فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني إنشاء الجيش الوطني الصومالي أمر ملح لتخلص الدولة من حركة الشباب، الوقت يداهمنا أسرة أيه دي إف في يوم مشرق من أيام شهر رمضان في مدينة بلدوين وسط الصومال، كانت البلدة تضج بالحركة. حيث تتكدس ثمار البطيخ حتى تصل إلى أسقف الأكشاك في السوق، جاهزة للتحميل على عربات النقل وشحنها إلى جميع أنحاء الدولة. ويرعى الأولاد الماعز في الطرقات، وتسير النساء في مجموعات صغيرة مرتديات الأوشحة بألوان زاهية. وفي وسط كل هذا، يظهر العميد أحمد فرح عبد الله من الجيش الوطني الصومالي (SNA) حاملاً بندقية تدلى على كتفه ومرتديًا قلنسوة حمراء. كان أحمد عمره 25 عامًا فقط عندما شارك في تصوير فيلم وثائقي للأمم المتحدة. فقد كان يترأس ثلاث وحدات في المنطقة وينساب بسهولة بين أصحاب المحال التجارية خلال جولاته طارحًا السؤال نفسه: “xalada ka waran ” أو ”كيف الحال؟” فهو يقول: “إذا كانت لديهم مشاكل، فيجب أن نتعامل مع شكواهم. فكل ما هو خير لهم هو خير لنا أيضًا”. جنود الجيش الوطني الصومالي يظهرون مهارتهم في الرماية أثناء الاحتفال بتخرجهم في بيدوا، الصومال.سابير أولاد/بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بعد عرض هذا المشهد السلمي، من الصعب أن تصدق أن هذه البلدة كانت تحت سيطرة حركة الشباب منذ ثلاث سنوات فقط. حيث كان يسود الخوف والشك في ولاء الأفراد، ومنهم فتاتان مراهقتان تم إعدامهما في ساحة البلدة. وقد قرر جنود الجيش الوطني الصومالي طي هذه الصفحة السوداء من التاريخ. يقول عبد الله: “أريد مساعدة كل صومالي يحتاج إلى المساعدة. لقد بدأت كعسكري بالحكومة، وكلما تقدم بي العمر تدرجت في الترقيات. حتى وصلت إلى مرتبة عالية. أتمنى أن أعاصر توحد البلاد في المستقبل وأن أرى حكومة تعمل لصالح كل فرد في الصومال”. يدرك القادة في الصومال أن مستقبل البلاد يعتمد على كفاءته في تدريب المزيد من الأفراد في الجيش الوطني الصومالي ليكونوا نسخة شبيهة بعبد الله وتكرار هذا المشهد في جميع أنحاء البلاد. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم تأمين بعض من أخطر الأماكن في جنوب غرب البلاد، تلك المناطق التي لا تزال حركة الشباب تُحكم السيطرة عليها. الوقت هو الجوهر الأساسي في هذه المسألة. صرحت الحكومة الأوغندية أنها ستسحب وحدتها من القوات، والتي تشكل الجزء الأكبر من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM)، بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2017 بسبب خيبة الأمل التي أصابتها بسبب التقدم البطيء للجيش الوطني الصومالي. وبالمثل، يعتزم الاتحاد الأفريقي سحب جميع القوات تدريجيًا بدءًا من عام 2018 وإنهاء مهمته بحلول عام 2020. وفي هذه اللحظة، سيقع عبء تأمين البلاد بالكامل على كاهل الصوماليين. صرح وزير الدفاع الصومالي السابق عبد الحكيم محمود حاجي الفقي لمجلة أيه دي إف قائلا: “لن تبقى بعثة الاتحاد الأفريقي في هذه البلاد إلى الأبد. في يوم ما عاجلاً أم آجلاً ستتمكن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال من مغادرة البلاد وسيكون بمقدور الجيش الوطني الصومالي السيطرة على الوضع، ربما بعد عامين شريطة أن يكون هناك التزام فعلي ودعم لوجستي حقيقي للجيش الوطني الصومالي من قِبل المجتمع الدولي”. تاريخ مضطرب لم