Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

وداعاً للسلاح وحي على الفلاح

المشروعات الصغيرة يمكن أن تعيد الاستقرار إلى ليبيا، وتفتح للمقاتلين السابقين أبواب الأمل

مصطفى‭ ‬الساقزلي

شهدت ليبيا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطراب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬يتخيلونها،‭ ‬ولم‭ ‬تسلم‭ ‬سائر‭ ‬جوانب‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬العنف‭ ‬والصراع‭. ‬

واعتمدت‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬أحياناً‭ ‬باسم‭ ‬“اقتصاد‭ ‬الحرب”،‭ ‬بحيث‭ ‬اعتمد‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الليبيين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الشباب،‭ ‬على‭ ‬السلاح‭ ‬كوسيلة‭ ‬لكسب‭ ‬العيش،‭ ‬وتُظهر‭ ‬الجهود‭ ‬المبكرة‭ ‬لإصلاح‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المقاتلين‭ ‬تسترعي‭ ‬النظر‭. ‬وقد‭ ‬جمّعت‭ ‬هيئة‭ ‬شؤون‭ ‬المحاربين‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬أجرتها‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬162‭,‬000‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬الثورة‭ ‬السابقين‭ ‬وأعضاء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وأصدرت‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬تقريراً‭ ‬عن‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬1‭,‬700؛‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬الأرقام‭ ‬الحقيقية‭ ‬عما‭ ‬ورد‭ ‬بهذه‭ ‬الدراسات؛‭ ‬لأن‭ ‬الخبراء‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬نحو‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬قطعة‭ ‬سلاح‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬ليبيا‭.‬

ويواجه‭ ‬الوطن‭ ‬تحديات‭ ‬جسام‭ ‬في‭ ‬محاولته‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬والإعمار،‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬إعادة‭ ‬إدماج‭ ‬هؤلاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬المجتمع؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفتح‭ ‬لهم‭ ‬سبل‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬وغلق‭ ‬منافذ‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العنف؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمواطنين‭ ‬الآخرين‭ ‬أن‭ ‬يثقوا‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬لن‭ ‬يهددوا‭ ‬أمن‭ ‬الوطن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا،‭ ‬نحن‭ ‬الليبيين،‭ ‬أن‭ ‬نرسي‭ ‬دعائم‭ ‬السلام‭ ‬الدائم؟‭ ‬

في اليسار: أفراد من القوات الموالية للحكومة الليبية المعترف بها دولياً يحملون أسلحة في عين زارة بالعاصمة طرابلس رويترز

تُعد‭ ‬التنمية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وتطوير‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬وفرض‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬إذ‭ ‬تتعلق‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الدول‭ ‬الهشة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬مسلحة‭ ‬بعملية‭ ‬بناء‭ ‬الدول‭ ‬والأمم،‭ ‬وتتلخص‭ ‬التحديات‭ ‬الأساسية‭ ‬لبناء‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وإصلاح‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬وتنشيط‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وتغيير‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬بحيث‭ ‬يقل‭ ‬تعرضها‭ ‬للصراع‭ ‬ويزيد‭ ‬تمسكها‭ ‬بالسلام‭. ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حلاً‭ ‬لهذه‭ ‬التحديات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭. ‬

المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬

فما‭ ‬هي‭ ‬إذاً‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة؟‭ ‬يختلف‭ ‬تعريف‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬لآخر،‭ ‬ولكن‭ ‬معظمها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مشروعات‭ ‬خدمية‭ ‬وبيع‭ ‬التجزئة‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬العمالة‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬50‭ ‬فرداً،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلتها‭ ‬صالونات‭ ‬الحلاقة،‭ ‬والمقاهي،‭ ‬ومحلات‭ ‬بيع‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية،‭ ‬وورش‭ ‬الصيانة،‭ ‬والمصانع‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وعمال‭ ‬التشييد‭ ‬والبناء؛‭ ‬كما‭ ‬يشمل‭ ‬التعريف‭ ‬أيضاً‭ ‬المشروعات‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬أعداد‭ ‬العمالة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬250‭ ‬فرداً‭. ‬وتوفر‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للشباب،‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخها‭. ‬

