فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني التدخلات المتعددة الأطراف تحمل وعودًا وتحديات هائلة أسرة ايه دي اف في أوائل عام 2017، كانت غامبيا في طريقها نحو أزمة، بعد خسارة رئيسها يحيى جامع، الذي قضى فترة طويلة في السلطة، للانتخابات الرئاسية ورفضه قبول النتائج والتخلي عن منصبه. ففر خصمه، أداما بارو، من البلاد خوفًا على حياته، مما دفع أنصاره إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج. وأثناء انطلاق البلاد نحو حافة العنف حدثَ شيء غير عادي: إذ اجتمعت الدول الخمس الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا معًا وأرسلت قوة قوامها 7,000 جندياً إلى حدود البلاد، وأنذرت جامع: إما أن تغادر أو تتحمل العواقب. فصرح مارسيل دي سوزا رئيس لجنة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قائلًا حينئذ: “غامبيا محاصرة برًا وبحرًا وجوًا، وإذا أتى الظهر ولم يقبل [جامع] مغادرة غامبيا، فسوف تتدخل القوات عسكريًا لإبعاده بالقوة”. وقد ألجأ هذا التضامن، جنبًا إلى جنب مع الضغط الدبلوماسي جامع لأن يستقل طائرة متجهًا لغينيا الاستوائية، ليتخذ منها منفى له. وقد جنب هذا الاستعراض النادر لقوة العمل المتعدد الأطراف حدوث أزمة في البلاد. ومن هنا تساءل تقرير نشره معهد السلام الدولي عما إذا كان هذا الذي حدث يمثل “نموذجًا إفريقيًا جديدًا للإرغام؟” الوكالة الأوروبية للصور تشهد جميع أنحاء القارة توجهًا نحو التدخلات العسكرية الاستباقية ومتعددة الأطراف، ففي ليسوتو، بعد اغتيال قائد الجيش، نشرت سبع دول من الدول الأعضاء في الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي قوات احتياطية هناك لضمان الاستقرار. وكذلك في حوض بحيرة تشاد، اتحدت كلمة خمس دول على إنشاء قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) تحت رعاية لجنة حوض بحيرة تشاد لدحر بوكو حرام. وكذلك في منطقة الساحل، شكلت خمسة بلدان القوة المشتركة لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل لدحر الجماعات الإرهابية العاملة هناك. وتمثل تلك الجهود انفراجة بعيدًا عن إخفاقات الماضي حين كانت الأزمات تترك حتى تتفاقم ويغض الطرف عن انفجار البلدان إلى حين اعتماد بعثة دولية. وفي هذا يقول اللواء الأمير جونسون الثالث، رئيس أركان الجيش الليبيري: “أعتقد أننا صرنا نأخذ خطوات استباقية، كما نرى وهذا يمثل تغييرًا، نعم لم نحقق ما نصبو إليه بعد؛ لكننا نعمل على رفع القدرات واللوجستيات، ومع هذا يمكنني أن ألمس تغييرًا، فثمة توجه نحو تحمل الأفارقة لمسؤولية قارتهم”. والسؤال: كيف يمكن لرجال الأمن الأفارقة أن يكفلوا نجاح هذه البعثات؟ إن البعثات الأخيرة تفيدنا بدروس عن العوامل التي يمكن أن تنجح أو تفسد التدخل متعدد الأطراف. تحدي القيادة والتحكم لا ينبغي الاستهانة بأمر القيادة والتحكم أبدًا، ويراد بهما الإدارة العسكرية للأفراد والموارد، ويتسمان بأنهما فن وعلم على حد سواء. وتزداد صعوبة القيادة والتحكم في الساحات متعددة الأطراف. فقد تتضمن بعثة واحدة بلدان مساهمة بقوات ومنظمات إقليمية وشركاء ثنائيين ومنظمات غير حكومية، وكل طرف من الأطراف المذكورة يريد أن يكون صوته مسموعًا. وقد قضى اللواء سام كافوما من قوات الدفاع الشعبية الأوغندية سنة واحدة كقائد للقطاع 1 