Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

“التحصُّن بالأصول العرقية ” يشعل فتيل الانقلابات

الحكام يتشبثون بالسلطة بلجوئهم إلى من يقدمون لهم فروض الولاء والطاعة

أسرة‭ ‬إيه‭ ‬دي‭ ‬اف

يمتلك‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬استبدوا‭ ‬بالحكم‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬حيلاً‭ ‬كثيرة‭ ‬لمساعدتهم‭ ‬على‭ ‬بقائهم‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬ومنها‭ ‬حيلة‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ “‬التحصُّن‭ ‬من‭ ‬الانقلاب‭” ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬قوات‭ ‬مسلحة‭ ‬لن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭.‬

ذكر‭ ‬السيد‭ ‬فيليب‭ ‬روسلر،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬أن‭ ‬الحكام‭ ‬يحاولون‭ ‬التحصُّن‭ ‬من‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرق‭ ‬ثلاث‭:‬

تطهير‭ ‬قيادات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬قد‭ ‬يعارض‭ ‬الحاكم‭. ‬

تمييز‭ ‬كبار‭ ‬قادة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬عن‭ ‬غيرهم‭ ‬مالياً‭ ‬وسياساً‭. ‬

انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬تُسمّى‭ “‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭.”‬

ويُقصد‭ ‬بمفهوم‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬حاكم‭ ‬البلاد‭ ‬بتعيين‭ ‬الضباط‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬طائفته‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬بالجيش‭.‬

المحتجون السودانيون يحتشدون بالخرطوم في نيسان/أبريل 2019 بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وقالوا إن الجيش، الذي تهيمن عليه القيادات التي عينها البشير، سيحاول التشبث بالسلطة. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ويمكن‭ ‬لتبني‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬الحكم‭ ‬والإدارة‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعرض‭ ‬الحاكم‭ ‬للانقلاب‭ ‬العسكري؛‭ ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬السيدة‭ ‬نانديتا‭ ‬بالاكريشنان،‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست‭ ‬تقول‭: “‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬أحد‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬بها‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالحاكم‭ ‬إلا‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬–‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬صعوبة‭ ‬القيام‭ ‬بانقلاب‭ ‬عسكري،‭ ‬ومع‭ ‬شدة‭ ‬خطورته‭ ‬حال‭ ‬حدوثه‭ ‬لأن‭ ‬الانقلابيين‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يتعرضون‭ ‬للإعدام‭ ‬هم‭ ‬وأسرهم‭.”‬

وهذا‭ ‬الدرس‭ ‬ضارب‭ ‬بجذوره‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ‭: ‬فعندما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬وتأخذ‭ ‬من‭ ‬أهلك‭ ‬وعشيرتك‭ ‬بطانة‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب،‭ ‬فسيعاني‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬انتهاج‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬أيما‭ ‬معاناة‭.‬

ولقد‭ ‬كانت‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬انقلابات‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬أرضها؛‭ ‬إذ‭ ‬شهدت‭ ‬منذ‭ ‬حقبة‭ ‬إنهاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ما‭ ‬ينيف‭ ‬عن‭ ‬220‭ ‬محاولة‭ ‬انقلاب،‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصفها،‭ ‬فأطاحت‭ ‬بحكومات‭ ‬مدنية،‭ ‬وقضت‭ ‬على‭ ‬الديموقراطية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وساقت‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬العسكري‭.‬

وشهدت‭ ‬القارة‭ ‬34‭ ‬محاولة‭ ‬انقلاب‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬ست‭ ‬محاولات؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إلا‭ ‬سبع‭ ‬محاولات‭ ‬فقط‭.‬

القوات الخاصة الكينية تصل إلى مسرح انفجار بمجمع فنادق بنيروبي عام 2019، وقد حاولت كينيا تمثيل مختلف طوائفها العرقية بالجيش. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

ويرى‭ ‬السيد‭ ‬جوناثان‭ ‬باول،‭ ‬الباحث‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الانقلابات‭ ‬بإفريقيا‭ ‬لا‭ ‬يسترعي‭ ‬النظر،‭ ‬نظراً‭ ‬لحالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بلدان‭ ‬القارة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭.‬

وقال‭ ‬باول‭ ‬لهيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭: “‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانقلاب،‭ ‬ومنها‭ ‬الفقر‭ ‬وضعف‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وعندما‭ ‬يشهد‭ ‬بلد‭ ‬انقلاباً‭ ‬واحداً،‭ ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬ذلك‭ ‬بانقلابات‭ ‬أخرى‭.”‬

