أسرةايه دي اف
أضحت رؤية سفن الترولة التي يبلغ طولها 50 متراً أمراً مألوفاً يوم بعد يوم في ميناء مونروفيا بليبيريا، وقد أثار وصول ست سفن صينية من أمثال هذه السفن مخاوف الصيادين الحرفيين من تسببها في التمادي في استنزاف الثروة السمكية الثمينة.
فقد اصطادت سفن الترولة الصينية في مياه منطقة غرب إفريقيا على مدار سنوات طوال، وسلبت السكان المحليين من مصادر الغذاء والدخل؛ إذ يعمل نحو 37,000 مواطن في ليبيريا بدوام كامل أو جزئي في قطاع الصيد، وتعتمد نسبة 80% من سكانها على الأسماك للحصول على البروتين.
إلّا أن سفن الترولة العملاقة أكبر بكثير من أي مراكب صيد ظهرت في مياه ليبيريا من قبل، وتستخدم أجهزة أكثر تطوراً لتعقب الأسماك والتهرب من السلطات؛ وتصطاد الأسماك عن طريق جر شباك ضخمة خلفها، بل إن بعض الشباك يتجاوز طولها كيلومتراً، وتصطاد مئات الأطنان من الأسماك يومياً.
أمّا الكثير من الليبيريين، فيكسبون قوت يومهم من صيد الأسماك باستخدام الزوارق الخشبية.
ولم تصدر الحكومة الليبيرية حتى الآن تراخيصاً لسفن الترولة العملاقة بسبب انتهاء التصاريح الصينية التي تسمح لهذه السفن بالصيد خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة للصين، ويأمل السيد جيري بلامو، رئيس نقابة الصيادين الحرفيين الليبيريين، بألّا تصدر هذه التراخيص أبداً.
فقد صرّح بلامو في بيان مشترك مع مؤسسة العدالة البيئية بأن الهيئة الوطنية للمصايد والمزارع السمكية في ليبيريا ينبغي لها ”أن تحترم القانون الليبيري وتحمي مصالح أهالي المناطق الشاطئية المحلية وبيئتنا البحرية المشتركة؛ فمياهنا توفر فرص العمل للسكان وتخرج موارد غذائية عالية الجودة، إلّا أن كل هذا سيتعرض للانهيار إذا ما أصدرنا تراخيص صيد لهذه السفن العملاقة.“
ويُذكر أن سفن الترولة العملاقة تشتهر بسوء معاملة العاملين على متنها، واستنزاف الثروات السمكية المحلية، وإهدار جهود الصيادين الحرفيين المحليين في ليبيريا وغيرها من بلدان غربي إفريقيا.
ويقول الخبراء إن سفن الترولة كثيراً ما تحاول التهرب من العقوبات القانونية عن طريق الغش والاحتيال، كأن لا تذكر سعة الصيد الحقيقية للسفينة بحيث تتمكن من نهب كميات أكبر من الأسماك.
