Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

مسار جديد للسلام

مؤسسة مبادئ السلام تسخر الموارد والاستراتيجيات لخدمة الدول الساعية لحل النزاعات

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي

عاد‭ ‬السيد‭ ‬فريدريك‭ ‬غاتريتسي‭ ‬نغوغا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بوجمبورا،‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه،‭ ‬وكان‭ ‬يستيقظ‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬وهو‭ ‬يشعر‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬ذاك‭ ‬المكان‭ ‬ويؤمن‭ ‬بغاية‭ ‬سامية‭ ‬يرجو‭ ‬بلوغها‭.‬

وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2022،‭ ‬وقد‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬عاصمة‭ ‬بوروندي‭ ‬وسط‭ ‬الألوان‭ ‬والروائح‭ ‬والصخب‭ ‬والضجة‭ ‬التي‭ ‬يألفها‭ ‬لاستضافة‭ ‬حوار‭ ‬إقليمي‭ ‬بين‭ ‬لفيف‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬التي‭ ‬اجتمعت‭ ‬للنهوض‭ ‬بمنهج‭ ‬جديد‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬السلام‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬مسيرة‭ ‬15‭ ‬كيلومتراً‭ ‬فحسب،‭ ‬لاحت‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬مشارف‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية؛‭ ‬وهي‭ ‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬الدماء،‭ ‬تكثر‭ ‬فيها‭ ‬الجيوش،‭ ‬والجماعات‭ ‬المتمردة،‭ ‬والمسلحون‭ ‬المتطرفون،‭ ‬وعشرات‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وملايين‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬يستغيثون‭ ‬لنشر‭ ‬السلام‭ ‬وحمايتهم‭.‬

وقال‭ ‬غاتريتسي‭ ‬نغوغا‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬”ترى‭ ‬الجبال‭ ‬شرقي‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬حين‭ ‬تستيقظ‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬في‭ ‬بوجمبورا‭.‬“

وكان‭ ‬تاريخ‭ ‬بوروندي‭ ‬المليء‭ ‬بالعنف‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء‭ ‬يرهق‭ ‬فكره‭ ‬أيضاً‭.‬

فهو‭ ‬ابن‭ ‬أحد‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬وعاش‭ ‬أيام‭ ‬صباه‭ ‬وسط‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬والانقلابات‭ ‬وقتلى‭ ‬لا‭ ‬يُحصى‭ ‬عددهم،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬عمومته‭ ‬الصغار‭.‬

فيقول‭: ‬”انفطر‭ ‬قلبي‭ ‬بموتهم،‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬بوروندي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬أسرة‭ ‬إلا‭ ‬وتجرعت‭ ‬مرارة‭ ‬دوامات‭ ‬العنف‭.‬“

فمضى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬وما‭ ‬رآه‭ ‬من‭ ‬تخريب‭ ‬البلاد‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء‭.‬

يشغل‭ ‬اليوم‭ ‬منصب‭ ‬مستشار‭ ‬أول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬للشراكات‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬ترأس‭ ‬قسم‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬ومنع‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬خدموا‭ ‬في‭ ‬بعثة‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬التابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬في‭ ‬الصومال‭.‬

وهو‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬للسلام‭ ‬الشامل‭ ‬التابعة‭ ‬لمؤسسة‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام،‭ ‬فيعمل‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬و«ميثاق‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬المعيار‭ ‬المتبع‭ ‬لمبادئ‭ ‬إحلال‭ ‬السلام،‭ ‬فتغدو‭ ‬الأسوة‭ ‬الحسنة‭ ‬التي‭ ‬يسترشد‭ ‬بها‭ ‬الوسطاء‭ ‬والحكومات‭ ‬والهيئات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لرسم‭ ‬المسار‭ ‬لسلام‭ ‬مستدام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشتعل‭ ‬فتيل‭ ‬الصراع‭ ‬وعندما‭ ‬ينشب‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تخمد‭ ‬نيرانه‭.‬

وما‭ ‬كان‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬بوجمبورا‭ ‬إلا‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬الفعاليات‭ ‬التي‭ ‬أُجريت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عامين‭ ‬لتشكيل‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭.‬

كانت‭ ‬جبال‭ ‬إيتومبوي‭ ‬ظاهرة‭ ‬خلف‭ ‬قاعة‭ ‬المؤتمرات،‭ ‬وملئت‭ ‬تلك‭ ‬القاعة‭ ‬بناشري‭ ‬سلام‭ ‬مخضرمين‭ ‬وناشطين‭ ‬وناجين‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الصراع‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يتمسكون‭ ‬بالأمل،‭ ‬يتدارسون‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬ماضي‭ ‬المنطقة‭ ‬وحاضرها،‭ ‬راجين‭ ‬تغيير‭ ‬مصيرها‭.‬

لفريق الكندي المتقاعد روميو دالير، قائد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا سابقاً، يسار الصورة، والسيدة هبة القصاص، وسط الصورة، والسيد فريدريك غاتريتسي نغوغا، العضوان في اللجنة الدولية للسلام الشامل.

