقت ذاته سلسلة عمليات الاختطاف للمطالبة بفدية في الشمال وعنف قطاع الأمن بحق المدنيين في المنطقة الجنوبية الغربية. أضف إلى ذلك أنَّ إضفاء الطابع الإقليمي على محور الأمن قد يخلق مشكلات غير مقصودة في حال عملت هذه القوات بتحيز عرقي أو تحت راية القومية العرقية. وفي نهاية المطاف، إذا لم تكتسب هذه القوى الإقليمية خصال المهنية والاحترافية، فقد تتسبب في تفاقم الانقسامات الإقليمية، التي طالما ابتُليت نيجيريا بها؛ ذلك أنَّ نيجيريا في غنىً عن حشد قوات أمن موالية لمنطقتها ومنظمة عرقياً، لا سيما عندما تكون على علاقة بجماعات انفصالية مثل شبكة الأمن الشرقية، التي أنشأها القياديون بحركة «سكان بيافرا الأصليين» المسلحة.
منبر الدفاع الإفريقي: يبدو من المحتمل أنَّ الحل طويل الأمد الوحيد لمشكلات الأمن في نيجيريا يتمثل في الالتزام بتجنيد المزيد من رجال الشرطة وتدريبهم، وربما المزيد من رجال الجيش، وإلغاء ممارسة المرتزقة؛ فهل هذه نظرية معيبة؟
دويركسن: تكمن المشكلة في أنَّ تشكيل قوات جديدة أو تطبيق القانون من خلال جماعات الأمن الأهلية أو الجماعات الأمنية التي أُقرت حديثاً كثيراً ما يكون المسار المتبع في نيجيريا بدلاً من انخراط السياسيين والمسؤولين الحكوميين في العمل الشاق وطويل الأجل المتمثل في إصلاح قطاع الأمن وصقله بالمهنية والاحترافية وبناء الثقة في قدراته. وقد اقترحت لجان من الخبراء جملة من الإصلاحات المنطقية، ولكن لم تُنفذ هذه الإصلاحات بالكامل على الإطلاق، بل أُعيد على مر السنين تسمية وحدات الشرطة التي تحتاج إلى الإصلاح بأسماء جديدة مع إعادة تشكيلها دون التخلص من مشكلاتها الأساسية. وثمة بعض المقترحات والتفاؤل بإمكانية تشكيل وحدات أكثر فاعلية من خلال مبادرات الشرطة المجتمعية، وهكذا توجد مساحة للابتكار والأفكار الجديدة طالما أنَّ الغاية من تشكيلها التصدِّي للمشكلات التي حددتها عمليات المراجعة مع تقييم نتائجها بمرور الوقت. كما يمكن القيام بذلك من خلال إنشاء قوات السلامة العامة، التي من شأنها مساعدة نيجيريا على التطلع إلى حلول أمنية أكثر شمولاً وتكاملاً.
وخلاصة القول، يمكن أن يكون الهيكل الأمني النيجيري شديد التعقيد والإبهام وكثيراً ما يعاني من غياب الشفافية والمساءلة اللازمتين لتحقيق إصلاح فعال؛ وهذا أمر يحتاج إلى المعالجة في إطار وضع استراتيجية متعددة الأبعاد للأمن القومي. إنَّ الإصلاح الجاد وجهود تدريب قوات الجيش والشرطة في الدولة مع التركيز على الاستجابات الأمنية المتكاملة (التي تتضمن الخدمات الحكومية والتنمية الاجتماعية ومبادرات العدالة) أفضل رهان لنيجيريا للتصدِّي لمختلف التهديدات الأمنية التي تواجهها.