يُقال إن المسيَّرات الهجومية التي أطلقتها حكومة الوفاق الوطني أثناء الحرب الأهلية التي استعرت في ليبيا في عام 2020 كانت تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد مواقع الآليات والقوات التابعة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ثم تقوم باستهدافها وإطلاق النار عليها.
تتميز مسيَّرة «كارغو-2»، التي تصنعها شركة «إس تي إم» التركية، ”بقدرتها على اختيار الأهداف والتعرف على الوجوه تلقائياً“، ولهذا يقول بعض الخبراء إن أول سلاح قتالي ذاتي التحكم يُستخدم في إفريقيا إنما كان في ليبيا.
وقال الدكتور ناثانيل ألِن، الباحث في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أثناء استضافة ندوة إلكترونية يوم 14 آذار/مارس بعنوان «استخدامات الذكاء الاصطناعي عسكرياً وأمنياً»: ”مرَّت خمس سنوات على هذا الهجوم، ومن الواضح أنه لم يكن الأخير من نوعه.“
وأضاف: ”نعيش في عصر تكثر فيه استقلالية الحروب، ولهذا عواقب وخيمة على الحرب في إفريقيا، ويُعد تطور الذكاء الاصطناعي من أبرز العوامل وراء هذه الاستقلالية المتزايدة للصراع.“
على المستويين التكتيكي والعملياتي، يُستخدم الذكاء الاصطناعي للقيام بمهام المراقبة والإلمام بالأوضاع على الأرض وجمع المعلومات الاستخبارية. ويُستخدم في أنظمة الملاحة والاستهداف ودعم القرار الآلية بفضل قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات، واكتشاف الأنماط فيها، والتنبؤ بالأحداث.
ويعتقد خبراء أمثال موسى كانيلي، مدير وحدة بحوث الذكاء الاصطناعي الدفاعي بجامعة ستيلينبوش في جنوب إفريقيا، أن الذكاء الاصطناعي سيُستخدم في اتخاذ قرارات استراتيجية أشد تعقيداً في المستقبل القريب.
وقال أثناء الندوة الإلكترونية: ”في ساحة المعركة، وفي ميدان الانتشار، تشتد أهميته للقيام بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ كالوعي الميداني، وهو عيون وآذان القوات المنتشرة، أمور مثل تغيرات الطقس، وتغيرات التضاريس، وتحركات قوات العدو.“
وينادي آخرون بالتحلي بالصبر، إذ يرون أن أي تقنية جديدة تُستخدم على أرض الواقع لا تخلو من الثغرات، وبعضها يصعب التنبؤ بها. فيوصي السيناتور إيروغبو، مؤسس مجلة «غلوبال سنتينل» الإلكترونية النيجيرية، بتوخي الحيطة والحذر عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي، ولئن كثرت فوائده في قطاع الأمن.
وقال لإذاعة «صوت أمريكا»: ”يقلل عدد القتلى والجرحى في صفوف الجنود الذين يُقرر نشرهم، فتحافظ على أرواح جنودك، ويعين على اختراق التضاريس الوعرة، والاستزادة من المعلومات الاستخبارية، والحمد لله على تنامي الوعي بمسألة الذكاء الاصطناعي. … [لكن] يجب زيادة التوعية، والاهتمام بوضع السياسات المتعلقة به.“
يميز كانيلي بين فوائد الذكاء الاصطناعي داخل ساحة المعركة وخارجها.
فيقول: ”لا غنى عن الذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاجية القوات المسلحة، وذلك بأتمتة العديد من المسؤوليات الإدارية والتنظيمية المعتادة، مثل إدارة المخزون.“
كما يمكن لقوات الدفاع توفير المال باستخدامه في التدريب والمحاكاة، فيكتسب الجنود مهارات جديدة ويرفعون كفاءتهم بموارد أقل.
ويمكن أن يوفر دعماً حاسماً بعد نشر القوات لاتخاذ القرارات في مجالات مثل هيكل القوة وتصميمها، والبحث والتطوير، والتخطيط طويل الأجل،
وأضاف: ”فكل هذا يتطلب قدراً كبيراً من القوة العقلية، والوقت ليس دائماً في صالح القادة؛ ولكن يمكن القيام بكل ذلك بسرعة نسبية بفضل الموارد المدعومة بالذكاء الاصطناعي.“
وذكر الدكتور سام سيغون، الباحث الأول في المركز العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي ومستشار ابتكار وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمعهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة، أن إفريقيا زاخرة بأمثلة كثيرة على عمليات إنفاذ القانون باستخدام هذه الموارد.
ففي نيجيريا، ابتكرت إحدى شركات التكنولوجيا وتُدعى «إيفويلات سوليوشنز ليمتد» إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي، تساعد المؤسسات المالية على اكتشاف عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومنعها، وذلك بأتمتة مراقبة المعاملات، واكتشاف الأنشطة المشبوهة، وتقييم مخاطر العملاء.
وفي تنزانيا، تستخدم محمية طبيعية تطبيق ذكاء اصطناعي يُسمى «تريل غارد»، قائم على الصور التي تلتقطها الكاميرات، وهو مُدرَّب على التعرف على البشر وأنواع معينة من الحياة البرية والمركبات مثل شاحنات الأشجار، ليلاً ونهاراً. وساعد على إلقاء القبض على 30 صياداً جائراً منذ عام 2018.
وتستخدم الكاميرون والغابون ونيجيريا الكاميرات ومستشعرات الحركة لجمع بيانات لأدوات نمذجة بالذكاء الاصطناعي للتصدي للصيد الجائر لآكل النمل الحرشفي، والتنبؤ بالطرق التي قد يسلكها الصيادون الجائرون، وتحديد الثغرات في شبكات التهريب والاتجار.
وتستعين غانا ونيجيريا بأداة تُسمى «ديجيتال إيرث» لتحليل صور الأقمار الصناعية لاكتشاف من يسلكون الطرق المؤدية إلى مواقع التعدين غير القانونية النائية وتعقبهم.
وقال سيغون في الندوة الإلكترونية: ”وكان ذلك عظيم النفع لهذه البلدان التي تسعى إلى حماية مواردها الطبيعية التي كثيراً ما تؤجج النزاعات القائمة وتتحول إلى صراعات عرقية أيضاً.“
واستطرد قائلاً: ”وفي المجال البحري، تستخدم 17 دولة إفريقية تقنية تُسمى «سكاي لايت»، توفر بيانات بحرية وبيانات من صور الأقمار الصناعية حتى يستنبط الذكاء الاصطناعي الأنماط الموجودة فيها، فيسهم في اكتشاف الصيد غير القانوني ويعين على مكافحة القرصنة.“
استضافت نيروبي في عام 2024 ورشة أولى بعنوان «الاستخدام الإقليمي المسؤول للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري في إفريقيا»، قال فيها الفريق أول تشارلز كهريري، قائد قوات الدفاع الكينية، جدير بالبلدان الإفريقية أن تبتكر أنظمة الذكاء الاصطناعي وتستخدمها بنفسها، لكنه دعا أيضاً إلى التنظيم والرقابة.
وقال في كلمته: ”لا بدَّ من وضع إطار تنظيمي شامل ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، وعلى واضعي السياسات أن يتعاونوا مع خبراء التكنولوجيا وعلماء الأخلاق والخبراء العسكريين لوضع سياسات توازن بين الابتكار والمسؤولية.“