مهنة السلاح تحت المجهر بواسطة ADF آخر تحديث يناير 20, 2016 شارك بناء ثقافة عسكرية تصنع قادة يتصفون بالأخلاق الحميدة في خطاب لها أمام حفل تخرج طلاب القوات الجوية، أبلغت نوسفيوي مابيسا- نكاكولا، وزيرة الدفاع في جنوب أفريقيا، الحاضرين بأنهم على وشك الشروع في مهنة لا تشبه أي مهنة أخرى. وقالت في حزيران/ يونيو 2015، “لقد قبلتم أعلى نداء لأداء الواجب يمكن أن يوجّه إلى أي مواطن. فعندما تتخرجون اليوم، فإنكم سوف تنضمون إلى مجموعة فريدة في نوعها من مواطني جنوب أفريقيا، أولئك الذين بدلاً من أن يشغلوا وظيفة عادية، اختاروا الخدمة كمدافعين عن بلدكم، وشعبها ومواردها”. ولكنها أضافت أنه لا يمكن الكشف عن الطبيعة الحقيقية للمهنية العسكرية إلا عندما يخوض هو أو هي الاختبار ويصادف المصاعب اليومية والمتطلبات الأخلاقية للخدمة العسكرية. وقالت للخرجين، “لقد تم إشباعكم بقيم الشرف، والانضباط والوطنية. ولكن ماذا سيكون معناها بالفعل بالنسبة إليكم عندما تعودون إلى عالمكم الخاص هناك؟”. ماذا يعني أن تكون محترفاً؟ إنه ليس سؤالاً بسيطاً. إن المحترف في العالم المدني، هو شخص مدرّب في مجال ما ويأخذ أجراً مقابل عمل معين. فالنجار المحترف، مثلاً، يختلف عن شخص يقوم ببعض الأعمال الخشبية في أنحاء المنزل. ومع ذلك، فإن مصطلح “الاحتراف العسكري” له معنى أكثر تنوعاً. فالاحتراف يبدأ بالتدريب والخبرات التكتيكية، ولكن الجنود يقولون إنه يذهب إلى أبعد من ذلك. فهو يتطلب أيضاً الانضباط والقدرة على تحمل مشاق كبيرة دون أن ينكسر. ويؤكد البعض على الالتزام الأخلاقي، ويشير آخرون إلى الشرف، والصفات القيادية والرغبة المستمرة في تحسين الذات. وهذه السمات وأكثر منها بكثير تمثل جزءاً من مزيج ثري يشكّل الجندي المحترف. لا توجد صيغة بسيطة لخلق عسكري محترف، ولكن بالنظر في أدبيات التدريب العسكري وعبر العالم، إلى بعض من أكثر القوات المقاتلة احتراماً، نجد بعض القواسم المشتركة. ضباط من مالي تخرجوا حديثاً يشاركون في احتفال في كوليكورو. رويترز عملية انتقاء متفوقة يجادل ويليم إيراسموس و فريدريك أويس من جامعة ستيلينبوش في مقال لهما بعنوان “تنمية القيادة العسكرية: نموذج لقوة الدفاع الوطني في جنوب أفريقيا، بأنه لكي تنتج قادة عظماء، يجب على بلدهم أن يبدأ بالتركيز الشديد على اختيار الضباط المرشحين. ويشير الباحثان إلى حقيقة أن المتقدمين لأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة يمضون ثمانية أيام على الأقل في خوض مجموعة من الاختبارات النفسية، والقدرات وقوة التحمل لتحديد إن كان سيتم قبولهم. ولدى المملكة المتحدة منظمة متفانية، هي مجلس اختيار ضباط الجيش، الذي يركز على العثور على أفضل المؤهلين من المرشحين وسط مجموعة كبيرة من المتقدمين. ونظر لأن معدلات الانقطاع عن الدراسة منخفضة في الأكاديميات العسكرية، فمن الأهمية بمكان الشروع في عملية الاختيار في البداية. كتب المؤلفان: “إن العملية مصممة لأن تختار فقط أولئك المرشحين الذين تلبي قدراتهم الذهنية المعيار المطلوب، والأهم من ذلك، أولئك الذين يتمسكون بسلوكهم وقدرتهم على اتخاذ القرار تحت ظروف الإجهاد”. جنود يشاركون في استعراض عام 2014 بمناسبة الذكرى السنوية الـ 54 لاستقلال ساحل العاج. رويترز التوجيه يأتي جزء من التنمية المهنية من الاستفادة من نماذج الآخرين. ففي دراسة استقصائية لكبار ضباط الجيش الأمريكي أجراها مركز القيادة الإبداعية، اختار 37 بالمائة من المستجيبين “القدوة الإيجابية” باعتبارها