وحدات‭ ‬النخبة

جرت‭ ‬العادة‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬الحاكم‭ ‬الجديد‭ ‬عن‭ ‬خُطة‭ ‬للتوافق‭ ‬الوطني‭ ‬ولم‭ ‬الشمل،‭ ‬ويعد‭ ‬مختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية،‭ ‬والدينية،‭ ‬والقبلية‭ ‬بمكان‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬حكومته،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدائرة‭ ‬الداخلية‭ ‬للحاكم‭ ‬السابق‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬عرقية،‭ ‬فلن‭ ‬تنجح‭ ‬عملية‭ ‬التوافق‭ ‬الوطني‭ ‬الجديدة،‭ ‬مما‭ ‬يجبر‭ ‬الحاكم‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بمن‭ ‬يتولون‭ ‬الحكم‭ ‬بالفعل،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينقلبوا‭ ‬عليه‭. ‬ويستخدم‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬أصولهم‭ ‬العرقية‭ ‬كشرط‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الالتحاق‭ ‬بوحدات‭ ‬الصفوة‭ ‬أو‭ ‬النخبة،‭ ‬كالمناصب‭ ‬القيادية‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭.‬

توافر‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬ظاهرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية،‭ ‬وربطها‭ ‬بالقمع،‭ ‬والاستبداد،‭ ‬والانقلاب،‭ ‬والعنف‭ ‬السياسي‭.‬

ولنا‭ ‬مثال‭ ‬ناجح‭ ‬لظاهرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬بجمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديموقراطية‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تُسمى‭ ‬زائير‭. ‬فعندما‭ ‬تولى‭ ‬موبوتو‭ ‬سيسي‭ ‬سيكو‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬عين‭ ‬في‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬رجال‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬نباندي‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬إكواتور‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه،‭ ‬ويقول‭ ‬الدكتور‭ ‬إميزت‭ ‬كيسانغاني،‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬إنه‭ ‬قُبيل‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬موبوتو‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬نسبة‭ ‬أقاربه‭ ‬الإكواتوريين‭ ‬نحو‭ %‬80‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭.‬

وقد‭ ‬تمكن‭ ‬موبوتو‭ ‬بفضل‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬لمدة‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نحكم‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬ناجحة؛‭ ‬إذ‭ ‬تمكن‭ ‬بدعم‭ ‬جيشه‭ ‬الذي‭ ‬تألف‭ ‬من‭ ‬طائفته‭ ‬العرقية‭ ‬من‭ ‬جني‭ ‬ثروات‭ ‬طائلة،‭ ‬جاء‭ ‬معظمها‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬الفساد‭ ‬والاستغلال‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬واتصفت‭ ‬حكومته‭ ‬بعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬التضخم‭ ‬والكساد‭ ‬الاقتصادي‭.‬

وقد‭ ‬توافرت‭ ‬الدكتورة‭ ‬كرستين‭ ‬هاركنِس،‭ ‬المحاضرة‭ ‬بجامعة‭ ‬سانت‭ ‬أندروز‭ ‬بإسكتلندا،‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬ظاهرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية،‭ ‬وتحلل‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬بعنوان‭ “‬عندما‭ ‬يتمرد‭ ‬الجنود‭” ‬ممارسات‭ ‬التجنيد‭ ‬العرقي‭ ‬في‭ ‬الجيوش‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وكيف‭ ‬تسببت‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬بالقارة‭.‬

راشيل أومامو، وزيرة الدفاع الكينية، في المنتصف، تشهد الاحتفال بعيد القوات المسلحة الكينية بنيروبي عام 2019. وكالة الأنباء الفرنسية/صور غيتي

وتقول‭ ‬هاركنِس‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬منشورة‭ ‬لها‭ ‬عام‭ ‬2019‭: “‬كان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬القارة‭ ‬منذ‭ ‬حقبة‭ ‬إنهاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬حكمهم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الانقلاب‭ ‬عليهم‭ ‬ومن‭ ‬حركات‭ ‬التمرد‭ ‬العرقية‭ ‬ضدهم؛‭ ‬ولذلك‭ ‬استمروا‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬أبناء‭ ‬عرقهم‭ ‬وترقيتهم،‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬ويضمنون‭ ‬ولاءه‭ ‬لهم،‭ ‬وتتراوح‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬بالمناصب‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬قيادات‭ ‬الجيش،‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬وحدات‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬طوائفهم‭ ‬العرقية،‭ ‬لتنفيذ‭ ‬سائر‭ ‬العمليات‭ ‬والخدمات‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬أبناء‭ ‬طائفة‭ ‬واحدة‭.” ‬وأضافت‭ ‬هاركنِس‭ ‬تقول‭: “‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العرقية‭ ‬كسبيل‭ ‬لكسب‭ ‬الولاء‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬المهمة،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬إلى‭ ‬النزوع‭ ‬إلى‭ ‬الانقلاب،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الديموقراطي‭ ‬على‭ ‬الحكم‭.”‬

