Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

من فتوات إلى ضباط ورجال كرام

سبل تخلِّي القوات المسلَّحة الغانية عن الانقلابات وتمسكها بالمهنية

بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬همفري‭ ‬أسامواه‭ ‬أجييكوم

الصور‭ ‬بعدسة‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الفرنسية‭/‬صور‭ ‬غيتي

تشكِّل تدخلات‭ ‬الجيوش‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬تهديداً‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا؛‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بانقلاب‭ ‬في‭ ‬كلٍ‭ ‬من‭ ‬غينيا‭ ‬وغينيا‭ ‬بيساو،‭ ‬وانقلابين‭ ‬في‭ ‬كلٍ‭ ‬من‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬ومالي،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬غانا‭ ‬ظلَّت‭ ‬لنحو‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬جزيرة‭ ‬تنعم‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وحظي‭ ‬أفراد‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬بالإشادة‭ ‬بفضل‭ ‬مهنيتهم‭ ‬العالية‭ ‬وعدم‭ ‬تدخلهم‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬ممَّا‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬كيف‭ ‬تنجح‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الانقلابات؟

تتعدد‭ ‬جوانب‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬إذ‭ ‬يتطلب‭ ‬فهم‭ ‬المهنية‭ ‬المستحدثة‭ ‬للجيش‭ ‬الغاني،‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬تأسيسه‭ ‬وإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬الهدَّام‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رحمه‭. ‬تستند‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬الحاليين‭ ‬والسابقين‭.‬

انهيار‭ ‬النظام‭ ‬العسكري

كانت‭ ‬غانا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬عقب‭ ‬الاستقلال‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬عرضة‭ ‬للانقلابات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬دبَّر‭ ‬عناصر‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬ونفذوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬خمسة‭ ‬انقلابات‭ ‬ناجحة‭ ‬وعدة‭ ‬محاولات‭ ‬فاشلة‭. ‬ولم‭ ‬تكتفِ‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬بإسقاط‭ ‬الحكومات‭ ‬المنتخبة‭ ‬وفق‭ ‬أصول‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬تسبَّبت‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬اضطرابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وانتهاكات‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فتكاد‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬استسلمت‭ ‬لإغراء‭ ‬الانقلاب،‭ ‬فقد‭ ‬دبَّر‭ ‬لانقلابات‭ ‬1966‭ ‬و1972‭ ‬و1978‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الضباط،‭ ‬من‭ ‬رتب‭ ‬العقيد‭ ‬والعميد‭ ‬وما‭ ‬فوقهما‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬دبَّر‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬ورتب‭ ‬أخرى‭ ‬لانقلابي‭ ‬1979‭ ‬و1981،‭ ‬ممَّا‭ ‬أسفرعن‭ ‬انهيار‭ ‬مؤقت‭ ‬للتسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬وهياكل‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭.‬

عدد من رجال القوات المسلَّحة يجلسون بالقرب من مقر اللجنة الانتخابية في العاصمة الغانية أكرا يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2020، فيما ينتظر الغانيون نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

واُغتيل‭ ‬ربان‭ ‬القارب‭ ‬وضابطين‭ ‬بحريين‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬سيكوندي‭ ‬البحرية‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬1982‭. ‬يتذكر‭ ‬عميد‭ ‬بحري‭ ‬متقاعد،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬آنذاك‭ ‬ونجا‭ ‬بصعوبة‭ ‬من‭ ‬الاغتيال،‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬فيقول‭: ‬“أحدثت‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬صدمات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجيش،‭ ‬وكان‭ ‬الجميع‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬حياتهم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الضباط؛‭ ‬لأننا‭ ‬علمنا‭ ‬أنَّ‭ ‬النظام‭ ‬لن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬لنا‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يعوِّل‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬الرتب‭ ‬الأخرى‭ ‬للقوة‭.‬”‭ ‬

‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬نقطة‭ ‬مظلمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية،‭ ‬فقد‭ ‬تسبَّب‭ ‬الخوف‭ ‬جرَّاء‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬مؤقت‭ ‬للنظام‭ ‬في‭ ‬الثكنات؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬الضباط‭ ‬والرؤساء‭ ‬الآخرون‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬الانضباط،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬والرتب‭ ‬الأخرى‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بمعايير‭ ‬الانضباط‭ ‬والمهنية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالجيش‭.‬

القيم‭ ‬العسكرية

كانت‭ ‬ضرورة‭ ‬التغيير‭ ‬جلية‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬الاغتيالات‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬سيكوندي،‭ ‬فكان‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬إعادة‭ ‬فرض‭ ‬الانضباط‭ ‬والتسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬لكي‭ ‬تغدو‭ ‬مؤسسة‭ ‬مهنية،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬عملية‭ ‬معقدة‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬توجيهات‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬والالتزام‭ ‬بالتسلسل‭ ‬الهرمي،‭ ‬ولكنها‭ ‬أدَّت‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬فلسفة‭ ‬باتت‭ ‬تُعرف‭ ‬بفلسفة‭ ‬“الكرامة‭ ‬الإنسانية‭.‬”

عيَّنت‭ ‬طغمة‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬المؤقت‮»‬‭ ‬العسكرية‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬أرنولد‭ ‬كوينو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية،‭ ‬وكان‭ ‬كوينو‭ ‬يُكنَّى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الجندي‭ ‬الجاموس‮»‬‭ ‬لحزمه‭ ‬وصرامته،‭ ‬وقد‭ ‬حظي‭ ‬بثقة‭ ‬مرؤوسيه،‭ ‬وطالب‭ ‬جنوده‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالسلوك‭ ‬المهني،‭ ‬وشجع‭ ‬الضباط‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬القيادة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيادة‭ ‬رجالهم،‭ ‬وحظر‭ ‬عليهم‭ ‬استخدام‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬غير‭ ‬عسكرية،‭ ‬كغسل‭ ‬بدلات‭ ‬رؤسائهم‭ ‬العسكرية‭ ‬وتنظيفها‭. ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬بمثابة‭ ‬بداية‭ ‬لإعادة‭ ‬النظام‭.‬

فيقول‭ ‬فريق‭ ‬أول‭ ‬متقاعد‭: ‬“يقوم‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬الانضباط؛‭ ‬فهو‭ ‬حجر‭ ‬الأساس،‭ ‬وركيزة‭ ‬كل‭ ‬قوة‭ ‬مسلَّحة؛‭ ‬فإن‭ ‬غاب‭ ‬الانضباط،‭ ‬ضاع‭ ‬الجيش‭.‬”‭ ‬أي‭ ‬يجب‭ ‬استعادة‭ ‬الانضباط‭ ‬لكي‭ ‬يعمل‭ ‬التقسيم‭ ‬الهرمي‭ ‬والهياكل‭ ‬الداخلية‭ ‬للجيش‭ ‬كما‭ ‬ينبغي،‭ ‬وحدث‭ ‬ذلك‭ ‬جزئياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬كان‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬عدم‭ ‬الانضباط،‭ ‬مثل‭ ‬سرية‭ ‬شباب‭ ‬القادة‭ ‬وعناصر‭ ‬حرس‭ ‬الحدود‭ ‬واللاعبين‭ ‬الرياضيين‭ ‬بكتيبة‭ ‬‮«‬سوبر‭ ‬ستارز‭ ‬74‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬جُنِّدوا‭ ‬لتمثيل‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الفعاليات‭ ‬الرياضية‭. ‬كما‭ ‬أتاحت‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬منبراً‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬المظالم‭ ‬يُعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الشهرية»؛‭ ‬وكان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل‭ ‬للمنظومة‭ ‬القضائية‭ ‬العسكرية‭ ‬وتأكيداً‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقيم‭ ‬العسكرية‭ ‬العليا‭.‬

وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تزور‭ ‬فيها‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬القواعد،‭ ‬ينظم‭ ‬قائد‭ ‬القاعدة‭ ‬اجتماعاً‭ ‬مع‭ ‬الضباط‭ ‬ورجال‭ ‬الجيش‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بأداء‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬والسلطة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأظهر‭ ‬كوينو،‭ ‬وسط‭ ‬الضباط،‭ ‬سلطة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬البيَّن‭ ‬أنه‭ ‬يتوقع‭ ‬تطبيقها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الكتائب‭ ‬والأفواج‭.‬

يتذكر‭ ‬فريق‭ ‬أول‭ ‬متقاعد‭ ‬خدم‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬أنَّ‭ ‬كوينو‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬الخطابات‭ ‬التي‭ ‬يلقيها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭: ‬“يعمل‭ ‬الجندي‭ ‬دوماً‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬ضابط،‭ ‬ويحترم‭ ‬رؤساءه‭ ‬والرتب‭.‬”

كما‭ ‬أكدَّت‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬أنَّ‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القواعد‭ ‬واللوائح،‭ ‬وغرسوا‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬خلال‭ ‬تدريبهم‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تدريب‭ ‬المجنَّدين‭ ‬وفي‭ ‬الأكاديميات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأكدَّت‭ ‬القيادة‭ ‬أنَّ‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يلتزم‭ ‬بهذه‭ ‬القيم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬صفوف‭ ‬الجنود‭ ‬ويصير‭ ‬متمرِّداً‭. ‬وذكرت‭ ‬شخصيات‭ ‬خدمت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬أنَّ‭ ‬كوينو‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬“لن‭ ‬أسمح‭ ‬لجيش‭ ‬تحت‭ ‬إمرتي‭ ‬بالتحول‭ ‬إلى‭ ‬شرذمة‭ ‬من‭ ‬المتمرِّدين‭.‬”

أظهرت‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬لرجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬ما‭ ‬توقعته‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الانضباط‭ ‬واحترام‭ ‬السلطة‭ ‬والتحلِّي‭ ‬بالمهنية،‭ ‬وأمست‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬وراء‭ ‬تحول‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭.‬

فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية

كانت‭ ‬ثمة‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬بعد‭ ‬التدخلات‭ ‬الأولية‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬فقد‭ ‬استقال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الضباط‭ ‬الأكفاء‭ ‬الذين‭ ‬اعترضوا‭ ‬على‭ ‬انخراط‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬طواعية‭ ‬أو‭ ‬أُجبروا‭ ‬على‭ ‬الاستقالة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬تاركين‭ ‬وراءهم‭ ‬فراغاً‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬والمعرفة‭. ‬ويقول‭ ‬لواء‭ ‬متقاعد‭ ‬خدم‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭: ‬“لم‭ ‬نكن‭ ‬بالأساس‭ ‬جيشاً‭ ‬عاملاً،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬جيشاً‭ ‬محترفاً‭.‬”‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬جهوده‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬عيَّن‭ ‬مجلس‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬المؤقت‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬ونستون‭ ‬منساه‭ ‬وود‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬ويُنسب‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬فعَّال‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمهنية‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭. ‬وتعتبر‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الترياق‭ ‬لأسلوب‭ ‬‮«‬الطاعة‭ ‬ثمَّ‭ ‬الشكوى‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬الثكنات‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬عدة‭.‬

تتبنَّى‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬نهجاً‭ ‬محوره‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬العسكرية‭. ‬وبالمقارنة‭ ‬بالنهج‭ ‬الصارم‭ ‬السابق،‭ ‬تدرك‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أنَّ‭ ‬العقوبة‭ ‬ليست‭ ‬التصرف‭ ‬الصحيح‭ ‬دائماً،‭ ‬بل‭ ‬تبدأ‭ ‬بإدراك‭ ‬أنَّ‭ ‬الجندي‭ ‬إنسان‭ ‬ينبغي‭ ‬معاملته‭ ‬بتعاطف‭ ‬ودعم،‭ ‬ويقول‭ ‬أحد‭ ‬مسؤولي‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬بالجيش‭ ‬الغاني‭: ‬“الجيش‭ ‬مؤسسة‭ ‬بشرية،‭ ‬يعمل‭ ‬فيه‭ ‬بشر،‭ ‬وعلينا‭ ‬معاملتهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬للاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬منهم‭.‬”‭ ‬

