يشغل الدكتور جابو متسويني منصب مدير مركز المعلومات وأبحاث الأمن السيبراني في مجلس الأبحاث العلمية والصناعية في بريتوريا بجنوب إفريقيا، وقد تحدث مع منبر الدفاع الإفريقي حول أنواع التهديدات السيبرانية التي تواجهها البلدان الإفريقية وكيف يمكنها رفع مستوى استعداداتها لمواجهتها. وقد اضطررنا إلى تحرير الحوار بما يتفق وهذا التنسيق.
منبر الدفاع الإفريقي: نرجو أن تحدثنا قليلاً عن خلفيتك في قضايا الأمن السيبراني كمؤهلاتك التعليمية ودوراتك التدريبية.
متسويني: أتخصص في علوم الكمبيوتر، ومؤهلاتي الجامعية وكذلك الدراسات العليا، وتتضمن درجة الدكتوراه التي حصلت عليها علوم الكمبيوتر، ولكن لم أركز على الأمن السيبراني في البداية؛ إذ أخذت أتجه نحو الأمن السيبراني أو أتخصص فيه قرابة عام 2014، لكنني عملت في مختلف جوانب الأمن السيبراني على نطاق ضيق منذ عام 2003 أو نحوه، وشاركت في عدد من المبادرات مثل قيادة مجموعة من الباحثين – نحو 15 باحثاً – تركز بقوة على دعم الجيش في ملفات الحرب السيبرانية وبناء القدرات. وأعمل الآن على تقديم الدعم لفريق أكبر بكثير – نحو 70 شخصاً – حيث نركز على دعم وزارة الدفاع بجنوب إفريقيا وفي بلدان أخرى، لكننا نتعامل مع قضايا الأمن السيبراني بشكل عام في القطاع العام وكذلك في القطاع الخاص.
منبر الدفاع الإفريقي: اشرح لنا بإيجاز الأعمال التي يقوم بها المجلس ووظيفتك بصفتك مدير مركز المعلومات وأبحاث الأمن السيبراني بالمجلس.
متسويني: المجلس عبارة عن مؤسسة حكومية وطنية ينصب تركيزها على البحث والتطوير في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية – كالمياه أو الطاقة أو البيئة أو الصحة، أو قضايا الأمن السلامة، أو قضايا الإمداد والتموين، أو قضايا الأماكن الذكية، أو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ومن الجلي أنَّ مجال تركيزي المحدد هو الدفاع والأمن من خلال قيادتي لمركز المعلومات وأبحاث الأمن السيبراني، حيث ينصب تركيزنا الأساسي على البحث والابتكار في طرق جديدة لحماية أنفسنا ومؤسساتنا والجيش، وكذلك ابتكار بعض التقنيات في شكل نماذج أولية ثمَّ تسويق قدر من ملكيتنا الفكرية المحلية.
منبر الدفاع الإفريقي: ما التهديد الأكبر والأبرز للأمن السيبراني في القارة الإفريقية، وما الإجراءات التي ينبغي لبلدان القارة اتخاذها للتصدِّي له؟
متسويني: أعتقد أنَّ التهديد الأكبر يتمثل بوضوح في الخطر على سيادة الدول من وجهة نظر الفضاء الرقمي؛ وأقصد بذلك المساس بسيادة الفضاء الرقمي للدول، سواء من خلال اختراق البيانات، أو من خلال قضايا برامج الفدية، أو من خلال سرقة الملكية الفكرية أو المعلومات الحساسة من البلدان الإفريقية. وهذا تهديد من التهديدات الجسام لأنه يتعلق أيضاً بالتأثير من المنظور الجيوسياسي، إذ قد ترغب بلدان مختلفة في التأثير على السياسة أو على أي شيء آخر في إفريقيا. ولذا فإنَّ قضايا البيانات والمعلومات التي تتعرَّض للسرقة أو الاختراق تصبح أكبر تهديد في إفريقيا.
يدور النشاط أو الإجراء الرئيسي الذي يتعين على الجيوش الإفريقية القيام به حول بناء القدرات في مجال الفضاء السيبراني. وحين نتحدث عن بناء هذه القدرات، فإننا لا نكتفي بالتحدث عن التكنولوجيا، ولا نكتفي بالتحدث عن البيانات؛ وإنما نتحدث عن هذا المجال كاملاً، وذلك بتأهيل الكوادر البشرية لفهم المجال السيبراني؛ وهذا أشبه بتدريب الكوادر البشرية ربما على تأمين المجال الجوي أو تأمين البر أو البحر. فنحتاج إلى رفع تلك القدرة على تمكين أو تأهيل قواتنا لتكون قادرة على فهم العالم السيبراني.
