في الحروب غير المتماثلة، يجب القيام بالمزيد لحماية الأشخاص المتضررين
أسرة إيه. دي. إف
كانت حافلة صغيرة على متنها 24 شخصاً من بوركينا فاسو تقوم بعبور الحدود إلى مالي، في طريقها إلى سوق أسبوعي في بلدة بوني. على بعد تسعة أميال من السوق، تسببت المركبة في انفجار لغم أرضي زرعه متمردون ماليون.
24 شخصًا، من بينهم أربعة أطفال وأمهاتهم، قُتلوا في هذا الحادث الذي وقع في يناير 2018.

إنها قصة شائعة. فقد لقي ما لا يقل عن 600 ألف مدنياً من الأفارقة في 27 دولة مصرعهم خلال العشرين سنة الماضية، وجرح الملايين غيرهم أو نزحوا من ديارهم. وقد مات عدد آخر لا يحصى بسبب النتائج غير المباشرة المترتبة على الصراع، والتي تشمل المجاعة.
سجل بعثات حفظ السلام متباين فيما يتعلق بحماية المدنيين. فكثيراً ما تكون مهمات البعثات والتدريب والسياسات غير متسقة أو غير فعالة في حماية الأشخاص الأكثر ضعفاً من العنف.
فهم الاحتياجات
قام كل من جايد مارتونز اوكيكه وبول د. وليامز بتأليف كتاب صدر عام 2017 عنوانه “حماية المدنيين أثناء عمليات دعم السلام الخاصة بالاتحاد الإفريقي: القضايا الرئيسية والدروس المستفادة”. يقولان في هذا الصدد أنه “كان من الصعب تحقيق إجماع وتوجيه التنسيق بين أصحاب المصلحة بشأن ما ينبغي القيام به، ووقت القيام به، والمسؤولون عن تنفيذه.” كما يشير الكتاب إلى أنه “لا يوجد دائماً تحديد واضح للأدوار والمسؤوليات … بطرق تعزز التفاهم المشترك والمنهج والأهداف الجماعية من أجل مواجهة التحديات المحددة المتعلقة بحماية المدنيين.”
بحسب ما أفاد به وليامز لمجلة منتدى الدفاع الافريقي، “إذا افترضنا أن المرء يستطيع التفريق بين المدنيين والمقاتلين، والذي هو ليس دائماً بالأمر السهل، فإن التحديات الرئيسية تتعلق بالتنفيذ ومسائل التوقعات والموارد وطريقة تفكير أفراد قوات حفظ السلام واستعدادهم للمبادرة والمخاطرة لحماية المدنيين”.
ويضيف، “يمكن القول إن الحالات الأكثر خطورة هي تلك التي تكون فيها القوات المحسوبة على الحكومة / الدولة المضيفة هي التي تسبب الأذى للمدنيين. وهذا يضع قوات حفظ السلام في وضع صعب للغاية لأن وجودها يعتمد على الموافقة القانونية التي تمنحها الحكومة المضيفة”.
تحجيم واستخدام الشرطة
تعتبر منطقة دارفور في غرب السودان مثالاً على الخلاف بين قوات حفظ السلام والحكومة المضيفة. ففي عام 2003، قاتلت جماعات من المتمردين حكومة السودان، زاعمة بأن الحكومة تمارس التمييز ضد غير العرب. وكان رد الحكومة هو دعم الميليشيات التي تعرف باسم الجنجويد، التي يعني اسمها “الشياطين التي تمتطي ظهور الخيل”. وقامت ميليشيا الجنجويد، التي كان أفرادها غالباً مدرَّبين جيداً، بنهب القرى وحرقها، وتلويث مصادر المياه، وقتل وتعذيب واغتصاب المدنيين. وتقول المنظمة غير الحكومية “عالم بلا إبادة جماعية” إن أكثر من 480,000 شخصاً قد قُتلوا، وان أكثر من 2.8 مليون أُجبروا على مغادرة منازلهم حتى عام 2018.
في عام 2004، أنشأ الاتحاد الأفريقي بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان (AMIS) لحماية المدنيين في دارفور على وجه التحديد. في البداية، تكونت بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان من 150 جنديًا، ثم توسعت في نهاية المطاف لتشمل 9,000 جندي. وقد ثبت أن هذا العدد هو جزء بسيط من الجنود اللازمين. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للبعثة بسبب مشكلاتها اللوجستية، والتأخير، والافتقار إلى القدرة، إلا أن مشكلتها الحقيقية تمثلت في أن عدد أفرادها كان أصغر بكثير من العدد اللازم للتعامل مع مشاكل دارفور.

في عام 2007، تم استبدال بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان ببعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (UNAMID). وفي نهاية عام 2017، شملت البعثة 2,873 مدنياً، و 11,005 من القوات العسكرية، و 152 خبيراً، و 2,731 من أفراد الشرطة، و 292 من الموظفين، و 121 من متطوعي الأمم المتحدة.
ينص قرار الأمم المتحدة الصادر عام 2014 تحديدًا على واجبات موظفي بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور فيما يتعلق بالمدنيين. ويطلب القرار من البعثة “حماية المدنيين، دون المساس بمسؤولية حكومة السودان”.
