Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

في قلب الإعصار

بوركينا فاسو تتوق للاستقرار وسط الإرهاب والاضطراب السياسي

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريق

مع غروب‭ ‬شمس‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬أذَّن‭ ‬مؤذن‭ ‬في‭ ‬المسلمين‭ ‬لدعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬الصلاة،‭ ‬فركعوا‭ ‬وسجدوا‭ ‬بكل‭ ‬خشوع‭ ‬على‭ ‬سجادات‭ ‬الصلاة‭ ‬المفروشة‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬منزل،‭ ‬ثمَّ‭ ‬جلسوا‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بإفطارهم‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬واحدة‭. ‬

يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬إلى‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬المكان‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬عادي‭: ‬منزل‭ ‬رئيس‭ ‬أساقفة‭ ‬واغادوغو‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬دعا‭ ‬المواطنين‭ ‬المسلمين‭ ‬للاحتفال‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬المبارك‭ ‬في‭ ‬منزله‭.‬

وقال‭ ‬الكاردينال‭ ‬فيليب‭ ‬ناكلينتوبا‭ ‬ويدراوغو‭ ‬بعد‭ ‬الإفطار‭: ‬“معاً‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نهدم‭ ‬الجدران‭ ‬ونبني‭ ‬الجسور؛‭ ‬نهدم‭ ‬جدران‭ ‬الكراهية‭ ‬وسوء‭ ‬الفهم‭ ‬والتعصب‭ ‬لبناء‭ ‬الجسور‭. ‬فقد‭ ‬جاؤوا‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬الليلة‭ ‬لبناء‭ ‬جسر‭ ‬من‭ ‬الأخوة‭ ‬والتسامح‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬نشر‭ ‬المحبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬”

ربما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيل‭ ‬مشهد‭ ‬كهذا‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬البوركينابيين‭ ‬يفتخرون‭ ‬بما‭ ‬يسمونه‭ ‬‮«‬المزيج‭ ‬متعدد‭ ‬الثقافات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتميَّز‭ ‬به‭ ‬وطنهم؛‭ ‬فمن‭ ‬الشائع‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬المسيحيون‭ ‬والمسلمون‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب،‭ ‬ويلتحقون‭ ‬بنفس‭ ‬المدارس،‭ ‬بل‭ ‬يتزاوجون‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭. ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬يزور‭ ‬مسلم‭ ‬أو‭ ‬مسيحي‭ ‬جاره‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬دينه‭ ‬ليعطيه‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬الضأن‭.‬

جندي بوركينابي يقوم بدورية في مخيم في دوري التي تستضيف نازحين قادمين من شمال الدولة. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ومن‭ ‬أقوالهم‭ ‬المأثورة‭: ‬“نحن‭ ‬بشر‭ ‬وبوركينابيين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مسيحيين‭ ‬أو‭ ‬مسلمين‭.‬”

إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الوئام‭ ‬تحطم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬فبداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬استولت‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬عبرت‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬الشمالية‭ ‬والشمالية‭ ‬الشرقية‭ ‬للدولة،‭ ‬واستخدمت‭ ‬القنابل‭ ‬واندفعت‭ ‬بالدراجات‭ ‬النارية‭ ‬لمهاجمة‭ ‬المدنيين‭. ‬واضطر‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬إلى‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬نسبة‭ ‬6‭% ‬من‭ ‬السكان‭.‬

وسادت‭ ‬فترة‭ ‬هدوء‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬وحتى‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬توقفت‭ ‬خلالها‭ ‬أعمال‭ ‬العنف،‭ ‬فبثت‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المواطنين،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلاً؛‭ ‬إذ‭ ‬لقي‭ ‬335‭ ‬مدنياً‭ ‬حتفهم‭ ‬بسبب‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أيَّار‭/‬مايو‭ ‬وحتى‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2021،‭ ‬بزيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬300‭% ‬عن‭ ‬الأربعة‭ ‬أشهر‭ ‬السابقة‭. ‬