في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، ويقول كافوما أن القائد العسكري لديه أربع خطوات أساسية: التخطيط وإعطاء الأوامر والتسهيل والمطالبة بالنتائج. أما القيادة والتحكم في بيئة متعددة الأطراف فليست بهذه البساطة، فهناك، على حد قوله: “فجوة” أو”إشكالية” بين قائد القوة وقادة الوحدات، وأضاف كافوما بقوله: “تكمن الفجوة في بعض البعثات في أن قائد قد يعطي أوامر ولكنه لا يسهل لأن المرافق ليست تحت تصرفه، كما نجد أن الوحدات تعتمد كليًا على بلدانهم الأصلية في تقديم الدعم لها”. ويعطي كافوما مثالاً لقائد قوة من البلد التي حددت خطة الحملة، سوف يرد قائد الوحدة الذي ينتمي لبلد ثانية: “حسنًا، أرجو أن توفر لي الآن المعدات التي احتاجها لتنفيذ الخطة”، فإذا كان قائد القوة لا يستطيع ذلك، فما فائدة أوامره؟ فيقول كافوما: “إن هذا يوجد قدرًا من الخلاف”. وثمة صعوبات مردها إلى أن بعض البعثات التي تعمل تحت قيادة إفريقية تعتمد على الأمم المتحدة وشركاء آخرين لتوفير الدعم اللوجستي مثل المواد الغذائية والوقود، ولا يملك قائد القوة السيطرة الكاملة على هؤلاء الشركاء، مما يقوض صلاحياته. وقال كافوما: “ليس من الحكمة إخلاء يد قائد العمليات من السيطرة على الوظائف اللوجستية”. جنود سنغاليين في دورية لهم في غامبيا لضمان الاستقرار بعد رحيل الرئيس السابق يحيى جامع. وكالة فرانس برس/جيتي إيميجز ومن التحديات التي تعرض للقيادة والتحكم في العمليات متعددة الأطراف، لجوء الأطراف المشاركة غالبًا، حتى ولو كانت تحت قيادة موحدة، إلى بلادها للحصول على الموافقة للمشاركة في بعض مهمات البعثات. وفي أحيان أخرى، تتقيد البلدان بالمشاركة بقوات برية في البعثة وتبقي العمليات الجوية أو البحرية تحت السيطرة المحلية. وانطلاقًا من مسؤوليته كقائد لقوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات، عمل اللواء النيجيري لاكي إيرابور جديًا للتغلب على تحديات القيادة والتحكم. وقال أن جميع الخطط العملياتية التي يعدها تحظى بقبول رؤساء أركان جيوش البلدان المساهمة بقوات. وعلى الرغم من أنهم يقدمون بعض التعليقات، إلا أنه لم يسبق أن رفضت إحدى البلدان المشاركة. وعززت قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات من حقيقة مواجهة الدول المشاركة لذات التهديدات الإرهابية على أراضيها وعزمها على محاربة تلك التهديدات. وأضاف قائلًا: “إن الثقة قائمة بين بلدان لجنة حوض بحيرة تشاد، وهناك تفاهم سياسي مشترك حول المشكلات وما سنحققه بتكاتفنا”. كما صدق إيرابور على موافقة جميع البلدان على تبني قواعد اشتباك صارمة، وهو مفهوم شامل لعمليات وإجراءات العمليات القياسية التي توجه تصرفات قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات. وقال أن أكبر تحديات القيادة والتحكم التي تواجه البلدان المشاركة في قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات تكمن في قابلية التشغيل البيني والعوائق اللغوية. ويرجو إيرابور أن تمثل قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات نموذجًا للتغلب على عقبات القيادة والتحكم في العمل المتعدد الأطراف. ويقول: “إن عالمنا لا يزال مترابطًا، وأظن أنه في المستقبل المنظور سيظل كذلك، ”وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتعزيز قدرة القوات الإفريقية