يقول الباحثون جون آير وأوليفيا ديفيس وإيرين ليمو إن وحدات شرطة بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور ركزت على أربعة أشياء: العمل كوسيط لتقليل الاختلافات بين عمليات بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور وعمل قوة الشرطة السودانية، وبناء القدرات، وعمليات الشرطة المجتمعية، والتفاصيل، مثل تقييمات البرامج.
ويقول الباحثون الثلاثة إن التصورات المحلية للحماية المدنية التي تقوم بها بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور تتعدى السلامة الشخصية. ويضيفون بأن المدنيين في دارفور يعتقدون أن حماية المدنيين تشمل التوفير المستمر للرعاية الصحية، والحصول على الغذاء والماء والدواء بشكل موثوق به.
وخلص الباحثون إلى أنه “بغض النظر عن عدد المهام الأخرى التي يضطلع بها حفظة السلام، فإن مهمتهم لن تنجح إذا لم يتم الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمدنيين”.
تعود جذور التدخل في دارفور إلى تقرير صدر عام 2001 عن اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدولة. في ذلك الوقت، جاءت اللجنة استجابة للسؤال الذي طرحه الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، حول متى ينبغي أن يتدخل المجتمع الدولي لأغراض إنسانية. وقالت اللجنة إن السيادة لا تمنح البلد حق السيطرة على شؤونه فحسب، بل أيضا تضع على عاتقه مسؤولية أساسية هي حماية مواطنيه. وأكدت اللجنة أنه عندما تخفق دولة ما في حماية شعبها، بسبب الافتقار إلى القدرة أو الافتقار إلى الإرادة، فإن المسؤولية تنتقل إلى المجتمع الدولي.
عند إنشاء بعثة دارفور، اشترطت الأمم المتحدة أن يكون لها “طابع إفريقي في الغالب، وأن يتم استخدام قوات من الدول الافريقية فيها قدر الإمكان”. وحتى نهاية عام 2017، كانت الدول التي قدمت أكبر عدد من الجنود والشرطة للبعثة هي رواندا (2,424) وإثيوبيا (2,400).
تمثلت إحدى السمات المميزة لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور في استخدام وحدات الشرطة المشكلة (FPUs). كما هو محدد من قبل الأمم المتحدة، تتألف كل وحدة من حوالي 140 شرطي، مدرب ومجهز “للعمل كوحدة متماسكة قادرة على إنجاز مهام الشرطة التي لا يستطيع ضباط الشرطة المنفردين التعامل معها”. ويمكن لوحدة مدربة تدريباً جيداً ومنضبطة جيداً أن تعمل على ﻧﺤﻮ ﻓﻌﺎل ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أوﺿﺎع “ﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﺨﻄﻮرة” ﻣﺜﻞ دارﻓﻮر. هناك ثلاث مسؤوليات محددة لوحدات الشرطة المشكلة (FPUs): الحفاظ على القانون والنظام؛ حماية موظفي الأمم المتحدة ومعداتها ومرافقها؛ والقيام بعمليات الشرطة القياسية التي لا تنطوي على تهديدات للجيش.
تغيير التكليف
نشأت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM) في يناير 2007 كقوة حفظ سلام للتعامل مع حركات التمرد في ذلك البلد. لم يكن لدى البعثة في البداية استراتيجية رسمية لحماية المدنيين. يشير ويليامز، الأستاذ المشارك في جامعة جورج واشنطن، إلى أن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال قد أجلت تبني سياسة رسمية لحماية المدنيين، تُعرف باسم PoC، لأنها مكلفة أيضًا بحماية موظفيها. ويضيف ويليامز: “من المحتمل أنه كان من الممكن أن يؤدي تبني مهمة حماية المدنيين إلى زيادة التوقعات المحلية دون الحاجة بالضرورة إلى توفير الأدوات اللازمة للوفاء بهذه التوقعات”.
ويقول وليامز، “على وجه الخصوص خلال السنوات الأربع الأولى، كان لدى بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال علاقة غامضة بشكل واضح مع قضايا حماية المدنيين”. ويضيف، “من ناحية، تم تكليف بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لحماية بعض الشخصيات المهمة المرتبطة بعملية المصالحة السياسية؛ والتقليل من قدرات حركة الشباب وغيرها من الجهات المسلحة المناهضة للحكومة؛ وتوفير الرعاية الطبية وإمدادات المياه ومولدات الكهرباء والمساعدات الإنسانية لعدد كبير من المدنيين المنكوبين في مقديشو بسبب غياب العاملين في المجال الإنساني على الأرض”.
وأضاف أنه تم اتهام البعثة بإلحاق الضرر بالمدنيين، “بشكل مباشر، من خلال حالات إطلاق النار العشوائي واستهداف المدنيين الذين اعتقد أنهم من مقاتلي العدو، وبشكل غير مباشر، بسبب فشلهم في حماية الآخرين من هجمات حركة الشباب”.
تغير ذلك في عام 2014. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البعثة كانت تحرز تقدماً واحتاجت إلى المزيد من المساعدة من المواطنين الصوماليين. من أجل تعزيز المصالحة وخلق مساحة آمنة للحوار الوطني، قررت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال أن تقوم بعمل أفضل فيما يتعلق بحماية زعماء العشائر والزعماء الدينيين وزعماء المجتمع المدني.