كما نحتاج إلى إرساء أطر العمل من وجهة نظر السياسة ووضع استراتيجيات سيبرانية تتعامل بشكل استباقي مع بعض هذه التهديدات. ونحتاج إلى فهم بياناتنا؛ فالبلدان تحتاج إلى فهم ما تحميه، لأنه من الصعب جداً حماية ما لا تفهمه، فإذا ما قارنته بالأرض والجو وربما البحر، فمن السهل جداً تحديد المقدرات التي تحميها، ولكن في الفضاء السيبراني يكون المجال أوسع قليلاً، وبالتالي فإنَّ النطاق أوسع قليلاً. ولذا نحتاج إلى مزيد من الوعي، ومعه المزيد والمزيد من التدريب. ولا شك أننا نحتاج إلى الموارد والأدوات التي يمكن أن تساعدنا على أن نكون قادرين على حماية أنفسنا وأن نكون قادرين على اكتشاف التهديدات حين تصدر من الفضاء السيبراني.
منبر الدفاع الإفريقي: كيف يقدم المجلس أو أي من أقسامه الاستشارات والمساعدات لقوات الدفاع الوطني الجنوب إفريقية، إن حدث ذلك، بشأن هذه الأنواع من قضايا الأمن السيبراني التي تحدثت عنها؟
متسويني: يجسد المجلس ما نسميه المشتري الذكي المستقل، ويؤدي دور مستشار المستخدم الذكي لعدد من الكيانات الحكومية، ولنا دور شديد الأهمية داخل المجال العسكري وخاصة المعلومات والحرب السيبرانية. ويتضمن ذلك على سبيل المثال إنشاء نماذج أولية للجيش بهدف تحسين فهمنا لسبل إتاحة بعض هذه القدرات للاستخدام في بيئة واقعية، ونجري الكثير من أعمال البحث والتطوير لهم حتى يتمكنوا من فهم طبيعة التهديد. كما نقوم بأعمال كبيرة من حيث تقديم الاستشارات لهم بشأن بعض التقنيات التي ينبغي لهم استخدامها أو عدم استخدامها، وكيف يمكنهم حماية أنفسهم من مختلف التهديدات الموجودة في الفضاء السيبراني، ومن الواضح أننا نعمل بعد ذلك على دعمهم في بناء قدر من هذه القدرات من أجل حماية الوطن والمواطنين.
توجد عدة أمثلة، ولكن الكثير من الأعمال سرية، ولذا لا يمكنني التحدث عن عمل أو مشاريع بعينها، ولكن يمكنني التحدث بشكل عام. فمن حيث التدريب، فقد ساندنا الجيش، ويوجد عدد من القوات التي حرصنا على تدريبها ورفع كفاءتها من خلال المجلس للتعامل مع قضايا الفضاء السيبراني. كما ساعدنا الجيش على التعرف على أهمية إنشاء بنيته التحتية الخاصة، ويستدعوننا بين الحين والآخر ويستشيرونا بشأن مختلف الأمور التي تتعلق بمجالهم.
منبر الدفاع الإفريقي: بصفة أعم، ما الذي يجدر بالبلدان الإفريقية القيام به لضمان حماية بنيتها التحتية الوطنية الحيوية، كشبكة الكهرباء وإمدادات المياه، من الهجمات السيبرانية؟
متسويني: أعتقد أنَّ أحد الأشياء الرئيسية التي فعلناها في القارة الإفريقية، ولكن من الواضح في مجال الدفاع الإفريقي، هو مسألة التعاون. فأعتقد أنه حين يتعلق الأمر بالفضاء السيبراني، فإنَّ جيش دولة ما وجيش دولة أخرى عموماً لن يعملان معاً إلَّا إذا كانا يقاتلان نفس العدو. لكنني أعتقد أنَّ التعاون يصبح ركيزة أساسية في الفضاء السيبراني. فما السبب وراء أهميته؟ يكمن السبب في أنَّ التهديدات تكاد تكون واحدة في الفضاء السيبراني، ويمكننا حين نتعاون أن نتعرف على هذه التهديدات.
وثمة شيء آخر مهم وهو مسألة الوعي بالظروف المحيطة، فمن الصعب حماية ما لا تعرفه أو الرد على الحوادث التي لا تراها. ولذلك من الأهمية بمكان بالنسبة لهم أن يكون لديهم هذا الوعي بالظروف المحيطة من خلال المباني والهياكل كالمراكز الوطنية للاستجابة للحوادث السيبرانية أو فرق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية. وعلاوة على ذلك، لا بدَّ من وجود سياسات حقيقية تحدد أو توضح ما على الجيش أن يفعله أو لا يفعله؛ لأنَّ المجال السيبراني يتضمن الجانب المدني، وجانب الدولة القومية، ثمَّ جانب القطاع الخاص أيضاً.
