Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

التربح من منصبها

المصالح التجارية تدر عائدات للجيوش لكنها تتسبب كثيراً في تدني مستوى الجاهزية

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي

للجيش السوداني‭ ‬قدم‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوداني؛‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬الزراعية،‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حقول‭ ‬النَّفط؛‭ ‬إذ‭ ‬تدير‭ ‬منظومة‭ ‬الصناعات‭ ‬الدفاعية‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الجيش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬شركة‭ ‬يبلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬قيمتها‭ ‬ملياري‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬وتنتج‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬للاستخدامات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬شركات‭ ‬المنظومة‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الذهب‭ ‬والرخام‭ ‬والجلود‭ ‬والصمغ‭ ‬العربي‭ ‬والأجهزة‭ ‬المنزلية‭. ‬

ولها‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الاتصالات‭ ‬السلكية‭ ‬واللاسلكية‭ ‬والبنوك‭ ‬وتوزيع‭ ‬المياه‭ ‬والتطوير‭ ‬العقاري‭ ‬والطيران‭ ‬والنقل‭ ‬والأدوية‭ ‬والمنسوجات‭. ‬كما‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ %‬60‭ ‬من‭ ‬واردات‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬القمح‭.‬

كتب‭ ‬السيد‭ ‬جان‭ ‬بابتيست‭ ‬جالوبين،‭ ‬الباحث‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬تناول‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬يقول‭: ‬“أينما‭ ‬تولي‭ ‬وجهك‭ ‬تجدهم‭.‬”

يحصل‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬خارج‭ ‬الميزانية‭ ‬لتمويل‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وثمة‭ ‬50‭ ‬شركة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تمول‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬التي‭ ‬يترأسها‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬محمد‭ ‬حمدان‭ ‬دقلو،‭ ‬الشهير‭ ‬بحميدتي؛‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الإيرادات‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للضريبة‭.‬

بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬الذي‭ ‬لبث‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬السودان‭ ‬طويلاً،‭ ‬أعلنت‭ ‬القيادات‭ ‬المدنية‭ ‬السودانية‭ ‬عن‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬طموحة‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المزمع‭ ‬إجراؤها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023؛‭ ‬وانطوت‭ ‬تلك‭ ‬الخارطة‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬الصفقات‭ ‬التجارية‭ ‬المدنية‭ ‬للجيش‭ ‬وفرض‭ ‬ضرائب‭ ‬عليها‭.‬

جنديان سودانيان يمران عبر مجمع وزارة الدفاع في الخرطوم. رويترز

بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬البرهان‭ ‬وأد‭ ‬تلك‭ ‬الخطط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬حين‭ ‬حل‭ ‬مجلس‭ ‬السيادة‭ ‬الحاكم‭ ‬وألقى‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬حمدوك،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وأغلق‭ ‬التحقيقات‭ ‬المفتوحة‭ ‬حول‭ ‬الأنشطة‭ ‬العسكرية‭.‬

وأمست‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المناهضة‭ ‬للطغمة‭ ‬العسكرية‭ ‬شيئاً‭ ‬معتاداً‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الشارع‭ ‬السوداني‭ ‬منذ‭ ‬الانقلاب‭.‬

تعد‭ ‬تجربة‭ ‬السودان‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬الجيوش‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭ ‬وعلى‭ ‬مصداقيتها‭ ‬حين‭ ‬تجري‭ ‬أعمالاً‭ ‬تجارية‭ ‬لحسابها‭.‬

وليس‭ ‬السودان‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فمن‭ ‬كوبا‭ ‬إلى‭ ‬زيمبابوي،‭ ‬تنخرط‭ ‬عشرات‭ ‬الجيوش‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الوسطى‭ ‬والجنوبية‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬لأسباب‭ ‬شتى‭:‬

الحكومات‭ ‬الوطنية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬التمويل‭ ‬الكافي‭ ‬للجيش،‭ ‬فتشجعه‭ ‬على‭ ‬جني‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إبرام‭ ‬صفقات‭ ‬تجارية‭.‬

غياب‭ ‬المهنية‭ ‬والاحترافية‭ ‬يسمح‭ ‬لأفراد‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬نفسه‮»‬‭ ‬في‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭. ‬

القيادات‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬تقيم‭ ‬علاقة‭ ‬تكافلية‭ ‬تُبقِي‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وتسمح‭ ‬للجيش‭ ‬بتولي‭ ‬شؤونه‭ ‬الخاصة؛‭ ‬وتعتقد‭ ‬القيادات‭ ‬المدنية‭ ‬أنَّ‭ ‬السماح‭ ‬للجيش‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬يكفل‭ ‬“منع‭ ‬الانقلاب”‭ ‬على‭ ‬حكوماتهم‭.‬

