فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست البريد الإلكتروني نهوض البلاد بعد الحرب الأهلية يضع معياراً جديداً لإعادة تشكيل الجيش أسرة أيه دي إف عندما وضعت الحرب الأهلية أوزارها في سيراليون في كانون الثاني/ يناير 2002، كانت البلاد في حالة من الفوضى. فقد لقي نحو 50000 شخص مصرعهم، وأصبح أكثر من 2 مليون نسمة – ثلث سكان البلاد – لاجئين. وقد تم ارتكاب فظائع. ودُمّرت المباني والطرق. واختفت سجلات البلاد. ولم يكن هناك جهاز استخبارات أو نظام أمني. كان مستوى دمار البنية التحتية غير مسبوق؛ وكان من الضروري إعادة بناء كل شيء تقريباً من نقطة الصفر. كما تركت الحرب، التي بدأت عام 1991، البلاد غارقة وسط المقاتلين السابقين، والتوترات السياسية التي لم تُحل، والبطالة العالية والأسلحة الصغيرة. وبعد خمس سنوات من انتهاء الحرب، ولأول مرة منذ 20 عاماً، أجرت سيراليون انتخابات وطنية سلمية دون مساعدة لحفظ السلام. وعندما لم يحصل أي مرشح رئاسي على الأغلبية اللازمة للفوز، أجريت انتخابات إعادة الشهر التالي. وأعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أن الانتخابات كانت “حرة، ونزيهة وذات مصداقية”. جنود يؤمنون المنطقة حول مقر اللجنة الانتخابية الوطنية في فريتاون بسيراليون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.]أسوشييتد برس] وأثبتت البلاد منذ ذلك الحين أن تلك الانتخابات لم تكن حالة شاذة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، أجريت ثالث انتخابات عامة في البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية. ورغم وجود 10 أحزاب سياسية، أجرت سيراليون انتخابات سلمية، وناجحة على المستويات الرئاسية، والبرلمانية والمحلية. عزا تقرير عام 2009 صدر بتكليف من التجمع العالمي لمنع النزاعات التابع للمملكة المتحدة، الفضل إلى الأمم المتحدة والمملكة المتحدة لتدخلهما في الحرب الأهلية واستعادة النظام، ولكنه مضى إلى القول إن الانتخابات الناجحة كانت من عمل الشعب السيراليوني. وقال التقرير إن الانتخابات كانت دليلاً على الإصلاحات الناجحة لقطاع الأمن في البلاد. قال التقرير، “إن مفتاح هذا التحول الأمني كان ولا يزال، القيادة التي وفرتها مجموعة من المسؤولين في حكومة سيراليون الذين حافظوا على جهود الإصلاح الأمني لفترة طويلة من الزمن، وفى ظروف صعبة في أغلبها”. وقد أشيد بإصلاح القطاع الأمني في البلاد بوصفه نموذجاً تحتذى به دول أخرى. وقال التقرير إن صناع السياسة في سيراليون “كانوا يتخذون قرارات صعبة في وقت قصير، في الميدان وداخل مؤسسات دولة مختلة وغير موجودة في بعض الأحيان”. خلص الباحثون إلى أن كلمة “إصلاح” لا تذهب إلى مدى كاف في شرح ما مرت به البلاد. وأشار باحث إلى العملية على أنها “تحول شامل للهياكل الأمنية” امتد على مدى عقد من الزمن. وجاء في تقرير المملكة المتحدة لعام 2009 أن التحول “وصل إلى عمق المؤسسات الأمنية الداخلية والخارجية، وأحدث تغييرات في الهياكل القيادية، وأتاح تدريباً من القاعدة إلى القمة، ووضع سياسات، وإجراءات وسلوكاً للعاملين”. وفى كانون الأول/ ديسمبر 2013، استضاف مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية ورشة عمل لقادة قطاع الأمن من 10 دول في إفريقيا الوسطى. وبدأ المتحدث إسماعيل تاراوالي من مكتب الأمن الوطني في سيراليون بالقول إن إصلاح قطاع الأمن في بلاده بدأ بالاعتراف بضرورة إشراك جميع المواطنين. وقال “إن سيراليون لم تكن راضية عما رأت أنه تعريف للفساد الأمني، وهو مفهوم للأمن ركز بصورة تكاد تكون حصرية على بقاء النظام. وبالمثل كانت هناك إشكالية النهج التقليدي للأمن، ذلك