لاحتواء التحديات، وهذا ليس خيارًا، بل ضرورة”. اللوجستيات، موطن الضعف لعل العائق الذي يمنع بعض البعثات المتعددة الأطراف من الانطلاق يكمن في النقل الاستراتيجي، فعلى سبيل المثال، تأخرت بعض جهود غرب إفريقيا التي دشنت عام 2012 للتدخل في أزمة مالي، بسبب العجز في قدرات النقل الجوي، فرغم أن الدول كانت مستعدة لإرسال قوات إلى مالي إلا أنها كانت غير قادرة على نقلها إلى الخطوط الأمامية. وفي كثير من الأحيان، تعتمد عمليات دعم السلام التي تقودها إفريقيا على شركاء ومتعهدين أجانب في نقل القوات والمعدات. وقال الدكتور موند ميوانجا، مدير برنامج إفريقيا في مركز ويلسون: “إن النقل الاستراتيجي والخدمات اللوجستية يعدان من مواطن الضعف، ويلزم إفريقيا بذل المزيد من الجهد لحل هذه المشكلة، ولامتلاك ذلك… لا يمكن أن تحظى بالقيادة والتحكم إذا كنت لا تملك اللوجستيات”. إن لدى الاتحاد الإفريقي خطة لتحسين ذلك، على النحو المبين ضمن خطة عمل مابوتو، فأنشأ الاتحاد الإفريقي مركز تنسيق التحركات القارية المعني بتوفير تبادل قدرات النقل بين الدول الأعضاء وسداد تكاليف ذلك للدول التي توفر هذه الخدمة. وقد أجرى الاتحاد الإفريقي تقييمات استراتيجية لعمليات النقل في عدة مجموعات اقتصادية إقليمية وحدد الثغرات التي يتعين سدها بحلول عام 2020. كما يعمل الاتحاد الإفريقي على تحسين القدرات اللوجستية لديه، فافتتح قاعدة قارية في دوالا بالكاميرون، ويخطط لتعبئتها بمعدات متبرع بها قيمتها 100 مليون دولار، وسيجري تخزين كثير من تلك المعدات مسبقًا في قواعد لوجستية إقليمية في جميع أنحاء القارة لتوفير “مستلزمات أولية” يمكن نشرها بسرعة في حالات الطوارئ، ويعتزم الاتحاد الإفريقي إجراء مناورات لوجستية في عام 2018. وفي معرض تلخيصه لهذه الجهود، أقر العميد المتقاعد روبرت كاباج، كبير مسؤولي الرصد والتقييم بالاتحاد الإفريقي، أقر بأن تدخلات الاتحاد الإفريقي السابقة واجهت قصورًا في اللوجستيات والنقل الاستراتيجي. يجب أن تكون التدخلات المستقبلية استباقية مع القابلية للدخول في شراكة مع جميع البلدان أو المنظمات التي لديها القدرة على المساعدة. وأضاف أن تعقيد الأزمات التي تواجه القارة يتطلب هذا الانفتاح. واستطرد قائلًا: “إن التعامل مع حالات العنف في القارة لا يزال مقيدًا للغاية بسبب قلة قدرات النقل الاستراتيجي ليشمل القدرات البحرية والجوية والبرية، وبإمكان الاتحاد الإفريقي استغلال ميزته النسبية فقط ليحقق الكثير، وهناك حاجة لشركاء آخرين ليلحقوا بالركب”. تحالفات جديدة ودوافع مختلفة قد تقرب الأزمات ما بين الدول، بل إنها أحيانًا تعالج الانقسامات القديمة، ففي السنوات الأخيرة، استجابت التحالفات الجديدة التي أوجدتها الحاجة الملحة بشكل أسرع وأكثر فعالية من النموذج القديم لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام أو القوات الاحتياطية المحددة سلفًا. الوكالة الأوروبية للصور وقد أمضى الباحث الجنوب إفريقي سيدريك دي كونينج مدة كبيرة من حياته المهنية يبحث عن نموذج إفريقي لعمليات السلام، فصاغ تركيبة جديدة للتدخلات وسماها نموذج “التدخل في الوقت المناسب”. والمبدأ المتبع أن كل أزمة تختلف عن غيرها وتتطلب تحالفًا فريدًا بين الدول للتصدي لها، وينبغي أن يقوم هذا التحالف على البلدان التي لها مصلحة وطنية للتدخل والبلدان