كتبت‭ ‬الباحثة‭ ‬رؤيا‭ ‬إزادي‭ ‬بحثاً‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬تسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬تقول‭ ‬فيه‭: ‬“يعد‭ ‬دخول‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬استراتيجية‭ ‬تكفل‭ ‬بقاء‭ ‬القادة‭ ‬وخطة‭ ‬تكفل‭ ‬جني‭ ‬المال‭ ‬للجيش‭.‬”‭ ‬

وذكرت‭ ‬أنَّ‭ ‬47‭ ‬جيشاً‭ ‬أطلقوا‭ ‬مشاريعهم‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1950‭ ‬و2010،‭ ‬وأطلق‭ ‬جيشا‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬وغانا‭ ‬مشاريعهم‭ ‬التجارية‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2010‭. ‬وتعتبر‭ ‬الأرجنتين‭ ‬وهايتي‭ ‬والهند‭ ‬وباراغواي‭ ‬وأوروغواي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬لجيوشها‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭.‬

ويرى‭ ‬الخبراء‭ ‬أنَّ‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬قد‭ ‬تحل‭ ‬عجز‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬تمويل‭ ‬الجيوش‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬لكنها‭ ‬تخلق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭. ‬

فالتاريخ‭ ‬حافل‭ ‬بأمثلة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬نمو‭ ‬المصالح‭ ‬التجارية‭ ‬للجيش‭ ‬يصاحبه‭ ‬فساد‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬جاهزية‭ ‬الجيش،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنَّ‭ ‬سلسلة‭ ‬القيادة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬المال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تركيزها‭ ‬على‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬أوطانها‭. ‬وتتسبب‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬للجيوش‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬العلاقة‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬حرمان‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬جني‭ ‬الأرباح‭.‬

وتقول‭ ‬الدكتورة‭ ‬عائشة‭ ‬صديق،‭ ‬مؤلفة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬شركة‭ ‬الجيش‭: ‬نظرة‭ ‬داخل‭ ‬اقتصاد‭ ‬الجيش‭ ‬الباكستاني‮»‬،‭ ‬إنَّ‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬تصبح‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬مفترسة،‭ ‬إذ‭ ‬تحتكر‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموارد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصلحة‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭.‬

وقالت‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬“لا‭ ‬تتوقف‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العسكرية‭ ‬عن‭ ‬التوسع،‭ ‬وكلما‭ ‬حاولت‭ ‬إسعادهم،‭ ‬زاد‭ ‬جشعهم‭.‬”

المصالح التجارية للجيش الباكستاني تشمل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومجموعة من مصافي النَّفط وأساطيل النقل ووكالات السفريات والمخابز والجامعات. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

نشأة‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية

تأسست‭ ‬الخلية‭ ‬اللوجستية‭ ‬الوطنية‭ ‬الباكستانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬لرفع‭ ‬كفاءة‭ ‬الطرق‭ ‬وخطوط‭ ‬السكك‭ ‬الحديد‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأخرى‭ ‬اللازمة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬اختناقات‭ ‬حركة‭ ‬النقل‭ ‬والمواصلات‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬كراتشي‭ ‬حين‭ ‬أثبتت‭ ‬السلطات‭ ‬المدنية‭ ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭. ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تلجأ‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬جيوشها‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات،‭ ‬فتفتح‭ ‬لها‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

وتعد‭ ‬تلك‭ ‬الخلية‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬قائد‭ ‬الإمداد‭ ‬العام‭ ‬للجيش‭ ‬الباكستاني‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬دخول‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭. ‬ولم‭ ‬تُحل‭ ‬الخلية‭ ‬بعد‭ ‬إنهاء‭ ‬الأزمة،‭ ‬بل‭ ‬توسعت‭ ‬واستفحلت‭.‬

وتكشف‭ ‬حروب‭ ‬باكستان‭ ‬المتكررة‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬سبباً‭ ‬آخر‭ ‬لدخول‭ ‬الجيوش‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭: ‬وأقصد‭ ‬بذلك‭ ‬تمويل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬اليومية‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬مزايا‭ ‬المحاربين‭ ‬القدامى‭. ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬الجيش‭ ‬الباكستاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬الفرعية‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬ما‭ ‬يُقدَّر‭ ‬بنحو‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬وحده،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الميزانية‭ ‬الرسمية‭ ‬المخصصة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬11‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

وذكرت‭ ‬إزادي‭ ‬أنَّ‭ ‬القيادات‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬الحكومات‭ ‬الضعيفة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬وسيلة‭ ‬لإرضاء‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬لكنها‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬سلاحاً‭ ‬ذا‭ ‬حدين‭.‬

