حاصرت قوات الدعم السريع شبه العسكرية مدينة الفاشر 18 شهراً، ثم تمكنت من هزيمة قوات الحكومة السودانية بها، وسيطرت بذلك على آخر معاقل الجيش في دارفور، ومن يومئذ والفاشر تتجرَّع مرارة القتل والمجاعة والتهجير.
كان في الفاشر أكثر من مليون سوداني، ثم سقطت في يد الدعم السريع يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025. وقدَّرت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 70,000 سوداني غادروها منذ استيلاء الدعم السريع عليها، ولكن تقول الجزيرة إن عدد من وصلوا إلى مخيم المهجَّرين في طويلة، الواقعة غرب الفاشر على بُعد 70 كيلومتراً تقريباً منها، كان دون المتوقع بكثير.
وعكف مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل على دراسة صور الأقمار الصناعية، ولاحظ جثثاً بشرية في 31 موقعاً على الأقل منذ سقوط المدينة. وحينما هاجمت قوات الدعم السريع مخيم زمزم للمهجَّرين في نيسان/أبريل، فرَّ سكانه البالغ عددهم 500,000 مهجَّر سيراً على الأقدام وعلى عربات تجرها الحمير.
وتقول الجزيرة إنه لم يحدث أي تهجير جماعي كهذا عقب سقوط الفاشر، وخلص باحثو جامعة ييل إلى أن ”غالبية المدنيين إما قتلى أو أسرى أو مختبئين.“ وقالت السيدة ميريانا سبولياريتش، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للجزيرة إن عشرات الآلاف من المواطنين ربما يكونون عالقين دون طعام أو ماء أو رعاية صحية.
وقالت المواطنة فاطمة يحيى، التي وصلت إلى مخيم طويلة، للجزيرة: ”كانت الجثث في كل مكان، في الشوارع وداخل المنازل وعلى أبواب منازل كثيرة، فأينما وليت وجهك في الفاشر، ترى الجثث والأشلاء.“
كما أن الأوضاع مزرية في مخيم طويلة، ففيه أكثر من 650,000 شخص، ولا توجد موارد كافية لتلبية احتياجاتهم كلهم، والناس يتقون البرد والحر بخيام يصنعونها من ثيابهم، وخيام الإيواء التابعة للأمم المتحدة شحيحة.
قالت المواطنة صهيبة عمر، وهي من المهجَّرين من الفاشر، لموقع «أفريكا نيوز» على لسان مترجم فوري: ”نحن في أشد الحاجة إلى الماء؛ فهو أهم من أي شيء في الوقت الراهن.“
وقد وردت تقارير عن ارتكاب فظائع في الفاشر كالنهب والقتل والعنف الجنسي بعد استيلاء الدعم السريع عليها. وبعد أن أحكمت سيطرتها على معظم المنطقة الغربية من السودان، أخذ القتال يتجه شرقاً إلى منطقة جنوب كردفان، وهي منطقة غنية بالنفط تسيطر القوات المسلحة السودانية على معظمها.
وورد في تقارير منشورة أن قوات الدعم السريع شنت يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر هجوماً على مستشفى في الدلنج، أسفر عن سقوط خمسة قتلى وخمسة جرحى، وأثار مخاوف من وقوع المزيد من الفظائع في حرب أهلية مستعرة منذ عامين، يغلب عليها البؤس والشقاء وإراقة الدماء.
يقاتل مقاتلو الدعم السريع، بقيادة المدعو حميدتي، الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان منذ نيسان/أبريل 2023، وتسبب الفريقان في أكبر أزمة إنسانية في العالم. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى بلغ 150,000 قتيل، وأن عدد المهجَّرين من ديارهم بلغ 12 مليوناً.
تعثرت الجهود الدولية لإنهاء القتال، واقترحت مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة (أو ما يُعرف بالرباعية) خطة سلام تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم تُشكَّل حكومة بقيادة المدنيين خلال فترة انتقالية مدتها تسعة أشهر.
واجتمع ممثلو الرباعية مع كل فصيل من الفصيلين المتقاتلين على حِدة في واشنطن العاصمة يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر قبل سقوط الفاشر بيومين للمضي قدماً بخطة السلام. وأبدت قوات الدعم السريع يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر تأييدها للهدنة الإنسانية، ولكن يضع الجيش شروطاً من غير المحتمل أن تلبيها، مثل انسحابها من المدن التي تحتلها وتسليم السلاح.
وصرَّح السيد عثمان أبو فاطمة، سفير السودان لدى جنوب إفريقيا، خلال مؤتمر صحفي يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر بأنه من السابق لأوانه أن تقبل الحكومة بخطة السلام. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عنه قوله: ”من واقع تجربتنا، كانت لدينا هدنات كثيرة في بداية الحرب، ولكن لم تحترمها قوات الدعم السريع في كل مرة، فهم يستخدمون هذه الهدنات للانتقال إلى مناطق جديدة والقيام بتحركات ضد الحكومة.“
وقد هاجمت قوات الدعم السريع العاصمة الخرطوم بالمسيَّرات بعد موافقتها على الهدنة بيوم واحد. وقال بعض سكانها لهيئة الإذاعة البريطانية إنهم سمعوا دوي انفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية ومحطة كهرباء.