وجاءت‭ ‬النقطة‭ ‬المظلمة‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬2021‭ ‬باقتحام‭ ‬مسلحين‭ ‬على‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬قريتي‭ ‬صلحان‭ ‬وتدريات،‭ ‬وقتلوا‭ ‬174‭ ‬مواطناً‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬يومين،‭ ‬وأحرق‭ ‬الإرهابيون‭ ‬أكواخاً‭ ‬وأناس‭ ‬بداخلها،‭ ‬وأطلقوا‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬رجال‭ ‬عالقين‭ ‬في‭ ‬ممرات‭ ‬المناجم،‭ ‬فكانت‭ ‬وحشية‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬صادمة‭ ‬لدولة‭ ‬مرتجفة‭ ‬بالفعل‭.‬

يقول‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬مايجا،‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لشركة‭ ‬‮«‬أليبر‭ ‬كونسيل‮»‬‭ ‬للاستشارات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬مالي‭: ‬“تقع‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬كدولة‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬إعصار‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المتشددين‭.‬”‭ ‬أعلن‭ ‬وزيرا‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2021‭ ‬عن‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬شاملة‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وصرَّحا‭ ‬أنَّ‭ ‬النهج‭ ‬العسكري‭ ‬البحت‭ ‬لن‭ ‬يكفي‭ ‬لإنهاء‭ ‬الأزمة‭. ‬فقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬للتعمق‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬المشكلة‭. ‬

‭ ‬يقول‭ ‬السيد‭ ‬ماكسيم‭ ‬كوني،‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭: ‬“لا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬التحرك‭ ‬العسكري‭ ‬مهم‭ ‬وضروري،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي؛‭ ‬وهكذا‭ ‬سنطلق‭ ‬جهودنا‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬وسنتعقب‭ ‬رعاة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فمن‭ ‬يهددوننا‭ ‬يتواجدون‭ ‬داخل‭ ‬حدودنا‭.‬”‭ ‬

مواطن يقرأ صحيفة في بوركينا فاسو عقب هجوم إرهابي في صلحان أودى بحياة أكثر من 160 شخصاً. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ولكن‭ ‬ذهبت‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2022‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬قيام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬بإلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري،‭ ‬وظلَّت‭ ‬التداعيات‭ ‬الأمنية‭ ‬لهذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬مجهولة‭ ‬حتى‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

بناء‭ ‬القدرة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬الصمود

الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬فقد‭ ‬شنَّت‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬580‭ ‬هجوماً،‭ ‬استهدفت‭ ‬المدنيين‭ ‬منها‭ ‬بعدد‭ ‬359‭ ‬هجوماً،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الأزمة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬وحتى‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬

تسببت‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الصامتة‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬يعيش‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬ملاجئ‭ ‬مؤقتة‭ ‬ويفرون‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬إلى‭ ‬ساحل‭ ‬العاج‭ ‬وغانا‭ ‬ومالي،‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬الذين‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭. ‬

كما‭ ‬تتوقف‭ ‬عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬تمام‭ ‬التوقف‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬مزقتها‭ ‬الحرب‭. ‬فقد‭ ‬أغلقت‭ ‬2‭,‬244‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬أبوابها‭ ‬جرَّاء‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الأخير،‭ ‬ويتسبب‭ ‬غياب‭ ‬هيكل‭ ‬وطني‭ ‬في‭ ‬ترك‭ ‬الأطفال‭ ‬عرضة‭ ‬للتجنيد‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المتطرفين،‭ ‬إذ‭ ‬ذكر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجنَّدين‭ ‬الشباب‭ ‬أنهم‭ ‬أقبلوا‭ ‬على‭ ‬التجنيد‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بسبب‭ ‬مغريات‭ ‬كالمال‭ ‬أو‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬أو‭ ‬الدراجات‭ ‬النارية‭. ‬

قال‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬الرؤوف‭ ‬جنون‭ ‬كوندي،‭ ‬المدير‭ ‬القُطري‭ ‬لمكتب‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين،‭ ‬لوكالة‭ ‬أنباء‭ ‬‮«‬دويتشه‭ ‬فيله‮»‬‭:‬‭ ‬“ينتظرون‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة؛‭ ‬فالمدرسة‭ ‬هي‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬لخلق‭ ‬مستقبل‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأطفال‭.‬”