وخلاصة القول إذن، في سياق إفريقي: يتعلق الأمر بالتعاون، ويتعلق بالوعي بالموقف، ويتعلق ببناء هذه القدرة التي تحدثت عنها، ثمَّ يتعلق علاوة على ذلك بهياكل البلدان الإفريقية كأن يمتلك الاتحاد الإفريقي وحدات تبادل معلومات استخباراتية كالإنتربول. وأعتقد أنَّ الجيوش في إفريقيا يمكن أن تمتلك شيئاً من هذا القبيل، ولكن علاوة على تعاونها فيما بينها، فإننا نحتاج أيضاً إلى التعاون مع بلدان أخرى في أوروبا وفي الولايات المتحدة، لأنني أؤمن بأهمية تكوين حلفاء وشركاء.
منبر الدفاع الإفريقي: أنشأ عدد لا بأس به من البلدان قيادات سيبرانية أو شددت على التدريب السيبراني داخل الجيش؛ فهل تعتقد أنَّ الأمن السيبراني يستحق قدراً أكبر من التركيز داخل الجيوش الإفريقية؟ وما الذي ينبغي للجيوش القيام به بشكل أكثر تحديداً لإدراك تلك الغاية؟
متسويني: أعتقد أنَّ للتركيز على الأمن السيبراني أهمية كبيرة، وأعتقد أنه تأكد أو تبينت أهميته من خلال الهجمات التي طالت حكومات الدول التي رأينا الكثير منها بالفعل. وقد رأينا بالفعل جملة من الانتهاكات في إفريقيا يُزعم أنها ارتكبتها بلدان أجنبية، بل إننا في جنوب إفريقيا فقدنا بعض حقوق الملكية الفكرية؛ كتصميم طائرة عسكرية من خلال هجوم سيبراني. ولذا تشتد أهمية امتلاك هذه القدرات، وليس على الأوراق، بل في التطبيق، كتدريب الكوادر البشرية. وثمة عدد لا بأس به من البلدان التي تتمتع بدفاع سيبراني قوي؛ وأعني بالدفاع الجانبين الهجومي والدفاعي. ولذلك علينا بلوغ ذلك لأنه يتعلق أيضاً بابتكار أدواتنا الخاصة، لأنك إذا نظرت إلى الولايات المتحدة، فإنَّ لديهم قيادة سيبرانية خاصة بهم، لكنهم لا يتوانون عن البحث والتطوير، ويبتكرون أدواتهم الخاصة للدفاع والهجوم حين تقتضي الضرورة.
منبر الدفاع الإفريقي: أسهبنا في التحدث عن التدريب بصفة عامة، ولكن يوجد أيضاً تدريب على المستوى المصغر، أي مع الأفراد أنفسهم؛ وفي هذا الصدد ما التدريب أو المبادئ المحددة التي ينبغي دمجها في تدريب كافة القوات المسلحة وقوات الأمن لضمان امتلاكها الفهم الأساسي لممارسات الأمن السيبراني الهادفة والفعالة؟
متسويني: أعتقد أنَّ التدريب العام يتمثل بوضوح في فهم الشبكات، لأنك إذا لم تفهم التكنولوجيا، فسيتعذر عليك حمايتها أو مهاجمتها. ويتمثل الأمر الثاني في تدريبهم على أساسيات الوعي بالأمن السيبراني، لأنه إذا لم يكن الإنسان على دراية بما يهدد الأدوات التي يستخدمها، فقد يشكل ذلك مشكلة. نكتفي إذن بالمبادئ الأساسية، واستخدام القوات المسلحة لوسائل الإعلام الاجتماعي، واستخدام هذه التقنيات المتنوعة، والأجهزة المحمولة وغيرها، لأنه بمجرد تمتعهم بالوعي، فيمكنهم بعد ذلك فهم طبيعة التهديدات والقدرة على تطويرها.
منبر الدفاع الإفريقي: الهجمات السيبرانية برعاية الدول أصبحت واقعاً الآن في إفريقيا، إذ رأينا هيئات حكومية تتعرَّض لبرامج الفدية وتضرَّرت شركات خاصة من عمليات الاختراق المدعومة من الخارج خلال السنوات الأخيرة؛ فما مدى قلقك بشأن استخدام الدول للهجمات السيبرانية كأداة من أدوات الحرب، وهل تعتقد أننا سنرى المزيد منها في إفريقيا خلال السنوات القادمة؟
متسويني: تكثر الهجمات السيبرانية المستخدمة كأداة من أدوات الحرب بين البلدان، وهي آخذة في التزايد. بل إنها تُستخدم أحياناً داخل دولة واحدة، بحيث تهاجم الأحزاب السياسية بعضها البعض باستخدام بعض هذه الأدوات. ولا شك أننا نرى المزيد منها في إفريقيا، ونراها الآن بالأخص مع وسائل الإعلام الاجتماعي وعدة صور من استخدامات التكنولوجيا.
