أسرة منبر الدفاع الإفريقي
كشفت دراسة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً أن أكثر من ثلث قادة الأعمال وخبراء الأمن السيبراني الأفارقة لا يثقون في استعداد حكوماتهم وكبرى مؤسساتهم الاقتصادية لحُسن التصدي لهجوم سيبراني متطور.
فقد سألهم المنتدى في تقرير «توقعات الأمن السيبراني العالمي لعام 2025» الصادر مؤخراً عن مبلغ ثقتهم في قدرة بلادهم على التعامل مع الحوادث السيبرانية الكبرى التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، فأجاب 36% من الأفارقة المشاركين في الاستبيان بأنهم لا يثقون فيها، وأجاب مثلهم بأنهم واثقون أو واثقون جداً.
تتخلف إفريقيا عن سائر العالم في استخدام الإنترنت، إلا أن الوضع فيها يتغير سريعاً، فقد كشف موقع «ستاتيستيكا» أن عدد رواد الإنترنت الأفارقة قفز من 181 مليوناً في عام 2014 إلى 646 مليوناً في عام 2024، ويُقدر الخبراء أن 1.1 مليار إفريقي سيكونون متصلين بالإنترنت بحلول عام 2029.
أقبلت البلدان الإفريقية على الإنترنت ولكن ينقصها خبراء الأمن السيبراني المدربين الذين يمكنهم حماية رواد الإنترنت من مجرميه، فقد ذكرت شركة «كراود سترايك» للأمن السيبراني أن في إفريقيا 20,000 خبير في الأمن السيبراني فقط؛ وهو خُمس العدد المطلوب للذود عن سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
وكل هذه العوامل يمكن أن تجعل الناس نهباً لمجرمي الإنترنت وتهديداتهم، ولا يكاد يمضي يوماً إلا وتكثر هذه التهديدات وتزداد تطوراً.
قال السيد جيريمي جورغنز، العضو المنتدب للمنتدى الاقتصادي العالمي، في بيان: ”ما عاد الأمن السيبراني مجرد قضية من قضايا تكنولوجيا معلومات؛ بل خطر تجاري واجتماعي وجيوسياسي.“ ومضى يقول: ”فعلى المنظمات أن تتحرك الآن لبناء أنظمة قوية وأخذ الحيطة من تهديدات شتى ومتزايدة التعقيد.“
وذكر تقرير المنتدى أن هذه التهديدات تشمل ما يلي:
- الهجمات السيبرانية بأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تخدع محاولات منعها.
- كثرة الهجوم على تكنولوجيا التشغيل؛ وهي أنظمة الكمبيوتر التي تشرف على عمليات التصنيع وتوليد الطاقة والنقل وأمثالها.
- كثرة الهجمات السيبرانية على البنية التحتية حتى صارت سلاحاً في الصراعات الجيوسياسية.
- استخدام الهجمات السيبرانية لاستغلال السكان المساكين الذين يتعافون من الكوارث الطبيعية وسائر النكبات المجتمعية.
ومع أن البلدان الإفريقية تعاني أصلاً من هذه الهجمات بعض الشيء، فإن خبراء الأمن السيبراني يرون أن التوسع السريع لتكنولوجيا الإنترنت دون وجود وسائل حماية مناسبة سوف يعرض السكان في جميع أنحاء القارة للخطر.
فقد تعرَّضت البلدان الإفريقية في عام 2024 وحده لوابل من الهجمات الكبرى، استهدفت البنية التحتية الحيوية التي يخشى تقرير المنتدى الاقتصادي عليها.
فقد شن مخترقو الإنترنت هجمات طالت شركة الطاقة الوطنية في الكاميرون، وأنظمة اتصالات في ناميبيا وأوغندا، ومؤسسات مالية في نيجيريا وأوغندا، ومؤسسات حكومية في كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا.
واستهدف هجوم سيبراني نظام المختبرات الوطنية للصحة في جنوب إفريقيا، فتوقف عن العمل تماماً وتعطلت الرعاية الصحية على مستوى البلاد، وبما أن 22% من الهجمات السيبرانية التي تحدث في القارة إنما تحدث في جنوب إفريقيا، فإنها ألفت أن تُصنف ضمن أكبر دول العالم في عدد ضحاياها، فتخسر ما يقرب من 3 ملايين دولار لكل خرق للبيانات.
وتشير تقديرات موقع «آي تي ويب أفريكا» إلى أن واحداً من كل تسعة من مستخدمي الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام «الأندرويد» في نيجيريا قد قام بتثبيت تطبيق واحد على الأقل مصاب ببرامج خبيثة؛ ونيجيريا أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، وبها أكبر عدد من رواد الإنترنت في القارة، ويعيش بها نفرٌ من أنشط مجرمي الإنترنت فيها.
وتُعد نشر الثقافة الرقمية بين رواد الإنترنت من الأفارقة من أهم وسائل التصدي للجرائم السيبرانية، فالملايين من الناس يعرفون كيف يستخدمون هواتفهم الذكية والبريد الإلكتروني وأجهزة الكمبيوتر، لكنهم لا يعرفون كيف يستهدفهم مجرمو الإنترنت.
فيؤكد «تقرير تقييم التهديدات السيبرانية الإفريقية» الصادر عن الإنتربول على ضرورة نشر الثقافة الرقمية بين رواد الإنترنت في إفريقيا للحد من الجرائم السيبرانية.
ويرى السيد صادق كواتسيما، الباحث في شركة «إنوفيز غروب» للأمن السيبراني بكينيا، أن دول القارة يجب أن تستثمر أكثر في تدريب خبراء الأمن السيبراني لمواجهة تهديدات الذكاء الاصطناعي والجهات الهدامة.
ودعا في مقال نشره على موقع «لينكد إن» إلى تكثيف التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الجرائم السيبرانية ونشر الثقافة الرقمية بين عامة السكان.
وقال: ”يمكن لإفريقيا أن تحول ثغراتها في الأمن السيبراني إلى فرص للنمو والصمود“ إذا حلت هذه القضايا، وأضاف:”إن مسير إفريقيا تلقاء مستقبل رقمي آمن يتطلب نهجاً متعدد الجوانب يعالج التحديات الفريدة رأساً.“