‭ ‬وتتعدد‭ ‬سلبيات‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السياسات،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬هاركنِس‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬جيوش‭ ‬عرقية‭ “‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أنها‭ ‬ستلقى‭ ‬مقاومة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الأعراق‭ ‬الأخرى،‭ ‬مما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬الحكومات،‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.” ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬باحثون‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬إقصاء‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬العرقية‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المهمة‭ ‬بالدولة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشعل‭ ‬فتيل‭ ‬التمرد،‭ ‬بل‭ ‬الإرهاب‭.‬

وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬دراسة‭ ‬هاركنِس‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتخابات‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬للطائفة‭ ‬العرقية‭ ‬التي‭ ‬يتكون‭ ‬منها‭ ‬الجيش،‭ ‬فإن‭ ‬خطورة‭ ‬قيام‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬ضده‭ ‬ترتفع‭ ‬من‭ ‬دون‭ %‬20‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ %‬90‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬بجديد‭ ‬على‭ ‬إفريقيا

توجد‭ ‬ظاهرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬القارة‭ ‬قبل‭ ‬استقلالها‭ ‬بفترات‭ ‬طويلة،‭ ‬وأصدق‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أيام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬السود‭ ‬يُحرمون‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬بالجيش،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بدول‭ ‬إفريقية‭ ‬أخرى‭ ‬تبنت‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال؛‭ ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قادة‭ ‬الاستعمار‭ ‬يجنّدون‭ ‬أبناء‭ ‬قبيلة‭ ‬بعينها‭ ‬لما‭ ‬يرون‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬أجدر‭ ‬بالالتحاق‭ ‬بالجيش‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬قبائل‭ ‬أخرى‭.‬

وتخصص‭ ‬اليوم‭ ‬قوات‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطنية‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقية‭ ‬نسبة‭ ‬لكل‭ ‬عرق‭ ‬من‭ ‬الأعراق‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬بهدف‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬التمثيل‭ ‬النسبي‭ ‬للبيض‭ ‬والسود‭ ‬والأجناس‭ ‬المختلطة‭ ‬والجنوب‭ ‬إفريقيين‭ ‬الهنود‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭.‬

وتلاحظ‭ ‬هاركنِس‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬واصلت‭ ‬انتهاجها‭ ‬لسياسة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬مع‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬مع‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬الأخرى‭.‬

وكتبت‭ ‬تقول‭: “‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬توفرت‭ ‬فيهم‭ ‬صفة‭ ‬الولاء‭ ‬العرقي،‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬تمثيل‭ ‬سائر‭ ‬الطوائف‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬الأدنى‭.”‬

وقد‭ ‬انتهج‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬حكام‭ ‬كينيا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخها،‭ ‬منذ‭ ‬استقلالها‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬إذ‭ ‬عينوا‭ ‬أبناء‭ ‬طوائفهم‭ ‬العرقية‭ ‬بالمناصب‭ ‬العليا‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة؛‭ ‬فقد‭ ‬ورث‭ ‬جومو‭ ‬كينياتا،‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لها،‭ ‬جيشاً‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬ضباط‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬الكامبا،‭ ‬فبادر‭ ‬باتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتغيير‭ ‬التوازن‭ ‬العرقي‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬لصالح‭ ‬طائفة‭ ‬الكيكويو‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭. ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬إلّا‭ ‬نجاحاً‭ ‬جزئياً؛‭ ‬لأن‭ ‬طائفة‭ ‬الكيكويو‭ ‬لم‭ ‬تشكل‭ ‬سوى‭ ‬نسبة‭ %‬21‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬كينيا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وجاء‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬دانيال‭ ‬موي،‭ ‬فاستغنى‭ ‬عن‭ ‬قادة‭ ‬الكيكويو‭ ‬بأفراد‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬كالينجين‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬أقصى‭ ‬معظم‭ ‬القلة‭ ‬التي‭ ‬تبقت‭ ‬من‭ ‬الكيكويو‭ ‬من‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬بعد‭ ‬محاولة‭ ‬فاشلة‭ ‬للانقلاب‭ ‬عليه‭.‬

