أسرة منبر الدفاع الإفريقي
عندما صدر الإعلان عن الجائحة خلال عام 2020، كانت سلطات الصحة العامة تخشى أن تتسبب العدوى الجماعية في انهيار منظومات الرعاية الصحية في إفريقيا.
وقد مرَّ 13 شهراً، ولم يحدث ذلك، وسجَّلت القارة نحو 4 ملايين إصابة مؤكدة بفيروس كورونا (كوفيد-19) وتجاوزت أعداد الوفيات 100,000حالة وفاة، لكنها تجنبت أسوأ السيناريوهات.
وتعد أعداد الوفيات، رغم مأساويتها، نزراً يسيراً مقارنة بما شهدته القارات الأخرى وبعض البلدان، وهذا مع قلة الموارد الطبية في إفريقيا.
وهذه ظاهرة يسميها علماء الوبائيات «مفارقة إفريقيا»، وما يزالون يسعون جاهدين لتفسيرها.
فقد كتب الدكتور النيجيري ياكوبو لاوال في دراسة له بعنوان «قلة وفيات كورونا في إفريقيا: أهي مفارقة؟» نشرتها «المجلة الدولية للأمراض المعدية»في كانون الثاني/يناير 2021، يقول فيها: “عندما وصل الفيروس أخيراً إلى إفريقيا، تبع ذلك بعض الوفيات، لكنَّ الكارثة المتوقعة لم تحدث قط، حتى عندما بلغت الجائحة ذروتها الأولى، وإنما استقرت ثمَّ تراجعت.”
وأضاف يقول: “تعاود الارتفاع حالياً في بعض البلدان، ولكن ليس بالسرعة السابقة.”
ومن الإجابات البسيطة على ذلك أنَّ البلدان الإفريقية لم تجرِ اختبارات كثيرة كالتي أجرتها البلدان الأخرى، وإنما أجرت 37 مليون اختبار، وهو عدد ضئيل مقارنة بسكان القارة الذين يبلغ تعدادهم 1.3 مليار نسمة.
وقد ركزت دراسة أخرى، ستُنشر قريباً في المجلة الطبية البريطانية، على إجراء اختبارات لعدد 364 جثة في لوساكا بزامبيا، وكشفت الدراسة أنَّ جثة من كل 5 جثث كانت مصابة بالفيروس، ومات معظمهم قبل الذهاب إلى المستشفى، ولم يخضع أي منهم لاختبارات للكشف عن الفيروس مسبقاً.
وقال الدكتور جون نكينجاسونج، مدير هيئة المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، للصحفيين في شباط/فبراير: “هل نحصي سائر الوفيات بالقارة؟ كلا. إلَّا أنَّ معظم الناس في القارة يعرفون شخصاً مات جرَّاء كورونا خلال هذه الموجة الثانية.”
وفي تفسيرهم للنجاح النسبي لإفريقيا في التعامل مع فيروس كورونا، يستشهد الخبراء كثيراً بالدروس المستفادة من تفشِّي أمراض أخرى كالإيبولا والإيدز، إذ تمكنت بعض البلدان، كالسنغال والكونغو الديمقراطية، في الاستفادة من مراكز العمليات وبروتوكولات تعقب المخالطين وجهود التوعية المجتمعية القائمة.
وحظيت عدة حكومات بالإشادة على إثر إسراعها بإغلاق الحدود وفرض القيود، وكان لدى معظمها وقت كافٍ للاستعداد نظراً لأنَّ الكثير من مواطنيها يعيشون بعيداً عن المطارات التي انتشر بها الفيروس حول العالم في مطلع عام 2020 بسبب المسافرين.
ومن العوامل والنظريات الأخرى ما يلي:
- تقل الإصابات الشديدة بفيروس كورونا في البلدان ذات السكان الأصغر سناً، ومثال ذلك أنَّ نسبة من يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء لا تتجاوز 3٪، في حين تصل إلى 20% في الاتحاد الأوروبي.
- ما يزال فيروس كورونا يستطيع الانتشار في الطقس الأكثر دفئاً، لكن المناخ في إفريقيا يحدو بالناس إلى قضاء وقت أطول في الهواء الطلق، وتقل أجهزة التكييف، ما يضطرهم كثيراً إلى فتح النوافذ. كما تقل أماكن العمل التي يعتريها سوء التهوية حيث يمكن أن تنتشر العدوى بسهولة.
- ربما يكون سكان المدن في إفريقيا، ويعيش الكثير منهم في أحياء مكتظة بالسكان، قد تعرَّضوا من قبل لفيروسات كورونا أخرى وربما يتمتعون بمناعة أقوى من غيرهم، إذ قال الدكتور توماس سكريبا، عالم المناعة ونائب مدير مبادرة لقاحات السل بجنوب إفريقيا، لوكالة أنباء «رويترز» عام 2020: “أود القول إنَّ هذا تفسير مقبول على الأقل لسبب اختلاف مستويات مقاومة الفيروس باختلاف الفئات السكانية.”
وخلصت دراسة لاوال إلى أنَّ قلة وفيات كورونا في إفريقيا يرتبط بصغر أعمار السكان، وانخفاض متوسط العمر المتوقع، وقلة الوفيات قبل انتشار الجائحة بين من يبلغون من العمر 65 عاماً، وكذلك “قلة أعداد من ينجون من الموت ويعيشون بأمراض القلب والأوعية الدموية.”
بيد أنَّ رواية نجاح إفريقيا تتغير مع ارتفاع معدَّل الوفيات خلال الموجة الثانية جرِّاء السلالات الأكثر عدوى.
وقال نكينجاسونج للصحفيين: “لو أخبرني أحد منذ عام واحد أننا كقارة سنشهد خلال عام واحد 100,000 حالة وفاة جرَّاء عدوىً جديدة، فربما لم أكن لأصدق ذلك، ولكن ها نحن الآن في هذا السيناريو.”