تطلب‭ ‬تنفيذ‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني‭ ‬تعديل‭ ‬ممارسات‭ ‬التجنيد‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتبعها؛‭ ‬ففي‭ ‬غانا‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وحتى‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كانت‭ ‬غالبية‭ ‬الرتب‭ ‬الدنيا‭ ‬كالجنود‭ ‬والعريفين‭ ‬والمساعدين‭ ‬والرقباء‭ ‬تتألَّف‭ ‬من‭ ‬أميين‭ ‬أو‭ ‬أشباه‭ ‬متعلمين‭. ‬ولمَّا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العناصر‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬الكتابة،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬طوابير‭ ‬عسكرية‭ ‬لقراءة‭ ‬التعليمات‭ ‬الأسبوعية‭. ‬ويقول‭ ‬مساعد‭ ‬سابق‭: ‬“كان‭ ‬الجنود‭ ‬جيدين‭ ‬في‭ ‬عملهم،‭ ‬كالتدريبات‭ ‬وخدمات‭ ‬الحراسة‭ ‬والتدريب‭ ‬وما‭ ‬شابهها،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬معظمهم‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬الغاية‭ ‬الأسمى‭ ‬لخدمة‭ ‬المجتمع‭. ‬ولا‭ ‬يفوتك‭ ‬أنَّ‭ ‬معظمهم‭ ‬جُنِّدوا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وتلقوا‭ ‬نوعية‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التدريب،‭ ‬وهكذا‭ ‬كانوا‭ ‬مطيعين‭ ‬للغاية‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬منتقدين‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬”‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬يُكنَّى‭ ‬أحياناً‭ ‬بجنود‭ ‬‮«‬بوجا‭ ‬بوجا‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬مصطلح‭ ‬مشتق‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬هوسية‭ ‬معناها‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬القوة‮»‬،‭ ‬واشتهر‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬بالوحشية‭ ‬والصلابة‭ ‬والخشونة‭. ‬وتطلَّب‭ ‬تغيير‭ ‬تلك‭ ‬الفلسفة‭ ‬عملية‭ ‬أشد‭ ‬حزماً‭ ‬لتعيين‭ ‬عناصر‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬ورفع‭ ‬معايير‭ ‬التعليم‭ ‬العسكري‭.‬

التعليم

بدأ‭ ‬التعليم‭ ‬العسكري‭ ‬المهني‭ ‬كطريقة‭ ‬لجذب‭ ‬عناصر‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬لصفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية،‭ ‬لكنه‭ ‬تطوَّر‭ ‬ليصبح‭ ‬وسيلة‭ ‬لرفع‭ ‬المعايير‭ ‬المهنية‭ ‬للمؤسسة‭ ‬العسكرية‭. ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬والسعي‭ ‬وراء‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بات‭ ‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬الثكنات‭. ‬وكان‭ ‬مبرر‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬“من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنَّ‭ ‬التطوير‭ ‬المستمر‭ ‬للأسلحة‭ ‬والمعدَّات‭ ‬الحديثة‭ ‬واستخدامها‭ ‬سيتطلب‭ ‬قوات‭ ‬تتمتع‭ ‬بمؤهلات‭ ‬تعليمية‭ ‬أعلى،‭ ‬وهكذا‭ ‬ينبغي‭ ‬إعطاء‭ ‬الفرصة‭ ‬للقوات‭ ‬لمواصلة‭ ‬التعلم‭.‬”

