نيجيريا تتطلع إلى وقف تدفق الأسلحة إلى بوكو حرام
في فيديو ضبابي مدته 36 دقيقة التقط في مكان ما بشمال شرقي نيجيريا، يقف رجل يرتدي قبعة سوداء ويقرأ من كومة أوراق، إلى جوار مخبأ أسلحة.
قال زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو، متحدثاً باللغة العربية أولاً ثم بالهاوسا، “إننا نطلع العالم الآن على جميع الأسلحة والذخائر التي حصلنا عليها من ثكنات الجيش النيجيري. إن ما لدينا الآن في مستودع أسلحتنا، إضافة إلى كل ما كان لدينا من قبل، يكفي لشن حرب مظفرة ضد نيجيريا بأسرها”.
ومضى شيكاو إلى التهديد بمزيد من الهجمات مثل الذي وقع في كانون الثاني/ يناير 2015 وسوّى بلدة باجا بالأرض وخلّف نحو 2000 من القتلى. وقال إنها “ليست سوى البداية”، طبقاً لترجمة صحيفة بريميوم تايمز النيجيرية. وفي جزء لاحق من الفيديو، قام رجل آخر يرتدي قفطان بفخر يتفقد ترسانة بوكو حرام. وأشار إلى أكوام الرصاص، وبنادق أيه كيه 47 الآلية المكدسة كمواد قابلة الاشتعال، وصناديق الذخيرة وقنابل يدوية مكومة على ارتفاع الكتف.
وقال مقاتل آخر متباهياً بالأسلحة المضادة للطائرات، والقنابل ذات الدفع الصاروخي آر بي جي والدبابة، “كما ترون، لدينا الآلاف من بنادق أيه كيه .-47 ولدينا الكثير الذي ما زلنا ننقله إلى معسكرنا هنا”.
من بين المشاكل الكثيرة التي يواجهها أفراد قوات الأمن النيجيرية هو الإحساس بأن مقاتلي بوكو حرام يتفوقون عليهم من حيث السلاح، ولديهم عتاد جيش محترف. ففي أيلول/ سبتمبر 2014، على سبيل المثال، فوجئ جنود الحكومة حين وجدوا أن المتمردين يستخدمون دبابة تي-55 وناقلة جنود مدرعة.
ويبقى السؤال: كيف يحصل المتمردون على هذه الأسلحة والمعدات المتطورة؟
قال الدكتور فريدم أونوها، المحاضر في كلية الدفاع الوطني بنيجيريا والخبير في شؤون بوكو حرام، إن الجماعة حصلت على الأسلحة والعتاد العسكري بثلاثة طرق: التهريب عبر الحدود الدولية، وسرقة الأسلحة والمركبات من المنشآت الدفاعية، وشراء الأسلحة المهربة محلياً.
التهريب الدولي
تمتد حدود نيجيريا عبر تضاريس متنوعة ووعرة يصعب الطواف بها بدوريات. وتعبر هذه الحدود التي يزيد طولها عن 4000 كيلومتر، الصحراء في الشمال، والمخبأ السيئ السمعة للخارجين على القانون في غابة سامبيسا في الشمال الشرقي، ومستنقعات وجزر بحيرة تشاد. ومعظم الحدود الشرقية مع الكاميرون مناطق جبلية وتنذر بشر. يستخدم المهربون هذه التضاريس الوعرة لمصلحتهم.
طبقاً لوزارة الداخلية النيجيرية، هناك أكثر من 1500 طريق دخول غير مشروع إلى البلاد، مقارنة بنحو 84 طريق دخول رسمي. ويعتقد معظم المراقبين أن الرقم الفعلي للطرق غير المشروعة أكبر من ذلك بكثير.
قال أونوها، الذي يتحدث بصفة منتظمة مع العاملين في دائرة الجمارك والوحدات العسكرية المتمركزة بالقرب من الحدود، إنهم متهيبون من مهمة تأمين الحدود.