يكن لدى الصومال جيش وطني حقيقي منذ عام 1978 على الأقل. فقد كان منقسمًا إلى فصائل على أسس قبلية وممزقًا نتيجة للفساد الذي نخر فيه لمدة طويلة خلال 22 عامًا هي الفترة التي كانت فيها البلاد تحت سيطرة الديكتاتور سياد بري. وبحلول عام 1991، انحل الجيش وقسّم أباطرة الحروب والمليشيات البلاد في ظل منافستهم على السيطرة الإقليمية. لكن وبعد فشل الكثير من الجهود لتكوين جيش وطني، وقّعت الحكومة الانتقالية الفيدرالية (TFG) في الصومال وفصيل منافس على اتفاقية جيبوتي في عام 2008، والتي بموجبها تأسس الجيش الحالي. في أواخر عام 2009، قامت الحكومة الانتقالية الفيدرالية بتسجيل 2904 جنود وفحصهم ليصبحوا جزءًا مما وصفته بقوة الأمن الوطني. وفي عام 2010، بدأت بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في الصومال بتدريب 400 مجند في أوغندا. ولا تزال هذه البعثة مستمرة في عملها حتى اليوم، غير أن التدريب يتم الآن في مقديشو. ومنذ ذلك الحين بدأت تظهر المؤشرات الدالة على حدوث تقدم. ففي صيف 2011، حاربت القوات الصومالية إلى جانب بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في معركة مقديشو لاستعادة العاصمة من حركة الشباب، بما في ذلك السوق الرئيسية. وفي عام 2012، أسس الجيش الصومالي الوطني ستة لواءات متمركزة بالقرب من مقديشو، منهم اثنان خضعا للتدريب في البعثة التدريبية التابعة للاتحاد الأوروبي. وفي العام نفسه، تعاونت قوات الجيش الصومالي الوطني وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في “عملية المطرقة الثقيلة (Operation Sledge Hammer)” لطرد حركة الشباب من قاعدتها الأهم من الناحية الإستراتيجية، وهي مدينة كيسمايو الساحلية. في آذار/ مارس 2014، شن التحالف “العملية نسر (Operation Eagle)” التي أدت إلى تحرير 11 حيًا كانوا تحت سيطرة حركة الشباب، وتلتها “عملية المحيط الهندي (Operation Indian Ocean)” في آب/ أغسطس، والتي طُردت خلالها حركة الشباب من معاقلها الساحلية المتبقية، بما في ذلك ميناء براوي. صرح حاجي الفقي قائلا: “العدو اليوم هو حركة الشباب، وهو ليس عدوًا للصومال فحسب. وإنما هي مشكلة إقليمية، مشكلة عالمية. وللتصدي لهذه المشكلة، يجب أن تنشئ الصومال جيشًا موحدًا وقادرًا ومسؤولا”. كجزء من مفهوم عمليات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، يتعاون 10900 جندي من الجيش الوطني الصومالي مع قوات الاتحاد الأفريقي (AU). لكن الشكوك لا تزال قائمة حول جاهزية الجيش الوطني الصومالي للسيطرة على أرضه، وأحيانًا تضطر بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال إلى الاعتماد على المليشيات القبلية، التي تميل إلى أن تكون الأفضل من حيث إمدادها بالموارد واكتسابها ثقة أكبر من جانب المجتمعات المحلية. عدم الانضباط والفساد داخل الجيش الوطني الصومالي أديا إلى إعاقة الثقة. فتتداول الروايات حول بيع قوات الجيش الوطني الصومالي لزيهم الرسمي للمتمردين، أو تخليهم عن مناصبهم، أو حتى تعاونهم مع حركة الشباب. استعراض لجنود الجيش الوطني الصومالي احتفالاً بانتهاء الأسابيع العشرة للدورة التدريبية المتقدمة التي نظمتها بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. [ستيوارت برايس/ فريق دعم معلومات للاتحاد الأفريقي – الأمم المتحدة] لتنجح بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في مهمتها، اتفق قادة البعثة على أن الأمر يتطلب جهودًا فعلية مشتركة. صرّح ضابط برتبة عالية في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لصحيفة أر يو إس أي قائلا: “بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ليست في الموقف الذي يمكنها من السيطرة على البلدة ومطاردة حركة الشباب في الوقت نفسه. … ليس بإمكاننا تحرير هذه البلاد إلا بمساعدة الجيش الوطني الصومالي. وللوصول إلى هذا الهدف يجب أن نبذل جهدًا أكبر لتأسيس … قوة [هذا الجيش]”. لكن حاجي الفقي ذكر أن هناك عائقًا كبيرًا يحول دون التقدم نحو هذا الهدف وهو تدني الروح المعنوية في الجيش الوطني الصومالي، الذي يحارب جنبًا إلى جانب بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لكنه يستخدم أسلحة ومعدات أقل تطورًا ويحصل على عُشر الراتب الذي تحصل عليه قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. إذ قال حاجي الفقي: “يتسم أفراد الجيش الوطني الصومالي بالشجاعة المتناهية والاستعداد للموت فداءً لبلادهم، لكنهم يعملون في ظل ظروف شديدة الصعوبة. فهم لا يحاربون على خط متواز مع جنود بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وإنما يأتون في مقدمة هذه الجنود. لكن ينقصهم الأسلحة الملائمة، ومعدات الحماية السليمة لأنفسهم، والعلاج الطبي المناسب”. التدريب/ المعدات قرر قادة الصومال أنهم بحاجة إلى تكوين جيش مكون من 28000 جندي محترف بالإضافة إلى قوة من الشرطة يبلغ عددها 12000 فردًا. وقد لعبت جهات خارجية، على مدار أعوام، دورًا في تدريب الجيش الوطني الصومالي. ومن هذه الجهات الاتحاد الأوروبي وتركيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وشركة أمنية خاصة هي بانكروفت جلوبال. وبرغم أن هذه المساعدات كانت ذات قيمة فعلية، لكن التنسيق بينها كان يشكل تحديًا. في حزيران/ يونيو 2016، افتتحت الصومال مركز الجزيرة للتدريب في مقديشو، والذي شمل فصولا دراسية ومحاكاة للمناطق الحضرية حيثما يمكن اختبار الجنود من خلال مجموعة من سيناريوهات الحروب الحضرية وغير المتماثلة. قال حاجي الفقي في هذا الصدد: “لا يهم عدد الجنود، لكن ما يهم حقًا هو انضباطهم واحترافهم بحيث يمكن للمواطنين الثقة بهم في توفير الأمن لهم. فالمهم أن يلجأ المواطنون لهم لحمايتهم لا أن يخافوهم”. إن بناء جيش من الصفر عملية شاقة للغاية. أثبتت إحدى الدراسات التي أجراها الباحث الصومالي عبد الراشد هاشي بمشاركة بول ويليامز من جامعة جورج واشنطن في عام 2016 أن أهم شيء يحتاجه هذا الجيش من المعدات العسكرية هي المركبات المصفحة والأسلحة الثقيلة ومعدات الاتصال. كما أنهما دعوا إلى توفير مرافق طبية وسيارات إسعاف وثكنات أفضل للجنود. قال الباحثون، نقلاً عن تقديرات حكومية، أنه قد يتكلف الأمر 85 مليون دولار أمريكي لسد الثغرات الخاصة بالمعدات والمرافق لجنود الجيش الوطني الصومالي حتى تتماشى مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال. ما تزال الصومال تخضع لحظر جزئي من الأمم المتحدة على الأسلحة، الأمر الذي يمنعها من استيراد الأسلحة الثقيلة بينما يُسمح لها باستيراد الأسلحة الخفيفة لتسليح قواتها الأمنية. قوة موحدة لكي يصبح الجيش الوطني الصومالي جيشًا قوميًا حقيقيًا، فهو يجب أن يكون انعكاسًا لوحدة