كانت‭ ‬الدولة‭ ‬تشرع‭ ‬قبل‭ ‬الانقلاب‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطة‭ ‬خمسية‭ ‬للتصدي‭ ‬للتهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وحماية‭ ‬الفئات‭ ‬المعرَّضة‭ ‬للخطر،‭ ‬وستشمل‭ ‬حماية‭ ‬المدارس،‭ ‬وتقديم‭ ‬خدمات‭ ‬إضافية‭ ‬للنازحين،‭ ‬وبرامج‭ ‬نزع‭ ‬التطرف‭ ‬للمتطرفين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬السلاح،‭ ‬وتوعية‭ ‬نزلاء‭ ‬السجون‭ ‬المعرَّضين‭ ‬لخطر‭ ‬سلك‭ ‬سبل‭ ‬التطرف‭. ‬

كما‭ ‬تعهدت‭ ‬الدولة‭ ‬بتحسين‭ ‬منظومة‭ ‬القضاء‭ ‬التي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يعتريها‭ ‬تكدس‭ ‬القضايا‭ ‬لمحاكمة‭ ‬المشتبه‭ ‬في‭ ‬أنهم‭ ‬إرهابيون‭. ‬

ويقول‭ ‬كوني‭: ‬“علينا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬قدرة‭ ‬وطنية‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬بقوة‭ ‬أمام‭ ‬التهديدات‭ ‬الإرهابية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬أساس‭ ‬لدعم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬الأفراد‭ ‬والممتلكات‭.‬”‭ ‬

متظاهرون يحملون لافتة مكتوب عليها «صلحان أمس؛ فعلى مَن الدور غداً؟» خلال مسيرة احتجاجية للتنديد بعدم اتخاذ إجراءات ضد عنف المتطرفين في بوركينا فاسو.
وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

نجاحات‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلاً

أطلقت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬البوركينابية‭ ‬جهوداً‭ ‬كبيرة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لدحر‭ ‬الإرهابيين؛‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬اجتاح‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬دوفو‮»‬‭ ‬مناطق‭ ‬الشمال‭ ‬ووسط‭ ‬الشمال‭ ‬والساحل‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬معاقل‭ ‬الإرهابيين؛‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬استهدفت‭ ‬عملية‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬ساحل‭ ‬العاج‭ ‬المنطقة‭ ‬الحدودية؛‭ ‬وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬جمعت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬تانلي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬قوات‭ ‬بوركينابية‭ ‬ونيجرية‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والنيل‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬إرهابي‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وأسير‭. ‬

ولكن‭ ‬يقول‭ ‬مراقبون‭ ‬إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭. ‬

فقد‭ ‬كتب‭ ‬السيد‭ ‬موسى‭ ‬بانهورو،‭ ‬رئيس‭ ‬إدارة‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬وحل‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬يقول‭: ‬“سمحت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬للمواطنين‭ ‬بمعاودة‭ ‬الشعور‭ ‬بحالة‭ ‬هدوء‭ ‬نسبي؛‭ ‬إلَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الجيش‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬توطيد‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬حققها،‭ ‬لأنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬أمست‭ ‬بعد‭ ‬العمليات‭ ‬أهدافاً‭ ‬لهجمات‭ ‬أكثر‭ ‬فتكاً‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬استهدفتها‭ ‬قبل‭ ‬العمليات‭.‬”‭ ‬

أعربت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬البوركينابية‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬وضع‭ ‬قواتها‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الأشد‭ ‬عرضة‭ ‬للخطر،‭ ‬وتدريبها‭ ‬على‭ ‬تكتيكات‭ ‬جديدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الحركات‭ ‬المتمردة‭ ‬تجعل‭ ‬لها‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭. ‬

قال‭ ‬العميد‭ ‬حينذاك‭ ‬جيلبرت‭ ‬ويدراوغو‭ ‬خلال‭ ‬تولية‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2021‭: ‬“علينا‭ ‬تحسين‭ ‬وتسريع‭ ‬عملية‭ ‬تطوير‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيمها‭ ‬هيكلياً‭ ‬ومكانياً‭ ‬لرفع‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬والتحرك؛‭ ‬وإننا‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأنَّ‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬التنظيم‭ ‬شرط‭ ‬واجب‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭.‬”