قال أونوها لمجلة أيه دي إف، “إن الأجهزة الأمنية تجد أن تنظيم تدفق الأسلحة يزداد صعوبة. فالحدود البحرية، أساساً، مليئة بالثغرات، والحدود البرية مليئة بالثغرات. وفي هذه البيئة أيضاً، لديك فساد هائل وكذلك ارتفاع في معدل البطالة والفقر. ومتى وضع شخص ما يديه على هذه الأسلحة، من السهل جداً أن يعرف لمن يبيعها”.
لقد وجد المهربون وسائل مبتكرة لإدخال الأسلحة خلسة عبر الحدود الشمالية الشرقية. من بين هذه الطرق وضعها في أكياس القش التي يجلبها الرعاة الرحّل، وربطها في الجمال أو الإبل. وفي منطقة بحيرة تشاد، يستخدم المهربون زوارق صغار صيادي السمك في إخفاء الأسلحة. وبالنسبة للشحنات الأكبر، يخفي المهربون الأسلحة أحياناً في شاحنات طويلة تنقل سلعاً مشروعة.
قال جون بوكو، الخبير في الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة والمدرب في مركز كوفي عنان الدولي للتدريب على حفظ السلام في غانا، إن من الشائع لشركات النقل بالشاحنات المشهورة أن تخضع لأدنى حد من التفتيش أثناء عبورها نقاط التفتيش الحدودية. وقال لمجلة أيه دي إف، “إذا كنت أنا قادماً كشركة راسخة والجميع يعرفونني، فمن الأمور العادية في أفريقيا ألا أخضع لنفس إجراءات التفتيش التي يخضع لها شخص عادي. هناك بالفعل شاحنات يتم تفريغها تماماً، ويقوم العاملون بفتح ثقب في بدنها ويمررون من خلاله الأوراق النقدية أو الأسلحة ثم يغلقونه تماماً. عندئذ يقومون بتحميل البضائع العادية فوقها. لذلك، ما لم تستخدم جهاز مسح ضوئي جيداً، سيكون من الصعب اكتشافها”.
قال أونوها إن الروايات المتداولة تشير إلى أن محاولات المهربين إدخال الأسلحة خلسة عبر نقاط التفتيش الرسمية تباطأت قرب نهاية 2014 وبداية 2015. وربما كان هذا راجعاً لعاملين: الأول، أن الأسلحة التي تم نهبها في ليبيا بعد سقوط رجلها القوي معمر القذافي بدأت تنفد. الثاني، أن بوكو حرام نجحت في السيطرة على بعض المناطق الحدودية، من بينها الأرض القريبة من باجا، الأمر الذي نفى الحاجة إلى معابر رسمية.
وأضاف، “أن استيلاء بوكو حرام على الأراضي وقدرتها على الاحتفاظ بها يسمح لها بإنشاء المزيد من طرق التهريب الطويلة والدائمة، الأمر الذي يجعل حتى من الصعب على الحكومة أن تتصدى لها”.
في شباط/ فبراير2015، حرر الجيش النيجيري باجا بمساعدة قوات إقليمية.
إن مفتاح التقليل من النشاط غير المشروع عبر الحدود يتمثل في التعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية على جميع جوانب الحدود. ذكرت صحيفة بريميوم تايمز أن تعزيز اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية بين بنين، والكاميرون، وتشاد، والنيجر ونيجيريا أتى بالفعل ثماره. ففي نيسان/ إبريل 2014، اعتقلت القوات الكاميرونية مهربين بالقرب من الحدود التشادية. واكتشف أنهم كانوا ينقلون 288 بندقية، و35 قذيفة آر بي جي و35 عبوة ناسفة. كما كانوا يحملون 50 جواز سفر كاميروني.
أثبتت بوكو حرام، مع ذلك، براعتها في تنويع الطرق التي تحصل من خلالها على الأسلحة وتغييرها إذا لفتت انتباه الحكومة. وتمتد نقاط منشأ الأسلحة التي ينتهي بها المطاف في نيجيريا من دول مثل ساحل العاج وليبيريا إلى تركيا ودول أوروبا الشرقية، بما فيها بلغاريا، وكوسوفو وأوكرانيا. وفي عام 2011، عثر المسؤولون على شحنة من الأسلحة والذخيرة في مرفأ نيجيري واعتقلت مهرب أسلحة إيرانياً.