راحت‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬تكتفي‭ ‬بتجنيد‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬ثانوي،‭ ‬مع‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬ممَّن‭ ‬جُنِّدوا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭. ‬وساهمت‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬المهني‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني،‭ ‬فيقول‭ ‬ملازم‭ ‬بالجيش‭: ‬“ارتقى‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬الفردي‭ ‬للجنود‭ ‬ارتقاءً‭ ‬كبيراً،‭ ‬وتغيَّرت‭ ‬عقليتهم،‭ ‬وبات‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬التعلم‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬تحقيق‭ ‬شيء‭ ‬ههنا،‭ ‬وأضحى‭ ‬جنودنا‭ ‬أشباه‭ ‬متعلمين‭ ‬ثمَّ‭ ‬متعلمين‭ ‬بعدما‭ ‬كانوا‭ ‬أميين‭.‬”

وكان‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحول؛‭ ‬ومن‭ ‬أمثلتها‭ ‬جامعة‭ ‬غانا،‭ ‬ومعهد‭ ‬غانا‭ ‬للإدارة‭ ‬والإدارة‭ ‬العامة،‭ ‬وكلية‭ ‬القادة‭ ‬والأركان‭ ‬للقوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية،‭ ‬ومركز‭ ‬كوفي‭ ‬عنان‭ ‬الدولي‭ ‬للتدريب‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭.‬

كما‭ ‬ساهم‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬رجال‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني‭ ‬بشأن‭ ‬مهمتهم‭ ‬وانقلاباتهم؛‭ ‬فقد‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬علانيةً،‭ ‬وخططوا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لانقلابات‭ ‬داخل‭ ‬الثكنات‭. ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬موجودة‭ ‬اليوم‭ ‬بفضل‭ ‬ممارسات‭ ‬التجنيد‭ ‬والتدريب‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬القادة‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬في‭ ‬معاملتهم‭ ‬لمرؤوسيهم،‭ ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬يعاقبون‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بقسوة‭ ‬على‭ ‬الانتهاكات‭ ‬البسيطة‭ ‬لقواعد‭ ‬السلوك،‭ ‬أمَّا‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬فتدعو‭ ‬إلى‭ ‬مراعاة‭ ‬الظروف‭ ‬الشخصية‭ ‬للجندي،‭ ‬وبناءً‭ ‬عليها‭ ‬يستطيع‭ ‬القادة‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التوبيخ‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬القاسية‭.‬

وخلاصة‭ ‬القول‭ ‬أنَّ‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬شهدت‭ ‬تحولاً‭ ‬من‭ ‬الصرامة‭ ‬إلى‭ ‬المرونة،‭ ‬فيما‭ ‬ساهم‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬فهم‭ ‬رجالها‭ ‬لأدوارهم‭ ‬ومسؤولياتهم‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع‭.‬

حفظ‭ ‬السلام

لغانا‭ ‬تاريخ‭ ‬جدير‭ ‬بالفخر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬إذ‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بعثات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬10‭ ‬بلدان‭ ‬مساهمة‭ ‬بقواتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬ترسل‭ ‬2‭,‬000‭ ‬إلى‭ ‬3‭,‬000‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬لحفظ‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭. ‬ويساهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمهنية‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني‭ ‬بعدة‭ ‬سبل‭. ‬أولاً،‭ ‬يقدم‭ ‬المسؤولون‭ ‬تدريبات‭ ‬قيمة‭ ‬متقدمة‭ ‬قبل‭ ‬نشر‭ ‬القوات‭ ‬ومعدَّات‭ ‬حديثة،‭ ‬ويقدم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬كالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التدريب‭ ‬السابق‭ ‬لنشر‭ ‬القوات؛‭ ‬وقد‭ ‬قدَّمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحدها‭ ‬تدريبات‭ ‬ومعدَّات‭ ‬بقيمة‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭. ‬كما‭ ‬تبنَّت‭ ‬غانا‭ ‬قضية‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬كسبيل‭ ‬لتوفير‭ ‬تدريب‭ ‬مستمر‭ ‬لرجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬طوال‭ ‬مسيرتهم‭ ‬المهنية‭. ‬فيقول‭ ‬عقيد‭ ‬طيار‭: ‬“حفظ‭ ‬السلام‭ ‬مفيد‭ ‬لنا،‭ ‬فحين‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬نتلقى‭ ‬‘تدريباً‭ ‬ميدانياً’‭ ‬وتدربنا‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات،‭ ‬ممَّا‭ ‬يرتقي‭ ‬بمهنيتنا‭ ‬فيما‭ ‬نكتسب‭ ‬معارف‭ ‬جديدة‭ ‬يمكننا‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬حين‭ ‬نعود‭ ‬أدراجنا‭.‬”

