كشف الصندوق العالمي للحياة البرية أن كلاً من كينيا ومدغشقر وموزمبيق وجنوب إفريقيا وتنزانيا خسرت ما يصل إلى 142.8 مليون دولار أمريكي سنوياً بين عامي 2015 و2021 بسبب الصيد غير القانوني للروبيان (الجمبري) والتونة. ومن البحريات الأخرى التي تُنهب من هذه المياه ما لا يقل عن 56 نوعاً من أسماك القرش والراي (الشِفنين)، ناهيك عن أنواع شتى من أسماك الشعاب المرجانية.
وإن دلت هذه الجريمة على شيء، فإنما تدل على أن إجمالي الخسائر المالية الناجمة عن الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم في منطقة المحيط الهندي ربما يكون أكبر بكثير. والكثير من سفن الصيد غير القانوني في المنطقة من الصين، صاحبة أكبر أسطول للصيد في أعالي البحار في العالم، وتعتبر أسوأ دولة في العالم تنخرط في جرائم الصيد غير القانوني.
كثَّف أسطول بكين أنشطته في منطقة المحيط الهندي، ولم تعد تكتفي بالصيد فحسب، بل تقوم بممارسات موثقة في تحويل أسطول الصيد إلى ميليشيا بحرية، وأمست سفنها قوات عسكرية معاونة دربتها بحرية جيش التحرير الشعبي.
يقول المحللان أجاي كومار وشاروكيشي بهات في مقال لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: ”يمكن أن تُشكِّل سفن الصيد هذه أصولاً صينية على الجبهات في عمليات المنطقة الرمادية في منطقة المحيط الهندي، ذلك لأنها مُجهزة بمعدات مراقبة متطورة مثل أجهزة الليزر وكاميرات التصوير تحت الماء، وبعضها يحمل أيضاً معدات عسكرية.“
تعمل هذه السفن تحت قيادة عسكرية، ومُكلفة بجمع البيانات التي يمكن استغلالها في إسناد عمليات الأصول العسكرية الغواصة.
ويقولان : ”إن وجود هذه السفن في منطقة المحيط الهندي، ناهيك عن قدرة الصين على دخول موانئ رئيسية في المحيط الهندي بموجب اتفاقيات اقتصادية مع الدول الساحلية، يُمكن أن يُعزز سيطرتها الاستراتيجية على هذا الطريق البحري الحيوي.“
تجنب اكتشافها
تتبع سفن الصيد الصينية طرقاً مختلفة لتجنب اكتشافها في أرجاء القارة ومنطقة المحيط الهندي، إذ تشتهر بممارسة «رفع العلم المحلي» للبلدان الإفريقية؛ أي إنها تستخدم القواعد المحلية وتنتهكها لتسجيل سفينة صيد تملكها وتشغلها شركة أجنبية في سجل إفريقي للصيد في المياه المحلية.
ويعتبر رفع العلم المحلي من أبرز الشواهد التي تدل على انخراط السفن في ممارسات الصيد غير القانوني. كما يُعرف عن أسطول الصيد الصيني استخدام شباك محظورة، والصيد بالمتفجرات في المناطق المحظورة، والصيد بشباك الجر القاعية التي تغترف كل أنواع الحياة البحرية بعشوائية. وهذه الأنشطة تستنزف الثروة السمكية، وتُفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتُهدد أرزاق ما يقرب من 12.3 مليون مواطن يعملون في قطاع المصايد والاستزراع السمكي في إفريقيا، والكثير منهم يعيشون في الدول الساحلية.
اعتمد الأخوان لاباكو وجيرارد وأسرتهما في مدغشقر على صيد الأسماك ليكسبوا قوت يومهم جيلاً من بعد جيل، غير أن هذا العمل لا يزال بعيداً كل البعد عن التطور والازدهار. وأجبرهم اليأس على إنفاق مدخراتهم في شراء محرك ديزل صغير لزورقهم الخشبي ليتمكنوا من الصيد في أعالي البحار.
وقال جيرارد في تقرير للبنك الدولي: ”ندرت الأسماك في السنوات الأخيرة، وبات علينا الذهاب لأعالي البحر للصيد، وكلما توغلت في أعالي البحار، زاد الخطر، ولكن إذا لم نفعل ذلك، فسنعود صفر اليدين.“
تسبب استنزاف الثروة السمكية في مشكلات أمنية مثل التهريب والقرصنة والجريمة البحرية المنظمة. ويدَّعي القراصنة في الصومال، بمساعدة حركة الشباب الإرهابية أحياناً، أنهم يحمون المياه المحلية من الصيد غير القانوني.
استغلال الثغرات التنظيمية
تسمح الثغرات في الأطر التنظيمية الدولية لأسطول الصيد الصيني بالعمل دون حسيب أو رقيب، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والمنظمة البحرية الدولية، والمنظمات الإقليمية لإدارة مصايد الأسماك، واتفاقية تدابير دولة الميناء.
وذكر كومار وبات أن اتفاقية الأمم المتحدة تشكل الإطار العالمي الأول لإدارة المحيطات، ولكن ينقصها متطلبات وقواعد محددة لإدارة المصايد أو تنظيم ممارسات الصيد في المياه الساحلية وأعالي البحار.
أما المنظمة البحرية الدولية، فهي الهيئة العالمية المسؤولة عن وضع المعايير لحركة الملاحة الدولية، ولديها لجنة فرعية مختصة بالصيد غير القانوني، غير أن جهودها لا تؤتي ثمارها بسبب الاتفاقيات البحرية الغامضة التي أبرمتها الصين مع الدول الساحلية الفقيرة في منطقة المحيط الهندي ومناطق أخرى.
وللصين حضورٌ بارزٌ في المنظمات الإقليمية لإدارة مصايد الأسماك على مستوى العالم، وهذه المنظمات تعمل بموجب اتخاذ القرار بالإجماع، ويرى كومار وبات أن هذا يمكن أن يُقوّض الامتثال.
وأما اتفاقية تدابير دولة الميناء، فهي المعاهدة الوحيدة المُلزمة التي تستهدف الصيد غير القانوني، وتكمن غايتها في منع السفن المنخرطة في الصيد غير القانوني من دخول الموانئ، لكنها لا تُطبق إلا حينما تحاول السفن دخول موانئ خارج الدولة التي ترفع علمها، ويمكن أن تستغل سفن الصيد غير القانوني التي تعمل تحت أعلام أجنبية هذا الوضع.
ويقول كومار وبات: ”في حالة الصين، قد تتجنب السفن التي ترفع أعلام دول أجنبية، مثل بعض البلدان الإفريقية، قيود اتفاقية تدابير دولة الميناء بدخول موانئ دول الأعلام التي ترفعها.“