اعتمدت‭ ‬ليبيا‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬الحكومية،‭ ‬وهيمن‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬بالبلاد‭ ‬على‭ ‬اقتصادها،‭ ‬ويساعد‭ ‬هذا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬العقلية‭ ‬الاتكالية‭. ‬وتنتهج‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬نهجاً‭ ‬فاشلاً‭ ‬في‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬الدولة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬هذا‭ ‬الوضع؛‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للمشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬إلى‭ ‬التنوع‭ ‬الذي‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬ليبيا‭ ‬كموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الاستراتيجي‭. ‬ويحمل‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الجديد‭ ‬أهمية‭ ‬إضافية‭ ‬مع‭ ‬بحث‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬لمصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الكربون،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬ليبيا‭.‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬حيوي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬السوق‭ ‬الحرة؛‭ ‬ويمكن‭ ‬لاقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭ ‬الذي‭ ‬يتوسع‭ ‬فيه‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أن‭ ‬يدعّم‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التخفيف‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المواطنين؛‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬دراسات‭ ‬كثيرة‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الليبيين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ %‬50‭ ‬يعملون‭ ‬بالقطاع‭ ‬العام‭ ‬للدولة‭. ‬

ويتجدد‭ ‬الأمل

سيفتح‭ ‬نمو‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬طاقة‭ ‬نور‭ ‬للشباب‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬يأس‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬لمستقبل‭ ‬أفضل،‭ ‬وشعر‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحلُم‭ ‬به‭ ‬لثورته‭ ‬المجيدة‭. ‬فإمّا‭ ‬أن‭ ‬نحسن‭ ‬استغلال‭ ‬شباب‭ ‬ليبيا‭ ‬بحيث‭ ‬يصبحون‭ ‬مصدراً‭ ‬لغناها‭ ‬ورأس‭ ‬مال‭ ‬لنمائها،‭ ‬وإمّا‭ ‬أن‭ ‬نغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭ ‬فيصبحوا‭ ‬مصدراً‭ ‬لزعزعة‭ ‬أمنها‭ ‬ووقوداً‭ ‬يشعل‭ ‬حروبها؛‭ ‬لأننا‭ ‬سنحقق‭ ‬لبلادنا‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬إذا‭ ‬فتحنا‭ ‬أبواب‭ ‬الأمل‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشباب،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬وأعضاء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بتوفير‭ ‬الفرصة‭ ‬لإنشاء‭ ‬مشاريع‭ ‬الأعمال‭.‬

لطالما‭ ‬كان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬لمشكلة‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمليشيات‭ ‬العائق‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬الحكومة‭ ‬الليبية‭ ‬خلال‭ ‬الثماني‭ ‬سنوات‭ ‬المنصرمة‭. ‬ففي‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬أجرتها‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬أتولى‭ ‬إدارتها،‭ ‬وهي‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية،‭ ‬أعرب‭ ‬المقاتلون‭ ‬السابقون‭ ‬وأعضاء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬عن‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬نزع‭ ‬السلاح‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬إن‭ ‬توفرت‭ ‬لهم‭ ‬فرصة‭ ‬لإنشاء‭ ‬مشروعات‭ ‬صغيرة‭. ‬ويتضح‭ ‬من‭ ‬دراستنا‭ ‬لتجارب‭ ‬البلدان‭ ‬السابقة‭ ‬مع‭ ‬برامج‭ ‬نزع‭ ‬السلاح‭ ‬والتسريح‭ ‬وإعادة‭ ‬الإدماج‭ ‬فعالية‭ ‬تمويل‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬المهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لفتح‭ ‬مشروعات‭ ‬صغيرة‭.‬

ويقول‭ ‬البعض‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التأكد‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الأمن‭ ‬بالبلاد،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬قد‭ ‬بيّنت‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬سائر‭ ‬أركان‭ ‬الدولة‭ ‬وتمكينها‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وعلينا‭ ‬ألّا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬وأعضاء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬رواد‭ ‬أعمال‭ ‬بالفطرة؛‭ ‬لأنهم‭ ‬يتصفون‭ ‬بصفتيْ‭ ‬الشجاعة‭ ‬والطموح،‭ ‬ويمكن‭ ‬لصفة‭ ‬الشجاعة‭ ‬والبسالة،‭ ‬إذا‭ ‬وجهناها‭ ‬نحو‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬أن‭ ‬تحوّل‭ ‬تهديد‭ ‬الأمس‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬اليوم‭. ‬وقد‭ ‬أعرب‭ ‬المقاتلون‭ ‬السابقون‭ ‬في‭ ‬مقابلات‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬عن‭ ‬تحمسهم‭ ‬الشديد‭ ‬لإنشاء‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬وتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬التجارية‭ ‬الرائعة؛‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بوسعنا‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬منهم‭ ‬معولاً‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬

في الأعلى: مقاتلون موالون لحكومة ليبيا المعترف بها دولياً يغادرون طرابلس رويترز

كما‭ ‬أظهرت‭ ‬أبحاثنا‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬أمامنا‭ ‬تحديات‭ ‬كثيرة‭ ‬علينا‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وتمكين‭ ‬الشباب‭ ‬اقتصادياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭. ‬ومثال‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬الصراعات‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬أن‭ ‬المقاتلين‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يحجمون‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬السلاح‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬مقاتلون‭ ‬آخرون‭ ‬يحملون‭ ‬سلاحهم،‭ ‬إذ‭ ‬يخشون‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬استيلاء‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬المناوئة‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬باليأس‭ ‬الشديد‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬اقتصادية‭ ‬حقيقية‭ ‬بعدما‭ ‬وضعوا‭ ‬السلاح‭. ‬ولذلك‭ ‬علينا‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭. ‬

برنامج‭ ‬طموح

تعكس‭ ‬كلمة‭ ‬“طموح”‭ ‬التي‭ ‬اخترناها‭ ‬عنواناً‭ ‬لأحد‭ ‬برامجنا‭ ‬إيماننا‭ ‬الشديد‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الليبي‭ ‬لديهم‭ ‬طموح‭ ‬هائل،‭ ‬ولا‭ ‬ينقصهم‭ ‬إلا‭ ‬توجيههم‭ ‬نحو‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬بالخير‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬أوطانهم‭. ‬

ولذلك‭ ‬سمّاه‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم؛‭ ‬لأننا‭ ‬صممناه‭ ‬ليفتح‭ ‬للمقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وقد‭ ‬أطلقنا‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬بهدف‭ ‬تقديم‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬لتعلم‭ ‬مهارات‭ ‬جديدة،‭ ‬والإدارة‭ ‬المالية‭ ‬للمشاريع،‭ ‬والاستشارات‭ ‬القانونية،‭ ‬والتخطيط‭ ‬والتسويق،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لإنشاء‭ ‬وتشغيل‭ ‬الأعمال‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الناجحة‭. ‬وقد‭ ‬اضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬تجميد‭ ‬نشاط‭ ‬البرنامج‭ ‬لمدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬لاعتبارات‭ ‬أمنية،‭ ‬وأعدنا‭ ‬تشغيله‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2019‭. ‬

ويهدف‭ ‬مشروع‭ ‬طموح‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لنحو‭ ‬70‭,‬000‭ ‬مقاتل‭ ‬سابق؛‭ ‬لأننا‭ ‬نؤمن‭ ‬بأن‭ ‬تمكينهم‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الخاصة‭ ‬لن‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحتهم‭ ‬وحدهم،‭ ‬وإنما‭ ‬سيصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الليبي‭ ‬كله‭. ‬

ويقسم‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬خُطة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭:‬

  • التخطيط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ودراسة‭ ‬الجدوى
  • التدريب‭ ‬والتأهيل‭ ‬وبناء‭ ‬القدرات
  • إطلاق‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة
  • متابعة‭ ‬التقدم‭ ‬

وبناءً‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬تعاقد‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬مع‭ ‬خبراء‭ ‬محليين‭ ‬ودوليين‭ ‬لإجراء‭ ‬تخطيط‭ ‬اقتصادي‭ ‬ودراسة‭ ‬جدوى‭ ‬شاملة،‭ ‬بهدف‭ ‬تحديد‭ ‬المشاريع‭ ‬الأنسب‭ ‬لكل‭ ‬منطقة،‭ ‬