رجال القوات المسلَّحة يحضرون جنازة الدبلوماسي الغاني كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

وذكر‭ ‬مقدم‭ ‬أنَّ‭ ‬عمليات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬تعرِّض‭ ‬قوات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬الغانية‭ ‬لأفكار‭ ‬جديدة‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬العسكري،‭ ‬مثل‭ ‬“محاربة‭ ‬المتمرِّدين‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬”‭ ‬لقد‭ ‬غيَّرت‭ ‬عمليات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬آراء‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‭ ‬في‭ ‬الانقلابات‭ ‬والحرب‭ ‬بسبب‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬تداعيات‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬خدموا‭ ‬فيها‭. ‬ويقول‭ ‬أحد‭ ‬المحاربين‭ ‬القدامى‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬بعثات‭ ‬أممية‭: ‬“الحرب‭ ‬مهلكة،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تريدها‭ ‬لوطنك‭.‬”‭ ‬وهكذا‭ ‬فإنَّ‭ ‬ساحة‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ملتقىً‭ ‬لاكتساب‭ ‬المعارف‭ ‬العسكرية‭ ‬والرؤى‭ ‬الحيوية‭ ‬والخبرات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ممَّا‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬مهنية‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعرف‭ ‬الجنود‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬الجيوش‭ ‬الأخرى‭.‬

تعميم‭ ‬النموذج‭ ‬الغاني

مرَّ‭ ‬الجيش‭ ‬الغاني‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬جرَّاء‭ ‬انخراطه‭ ‬في‭ ‬الانقلابات‭ ‬والسياسة،‭ ‬فتسبَّبت‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الانضباط‭ ‬وضياع‭ ‬المهنية‭ ‬العسكرية‭. ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬إحياء‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسة،‭ ‬شرع‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬المهمة،‭ ‬كالتركيز‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬العسكرية،‭ ‬وتأسيس‭ ‬فلسفة‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات؛‭ ‬التحرك‭ ‬لجذب‭ ‬عناصر‭ ‬متعلمة‭ ‬لصفوف‭ ‬الجيش‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬نموذج‭ ‬لتحويل‭ ‬مسار‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الانقلابات‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬قتالية‭ ‬محترفة‭. ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬تجربة‭ ‬غانا‭ ‬تبيِّن‭ ‬ضرورة‭ ‬استثمار‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬تجنيد‭ ‬جنوده‭ ‬وتعليمهم‭ ‬وتطويرهم،‭ ‬ممَّا‭ ‬سمح‭ ‬للجيش‭ ‬الغاني‭ ‬ببناء‭ ‬ثقافة‭ ‬عسكرية‭ ‬تسعى‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنها‭ ‬لا‭ ‬انتهاك‭ ‬حرمته‭. 


نبذة‭ ‬عن‭ ‬المؤلف

الدكتور‭ ‬همفري‭ ‬أسامواه‭ ‬أجيكوم‭ ‬باحث‭ ‬من‭ ‬باحثي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬كوبنهاجن‭ ‬بالدنمارك،‭ ‬حيث‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬ويدير‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬تحليل‭ (‬غياب‭) ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬غينيا‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬من‭ ‬فتوات‭ ‬إلى‭ ‬ضباط‭ ‬ورجال‭ ‬كرام‭: ‬كيف‭ ‬نجح‭ ‬مفهوما‭ ‬المهنية‭ ‬والتمدن‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬القوات‭ ‬المسلَّحة‭ ‬الغانية‮»‬‭.‬

التعليقات مغلقة.