أُلقي يوم 14 آب/أغسطس القبض على ما يصل إلى 55 جندياً مالياً، بينهم جنرالان، واتُهموا بمحاولة الإطاحة بالعسكر بقيادة العقيد عاصمي غويتا. كان من بينهم الفريق أول عباس ديمبيلي، حاكم منطقة موبتي سابقاً، والفريق أول نيما سغارا، وهي واحدة من أعلى الرتب النسائية في القوات الجوية المالية.
كان ديمبيلي قد أُقيل في أيَّار/مايو حينما طالب بالتحقيق في مزاعم بقيام الجيش المالي بقتل مدنيين في قرية ديافرابي، وكانت سغارا مضرب المثل لما قامت به في قتال الجماعات المتمردة في عام 2012.
صرَّح الفريق أول داود علي محمدين، وزير الأمن في مالي، بأن المؤامرة المزعومة بدأت في الأول من آب/أغسطس، وأن مواطناً فرنسياً، يُدعى يان فيزيلييه، ضالع فيها واعتُقل، ونفت وزارة الخارجية الفرنسية ضلوعه.
ويقول محللون في معهد روبرت لانسينغ لدراسات التهديدات العالمية والديمقراطيات إن مؤامرة الانقلاب الفاشلة تنم عن انقسامات داخلية في صفوف العسكر الذين يتولون مقاليد الحكم.
وقال محللوه في تقرير جديد: ”إذا كنا نسمع عن مؤامرات انقلاب موثوقة، فهذا إنما يدل عن أن الاستياء قد وصل حتى إلى النخبة العسكرية، لا إلى المدنيين أو السياسيين المعارضين فحسب. وإذا كانت ضابطة مرموقة وحاكمٌ سابقٌ من بين المتآمرين المزعومين، فهذا إنما يدل على انشقاق جدي من شخصيات محنكة، لا على تمرد هامشي.“
حدثت مؤامرة الانقلاب الفاشلة بينما يسعى العسكر إلى إحكام قبضتهم على أركان الحكم، فقد وعدت حكومة غويتا بالعودة إلى الديمقراطية، لكنها رفضت مراراً وتكراراً إجراء انتخابات. وحظر العسكر في أيَّار/مايو جميع الأحزاب السياسية وأمروا بحلها. وقبل كشف مؤامرة الانقلاب المزعومة بنحو شهر، منح البرلمان الانتقالي في مالي غويتا فترة رئاسية مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد دون إجراء انتخابات.
وذكر التقرير أن كل محاولة انقلاب في مالي ”تهدم الثقة داخل القوات المسلحة، وتُجبر غويتا على التمادي في التعويل على حاشية صغيرة من الموالين له، فيعيش في عزلة سياسية.“
ونوَّه محللو معهد لانسينغ إلى أن محاولة الانقلاب المزعومة حدثت في خضم حالة من عدم الاستقرار في بوركينا فاسو والنيجر، إذ يعاني العسكر في كلا البلدين من أزمة في الشرعية كتلك التي يعاني منها العسكر في مالي. وذكر المعهد أن نجاح أي محاولة انقلاب في أي من هذه البلدان ”قد يُلهم أو يُحفز تحركات في دولة أخرى.“
ومنذ أن أمر غويتا القوات الفرنسية بالرحيل في عام 2022، اعتمدت مالي على المرتزقة الروس لتوفير الدعم الأمني اللازم، وكشف تقريرٌ صادرٌ عن مؤسسة «ذا سنتري» أن هذا الدعم أخذ يتداعى، ويتنامى شعور أفراد الجيش المالي بالإحباط من الروس، إذ يحملونهم مسؤولية الأخطاء العملياتية التي أدت إلى خسارة العدد والعتاد، وعدم احترام هيكل القيادة والسيطرة.
ويستند التقرير إلى مقابلات أُجريت مع مسؤولين من الجيش المالي، وجهاز المخابرات، ووزارة المالية، ووزارات أخرى. فذكر جنودٌ من الجيش المالي أن زملاءهم الروس يُعاملون أفضل منهم، ويُمنحون الأولوية في حالات الإجلاء الطبي والمعدات، ويتقاضون رواتب أعلى من رواتبهم. ويُتهم الجيش المالي والمقاتلون الروس بارتكاب أعمال وحشية بحق المدنيين.
وجاء في التقرير: ”ما أكثر الهجوم على المدنيين وما أكثر عدد القتلى والجرحى في صفوفهم منذ وصول المرتزقة الروس إلى مالي، مما أدى إلى إفساد العلاقات بين الجيش والشعب.“
كما يشعر المدنيون بالغضب إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع المساعدات الدولية، وتعطل التجارة، والعجز عن القضاء على الجماعات المتشددة. وقد كان العسكر بقيادة غويتا قد تذرعوا بدحر الإرهابيين للقيام بانقلابهم في آب/أغسطس 2020.
ففي الأول من تموز/يوليو، هاجمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإرهابية سبعة مواقع تابعة للجيش المالي في سلسلة من الهجمات المنسقة والمتزامنة التي طالت البلدات والمراكز الحضرية بعد الفجر. وادَّعى الجيش المالي أنه قتل 80 إرهابياً، بينما ادَّعت الجماعة، التابعة لتنظيم القاعدة، أنها قتلت عشرات الجنود ودمرت أكثر من 100 مركبة ودراجة نارية عسكرية.
وما كان منها إلا أن حاصرت مدينة كايس وبلدة نيونو، واستولت على أسلحة واستباحت دماء المدنيين في منطقتي كايس وسيغو.
وقال مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها: ”تبرهن هذه الحوادث على أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إنما تطمح إلى تهديد مصادر دخل مالي وقدراتها الصناعية. وتتقدم في تعزيز وجودها في منطقتي سيغو وكايس، وتستغل الممر الجبلي بين سيكاسو وبوبو ديولاسو للتخفي وتنسيق العمليات بين بوركينا فاسو ومالي.“
وكشف الاتحاد الإفريقي أنها هاجمت يوم 19 آب/أغسطس مواقع للجيش المالي في فارابوغو وبيريكي ويري، الواقعتين بمنطقة سيغو، مما أسفر عن سقوط ”الكثير من القتلى والجرحى في صفوف العسكريين والمدنيين.“