تحديات‭ ‬قديمة‭ ‬مبادئ‭ ‬جديدة

ما‭ ‬أكثر‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬30‭ ‬صراعاً‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬شتى‭ ‬من‭ ‬القارة،‭ ‬بعضها‭ ‬بسبب‭ ‬الدولة،‭ ‬وبعضها‭ ‬طائفي،‭ ‬وكلها‭ ‬تخرب‭ ‬البلاد،‭ ‬وتهرق‭ ‬الدماء،‭ ‬وتهدم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وتفكك‭ ‬التلاحم‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭.‬

وُضعت‭ ‬المبادئ‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2023،‭ ‬وتقدم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬ملموسة‭ ‬وآليات‭ ‬متابعة‭ ‬يعتقد‭ ‬واضعوها‭ ‬أنها‭ ‬ستنسجم‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬الحكومات‭ ‬والسلطات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والهيئات‭ ‬الدولية‭.‬

وأوضحت‭ ‬السيدة‭ ‬هبة‭ ‬القصاص،‭ ‬المديرة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمؤسسة‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬أن‭ ‬مؤسستها‭ ‬إنما‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬حركة‭ ‬تُحدث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭.‬

وقالت‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬”كان‭ ‬لنشأتي‭ ‬في‭ ‬أرضنا‭ ‬المحتلة‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬مسيرتي،‭ ‬فقد‭ ‬عشت‭ ‬فواجع‭ ‬الموت‭ ‬والمعاناة‭ ‬بنفسي‭.‬“

وذكرت‭ ‬أن‭ ‬المبادئ‭ ‬تثري‭ ‬عملية‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬بمفهوم‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لبناء‭ ‬”بيئة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن؛‭ ‬بيئة‭ ‬تُحترم‭ ‬فيها‭ ‬العدالة‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وتُصان‭ ‬فيها‭ ‬الحقوق‭.‬“

وأضافت‭ ‬أن‭ ‬مجال‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬كان‭ ‬يعوزه‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬للصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991‭.‬

وتقول‭: ‬”وذلك‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬المتوحش؛‭ ‬إذ‭ ‬تسبب‭ ‬غياب‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬انخراط‭ ‬جهات‭ ‬شتى‭ ‬في‭ ‬إحلال‭ ‬السلام،‭ ‬فتعددت‭ ‬مناهجهم،‭ ‬وتباينت‭ ‬الافتراضات‭ ‬التي‭ ‬آمنوا‭ ‬بها،‭ ‬واختلفت‭ ‬طرقهم‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬النجاح‭.‬“

عندما‭ ‬تتفق‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاع،‭ ‬فلا‭ ‬يُستهان‭ ‬بخطر‭ ‬نشوب‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فقد‭ ‬تكرر‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الصراعات‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬بل‭ ‬وتكرر‭ ‬بعضها‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭. ‬يعيش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملياري‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬هشة‭ ‬يعصف‭ ‬بها‭ ‬الصراع،‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬العنف‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬مباشرة‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭.‬

وتقول‭ ‬القصاص‭: ‬”يعاني‭ ‬منهج‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬كبيرة،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬شجعت‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسة‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام؛‭ ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬ينهار‭ ‬السلام‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬سلاماً‭ ‬شرعياً‭ ‬ولا‭ ‬شاملاً‭ ‬ولا‭ ‬مصلحاً‭ ‬الأوضاع‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭.‬“

ووضعت‭ ‬المؤسسة‭ ‬‮«‬ميثاق‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬مبادئ‭ ‬رئيسية‭: ‬الكرامة‭ ‬والتضامن‭ ‬والتواضع؛‭ ‬تبرز‭ ‬ضرورة‭ ‬التأصيل‭ ‬لإحلال‭ ‬السلام‭ ‬أدبياً‭ ‬وأخلاقياً‭ ‬لتعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭. ‬

خبراء ونشطاء يحضرون الحوار الإقليمي للجنة الدولية للسلام الشامل في بوجمبورا في الفترة من 22 إلى 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. مؤسسة مبادئ السلام

وللميثاق‭ ‬مبدآن‭ ‬آخران،‭ ‬وهما‭ ‬تعزيز‭ ‬الشرعية‭ ‬والأمن‭ ‬الخاضع‭ ‬للمساءلة،‭ ‬يرسيان‭ ‬دعائم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭. ‬

وتؤكد‭ ‬آخر‭ ‬ثلاثة‭ ‬مبادئ‭ ‬على‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لتعزيز‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭: ‬زيادة‭ ‬التعددية،‭ ‬والأخذ‭ ‬بمفهوم‭ ‬تفريع‭ ‬السلطة‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬على‭ ‬أدنى‭ ‬مستوىً‭ ‬محلي،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الحلول‭ ‬المتكاملة‭ ‬والهجينة‭.‬

وتقول‭ ‬القصاص‭: ‬”لزاماً‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬سياسياً‭ ‬لا‭ ‬يكفي؛‭ ‬وإنما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬جهد‭ ‬أكبر‭ ‬لإصلاح‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬“

”فينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحسن‭ ‬تجاوب‭ ‬آليات‭ ‬الحكم‭ ‬ومحاسبتها،‭ ‬ويعود‭ ‬بالخير‭ ‬على‭ ‬المواطن،‭ ‬ويُداوي‭ ‬الجروح‭ ‬الاجتماعية‭.‬“

تجعل‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬دليلاً‭ ‬عملياً‭ ‬وأداةً‭ ‬للمساءلة،‭ ‬والمراد‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تغدو‭ ‬إطاراً‭ ‬لإبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬وتنفيذها‭ ‬وأن‭ ‬تعالج‭ ‬الدوافع‭ ‬الرئيسية‭ ‬للصراع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬أشمل‭.‬

وهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬ثمرة‭ ‬700‭ ‬نموذجاً‭ ‬عملياً‭ ‬و150‭ ‬مشاورة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬دولة،‭ ‬إذ‭ ‬انخرطت‭ ‬مؤسسة‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬شتى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬والاستماع‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬أوردهم‭ ‬الصراع‭ ‬موارد‭ ‬الهلاك‭.‬

ووصفت‭ ‬القصاص‭ ‬مشاركتها‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬آخرين‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬في‭ ‬التحاور‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬سلمية‭ ‬وعناصر‭ ‬مسلحة‭ ‬غير‭ ‬تابعة‭ ‬للدولة،‭ ‬وتحدثوا‭ ‬مع‭ ‬مفسدين،‭ ‬وهم‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬جماعات‭ ‬مستبعدة‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬السلام‭ ‬أو‭ ‬يستبعدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬ويلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬لمهاجمة‭ ‬الساعين‭ ‬لنشر‭ ‬السلام‭.‬

وقالت‭ ‬في‭ ‬بوجمبورا‭: ‬”في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات،‭ ‬عندما‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬فئات‭ ‬مختلفة،‭ ‬يقولون‭: ‬لم‭ ‬نشارك‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬السلام؛‭ ‬السلام‭ ‬فُرض‭ ‬علينا،‭ ‬ولم‭ ‬يُفرض‭ ‬بنا،‭ ‬فلا‭ ‬يلزمنا‭ ‬التمسك‭ ‬به‭.‬“

تحدث‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬بوجمبورا‭ ‬الأب‭ ‬ديزيريه‭ ‬ياموريمي،‭ ‬وهو‭ ‬قس‭ ‬يسوعي‭ ‬كان‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والمصالحة‭ ‬في‭ ‬بوروندي،‭ ‬وذكر‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬المبرمة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الصراعات‭ ‬لا‭ ‬تجسد‭ ‬الواقع؛‭ ‬فلا‭ ‬تراعي‭ ‬الخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصدمات‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الشعوب‭.‬

وقال‭: ‬”لكي‭ ‬يتحول‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬تام،‭ ‬فلا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬إحراز‭ ‬تقدم‭ ‬اقتصادي‭ ‬يرحب‭ ‬بالجميع،‭ ‬فالسلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬التسوية‭ ‬التي‭ ‬تتأتى‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬السياسية‭.‬“