وكانت‭ ‬الخطة‭ ‬لتشمل‭ ‬إنشاء‭ ‬قواعد‭ ‬لقوات‭ ‬الدرك‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬محمية‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬مع‭ ‬تجديد‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬مهارات‭ ‬مثل‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬ومكافحة‭ ‬العبوَّات‭ ‬الناسفة‭ ‬محلية‭ ‬الصنع،‭ ‬وحرب‭ ‬العمليات‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬والخاصة‭.‬

متظاهرون يحرقون إطارات في العاصمة البوركينابية واغادوغو عقب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس من منصبه في كانون الثاني/يناير 2022. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

كما‭ ‬يعتزم‭ ‬الجيش‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الاتصالات‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬لدعم‭ ‬قواته‭. ‬

قال‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬إيمي‭ ‬بارثيليمي‭ ‬سيمبوري،‭ ‬الوزير‭ ‬المفوض‭ ‬بشؤون‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/‬أكتوبر‭ ‬2021‭: ‬“لقد‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬السلم‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭ ‬كانت‭ ‬المناطق‭ ‬العسكرية‭ ‬خلالها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مستودعات‭ ‬للقوات؛‭ ‬وسنبدأ‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬قريباً‭ ‬لنكون‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إلى‭ ‬مهام‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬ننهض‭ ‬بها،‭ ‬وسنعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬شاملة‭ ‬للتدريب‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬وسنحرص‭ ‬على‭ ‬تكثيف‭ ‬التدريب‭.‬”‭ ‬

حالة‭ ‬من‭ ‬الضبابية‭ ‬تسود

واجهت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬البوركينابية‭ ‬اتهامات‭ ‬بارتكاب‭ ‬انتهاكات‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬والقتل‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬القضاء‭. ‬فقد‭ ‬اشتكى‭ ‬أعضاء‭ ‬جماعة‭ ‬دفاعية‭ ‬متطوعة‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬عقب‭ ‬مذبحة‭ ‬صلحان‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬اتصلوا‭ ‬بوحدة‭ ‬عسكرية‭ ‬كانت‭ ‬متمركزة‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬البلدة‭ ‬قبل‭ ‬الهجوم‭ ‬وخلاله‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يتلقوا‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭. ‬

ويتكلم‭ ‬المواطن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ديالو،‭ ‬وهو‭ ‬مساعد‭ ‬سائق‭ ‬حافلة‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬الهجوم،‭ ‬بلسان‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المنطقة‭. ‬فقال‭ ‬للجزيرة‭: ‬“لا‭ ‬أثق‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬والدفاع؛‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بعملها؛‭ ‬والإسلاميون‭ ‬المتشددون‭ ‬يغزون‭ ‬الدولة‭.. ‬والأزمة‭ ‬مستمرة‭ ‬لأنَّ‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬القتال‭.‬”

اشتكى‭ ‬أفراد‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مجهزين‭ ‬بصورة‭ ‬يُرثى‭ ‬لها‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭. ‬وبعد‭ ‬هجوم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬إيناتا‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬20‭ ‬فرداً‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2021،‭ ‬كشف‭ ‬أفراد‭ ‬الوحدة‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬مخصصاتهم‭ ‬الغذائية‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوعين‭ ‬ولجأوا‭ ‬إلى‭ ‬الصيد‭ ‬لسد‭ ‬بطونهم‭. ‬وتذرَّع‭ ‬قادة‭ ‬الانقلاب‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬

وتحدث‭ ‬كوني‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الوئام‭ ‬والانسجام‭ ‬بين‭ ‬‮«‬ثلاثية‮»‬‭ ‬الحكومة‭ ‬وقوات‭ ‬الدفاع‭ ‬والمواطنين‭.‬

‭ ‬فيقول‭: ‬“ستكون‭ ‬مسألة‭ ‬استنفار‭ ‬أمة‭ ‬بأسرها؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬هذا‭ ‬النضال‭ ‬يتجاوز‭ ‬مواقفنا‭ ‬السياسية،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬انقساماتنا‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية؛‭ ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مسألة‭ ‬متوقفة‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬وإنما‭ ‬مسألة‭ ‬أمة‭ ‬بأسرها‭.‬”