العامل الأعلى للتنمية المهنية. ويشدد دليل القيادة بالجيش الأمريكي على أهمية إقامة علاقات توجيهية. ويقول إنهم ليسوا في حاجة لأن يُكوّنوا علاقات بين الرؤساء والمرؤوسين والتي كثيراً ما تحدث بين الأقران أو بين كبار ضباط الصف وصغار الضباط. ويشجع الدليل شباب الجنود على التواصل مع الموجهين وتغذية العلاقة معهم طوال حياتهم المهنية. وينص الدليل على أن “الجنود الذين يسعون إلى معرفة رد الفعل على أعمالهم كي يركزوا على تنميتهم المهنية، مقترنة بالتواصل مع موجهين متفانين ومستنيرين، سوف يشكلون الأساس لترسيخ مفاهيم التعلم مدى الحياة، والتنمية الذاتية، والقدرة على التكيف مع ثقافة الجيش”. التدريب الأخلاقي المستمر يمكن لقاعات التدريب على الكفاءة المهنية والأخلاقيات أن تذهب إلى هذا المدى فقط. فقد وجد القادة أن من المهم محاكاة إجهاد سيناريوهات العالم الحقيقي عند إعداد الجنود لمواجهة التحديات الأخلاقية. في مقالته “الأخلاقيات العسكرية: من النظرية إلى التطبيق”، قال العميد الفرنسي بينوا رويال إنه يجب عدم القيام بتدريب ميداني دون أن يشمل عنصر أخلاقي. وكتب يقول، “إن الهدف هو تعويد الأفراد العسكريين على تضمين هذه التأملات الأخلاقية أثناء تنفيذهم الإجراءات التكتيكية في الميدان، وفي خضم المصاعب، وتحت ضغط الوقت، والطقس والإجهاد الحقيقي. إن سلوك الجندي في القتال يجب أن يتأثر دائماً بالروح والقيم الأساسية التي علمناه إياها”. واعترافاً بهذا، أكد المدربون العسكريون في بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي عام 2015، على محاكاة السيناريوهات الأخلاقية والإنسانية في العالم الحقيقي عند تدريب الجنود الماليين. وشمل هذا محاكاة نقاط تفتيش، وقرارات قيادية حول حماية المدارس والمستشفيات، وتدريبات على التصدي للعنف القائم على نوع الجنس. وكان هذا التأكيد رداً على الانتقادات بأن الافتقار إلى التدريب الأخلاقي في القوات المسلحة المالية هو الذي أدى إلى انهيار الانضباط خلال أزمة مالي عام 2012. لا يمكن إنهاء التدريب بعد التخرج من الأكاديمية العسكرية أو بعد التدريب الأساسي. ومن المتعارف عليه على نطاق واسع أن المهارات تتحلل مع مرور الوقت إذا لم يتم تعزيزها وتحديثها. وطبقاً لمعهد بحوث الجيش الأمريكي للعلوم السلوكية والاجتماعية، فإن الجنود يفقدون نحو 60 بالمائة من كفاءة مهاراتهم بعد 180 يوماً فقط بدون ممارسة أو إعادة تدريب. كتب آبل إيسترهوزي من جامعة ستيلينبوش يقول، “إن التدريب العسكري عملية متواصلة لا تشمل فقط التعلم أو اكتساب المهارات الأولية… وإنما هي أيضاً تدريبات وممارسات متكررة. الحياة اليومية للجنود، والطيارين والبحارة هي في حد ذاتها عملية تدريب يؤدون فيها وظيفتهم ويتعلمون في نفس الوقت كيف يحسّنون أداءهم”. ضباط عسكريون يؤدون التحية أثناء الاحتفال بالذكرى الـ150 للجيش النيجيري. رويترز تبادل المعرفة إن المحترفين في أي مجال لديهم القدرة على الإسهام في المعارف المتراكمة التي يستخدمها الآخرون. ويمكن أن يتم ذلك من خلال عقد دورات دراسية للزملاء، أو تحرير مجلات مهنية، أو التدريس في كلية أركان أو مؤسسة أخرى. و”حلقة تلقي الآراء” هذه واحدة من الطرق التي يستطيع القادة من خلالها تبادل أفضل الممارسات المستفادة في الميدان. نيجيريا، على سبيل المثال، جعلت من أولوياتها تحديد الطلبة المتفوقين كي يعودوا إلى كليات القيادة والأركان للعمل كمعلمين أو “موجهين”. يتم تقييم المرشحين استناداً إلى درجاتهم، وخُلقهم، وشخصيتهم