وأضاف‭ ‬قائلاً‭: ‬”إنَّ‭ ‬غياب‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭.‬“

السيد رضوان حسين، يسار الصورة، ممثل الحكومة الإثيوبية والسيد غيتاتشو رضا، ممثل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، يتصافحان عقب إبرام اتفاق سلام في بريتوريا بجنوب إفريقيا يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2022. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

“دعونا‭ ‬نبث‭ ‬الروح‭ ‬فيها”

ترعى‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬خمسُ‭ ‬دول‭: ‬الدنمارك‭ ‬وألمانيا‭ ‬وهولندا‭ ‬والسويد‭ ‬وسويسرا،‭ ‬وتدعمها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬منظمة‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭.‬

وفي‭ ‬أيَّار‭/‬مايو‭ ‬2023،‭ ‬اعتُرف‭ ‬بها‭ ‬كإطار‭ ‬مرجعي‭ ‬ومعايير‭ ‬مشتركة‭ ‬مهمة‭ ‬بين‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المناقشة‭ ‬المفتوحة‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭.‬

وأُميط‭ ‬اللثام‭ ‬عنها‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬الفلبين،‭ ‬إذ‭ ‬تُستخدم‭ ‬فيها‭ ‬كأداة‭ ‬مساءلة‭ ‬لتتبع‭ ‬التدابير‭ ‬الإضافية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬سلام‭ ‬بانجسامورو‭.‬

وفي‭ ‬إفريقيا،‭ ‬أجرت‭ ‬المؤسسة‭ ‬فعاليات‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ومجموعة‭ ‬شرق‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والقادة‭ ‬في‭ ‬الصومال،‭ ‬إذ‭ ‬يعكفون‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬لإطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬هناك‭.‬

وتشعر‭ ‬القصاص‭ ‬بالأمل‭ ‬والرجاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬المبادئ،‭ ‬وقالت‭ ‬إنها‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬”مجرد‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬يتراكم‭ ‬عليه‭ ‬التراب‭.‬“‭ ‬وتؤثِر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التنفيذ‭ ‬بعبارة‭ ‬”دعونا‭ ‬نبث‭ ‬الروح‭ ‬فيها‭.‬“

وقالت‭ ‬عن‭ ‬رحلتها‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬طوال‭ ‬20‭ ‬عاماً‭: ‬”الحق‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬ألهمني‭ ‬وحركني‭ ‬هو‭ ‬طاقة‭ ‬الشباب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتزعزع،‭ ‬وشغف‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬والقيادة‭ ‬المستنيرة‭ ‬التي‭ ‬انبثقت‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬شتى؛‭ ‬فتصميمهم‭ ‬الجماعي‭ ‬شجعنا‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدماً‭ ‬وكسر‭ ‬الحواجز‭ ‬وتحدي‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭.‬“

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬والعالم،‭ ‬يؤمن‭ ‬غاتريتسي‭ ‬نغوغا‭ ‬بضرورة‭ ‬التعجيل‭ ‬بتسليح‭ ‬ناشري‭ ‬السلام‭ ‬بأدوات‭ ‬حديثة‭.‬

وقال‭: ‬”لا‭ ‬داعي‭ ‬لأن‭ ‬يموت‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬مولدهم،‭ ‬أو‭ ‬جنسهم،‭ ‬أو‭ ‬عقيدتهم؛‭ ‬ومن‭ ‬نكد‭ ‬العيش‭ ‬أننا‭ ‬حين‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فيبدو‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نتعلم‭ ‬الدرس‭.‬“

وينصب‭ ‬تركيزه‭ ‬على‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬‮«‬أصحاب‭ ‬الصوت‭ ‬العالي‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعلو‭ ‬أصواتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬أكثر‭ ‬بفضل‭ ‬مؤسسة‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام‭.‬

وقال‭: ‬”لا‭ ‬يخلوا‭ ‬خطابنا‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬التطبيع‭ ‬للتعصب،‭ ‬ولا‭ ‬يضيرنا‭ ‬ذلك،‭ ‬ونسلك‭ ‬طريقاً‭ ‬موحشاً،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭.‬“

”والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬مَن‭ ‬واجب‭ ‬ذوي‭ ‬المثل‭ ‬العليا‭ ‬والفطرة‭ ‬السليمة‭ ‬أن‭ ‬يقاوموا‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬لطالما‭ ‬منعنا‭ ‬خجلنا‭ ‬كلنا‭.‬“‭   

التعليقات مغلقة.