يلزم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البوركينابيين‭ ‬سبيل‭ ‬الانتظار‭ ‬والترقب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬عودة‭ ‬الاستقرار‭.‬

‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬عمدة‭ ‬بلدة‭ ‬دابلو‭ ‬أنَّ‭ ‬الناس‭ ‬يتوقون‭ ‬للأمن،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬مزارعو‭ ‬البلدة‭ ‬من‭ ‬الزراعة‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬بسبب‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المستمرة‭. ‬ويقول‭ ‬الدكتور‭ ‬عثمان‭ ‬زانجو‭: ‬“ما‭ ‬دام‭ ‬الأمن‭ ‬غائباً،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬للناس‭ ‬القيام‭ ‬بنشاط‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬أعمالهم‭ ‬بحرية؛‭ ‬ولذلك‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬عليهم‭ ‬الإسراع‭ ‬بتنظيم‭ ‬أنفسهم‭ ‬حتى‭ ‬ينعم‭ ‬المواطنون‭ ‬براحة‭ ‬البال‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬”‭  ‬‭ ‬


جماعات‭ ‬الدفاع‭ ‬المتطوعة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنفع‭ ‬أو‭ ‬تضر

جماعات‭ ‬الأمن‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬تقرها‭ ‬الحكومة‭ ‬تقاتل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬أعمال‭ ‬العنف

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريق

فيما‭ ‬يواصل‭ ‬تهديد‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المسلحين‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬إلى‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬لجأت‭ ‬السلطات‭ ‬الحكومية‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬الأهلية‭ ‬المسلحة‭ ‬لمساعدتها‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬الأمن‭.‬

فقد‭ ‬وافق‭ ‬برلمان‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2020‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬متطوعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬وتدريب‭ ‬العناصر‭ ‬المشاركة‭ ‬فيه‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لوكالة‭ ‬أنباء‭ ‬‮«‬رويترز‮»‬‭ ‬أنَّ‭ ‬السيد‭ ‬مومينا‭ ‬شريف‭ ‬سي،‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬آنذاك،‭ ‬قال‭: ‬“صوَّت‭ ‬البرلمان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬بالإجماع؛‭ ‬وهذا‭ ‬يظهر‭ ‬أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬مع‭ ‬اختلافنا‭ ‬في‭ ‬الرأي‭.. ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬صفاً‭ ‬واحداً‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭.‬”

وأفاد‭ ‬تقرير‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬ديفَنس‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬يضع‭ ‬المدنيين‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الجيش‭ ‬بصفتهم‭ ‬مساعدين‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحرروا‭ ‬القوات‭ ‬الوطنية‭ ‬لإجراء‭ ‬عمليات‭ ‬أخرى‭. ‬يجب‭ ‬ألَّا‭ ‬يقل‭ ‬عمر‭ ‬متطوعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬عن‭ ‬18‭ ‬عاماً،‭ ‬مع‭ ‬تجنيدهم‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬المواطنين،‭ ‬ويتدربون‭ ‬لمدة‭ ‬14‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬والتحلي‭ ‬بخصال‭ ‬الانضباط‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يتسلمون‭ ‬أسلحة‭ ‬خفيفة‭ ‬وأجهزة‭ ‬اتصالات،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬إخضاعهم‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬أخلاقي‮»‬‭.‬

طفلان يكتبان على السبورة في فصلهم في دوري، شرقي بوركينا فاسو، في مدرسة مقامة للطلاب الذين فروا من عنف المتطرفين.
وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

وقال‭ ‬سي‭ ‬لوكالة‭ ‬أنباء‭ ‬‮«‬لو‭ ‬فاسو‮»‬‭ ‬البوركينابية‭ ‬إنَّ‭ ‬من‭ ‬أمثلة‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬ينهضون‭ ‬بها‭ ‬توفير‭ ‬المراقبة‭ ‬والمعلومات‭ ‬والحماية‭ ‬للمواطنين‭ ‬خلال‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لحين‭ ‬وصول‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭.‬