قال جون بوكو إن أجهزة الأمن هي جزء واحد فقط من المعادلة لوقف التهريب الدولي. وللحد حقاً من تدفق الأسلحة عبر الحدود، فإن الحكومة المركزية في حاجة إلى كسب ولاء وثقة السكان المقيمين في مجتمعات حدودية. وأضاف، “أنه يتعين على الدولة أن تعمل مع الناس الذين يعيشون هناك وتعرف ما يدور بها يوماً بيوم. فأي بطش عسكري قد يجعل من الصعب على السكان المقيمين على طول الحدود أن يتعاونوا”.
ويشعر جون بوكو بقلق خاص من زيادة الروابط بين المتطرفين في المجتمعات الحدودية وجماعات عرقية أخرى في شمال أفريقيا. إذ يمكن لهذا النوع من الولاء أن يتيح لبوكو حرام حرية الوصول إلى المجتمعات المتعاطفة الممتدة من جنوب نيجيريا على طول الطريق حتى منطقة الصحراء. وقالت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، إن بوكو حرام أقامت روابط مهمة مع جماعات أنصار الدين، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. كما أنشأت قواعد تدريب خلفية في النيجر.
كتبت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات تقول في تقرير لها عام 2014، “إن الجماعات الإسلامية الثلاث عززت بوكو حرام. وقد جعل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالذات موارده المالية، وترساناته العسكرية ومرافق التدريب الخاصة به متاحة أمام بوكو حرام”.
وفي عام 2015، بايعت بوكو حرام تنظيم داعش.
الأسلحة المحلية
أصبحت غرب أفريقيا بقعة ساخنة للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة غير المشروعة، فيما يُقدّر بأن 8 ملايين قطعة متداولة في المنطقة، وفقاً للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. ويوجد ما يصل إلى 70 بالمائة منها في نيجيريا.
وتماثل الطرق المستخدمة في إخفاء الأسلحة المنقولة داخل البلاد تلك المستخدمة عبر الحدود الدولية. وقال أونوها إن مهربي الأسلحة المرتبطين ببوكو حرام أخفوا الأسلحة الصغيرة والخفيفة في أكياس البذور وحتى أنهم غلفوها في أكياس بلاستك ودسوها داخل ناقلات وقود فارغة.
ومن الجوانب الفريدة للتهريب الداخلي استخدام الأنفاق في نقل الأسلحة دون أن تُكتشف. ففي تموز/ يوليو 2013، وبالقرب من مدينة مايدوجوري بنيجيريا، اكتشفت السلطات شبكة من الأنفاق والخنادق التي يستخدمها مقاتلو بوكو حرام في نقل الأسلحة بين المنازل لتفادي اكتشافها. وكانت بعض الخنادق كبيرة بما يكفي لاستيعاب 100 شخص.
أطلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا برنامجاً يتضمن حفر شعارها، والرقم التسلسلي، والشركة المصنّعة وتفاصيل أخرى على الأسلحة في الدول الأعضاء. وسوف تحمل الأسلحة الرسمية علامات بتفاصيل إضافية. وللسيطرة على التهريب الداخلي، بدأت نيجيريا خطة عمل لأربع سنوات تحت إشراف اللجنة الرئاسية حول الأسلحة الصغيرة. ومن بين مهامها تحديد صناع الأسلحة غير المسجلين وتأسيس برنامج لتمييز الأسلحة وتسجيلها.
ويتفق معظم المراقبين، مع ذلك، على أنه من غير المرجح أن ينخفض انتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في نيجيريا إلى أن يكون لدى الناس شعور بالأمان. فالصراعات المنتظمة وعجز الشرطة والجيش عن توفير السلامة في شمالي نيجيريا يجعل لزاما على المواطنين الاحتفاظ بأسلحة.
قال جون بوكو، “إن هذا بلد عاش في توتر لأكثر من 40 عاماً. كيف يمكنك أن تقول للناس في مثل هذه الظروف أن يسلموا أسلحتهم بكل بساطة؟ إنه عملياً أمر مستحيل”.