الذي يتمحور حول الدولة. وبدلاً من ذلك تبنى السيرالييون مفهوماً شاملاً للأمن، رؤية تضع المواطن في قلب عملية صنع الأمن الوطني”. تحقيقاً لهذه الغاية، أنشأت الدولة مكتباً مدنياً للأمن الوطني. وضع المكتب معايير لإعادة هيكلة الشرطة، والقوات المسلحة وشبكة الاستخبارات. وقال تاراوالي إن إعادة الهيكلة امتدت من مستوى القرية إلى المستوي الوطني. قوات من سيراليون تقوم بدورية بالقرب من مدينة كسمايو في جنوبي الصومال. أرسلت البلاد 850 جندياً للمساعدة في مجهود حفظ السلام في الصومال. صورة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة/ جيكوب ويلمر وأضاف، “لكي أكون صريحاً، كانت هناك دفعة قوية جداً وشعبية من جانب أبناء سيراليون لاتباع النموذج الليبيري لحل الجيش بأسره وبنائه من جديد. وقد أقنع هذا، وفى حد ذاته، الجيش والشرطة بالحاجة إلى اعتماد الإصلاح، حتى لو كان لمجرد استعادة هيبتهما التي تضررت كثيراً في عيون مواطنيهم”. إن سيراليون ليست مكاناً يسهل فيه تعزيز السلام. فالبلاد تضم نحو 16 جماعة عرقية، لكل منها عاداتها ولغتها. والإنجليزية هي اللغة الرسمية للبلاد، ولكنها غير متداولة على نطاق واسع. كما أن للبلاد بعض المميزات الثقافية. فرغم أن معظم سكانها من المسلمين، هناك عدد كبير من المسيحيين، ولديها سمعة في أنحاء إفريقيا بلد التعايش السلمي بين المجموعتين. وقال تاراوالي إنه مع التنوع العرقي في سيراليون، كان من الضروري إشراك الجميع تقريباً في إصلاحات القطاع الأمني – وهي إصلاحات تم الخطيط لها بشكل جيد حتى العقد القادم. وأضاف، “أننا جلبنا ممثلين من الشرطة، والجيش، والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، والحكام التقليديين، وهياكل أوسع من المجتمع المدني لينضموا سوياً في مجموعة عمل وطنية لتطوير رؤية أمنية استراتيجية لسيراليون أسفرت عن إطار عمل جديد لسياسة الدفاع والأمن الوطني. وتم ربط تقييمات الأمني الوطني التي تمخضت عن هذه العملية برؤية 2025، وهي وثيقة إرشادية تخلق رؤية لما يجب أن تكون عليه البلاد عام 2025”. دولة فاشلة قال الدكتور السيراليوني أبو بكر باه، الأستاذ المشارك في جامعة شمال إلينوي بالولايات المتحدة، إنه عند نهاية الحرب الأهلية، كان وطنه “دولة فاشلة”. قال باه، “كنت أقول للناس كثيراً إن سيراليون وصلت إلى الحضيض. ومتى وصلت إلى الحضيض، لا يسعك سوى الصعود إلى أعلى”. قال باه إن الجيش “اختفى” عند نهاية الحرب. وأضاف أن ولادته من جديد بدأت بتسريح المقاتلين. “أولئك الذين تخلوا عن أسلحتهم ووافقوا على السلام – وقد قبلت مجموعة منهم فعلاً للمشاركة في القوة الجديدة”. بعد ذلك جاء تدريب الجيش الجديد. قال باه، “كان للتدريب عنصران، أحدهما فني، مهارات عسكرية، مثل إطلاق النار. وكان الآخر ما يُسمى بالاحتراف، الذي يغرس في النفوس رؤية لقوة منضبطة ومسيطر عليها – أي أنها تخضع للسيطرة الديمقراطية والمدنية. تم تدريبهم على الإدارة الأساسية للبيروقراطية – كيفية التعامل مع الترقيات، وكيفية التعامل مع الرواتب”. أنشأت البلاد لجنة مكافحة الفساد في سيراليون للتعامل مع ذات المشكلات التي أدت إلى الحرب الأهلية. قال باه، “من الناحية العملية، ينحصر الفساد في الواقع في ثلاثة أنواع من الأنشطة. إحداها الرشوة – شخص ما يطلب أن تدفع له مبلغاً ليؤدي لك عملاً من المفروض أن يقدمه بالمجان. أريد أن أحصل على جواز سفري من مكتب الهجرة، وسيقول الضابط عليك أن تعطيني مبلغاً من المال قبل أن أسلمك الجواز في موعده. وأضاف، “أن هناك نوعاً آخر من الفساد هو التمييز. شخصان يتقدمان لوظيفة. أحدهما أكثر تأهيلاً، ولكن الشخص الأقل تأهيلاً يحصل على الوظيفة