ثمة نقطة حول هذا السؤال أردت إثارتها، وهي أنَّ الأمن السيبراني يتعلق بالقوة؛ فمن يمتلكون الأدوات، ومن يمتلكون الكوادر البشرية، ومن يمتلكون القدرات، أولئك هم القادرون على شن بعض هذه الهجمات. ثم لديك من لا يمتلكون [قدرات] في مجال الأمن السيبراني، وأولئك هم الضعفاء، وقد لا يتمكنون من التعامل معها. ولذلك من الأهمية بمكان أن تجهز البلدان الإفريقية نفسها لقدرات الدفاع السيبراني الكاملة والشاملة.
منبر الدفاع الإفريقي: تستخدم الجماعات المتطرفة شبكة الإنترنت لأغراض التجنيد ونشر الدعاية منذ سنوات، ولكن أيوجد أي دليل على أنها تحاول استخدام القدرات السيبرانية لشن هجمات مثل برامج الفدية أو أنواع أخرى من الهجمات على القارة الإفريقية؟ وهل هذه مسألة ينبغي أن تشعر الدول بالقلق حيالها؟
متسويني: أعتقد أنَّ استخدام الجماعات المتطرفة لأدوات الحرب السيبرانية في إفريقيا محدود، لكن توجد حوادث على ندرتها وتفرقها. فمن حيث برامج الفدية، فليس لدي أدلة كثيرة على استخدامها، لكننا رأينا جماعات متطرفة.. تستهدف الحكومات، ورأينا ذلك يحدث غير مرة في جنوب إفريقيا. ومثال ذلك تعرض وزارة العدل للهجوم وكذلك اختراق شركة «ترانسنت»، وكان ذلك من خلال برنامج الفدية، وقد لا نعرف بعضاً منها لأنهم ربما لا يتحدثون عنها بالضرورة، لكننا نتابع هذه الظاهرة عن قرب ونراها تحدث.
منبر الدفاع الإفريقي: فيما يتعلق بالجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام أو حركة الشباب، فهل ترى أي دليل على أنَّ تلك النوعية من الجماعات لا تكتفي بالتجنيد عبر شبكة الإنترنت وتعمل بالفعل على استخدام القدرات السيبرانية كسلاح لتعزيز أهدافها المتشددة أو المتطرفة أو السياسية؟
متسويني: أعتقد أنه توجد أدلة مؤكدة، مع أنها محدودة. ولكن دعنا نضرب مثالاً مشهوراً وهو وسائل الإعلام الاجتماعي، أليس كذلك؟ فإذا نظرت إلى وسائل الإعلام الاجتماعي كأداة سيبرانية.. فيمكن أن تستخدمها هذه الجماعات المتطرفة، ولذلك نراها تستخدم تكنولوجيا التزييف العميق، وتستخدم وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر أخبار زائفة؛ وذلك لأنَّ قضية نشر الأخبار الزائفة في سياقنا تعتبر أيضاً طريقة أخرى للعمليات النفسية إذا نظرت إلى وجهة النظر العقلية، بسبب ارتباطها بالتأثير على الناس، وارتباطها بترويج الدعاية، وارتباطها بتغيير الرواية القائمة. ونرى أنَّ استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي كشكل من أشكال الهجوم الرقمي يكثر في إفريقيا.
وفيما يتعلق باستخدامها للأدوات السيبرانية الصريحة، فلا توجد أدلة كثيرة، ولكن فيما يتعلق بالتواصل وهجوم العمليات النفسية، نرى قوتها الكبيرة، لا سيما في الترويج لنظريات المؤامرة هذه على اختلافها.
منبر الدفاع الإفريقي: أبقيَ شيء آخر تود ذكره فاتنا أن نسألك عنه؟
متسويني: بالتأكيد، فالإرهاب السيبراني يؤثر على الأمن البشري، وأعتقد أنَّ الجيش، ومعه أجهزة إنفاذ القانون، عليه تأدية دور كبير في ظل التحول الرقمي الحادث، ولا بدَّ أن نحرص على بناء القدرات والاستعداد، فهذا حادث لا محالة، وما هي إلَّا مسألة وقت.
التعليقات مغلقة.