وتفيد‭ ‬مؤسسة‭ ‬جلوبال‭ ‬سيكيوريتي‭ (‬globalsecurity.org‭) ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الكينية‭ ‬تخصص‭ ‬اليوم‭ ‬حصصاً‭ ‬للتمثيل‭ ‬العرقي‭ ‬بقيادات‭ ‬الجيش‭ ‬وتراعي‭ ‬تنوع‭ ‬الجنود‭ ‬بمختلف‭ ‬القيادات‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬موضوعاً‭ ‬معقداً؛‭ ‬لأن‭ ‬الهويات‭ ‬العرقية‭ ‬بإفريقيا‭ ‬ليست‭ ‬واضحة‭ ‬دائماً،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستند‭ ‬الهُوية‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شتى‭ ‬بالقارة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬المختلطة‭ ‬أو‭ ‬العشائر،‭ ‬وتوجد‭ ‬طوائف‭ ‬فرعية‭ ‬داخل‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬ترتبط‭ ‬بمناطق‭ ‬بعينها‭.‬

فكتبت‭ ‬هاركنِس‭ ‬تقول‭: “‬شكّلت‭ ‬المنطقة‭ ‬الجغرافية‭ ‬ظاهرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل،‭ ‬إذ‭ ‬تتداخل‭ ‬اختلافات‭ ‬مهمة‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭ ‬مع‭ ‬الانقسامات‭ ‬العنصرية‭ ‬واللغوية‭ ‬والدينية‭ ‬والعرقية‭.”‬

وقد‭ ‬توصلت‭ ‬هاركنِس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬يجدي‭ ‬نفعاً،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬اقتصر‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة؛‭ ‬ولكن‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬الحاكم‭ ‬أن‭ ‬يتجنب‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ينشد‭ ‬تحقيق‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬والتكافؤ‭ ‬الحقيقي‭ ‬للفرص‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وتولي‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬بها‭. ‬وقد‭ ‬توصل‭ ‬ستافان‭ ‬ليندبيرج‭ ‬وجون‭ ‬كلارك‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬لهما‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الحقيقة‭ ‬لديها‭ “‬تاريخ‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭”‬،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التعرض‭ ‬إلى‭ ‬تدخلات‭ ‬ناجحة‭ ‬أو‭ ‬فاشلة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الجيش؛‭ ‬فقد‭ ‬أوضح‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬أنه‭ ‬تقل‭ ‬احتمالية‭ ‬تعرض‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الجيش‭ ‬عن‭ ‬الأنظمة‭ ‬المستبدة‭ ‬المنتخبة‭ ‬بنحو‭ ‬سبع‭ ‬مرات‭ ‬ونصف،‭ ‬وتقل‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬احتمالية‭ ‬تعرضها‭ ‬للسقوط‭ ‬الحقيقي‭ ‬بنحو‭ ‬18‭ ‬مرة‭.‬

ويقول‭ ‬هذان‭ ‬الباحثان‭: “‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الشرعية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التحرر‭ ‬السياسي‭ ‬’تحصّن‘‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬السياسة‭.”‬

وقد‭ ‬أجرى‭ ‬الباحثون‭ ‬أندريس‭ ‬ويمر،‭ ‬ولارس‭-‬إريك‭ ‬سيدرمان،‭ ‬وبراين‭ ‬مين‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬نُشرت‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬توصلوا‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬نتائج‭ ‬رئيسية‭:‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تُقصي‭ ‬قطاعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقي‭ ‬إلى‭ ‬التمرد‭ ‬العسكري‭.‬

تزيد‭ ‬خطورة‭ ‬الاقتتال‭ ‬الداخلي‭ ‬العنيف‭ ‬عندما‭ ‬يتقاسم‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مجزأة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬المتنافسة‭.‬

تزيد‭ ‬احتمالية‭ ‬تعرض‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬المتماسكة‭ ‬حديثة‭ ‬العهد‭ ‬بالحكم‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬صراعات‭ ‬انفصالية‭.‬

وتقول‭ ‬هاركنِس‭ ‬إن‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الحقيقة‭ ‬لها‭ ‬ثمنها‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬دراستها‭: “‬لا‭ ‬بد‭ ‬لتحقيق‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تتعدد‭ ‬فيها‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬الجيوش‭ ‬العرقية‭ ‬الحالية‭ ‬وتنوع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬الوطنية‭ ‬بالطوائف‭ ‬العرقية‭.” ‬وأضافت‭ ‬هاركنِس‭ ‬أن‭ ‬تفكيك‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬أمر‭ ‬عسير‭ ‬ومحفوف‭ ‬بالمخاطر؛‭ ‬لأن‭ “‬الجيوش‭ ‬العرقية‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬أمام‭ ‬العابثين‭ ‬بها‭.” 

 

التعليقات مغلقة.