وأخبر السيد ستيف ترنت، المدير التنفيذي لمؤسسة العدالة البيئية، منبر الدفاع الإفريقي (إيه دي اف) في رسالة عبر البريد الإلكتروني، أن من الأسباب التي تجعل الصيادين غير القانونيين ينجحون في ليبيريا تتمثل في أن الدولة ينقصها القدرة على تأمين مياهها بشكل جيد، وتعتمد جهودها للقيام بذلك على ”مبادرات الجهات المانحة غالباً.“
فيقول ترنت: ”لا يوجد في ليبيريا في الوقت الراهن سوى مركب حراسة واحد ينقصه الإمكانيات البحرية وطاقم مدرب، إلّا أن المؤسسة شرعت مؤخراً في تنفيذ مشروع ربما يقدم المساعدة اللازمة؛ إذ يركز مشروع «مجتمعات من أجل المصايد السمكية» على استراتيجية ’الإدارة المشتركة‘ بحيث تتعاون مجتمعات الصيد والسلطات الحكومية معاً للقضاء على الصيد غير القانوني والحفاظ على استدامة المصايد السمكية.“
وأضاف ترنت يقول: ”سوف يتسلح السكان المحليون بموجب هذا المشروع بالمهارات والأجهزة التي تساعدهم على جمع القرائن، مثل التقاط صور عالية الجودة مزودة بخاصية الوسم الجغرافي لسفن الترولة المتورطة في أنشطة الصيد غير القانوني، وسيسمح لهم ذلك بعمل خط مؤثر للدفاع عن الثروة السمكية الليبيرية، وستصبح الحكومة قادرة بمجرد الانتهاء من جمع هذه القرائن على مقاضاة المرتكبين بكفاءة واقتدار، وصَد من تسول لهم أنفسهم الإقدام على الصيد غير القانوني في قابل الأيام.“
وتأتي مساعدة إضافية من منظمة سي شيبارد لحماية الأحياء البحرية التي وقّعت معها السلطات الليبيرية اتفاقية تعاون عام 2017؛ وتعمل هذه المنظمة العالمية غير الربحية أيضاً على مكافحة جرائم الصيد والجرائم البحرية الأخرى في كلٍ من بنين والجابون وغامبيا وغانا.
وأخبر القبطان بيتر هامرستدت، مدير حملات المنظمة غير الربحية، منبر الدفاع الإفريقي في رسالة عبر البريد الإلكتروني، أن منظمة سي شيبارد وقوات خفر السواحل الليبيرية تمكنا من إلقاء القبض على عناصر من 15 مركباً بتهم الصيد غير القانوني، وتوجد سفينة تابعة لمنظمة سي شيبارد للمساعدة على تأمين المياه الليبيرية.
وجدير بالذكر أن الثروة السمكية التي تعرضت للاستنزاف في ليبيريا – مثل أسماك السردين والمارلين والوراطة والطبل والسلّور البحري – تكاد تكون تعافت بعدما حظرت الحكومة على سفن الترولة الصناعية الصيد في منطقة تبلغ مساحتها 6 أميال بحرية عام 2010، إلّا أن الحكومة سمحت مؤخراً لبعض المراكب بالصيد في قرابة نصف المنطقة المحظورة، مما قد يسمح للقوارب الأكبر بالصيد في المناطق المخصصة الآن للصيادين الحرفيين وتدمير المكاسب التي شهدتها أعداد الثروة السمكية بعد القيود التي فرضتها الحكومة عام 2010.
ومع أن سفن الترولة العملاقة بإمكانها استنزاف الثروة السمكية النفيسة في ليبيريا وحول خليج غينيا، فقد صرّح مسؤولو هيئة المصايد السمكية الليبيرية بأن السفن الصينية ربما تحصل على تراخيص للصيد التجاري بمجرد حصولها على الموافقة اللازمة من الصين، وقد حصلت ست سفن ترولة صينية في الوقت الراهن على تراخيص للصيد في مياه ليبيريا، وهي أصغر من سفن الترولة العملاقة، إلّا أن شباكها المزودة بثقل إضافي تجرف قاع البحر، مما يتسبب في نزوح الأنواع البحرية، ومزج الملوثات بسلسلتها الغذائية، كما أن هذه الشباك لا تميّز بين أنواع الأسماك التي تصطادها مما يمكن أن يسرع من وتيرة استنزاف الثروة السمكية.
ومن جانبها، ذكرت السيدة إيما ماتيه جلاسكو، المدير العام للهيئة الوطنية للمصايد والمزارع السمكية، في خبر على موقع «تشاينا ديالوج» أنه بمجرد حصول سفن الترولة العملاقة على موافقة السلطات الصينية، فستصدر ليبيريا”ترخيصاً مؤقتاً لسفينة أو سفينتين“ لمدة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر ”لصيد أسماك القاع فحسب بشباك الجر“ لتحديد معدلات صيدها؛ ويُذكر أن شباك صيد أسماك القاع تسير على قاع المحيط أو لا تكاد تفصلها عن القاع إلّا مسافة ضئيلة.