تشن غانا حملة وطنية لمكافحة التنقيب غير القانوني عن الذهب، ولكن لا يزال لهذه الممارسة، المعروفة فيها بالغلامسي، يدٌ في تكبيدها خسائر بمليارات الدولارات سنوياً.
يحدث التنقيب عن الذهب بسبب عدة عوامل، منها تردي الظروف الاقتصادية، وندرة فرص العمل، والتراخي في إنفاذ القانون. ويرى البعض أن الوضع يتفاقم بسبب ذلك الطوفان من المهاجرين الصينيين. فيقول محللون إن شركات التعدين الأجنبية تستغل الثغرات التنظيمية الحكومية، وأدخلت آلات ضخمة، مثل معدات التجريف التي تُدمر الأراضي ومصادر المياه.
استفاد الكثير من المنقبون الأجانب من سياسة «الخروج» الصينية، التي بدأت بتشجيع العمال المهاجرين الصينيين على السفر إلى القارة، ولا سيما غانا في نحو عام 2008.
فيقول الباحث ناثانيل أوكواي في مقالٍ له بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية إن وصول المنقبين الصينيين حوَّل قطاع التعدين الحِرفي وصغير النطاق في غانا تحويلاً جذرياً إلى ”نشاط ميكانيكي على نطاق صناعي.“ وأضاف: ”فما هي إلا أيام قلائل حتى سوَّت الجرافات والحفارات الغابات بالأرض، ولا طاقة أبداً للمواطنين الغانيين الذين يستخدمون الأدوات اليدوية أن يفعلوا مثل ذلك، وتختفي مزارع الكاكاو كالضباب أينما حلَّ المنقبون الصينيون.“
كما تتأثر الأنهار الغانية بالمعادن الثقيلة كالزئبق والمواد الكيميائية كالسيانيد، المستخدمة في فصل الذهب من التربة المستخرج منها، وتسبب ذلك في أمراض خطيرة وتشوهات خِلقية وتضاؤل الثروة السمكية، وهذا يثير حفيظة الصيادين مثل بنيامين يانكي، الذي يعتمد على نهر أنكوبرا منذ سنوات لكسب قوت يومه.
وقال لموقع «أفريكا نيوز»: ”كانت لدينا فيما مضى أنواعٌ مختلفة من الأسماك في هذا النهر، ولكن تلوثت المياه بسبب أنشطة الغلامسي المستمرة في المجتمعات المحلية.“
يُعتبر دلوٌ واحد من الماء نعمة في مدينة المينا، فالمواطنة جينيفر دازي ذو الـ 72 سنة تقضي ساعات كل يوم جالسة بالقرب من صنبور عام يتدفق منه الماء أحياناً عند الفجر، ولا تنزل منه قطرة ماء في بعض الأيام.
وقالت لقناة «جوي نيوز» التلفزيونية الغانية: ”لا تقوى ساقاي الضعيفتان على الخروج للبحث عن الماء، بل إنني أعاني عند المشي من منزلي إلى هذا المكان، وصرت أستخدم أكياس المياه لغسل طعامي، ولا أجد ماءً إلا إذا اشتريتها.“
وهذه المياه عبارة عن مياه مفلترة أو معقمة يشيع بيعها في أكياس بلاستيكية محكمة الغلق بالحرارة. يُعد نقص المياه في غانا أزمة مستمرة، فقد كشف تقريرٌ صادرٌ عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2023 أن ما يقرب من 22% من سكان الريف الغاني محرومون من مياه الشرب الآمنة على مدار العام. وأفادت منصة «غانا ساستينابيليتي تايمز» أن ما يزيد على 40% من سكان المنطقة الشمالية الشرقية ومنطقة سافانا محرومون من مياه الشرب الأساسية.
رحَّلت غانا أكثر من 4,500 صيني في الحملة التي شنتها على الغلامسي في عام 2013، لكنهم تركوا معداتهم، وأعاد الغانييون استخدامها، وأخذوا يصنعونها بأنفسهم. وأوضح أوكواي أن رواد أعمال صينيين صاروا يُصدِّرون آلات تجريف تُعرف باسم «تشانغفا» وجرافات ومعدات حفر إلى شركاء الأعمال الغانيين. ودعت الجمعية الوطنية الغانية لصغار المنقبين الحكومة إلى حظر هذه الآلات لأنها السبب في تلويث الأنهار بالزئبق.
واستخدم بعض المنقبين الصينيين غير الشرعيين الأموال التي يجنونها من الغلامسي لإنشاء مشاريع قانونية في غانا، كالمحال التجارية وشركات الإنشاء والتعمير والكازينوهات. فتشكلت شبكة من الشركات السرية الضالعة في تهريب الذهب وتجنيد المزيد من المنقبين الصينيين.
وذكر أوكواي أن الصينيين ما كانوا لينجحوا في التعدين غير القانوني لولا أن ساعدهم مسؤولون حكوميون غانيون فاسدون، إذ يقدم بعضهم وثائق هجرة مزورة مقابل رسوم، ومن المعروف كذلك أن شيوخ القرى يبيعون الأراضي الزراعية للمنقبين الصينيين، ويستصدر بعض المنقبين الحِرفيين تراخيص التعدين بالنيابة عن المنقبين الصينيين.
وعُقدت في الأشهر الأخيرة عدة اجتماعات تشاورية، شارك فيها لفيفٌ من المسؤولين الحكوميين الغانيين ومنظمات المجتمع المدني والأجهزة الأمنية لإيجاد سبل للقضاء على ظاهرة الغلامسي. ويقول السيد منسى موفمور منته في مقالٍ له بموقع «ماي جوي أونلاين» الغاني إن المسؤولين شكلوا قوة مهام جديدة تضم شخصيات بارزة وأجهزة حكومية لتنسيق هذه الجهود. كما نشرت الحكومة فرقة من «الحرس البحري» على طول الأنهار لتقوم مقام قوة الأمن الأهلية، وناقش المسؤولون استخدام مسيَّرات وأنظمة مراقبة متطورة للقيام بمهام المراقبة.
ويقول أوكواي إن غانا يجدر بها ”التمعن في فحص كل شركة صينية تعمل في البلاد، وعدم التهاون في اتباع الإجراءات اللازمة لتنظيمها“، وروَّج لفكرة التعاون بين غانا والصين للتخفيف من حدة الأزمة.
وكتب قائلاً: ”يمكن للصين أن تمد غانا بالموارد المالية والخبرة الفنية التي تشتد حاجتها إليها، وسيكون ذلك دليلاً على حسن نيتها في علاقاتها الثنائية مع غانا، وينبغي لغانا أيضاً أن تراعي تثقيف المدنيين والتدريب على ممارسات التعدين الجيدة في الإدارة المحلية لمجتمعات التعدين، من أجل نشر ثقافة المواطنة الصالحة والامتثال لقوانين التعدين.“