وقال‭ ‬للجزيرة‭: ‬“إنها‭ ‬ليست‭ ‬مسألة‭ ‬صنع‭ ‬جنود‭ ‬للتضحية‭ ‬بهم؛‭ ‬وإنما‭ ‬نريد‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تحول‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتطوعين‭ ‬إلى‭ ‬ميليشيات‭.‬”

قُتل‭ ‬بعض‭ ‬متطوعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مسلحين،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬هجوم‭ ‬استهدف‭ ‬بلدة‭ ‬تانوالبوغو‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬غورما‭ ‬شرقي‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬2021‭. ‬وأفادت‭ ‬وكالة‭ ‬أنباء‭ ‬‮«‬الأناضول‮»‬‭ ‬أنَّ‭ ‬مسلحين‭ ‬مدججين‭ ‬بالسلاح‭ ‬نصبوا‭ ‬كميناً‭ ‬لدورية‭ ‬أمنية‭ ‬وقتلوا‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدرك‭ ‬وأربعة‭ ‬متطوعين‭.‬

ذكر‭ ‬الدكتور‭ ‬دانيال‭ ‬إيزنجا،‭ ‬الزميل‭ ‬الباحث‭ ‬بمركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬أنَّ‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬تحاول‭ ‬فرض‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬بطرق‭ ‬مبتكرة‭ ‬ومدروسة‭.‬

وقال‭ ‬لمنبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي‭: ‬“يتلخص‭ ‬ما‭ ‬يحاولون‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬الميليشيات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬وفرت‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬لمجتمعاتها‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬العنيفة؛‭ ‬ويحاولون‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الرسمي‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الميليشيا‭ ‬تلك‭ ‬مع‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬بطريقة‭ ‬ستدمجها‭ ‬في‭ ‬الهيكل‭ ‬الأكبر‭ ‬لقوات‭ ‬الأمن‭ ‬البوركينابية‭.‬”‭ ‬

ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬انتقادات‭ ‬مشروعة،‭ ‬إذ‭ ‬يشعر‭ ‬البعض‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬تسليح‭ ‬المدنيين‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬تأجيج‭ ‬النزعات‭ ‬العنيفة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬تمكينهم‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬للانتقام‭ ‬والقصاص‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬والسلام‭.‬

توجد‭ ‬بعض‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬فيشير‭ ‬تقييم‭ ‬أجراه‭ ‬المعهد‭ ‬الهولندي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬‮«‬كلينغندايل‮»‬‭ ‬في‭ ‬آذار‭/‬مارس‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬تجنيد‭ ‬متطوعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬يتسم‭ ‬بالتمييز‭ ‬ضد‭ ‬الرعاة‭ ‬والبدو،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬استبعاد‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬طوائف‭ ‬الفولاني‭ ‬العرقية‭. ‬ويشير‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬هجمات‭ ‬وانتهاكات‭ ‬أخرى‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬طوائف‭ ‬الفولاني‭.‬

وذكر‭ ‬إيزنجا‭ ‬أنَّ‭ ‬نجاح‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬أو‭ ‬إخفاقها‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬متطوعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬سيتوقف‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬تدابير‭ ‬الرقابة‭ ‬والمساءلة،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬الجماعات‭ ‬المتمردة‭ ‬كالجماعات‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬يسميها‭ ‬إيزنجا‭ ‬‮«‬حركات‭ ‬المتمردين‭ ‬المفسدين‮»‬‭ – ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة،‭ ‬وقال‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬المدنيين‭ ‬لها،‭ ‬ولكن‭ ‬طالما‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬ويمكنها‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬المحلية،‭ ‬فمن‭ ‬ثمَّ‭ ‬“يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تنتصر‭.‬”

ويرى‭ ‬إيزنجا‭ ‬أنَّ‭ ‬دمج‭ ‬القوات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬التي‭ ‬يتعذَّر‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬الحكومية‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬يقدم‭ ‬“حلاً‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬طويلاً‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬القدر‭ ‬المناسب‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭.‬”

التعليقات مغلقة.