أسرة منبر الدفاع الإفريقي
كان المواطن أتاني بَماز يعمل معلماً خاصاً حين ضربت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) توغو في عام 2020 وأجبرت المدارس على إغلاق أبوابها. وفي لمح البصر فقد مصدر دخله الأساسي وكادت تنعدم موارده لرعاية زوجته وابنته الرضيعة.
وبعد أسابيع، وفي رسالة هاتفية جاءت في لمح البصر أيضاً، تلقى شيكاً تحفيزياً رقمياً من الحكومة.
وصارت على هاتفه فوراً أول دفعة شهرية من أصل خمسة دفعات أخرى، ولم تكن غنيمة، لكنها كانت تكفي لدفع إيجاره وإطعام أسرته.
قال لوكالة أنباء «بلومبيرج»: ”إذا كنت معدماً ثم أعطاك إنسان القليل، فعليك شكره على ذلك القليل.“
عاش أكثر من 100 مليون نسمة على مستوى العالم في فقر مدقع بسبب كورونا.
عكفت حكومة توغو على تصميم وإطلاق برنامج رقمي بالكامل يسمى «نوفيسي»، ويعني «التضامن» بلغة الإيوي الإقليمية.
وحددت البالغين المعرَّضين لخطر الفقر أمثال بَماز، وسجلتهم في البرنامج، وأرسلت لهم دفعات مالية دون أي اختلاط مباشر معهم.
وصاحبة هذه الفكرة هي السيدة سينا لوسون، وزيرة الاقتصاد الرقمي والتحول الرقمي في توغو.
استغرق الأمر من فريقها أقل من أسبوعين لتصميم البرنامج وتنفيذه.
وقالت لبلومبيرج: ”لديَّ اعتقاد راسخ بأنَّ فقر الإنسان لا يعني أنه خالٍ من المسؤولية؛ بل فقير وحسب. فإذا أعطيته المال، فلن يهدره. وهذا يرتبط عندي بكرامة الإنسان.“
كان التحدي جسيماً.
فلم يجمع آخر تعداد سكاني وطني في توغو، قبل الجائحة بعقد من الزمان، أي معلومات عن ثروة الأسرة أو دخلها. ويعمل في توغو أربعة من كل خمسة من البالغين في الاقتصاد غير الرسمي، ولذا تمتلئ سجلات الضرائب والرواتب بفراغات عمياء.
باستخدام قاعدة البيانات الانتخابية، التي تضمنت ما يتراوح من 83٪ إلى 98٪ من البالغين في توغو، جمع فريق لوسون العناوين والمهن التي سجلها 3.6 مليون مواطن.
صُرفت الجولة الأولى من الدفعات المالية – نحو 20 دولاراً أمريكياً شهرياً – لجميع العاملين في الاقتصاد غير الرسمي في العاصمة لومي.
وأوضحت الوزيرة قائلة: ”ما عليك سوى التسجيل، وتحدد المنصة ما إذا كنت تستحق، وبمجرد أن تدخل رقمك الانتخابي، تعرف المنصة مهنتك وموقعك الجغرافي وغير ذلك! وتصلك رسالة نصية قصيرة بالمبلغ.“
لم تتطلب منصة «نوفيسي» اتصالاً بالإنترنت أو ساعات الانتظار في المصالح الحكومية.
وتقول لوسون: ”كل ما احتاجوه هو هاتف أساسي، وكان الأمر لا يستغرق دقيقتين.“
تسلم أكثر من 567,000 مواطن دفعات شهرية خلال الجولة الأولى من البرنامج.
وبلغ من نجاح المبادرة أن شاركت مؤسسة غير ربحية تسمى «جيف دايركتلي»، ورسالتها القضاء على الفقر بمبالغ نقدية دون قيد أو شرط، في تمويل جولة من الدفعات الشهرية لأفقر 200 قرية من قرى الدولة.
توصل الباحثون إلى 138,000 مستحق جديد بالذكاء الاصطناعي، إذ ابتكروا خوارزمية فحصت صور الأقمار الصناعية لتحديد المواطنين الذين يعيشون في منازل صغيرة وليس المنازل الكبيرة، وأسطح القش وليس الأسطح المعدنية باهظة الثمن، وفي الأحياء ذات الطرق الترابية وليس الطرق المعبَّدة.
واستخدمت خوارزمية ثانية بيانات الهواتف المحمولة – وتيرة وتوقيت المكالمات والرسائل النصية واستخدام البيانات – لتحديد المحتاجين.
ومع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وخرائط الأقمار الصناعية ومنظومة الدفع الرقمي، أظهرت منصة «نوفيسي» مرونتها واستمرت في خدمة أبناء توغو المحتاجين من خلال دفعات مالية موجهة بعد العام الأول من الجائحة.
وحين ارتفعت الحالات في إحدى القرى في آب/أغسطس 2021، أرسلت الوزارة أموالاً إلى جميع أهالي القربة – أكثر من 5,000 مواطن. كما سمحت الحكومة بدفع مبالغ خاصة للمعلمين العاطلين عن العمل وأطقم التمريض المنهكة وسائقي الحافلات بين المدن.
وافق البنك الدولي في حزيران/يونيو 2021 على منحة بقيمة 20 مليون دولار لإغاثة طارئة إضافية، وزعت توغو معظمها عبر برنامج «نوفيسي».
وقد لا يتوقف البرنامج.
وذلك أنَّ لوسون تستفيد بمبلغ إضافي قدره 72 مليون دولار من البنك الدولي لبناء قاعدة بيانات تتضمن البيانات الاجتماعية والاقتصادية والبيومترية مجهولة الهوية عن جميع المواطنين.
وقد أبدت عدة بلدان إفريقية اهتمامها بتعميم البرنامج، كما جذب اهتماماً عالمياً.
قالت السيدة تارا فيشواناث، خبيرة الاقتصاد الأولى بالبنك الدولي، لشبكة «صوت أمريكا»: ”أستطيع رؤية تطبيقات شتى لهذا، وأظن أنَّ المخاطر والصدمات صارت شائعة في زماننا.“
بلغ إجمالي المبالغ التي صرفها برنامج «نوفيسي» 34 مليون دولار على نسبة 25٪ من جميع البالغين في توغو؛ أي 920,000 مواطن.
وتقول لوسون: ”لست أحتاج إلى معرفة اسمك لأعرف أنك تحتاج دعماً؛ فهذا ثوري.“