البلد الذي يخدمه. في آذار/ مارس 2015، اعتمدت الحكومة الفيدرالية في الصومال خطتها لإعادة بناء الجيش الوطني الصومالي التي عُرفت باسم خطة جولواد (النصر) والتي تعترف فيها أن السكان لا ينظرون إلى الجيش باعتباره قوة قومية. فلا تزال قضايا التحيز القبلي مسيطرة. صرّح ستيج هانسن، زميل بمركز بلفر بجامعة هارفرد ومؤلف كتاب حركة الشباب في الصومال قائلاً: “أكبر ما يواجه الصومال هي مشكلة الثقة. لا بد أن يتشكل الجيش من جنرالات وعساكر من جميع القبائل الصومالية، وليس من قبيلتين فقط. وإلا سيُعتبر كجيش احتلال لتلك المقاطعات الإقليمية”. فرانسيسكو ماديرا، في الوسط، سفير بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، يشارك في حفل افتتاح مركز الجزيرة للتدريب في مقديشو، الصومال. [عمر عبد السلام/ بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ولعلاج هذا الأمر، أنشأت الحكومة لجنة وطنية لتوحيد الجيش الوطني الصومالي وأكاديمية عسكرية يتم فيها انتقاء الطلاب العسكريين من جميع القبائل. كما أننا نستبشر خيرًا بمجموعة النخبة للمشاة والمعروفة باسم دنب أو “البرق”، التي تقبل المجندين فقط على أساس الجدارة ولها عدد كبير من الممثلين من مختلف القبائل. تولت وحدات دنب مسؤولية تخطيط الغارات وتنفيذها مما أدى إلى القضاء على بعض الرموز المهمة في حركة الشباب. ذكر حاجي الفقي أن مجموعة دنب وقوة التدخل السريع المعروفة باسم “جائشان” أو “الدرع”، والتي تلقت تدريبًا أمريكيًا، قد حازتا على الاحترام لجهودهما في مكافحة الإرهاب. وقال: “لقد تلقوا تدريبًا متخصصًا للقتال ويعملون في ظل ظروف صعبة. فهم يتوغلون إلى داخل منطقة العدو ويقاتلوهم. وإذا أرادوا القبض عليهم أو قتلهم، فإنهم ينفذون ذلك بنجاح. نحن بحاجة إلى المزيد من هؤلاء الجنود من ذوي التدريب المتخصص لمحاربة حركة الشباب والإرهاب”. كما يستبشر هانسن خيرًا بـ “الدراويش”، أو قوات الأمن الإقليمية، المتواجدة في كل من أقاليم الصومال. فقد صرّح بأنهم يكتسبون الثقة بين المجتمعات التي يخدمونها ويحققون الانتصارات ضد حركة الشباب. يقول هانسن: “لا يثق القادة الإقليميون عادة في الحكومة والجيش الوطني الصومالي، لذا أعتقد أن هناك حاجة ملحة إلى أن يكونوا عنصرًا إقليميًا في هذا الحل الأمني. وأعتقد أن قوات الدراويش ستلعب دورًا بالغ الأهمية في الحل النهائي. وذلك بما لديهم من ممتلكات محلية وكذلك الدوافع لتوفير الحماية على المستوى المحلي”. وهناك تقدم مماثل من حيث دفع رواتب القوات بانتظام. إن النظام الآلي لدفع رواتب القوات المسلحة الذي وُضع في أيلول/ سبتمبر 2016 سيوفر للجيش فرص وظيفية أكثر جذبًا للشباب الصومالي ويقلل من الدوافع الباعثة على تفشي الفساد. يؤمن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن الجيش الوطني الصومالي الموحد والمهني هو العنصر الأساسي لتوحيد البلاد. فقد صرّح للجنة المعنية بتوحيد الجيش قائلا: “أنتم تخدمون وطنًا تأثر بالحرب الأهلية لأكثر من عقدين، وقد عهدت إليكم هذه البلاد مهمة شديدة الأهمية لتوحيده مرة أخرى. وأرجو أن ينسى الجميع الأيام المظلمة من تاريخنا وليسامح بعضنا الآخر. فالأبطال لا ينشغلون بما حدث في الماضي، إنما الأبطال الحقيقيون هم من يبذلون الجهد للتأكد من عدم الوقوع في الأخطاء القديمة وتوريط البلاد في فوضى جديدة.