وتقول‭ ‬صديق‭: ‬“يمنح‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬شعوراً‭ ‬بالقوة‭ ‬والثقة‭ ‬للاستغناء‭ ‬عن‭ ‬المدنيين‭ ‬‮«‬غير‭ ‬الأكفاء»؛‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتظاهر‭ ‬الجيش‭ ‬بأنه‭ ‬ينهض‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يفاقم‭ ‬التهديد‭.‬”

الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬والفساد

تعد‭ ‬باكستان‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬تطور‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬للجيش‭ ‬وتحذيراً‭ ‬من‭ ‬عاقبة‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬رقيب‭ ‬أو‭ ‬حسيب‭.‬

فمنذ‭ ‬أواخر‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬والجيش‭ ‬والبحرية‭ ‬والقوات‭ ‬الجوية‭ ‬الباكستانية‭ ‬تتبارى‭ ‬وراء‭ ‬الإيرادات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬شركاتها‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬

فحين‭ ‬يشتري‭ ‬الباكستانيون‭ ‬الأحذية‭ ‬أو‭ ‬يحجزون‭ ‬الإجازات‭ ‬أو‭ ‬يجرون‭ ‬أعمالهم‭ ‬المصرفية،‭ ‬فإنهم‭ ‬يعطون‭ ‬أموالهم‭ ‬للجيش‭. ‬وحين‭ ‬يشحنون‭ ‬البضائع،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الخلية‭ ‬اللوجستية‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬أساطيل‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬آسيا‭ ‬–‭ ‬تنهض‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة‭ ‬بطاقمها‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬2‭,‬500‭ ‬جندي‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الخدمة‭. ‬وحين‭ ‬يسافر‭ ‬الباكستانيون‭ ‬جواً،‭ ‬يقود‭ ‬الطائرة‭ ‬إما‭ ‬طيار‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬أو‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬الطيران‭.‬

بفضل‭ ‬العلاقات‭ ‬الوثيقة‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬وكوادر‭ ‬يكفلها‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬بضرائبهم،‭ ‬تتفوق‭ ‬الشركات‭ ‬العسكرية‭ ‬الباكستانية‭ ‬بسهولة‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬الأخرى‭ ‬للفوز‭ ‬بالعقود‭ ‬الحكومية‭. ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬شركة‭ ‬سكك‭ ‬حديد‭ ‬باكستان‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬نقلت‭ ‬نسبة‭ %‬65‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الشحن‭ ‬الباكستانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1980‭. ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬الخلية‭ ‬تمكنت‭ ‬بفضل‭ ‬شبكة‭ ‬شاحناتها‭ ‬وإدارة‭ ‬سككها‭ ‬الحديد‭ ‬من‭ ‬تقليص‭ ‬دور‭ ‬الشركة‭ ‬حتى‭ ‬نقلت‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ %‬15‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الشحن‭ ‬الباكستانية‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2010‭.‬

وقالت‭ ‬صديق‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬“إنَّ‭ ‬الخلية‭ ‬تقصي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ينافسها‭.‬”

ويقول‭ ‬الخبراء‭ ‬إنَّ‭ ‬توسع‭ ‬الشركات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬باكستان‭ ‬يحوِّل‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إنعاش‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬جيوب‭ ‬الضباط‭ ‬المتقاعدين‭ ‬والعاملين‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬منظومة‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭.‬

كما‭ ‬أنَّ‭ ‬تركيز‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬جني‭ ‬المال‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الفساد‭ ‬ويهدم‭ ‬جاهزية‭ ‬باكستان‭ ‬عسكرياً‭. ‬وذكرت‭ ‬صديق،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تترأس‭ ‬مكتب‭ ‬الأبحاث‭ ‬البحرية‭ ‬الباكستاني،‭ ‬أنَّ‭ ‬شباب‭ ‬الضباط‭ ‬يتلاعبون‭ ‬بمنظومة‭ ‬المشتريات‭ ‬العسكرية‭ ‬بهدف‭ ‬التودد‭ ‬إلى‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬الترقي‭ ‬والامتيازات‭ ‬الأخرى،‭ ‬كتوزيع‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬المربحة‭.‬

وقالت‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬“أجرى‭ ‬الضباط‭ ‬حتى‭ ‬رتبة‭ ‬نقيب‭ ‬تقييمات‭ ‬صحيحة‭ ‬للمشتريات،‭ ‬ثم‭ ‬يسير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬فجأة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬رتبة‭ ‬نقيب‭ ‬فما‭ ‬فوقها‭.‬”

وذكرت‭ ‬أنَّ‭ ‬قيادات‭ ‬الجيش‭ ‬الباكستاني‭ ‬تهدم‭ ‬الاستعداد‭ ‬العسكري‭ ‬للبلاد‭ ‬باستخدام‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الطرق‭ ‬والغسيل‭ ‬الجاف‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تدريبهم‭ ‬على‭ ‬مهامهم‭. ‬