مستودعات الأسلحة
في حوالي الساعة الخامسة صباحاً من 3 كانون الثاني/ يناير 2015، اقتحم مقاتلو بوكو حرام قاعدة عسكرية في باجا، مقر قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات لإعادة السلام إلى المنطقة المضطربة. دخل مسلحون يركبون دراجات نارية القاعدة وألقوا عبوات ناسفة محلية. ورغم أن الجنود النيجيريين قاوموا لعدة ساعات، فقد أرغموا على الفرار في نهاية المطاف.
أتاح انتصار بوكو حرام لها الوصول إلى مخزن الأسلحة الضخم الذي تم تصويره في فيديو ظهر فيه زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو. وكانت سرقة أسلحة من منشآت عسكرية وشرطية عنصراً رئيسياً لاستراتيجية بوكو حرام التسليحية منذ إنشائها. كما شنت الجماعة مداهمات استراتيجية على مواقع يمكن أن تحصل فيها على المكونات اللازمة للمتفجرات.
قال أونوها إن الحماية الأفضل للمنشآت العسكرية لا تعني بالضرورة تزويد الجنود بمزيد من الأسلحة. ويعتقد، بدلاً من ذلك، أن الحاجة الماسة تدعو إلى دعم جوي استراتيجي لدحر هجمات بوكو حرام وضمان عجزها عن إعادة تجميع صفوفها ومواصلة الهجوم.
قال أونوها “إن أكبر مشكلة، حسب اعتقادي، التي سمحت لبوكو حرام الاستيلاء على الكثير من الأراضي- ناهيك عن القوة النيرانية – هي عجز سلاح الطيران النيجيري من حيث القوة النيرانية. فبعض الطائرات التي تستطيع أن تستخدمها للمراقبة، والأهم في القتال، غير موجودة حقاً في المخزون. فسلاح الطيران يحتاج حقاً إلى ذلك النوع من القوة الجوية في شكل مروحيات كوبرا هجومية أو أشياء أخرى يمكن أن يستخدمها في الرد الفوري…قد تؤدي هذه حقاً إلى تغيير قواعد اللعبة”.
هناك أيضاً حاجة لتحسين أمن مستودعات الأسلحة العسكرية وتسجيل الأسلحة العسكرية. والإشراف على الجنود الذين يحرسون المستودعات أمر ضروري أيضاً. قال بوكو إن برنامجاً في غانا لتدريب ضباط الجيش على تسجيل وتمييز أسلحتهم حقق نجاحاً في الحد من تسريب الأسلحة الرسمية. وأشارت بعض أكثر التقارير إثارة للقلق في نيجيريا، إلى أن الجنود الفاسدين تعمدوا، في حالات نادرة، ترك مستودعات الأسلحة غير مغلقة حتى يتمكن مقاتلو بوكو حرام من مداهمتها.
قال جون بوكو، “نحن نعلم أن بوكو حرام تحصل على بعض إمداداتها من الأسلحة الرسمية. سيارات البيك أب، والعربات المدرعة، والرشاشات الثقيلة وما إلى ذلك. وبعضها مصدره أسلحة رسمية. لقد فعلوا ذلك لأنهم تمكنوا من اختراق التسلسل الهرمي للجيش”.
خطوات قطع الطريق على تدفق الأسلحة إلى بوكو حرام
• استعادة الأراضي الحدودية التي تسيطر عليها بوكو حرام.
• استخدام الدعم الجوي لضرب معسكرات بوكو حرام و المراقبة الجوية لرصد نشاطات التهريب.
• فرض إشراف صارم على ضباط مراقبة الحدود لمنع الرشوة أو التواطؤ.
• الرقابة الداخلية على تداول الأسلحة عن طريق تمييز الأسلحة وتسجيلها.
• إقامة تعاون حول دوريات الحدود وتبادل المعلومات بين الدول.
• تدريب وكلاء الحدود على البحث عن الطرق الشائعة للإخفاء.
• حمل الحكومة على التواصل مع المجتمعات الحدودية.