ثم‭ ‬أخذ‭ ‬الفريق‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يبحث‭ ‬سبل‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬المشروع،‭ ‬اخترنا‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬عدد‭ ‬80‭ ‬متخرجاً‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاختصاصات‭ ‬التي‭ ‬تتعّلق‭ ‬بقطاع‭ ‬الأعمال،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تدريبهم‭ ‬وتأهيلهم‭ ‬كمستشاري‭ ‬أعمال‭. ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخريجون،‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بخبراء‭ ‬إقليميين،‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬مكثف‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬لقطاع‭ ‬الأعمال،‭ ‬كالتسويق‭ ‬والمبيعات،‭ ‬وإدارة‭ ‬المشاريع،‭ ‬وتخطيط‭ ‬الأعمال‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬خارج‭ ‬ليبيا‭ ‬بهدف‭ ‬تعميق‭ ‬فهمهم‭ ‬لهذه‭ ‬الموضوعات‭.‬

هذا،‭ ‬وقد‭ ‬أطلقت‭ ‬إدارة‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬أربعة‭ ‬مراكز‭ ‬للأعمال،‭ ‬ونسعى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬عددها‭ ‬إلى‭ ‬ثمانية،‭ ‬وستكون‭ ‬بمثابة‭ ‬مراكز‭ ‬استشارية‭ ‬تستضيف‭ ‬الخبراء‭ ‬لتقديم‭ ‬التدريب‭ ‬والمشورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إدارة‭ ‬الأعمال‭ ‬والمشاريع‭ ‬الجديدة‭.‬

كما‭ ‬أطلق‭ ‬البرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية‭ ‬برنامجاً‭ ‬مماثلاً‭ ‬يُسمّى“بناء”‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والصناعة‭ ‬الليبية،‭ ‬والبنك‭ ‬الإسلامي‭ ‬للتنمية،‭ ‬والجهات‭ ‬الخاصة‭ ‬المانحة‭. ‬ويهدف‭ ‬برنامج‭ ‬بناء‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬الناشئة،‭ ‬وتقديم‭ ‬التدريب،‭ ‬والمتابعة،‭ ‬وخدمة‭ ‬حاضنات‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭. ‬

آفاق‭ ‬المستقبل

لقد‭ ‬كانت‭ ‬مشكلة‭ ‬الميليشيات‭ ‬وانتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬العائق‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاستقرار‭ ‬ليبيا‭ ‬وتنميتها؛‭ ‬وبوسع‭ ‬الحكومة‭ ‬الليبية‭ ‬إذا‭ ‬أعطت‭ ‬الأولوية‭ ‬للمشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وتشريعاتها‭ ‬وبرامجها‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬عملية‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬لشبابها‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والتنمية،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤدي‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬ويفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬الاصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمؤسسية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬يُعد‭ ‬زيادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬إيذاناً‭ ‬بعودة‭ ‬تطوير‭ ‬البُني‭ ‬التحتية،‭ ‬والاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر،‭ ‬ونمو‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭.‬

وستوفر‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المهمشة‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تمكينها‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬لكيلا‭ ‬يكونوا‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬البلاد‭. ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنه‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نؤدي‭ ‬دورنا‭ ‬تجاه‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشروعات‭ ‬التي‭ ‬نطلقها‭ ‬كمشروع‭ ‬طموح‭ ‬وبناء‭ ‬وغيرهما؛‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬نبيّن‭ ‬للمقاتلين‭ ‬السابقين‭ ‬بأن‭ ‬استثمارهم‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬استثمار‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬وطنهم‭ ‬الحبيب‭ ‬ليبيا،‭ ‬ونؤمن‭ ‬بأن‭ ‬المسلحين‭ ‬الذين‭ ‬لعبوا‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرارها‭ ‬بوسعهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬الأوطان‭ ‬ورخائها‭. 

مصطفى‭ ‬الساقزلي‭ ‬هو‭ ‬المؤسس‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬للبرنامج‭ ‬الليبي‭ ‬للإدماج‭ ‬والتنمية،‭ ‬وكان‭ ‬نائباً‭ ‬لوزير‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬والمدير‭ ‬المؤسس‭ ‬لهيئة‭ ‬شؤون‭ ‬المحاربين‭ ‬عام‭ ‬2011‭.‬

التعليقات مغلقة.