التي لديها الوسائل للقيام بذلك. فعلى سبيل المثال، إذا نشبت أزمة في بلد في شرق إفريقيا، فقد ينشأ تحالف يضم البلدان المجاورة التي تخشى عدم الاستقرار في المنطقة، والبلدان التي لها مصالح اقتصادية داخل البلد، والبلدان التي لديها قوات مدربة تدريبًا متميزًا وطائرات متاحة، سواء من داخل المنطقة أو خارجها. ففي غامبيا، كان على رأس التحالف دولة السنغال المجاورة لأنها تخشى من تفشي عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، أما في حوض بحيرة تشاد، فقد تضررت أكبر أربعة بلدان مساهمة بقوات من هجمات بوكو حرام، وبالتالي عزموا على القضاء على هذا التهديد. وأضاف كونينج: “إننا نتحدث في الأساس عن تحالف يضم الدول الراغبة التي لديها مصلحة في حل هذا الصراع، لأن تلك البلدان وحدها هي التي ستكون مستعدة لإرسال أفراد يلقون بأنفسهم في التهلكة ويتحملون تكلفة عالية من دمائهم وأموالهم، ولهذا السبب أعتقد أن النموذج القائم لن يجدي أبدًا، ومن المستبعد جدًا أن يلبي هذا النوع من الألوية الدائمة المحددة مسبقًا المتطلبات المحددة في هذه الحالة المطروحة”. وأشار دي كونينج إلى أن نموذج الأمم المتحدة لحفظ السلام يعتمد على مدار التاريخ على مبادئ الموافقة والحياد واستخدام الحد الأدنى من القوة، أما عمليات السلام التي تجري تحت قيادة إفريقية، بما فيها تلك التي تكون تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، فلا توجد فيها تلك القيود. ومن ثم، كانت المنظمات الإقليمية الإفريقية والاتحاد الإفريقي من أوائل من نشروا قوات في دارفور والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى، قبل تهيؤ الأمم المتحدة للقيام بذلك. جنود سنغاليون يخدمون في قوات تدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في غامبيا يصلون إلى بانجول لتأمين عودة الرئيس المنتخب آداما بارو. وكالة فرانس بريس/صور غيتي لكن تحالف الدول الراغبة تصاحبه مشكلات أخرى، فقد كشف تحليل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال الذي أجراه بول وليامز من جامعة جورج واشنطن أن ستة دول من البلدان المساهمة بقوات وافقت على إرسال قواتها لأسباب واضحة، منها التهديد الأمني المباشر لحدودها، وتلقي تمويل من شركاء دوليين، والرغبة في تعزيز سمعتها على الساحة العالمية. إن الدول الإفريقية لا تزال تعمل على إيجاد توازن صحيح يجمع هذه التحالفات، ولعل الدرس المستفاد من تجربة غامبيا يكمن في أن الانتشار السريع قد ينقذ حياة. وأثنى العميد مامات او تشام قائد الجيش الوطني الغامبي على هذه الاستجابة السريعة من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مع تجنب حدوث أزمة، فقال: “إنك لا تنتظر حتى تحدث مشكلات، فإذا كانت هناك آلية داخل الاتحاد الإفريقي، تكفل للقادة السياسيين إذا شعروا بوجود مشكلة في إحدى الدول الأعضاء، أن يتأهبوا للوضع ويتخذوا القرارات المناسبة للتدخل الاستباقي”. ويرى تشام أن الإجراءات لا تزال قيد التحسين ومع التأكيد على ضرورة احترام السيادة الوطنية، إلا أن إفريقيا لا يمكن أن تعود إلى مبادئ عدم التدخل القديمة. وفي هذا يقول: “نأمل أن نتبنى [سياسة]، نتناول بها مجتمعين أمن بعضنا بعضًا، وحين نشعر أن الأمر خرج من قبضة البلاد، فحينئذ يتخذ إجراء استباقي لمنع تدهور الأمور حتى لا تقع الكارثة”.