وتقول‭ ‬إزادي‭: ‬“تتعارض‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للجيوش‭ ‬مع‭ ‬واجبها‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬حين‭ ‬تدير‭ ‬شركات‭ ‬تجارية‭.‬”

مصنع «فوجى الأردن للأسمدة» الباكستاني جزء من شبكة كبيرة من الشركات التي يسيطر عليها الجيش في البلاد. وكالة الأنباء الفرنسية/ صور غيتي

كبح‭ ‬جماح‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية

تقول‭ ‬إزادي‭: ‬“تجد‭ ‬الحكومات‭ ‬صعوبة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الجيش‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬أنشطته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بعد‭ ‬ترسيخ‭ ‬أقدامه‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وتجد‭ ‬قيادات‭ ‬الدولة‭ ‬صعوبة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬مصادرة‭ ‬الشركات‭ ‬المملوكة‭ ‬للجيش‭.‬”

وتؤكد‭ ‬دراسة‭ ‬أجرتها‭ ‬منظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬ذلك؛‭ ‬بل‭ ‬إنَّ‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬راسخة‭ ‬الأقدام‭ ‬تنفِّر‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬وتشل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬والشعب‭.‬

ولنا‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬عبرة‭: ‬فقد‭ ‬أفادت‭ ‬المنظمة‭ ‬أنَّ‭ ‬الحكومة‭ ‬التزمت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬بإيقاف‭ ‬العمليات‭ ‬التجارية‭ ‬لجيشها‭ (‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الإندونيسية‭) ‬لمحاسبته‭ ‬محاسبة‭ ‬كاملة‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭. ‬

وبعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬إيقافها،‭ ‬سمحت‭ ‬الحكومة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الإندونيسية‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬شركاتها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬23‭ ‬مؤسسة‭ ‬و1‭,‬000‭ ‬تعاونية‭ ‬عسكرية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إدخال‭ ‬أي‭ ‬إيرادات‭ ‬محققة‭ ‬إلى‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭. ‬وأضاف‭ ‬الدكتور‭ ‬ميدي‭ ‬كوساندي،‭ ‬الباحث‭ ‬بجامعة‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬أنَّ‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ظلت‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬متحكمة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬مشاريعها‭ ‬التجارية‭.‬

ويقول‭ ‬في‭ ‬تحليله‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭: ‬“بعد‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1998،‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬الجيش‭ ‬لم‭ ‬يلتزم‭ ‬التزاماً‭ ‬قوياً‭ ‬بمبدأ‭ ‬عدم‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭.‬”‭ ‬

وقالت‭ ‬الدكتورة‭ ‬كريستينا‭ ‬ماني،‭ ‬الخبيرة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬أوبرلين،‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي،‭ ‬إنَّ‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها؛‭ ‬فالحكومات‭ ‬الضعيفة‭ ‬تظل‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬جيوشها‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭.‬

وتقول‭ ‬ماني‭ ‬التي‭ ‬عكفت‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وباكستان‭ ‬والسلفادور‭: ‬“ينطوي‭ ‬إصلاح‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬علاقات‭ ‬القوة؛‭ ‬

وبوسع‭ ‬الحكومات‭ ‬المدنية‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬ملموس‭.‬”

كان‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬أوقفت‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬جريئة‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬مسعاها،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬هاييتي‭ ‬حلَّت‭ ‬جيشها‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬ويرجع‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬جزئياً‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭. ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬أخرى،‭ ‬ظلت‭ ‬الحكومات‭ ‬المدنية‭ ‬وقواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬تتفاوض‭ ‬سنوات‭ ‬طوال‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬المصالح‭ ‬التجارية‭ ‬للجيش‭ ‬خارج‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭.‬

وتقول‭ ‬ماني‭: ‬“من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تحرص‭ ‬الجيوش‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بأعلى‭ ‬معايير‭ ‬المهنية‭ ‬والاحترافية‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬أنشطة‭ ‬اقتصادية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬مؤسسية‭ ‬وليس‭ ‬فردية؛‭ ‬ويكون‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬القوية‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالأهداف‭ ‬التي‭ ‬يضعها‭ ‬مسؤولو‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬الالتزام‭ ‬بمصالحه‭ ‬الخاصة‭.‬”

إنَّ‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬يعود‭ ‬بالخير‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬مسؤولة‭ ‬أمامها‭. ‬وقالت‭ ‬صديق‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭ ‬إنَّ‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أنَّ‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬العسكرية‭ ‬تجرد‭ ‬الجيوش‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬من‭ ‬شرعيتها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

وقالت‭: ‬“تخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الشِقاق‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬بالخير‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭.‬”‭  

التعليقات مغلقة.