الجذابة، وقوتهم الذهنية والجسدية. يصف اللواء طيار النيجيري جون إيفيميجي هذه العملية الدقيقة بأنها السبيل الأفضل لقيام النظام بتجديد نفسه وتشكيل قادة المستقبل. الإشراف تأميناً للمساءلة، ينشئ العديد من الجيوش وظيفة إشرافية تسمى أمين المظالم العسكرية. ويُكلّف هذا الشخص، خارج التسلسل القيادي، بالتحقيق واقتراح الحلول للمشاكل التي تواجه المؤسسة أو الأفراد في القوات المسلحة. ويمكن للمدنيين أو الجنود أن يرفعوا شكاواهم إلى أمين المظالم دون خوف من الانتقام. في عام 2012، أنشأت جنوب أفريقيا مكتب أمين المظالم في قوة الدفاع الوطني لجنوب أفريقيا وتلقى 500 شكوى في أول سنتين من تشغيله. قال أمين المظالم تيمبا ماتانزيما، وهو فريق متقاعد، “إن مكتبي هيئة رقابية مستقلة يحاسب قوة الدفاع الوطني لجنوب أفريقيا مثلما تحاسب وسائل الإعلام الحكومة. [إنه] مستقل، وطرف ثالث محايد يجري تحقيقات بأسلوب عادل وموضوعي لضمان وجود حكومة مسؤولة وشفافة”. لاحظ العقيد المتقاعد إيميل أويدراوغو من بوركينا فاسو، وهو خبير في الاحتراف العسكري، أن أفضل نوع من الإشراف هو إشراف القائد على قواته. فعندما تفصل القادة مسافة أو لا يشرفون على مرؤوسيهم عن كثب، فإن هذا يؤدي إلى انهيار الانضباط. ويشار إلى هذه الظاهرة بأنها “فجوة في التسلسل القيادي”. كتب أويدراوغو يقول، “إن التسلسل القيادي العامل هو شرط مسبق لأي مؤسسة عسكرية. فهو مرآة للقيادة الرشيدة والانضباط ويعزز المساءلة”. الترقية على أساس الجدارة من الشكاوى المتكررة في بعض الجيوش أن الترقية مرتبطة بصلات القرابة والتحالفات الشخصية وليس بالجدارة. والأمثلة لا تُحصى، ولكن أويدراوغو قال إن الرتب العليا في عدة جيوش أفريقية بارزة مشغولة بأعضاء جنس عرقي، أو دين أو انتماء إقليمي واحد. كتب يقول، “إن ولاء الضباط في إطار مثل هذا التسلسل القيادي للرئيس أكثر من ولائهم للدستور. وهذه الممارسة تقوّض المعايير المهنية للقوات المسلحة بينما تثير مشاعر أفرادها ضد بعضهم البعض على أساس عرقي”. ولكن مجرد التحيز العرقي لا يشكل مشكلة. ففي العديد من جيوش العالم، تكون الترقية مبنية على الأقدمية في الخدمة وليس على الإنجاز. وهذ يلغي حافزاً على التميز ويمكن فعلاً أن يدفع ضباطاً من ذوي الأداء المرتفع إلى ترك الخدمة وهم محبطون من عدم الاعتراف بكفاءتهم. تميل الجيوش المحترفة إلى أن يكون لديها مبادئ توجيهية واضحة تحدد معاير الترقية وقواعد أجور الجنود، والمسارات الوظيفية وتخصيص الموارد، وذلك وفقاً لناتاشا إيزرو وإيريكا فرانز، مؤلفتي كتاب الدول الفاشلة والاضمحلال المؤسسي. وهذه المعايير تساعد في بناء أواصر الثقة بين رفقاء السلاح ومع المؤسسة العسكرية. الوثائق الأخلاقية عادة ما يكون للجيوش المحترفة أساس متين من النظرية الأخلاقية منصوص عليه في الوثائق التي توجّه الجنود إلى كيفية التصرف. ومن أمثلة ذلك الميثاق العسكري في القوات المسلحة البريطانية والإدارة الذاتية في ألمانيا. وبالنسبة للجنود من ذوي الرتب الصغيرة، يعتقد العميد الفرنسي رويال أنه من المفيد أن يكون هناك ميثاق شرف يسهل تذكره يولّف الرسائل الأكثر تعقيداً. فعلى سبيل المثال، تتألف “عقيدة الجندي” الأمريكي من 121 كلمة فقط ولكنها تتضمن إشارات إلى المهنية والولاء للدولة ورفقاء السلاح. ومن شأن تكرار مثل هذه العقائد أن يعزز أهمية القيم الأساسية في ذهن الجندي. كتب رويال يقول، “إن هذا النهج الذي يستهدف غرس القيم الأخلاقية يكون في كثير من الأحيان أشبه بالطقوس