لأنك تعرف عم ذلك الشخص أو لأنه ينتمي لخلفيتك العرقية القبلية”. ”أما النوع الثالث فهو الاختلاس الفعلي. فمثلاً، هناك صندوق به 10000 دولار لبناء مدرسة، وينفقون 3000 دولار على المدرسة ثم يمارسون كافة أنواع الحيل المحاسبية لأخذ الـ 7000 دولار الأخرى”. قال باه إن لجنة مكافحة الفساد تكرس معظم طاقتها لمحاربة الاختلاس. وأضاف، “أن الاستراتيجية تقوم في الواقع على جر الناس إلى المحكمة، ولكنهم يتوصلون إلى تسوية بدلاً من عمليات التقاضي الفعلية. والاستراتيجية تقوم في الواقع على استعادة الأموال. فالتفكير هو أن التقاضي لا ينتهي دائماً بأن يعيد الناس الأموال”. قبل الحرب الأهلية لم يكن الجيش السيراليوني أكثر من مجرد محافظ على نظام فاسد. وهذا من بين الأسباب التي أدت إلى الحرب. قال باه، “إن مهمة الجيش، بشكل أو بآخر، هي المحافظة على الدولة. والمشكلة هي، ما هي السمة الرئيسية للنظام؟ في فترة ما قبل الحرب، كان عليه أن يُبقي على نظام حزب واحد فاسد. والآن يجب أن تكون وظيفته الفعلية المحافظة على نظام ديمقراطي. فإذا كان على الجيش أن يحمي مؤسسات الديمقراطية، ونظام الانتخابات، فهذا أمر جيد”. أكثر من الجيش يشتمل إصلاح قطاع الأمن على ما هو أكثر من مجرد الجيش. ففي المراحل اللاحقة من الإصلاحات في سيراليون، بدأت البلاد في فحص وزارة الشؤون الداخلية وخدمات سجونها. فقد مر ما يكفي من الوقت لدرجة أن المراقبين يقومون الآن بتوثيق ما نجح وما فشل خلال عملية الإصلاح في البلاد. ويحتوي تقرير المملكة المتحدة لعام 2009 هذه النتائج: إن وضع الأشخاص المناسبين في أماكنهم واتخاذ إجراء “أكثر قيمة من تخطيط تفصيلي، ومكثف ومستهلك للوقت”. إمنح الأشخاص المناسبين صلاحية اتخاذ القرارات، ثم دعهم يؤدون وظائفهم. الملكية الوطنية أمر بالغ الأهمية، حتى عند بداية العملية، عندما تكون الحكومة مهلهلة. والمساعدة الخارجية، مثل الأمم المتحدة، يجب أن تكون على شكل مستشارين، وليس منفذين. الإحلال والتبديل “مرتفع بصورة مزمنة” بين المستشارين الخارجيين. لذلك، فإن من الأهمية بمكان تشكيل فريق وطني جيد يمكن أن يصمد أمام موكب مستمر من المستشارين. وبناء مثل هذا الفريق الوطني والمحافظة عليه هو من بين أصعب أجزاء الإصلاح الأمني. يجب على الفريق الوطني والعاملين من الخارج أن يطوروا استراتيجية خروج جيدة للمستشارين. يجب أن تضم أي خطة إصلاح استراتيجية “للمرحلة المتأخرة”. إذا كان الفريق الوطني صغيراً أكثر مما يجب، يمكن أن يساء استخدامه إذا ما أصبحت البلاد غير مستقرة. يجب أن يصل حجم الفريق الوطني إلى “الكتلة الحرجة” حتى يحافظ على نفسه في فترات المشاكل الحتمية. يشير باه إلى أن سيراليون ترسل قوات حفظ سلام إلى دول أخرى كدليل على مدى الإصلاح الذي قطعه الجيش. فهناك للبلاد 850 جندياً، من بينهم نحو 65 امرأة، منتشرون في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال. اعتباراً من عام 2014، حققت سيراليون نتائج مذهلة في إصلاح الأمن. ولكن البلاد لا تزال تواجه مشاكل رئيسية. ففيما انسحبت الأمم المتحدة من البلاد في آذار/ مارس 2014، بعد 15 عاماً من عمليات السلام، حذر المسؤولون من أنه لا يزال يتعين على سيراليون أن تتعامل مع الفقر، والبطالة، والفساد المزمن وتتمسك بسيادة القانون. ولكن الأمل لا يزال قائماً. وفي خطاب له في نيسان/ إبريل 2014، قال رئيس سيراليون إرنست باي كوروما إن إصلاحات بلاده كانت مثالاً يُحتذى في سائر العالم. “فاليوم لسنا فقط بين الدول الأكثر سلاماً في العالم، ولكننا نصدّر السلام والأمن أيضاً إلى دول أخرى من خلال مشاركتنا في عمليات حفظ السلام في الصومال، ودارفور وأجزاء أخرى من العالم”.