البدائية، ولكنه مفهوم أيضاً بصورة مباشرة حتى ادنى مستويات الرتب، ويفهمه الجنود على الأرض، الذين يواجهون تعقيد العمليات القتالية”. وأضاف أن العقيدة تسمح “للتنظيم العسكري بتسليط الضوء على ما يُعتبر ’حقيقة مجردة‘ ضرورية”. تحتاج العديد من الجيوش، بما في ذلك قوة الدفاع الوطني في جنوب أفريقيا، إلى أن يوقّع الضباط الذين يرتدون الزي الرسمي على ميثاق سلوك يقسمون فيه على تحاشي الفساد، وأن يظلوا موالين لبلادهم، وأن يواظبوا على عدم وجود انتماء سياسي لهم. الأجور العادلة قد يبدو ذلك واضحاً، ولكن أحد الحوافز الرئيسية التي تدفع الجنود إلى الفساد والسلوك غير المهني يتمثل في تأخير أجورهم أو عدم كفايتها. فالجنود الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم من خلال رواتبهم أو الذين يرون ضباطاً أعلى رتبة يثرون أنفسهم، هم أكثر عرضة للجوء إلى سلوك غير أخلاقي. أشار دان هنك، وهو باحث عسكري درس قوة الدفاع لبتسوانا، إلى أن ممارسات الأجور العادلة في قوة الدفاع لبتسوانا لا تتيح للجنود حافزاً يُذكر لانتهاك القواعد. كتب هنك يقول، “إن أفراد قوة الدفاع لبتسوانا يحصلون على أجور جيدة يُعوّل عليها، وتوفر مستوى معيشة طبقة وسطى للضباط وراحة نسبية لدى الرتب الأخرى. ويستطيع أفراد قوة الدفاع لبتسوانا أن يتقاعدوا في نهاية عشرين سنة خدمة ويحصلوا على معاش معقول. إن انتظام وكفاية الأجر يقللان بدرجة كبيرة من الحافز للكسب غير المشروع الذي ابتليت به العديد من الجيوش الأفريقية الأخرى”. السلطة المدنية واحدة من السمات المميزة للجيش المحترف هو رفضه أن يكون مسيساً. فتاريخ التدخل العسكري في السياسة في أفريقيا طويل ومدمر. ووفقاً لأويدراوغو، فإن 65 بالمائة من دول جنوب الصحراء شهدت انقلاباً. والأسوأ من ذلك، أنه بمجرد وقوع الانقلاب الأول، يصبح من المرجح بشكل متزايد أن يتبعه انقلاب ثان أو ثالث. والانقلابات لا تضر الحكم والعملية الديمقراطية في هذه الدول وحسب، وإنما تلحق أيضاً الضرر بالاقتصاد. والدول التي تشهد انقلابات عسكرية يكون معدل نمو إجمالي الناتج المحلي أبطأ من الدول التي لا تشهد مثل هذه الانقلابات. فعلى سبيل المثال، شهدت كل من غينيا، ومالي، وموريتانيا ونيجيريا انخفاضاً في إجمالي ناتجها المحلي بنسبة 4.5 بالمائة أو أكثر بعد الانقلابات. كتب أويدراوغو يقول، “من المرجح أن يكون الحكم الذي يقوده عسكريون مدمراً لاقتصاد البلاد. فعدم الاستقرار يردع الاستثمار والتنمية. وعلى العكس من ذلك، فإن الدول غير الغنية بالموارد التي حققت أعلى مستويات من النمو المستدام هي تلك التي شهدت انقلابات قليلة أو لم تشهد أي انقلابات على الإطلاق”. كتب أستاذ العلوم السياسية صموئيل هنتنغتون يقول إن الاحتراف هو العامل الرئيسي الذي يمنع الجيش من التدخل في السياسة. وجادل في كتابه، الجندي والدولة، بأنه ينبغي السماح للجيش الذي يعمل بشكل جيد باكتساب الخبرة بعيداً عن التدخل الخارجي أو الاعتبارات السياسية. فهذا، كما كتب، سوف يؤدي إلى مزيد من الحكم الذاتي، ومزيد من التبعية للحكم المدني، ومزيد من إضفاء الطابع المهني على الجيش. وقال إيسترهوزى إن القوة القتالية المحترفة يجب ألا تتدخل في السياسة مطلقاً، بصرف النظر عن الإغراء. وكتب يقول “إنه غالباً ما يُنظر إلى القوات المسلحة، وتعتبر هي نفسها، على أنها فوق السياسة- غير سياسية بطبيعتها- بالنظر إلى أنها مستودع المصلحة الوطنية. فهي تضمن أمن وسلامة الدولة، وليس أمن وسلامة الحكومة القائمة”.
التعليقات مغلقة.