أسرة منبر الدفاع الإفريقي
أصاب فيروسٌ محمَّلٌ ببرامج فدية أنظمة الكمبيوتر في ربوع إفريقيا، وهذا أحدث دليل على أن المجرمين يتخذون من القارة حقل اختبار لشن هجمات جديدة.
يستهدف فيروس «ميدوسا» الشركات والأجهزة الحكومية، فيحرم المستخدمين من النظام، ويهدد بكشف معلومات حساسة إذا لم تُدفع الفدية.
فأصاب هيئة المطارات الكينية، والبنوك في جنوب إفريقيا، وشركات ومؤسسات أخرى. عكفت شركة «بيرفورمانتا» للأمن السيبراني ومقرها لندن على دراسة الهجمات، واكتشفت ما يبدو أنها استراتيجية للبدء باستهداف المؤسسات في البلدان محدودة الخبرة في الدفاع السيبراني، ومنها بلدان في إفريقيا.
وأفاد موقع «دارك ريدينغ» المعني بأخبار الأمن السيبراني أن السيد غاي غولان، الرئيس التنفيذي لبيرفورمانتا، قال: ”نحتاج إلى رفع الوعي بهذه المشكلة المتنامية لخلق بيئة آمنة على الإنترنت لجميع المؤسسات على مستوى العالم، ولن نحيط علماً بمشهد التهديد العالمي إلا إذا فهمنا اتجاهات الحرب السيبرانية الجيوسياسية وأنماطها.“
يقول الدكتور روبنسون سيبي، الرئيس التنفيذي لشركة «ديجيتال فوتبرينتس» للأمن السيبراني بنيجيريا، إن ”النمو السريع في الاتصال“ في إفريقيا يبشر بالخير من منظور تنموي، ولكن ”يترتب عليه أيضاً زيادة مفاجئة في عدد المستخدمين المعرَّضين للخطر وتوسع مساحة الهجوم.“ وقال لمنبر الدفاع الإفريقي في رسالة بالبريد الإلكتروني إن مجرمي الإنترنت ”إنما يستغلون ضعف الاستعداد للأمن السيبراني ونضج قدرات المؤسسات في القارة الإفريقية.“
وكتب يقول: ”تعاني مؤسسات كثيرة في إفريقيا، العامة منها والخاصة، من ضعف الاستعداد للأمن السيبراني، ولا تسلم بذلك من الخطر، فيتشجع المجرم السيبراني لاستهداف هدف ضعيف.“
للجرائم السيبرانية أشكالٌ كثيرة، فقد نوَّهت جامعة نورويتش إلى أن المجرمين الذين يتسللون إلى أجهزة الكمبيوتر والشبكات قد ابتكروا برامج خبيثة وتقنيات هندسة اجتماعية لارتكاب أنواع شتى من الجرائم السيبرانية. تقسم الجامعة الجرائم السيبرانية إلى خمس فئات:
•الاختراق الإجرامي: وهو عبارة عن سعي للاطلاع على بيانات الكمبيوتر أو الشبكة دون إذن، إذ يستغل المخترقون مواطن الضعف في الأنظمة لسرقة البيانات بدءاً من المعلومات الشخصية وأسرار الشركات وحتى المعلومات الحكومية الاستخباراتية. ويخترقون الشبكات لتعطيل العمليات الحكومية والتجارية، وتقول السلطات إن مثل هذه الاختراقات تتسبب في خسائر بمليارات الدولارات سنوياً.
•البرامج الخبيثة (أو الضارة): وهي أي برامج مصممة للتدخل في الأداء الطبيعي لأجهزة الكمبيوتر أو لارتكاب جريمة سيبرانية. والبرامج الخبيثة موجودة منذ انتشار أجهزة الكمبيوتر، ويوجد قطاع كامل من المتخصصين متفرغين للتصدي لهذه البرامج. وتشمل الأنواع الشائعة منها الفيروسات والديدان الحاسوبية وأحصنة طروادة الغازية وبرامج هجينة مختلفة. وتتضمن الأنواع الفرعية منها برامج الإعلانات وبرامج التجسس وبرامج الفدية. وتقول نورويتش: ”تعمل برامج الفدية على قفل الملفات الرقمية القيمة والمطالبة بفدية مقابل فتحها، ومن المعهود أنها تهاجم بحصان طروادة، وهو برنامج خبيث يخفي نيته الحقيقية.“” وأضافت: ””ومن المعهود أن برامج الفدية تتسلل بالبريد الإلكتروني، إذ تغري المستخدم بالضغط على مرفق أو زيارة موقع إلكتروني يصيب الكمبيوتر بتعليمات برمجية ضارة.“ وتستهدف برامج الفدية المرافق والمستشفيات والمدارس والحكومات وأجهزة إنفاذ القانون والشركات.
•سرقة الهوية: وتحدث عندما يحصل شخص ما بطريقة غير قانونية على المعلومات الشخصية لشخص آخر ويستخدمها في السرقة أو الاحتيال. ولا تحدث كل عمليات سرقة الهوية بسبب الهجمات السيبرانية، بل كثيراً ما تُستخدم البرامج الخبيثة مثل أحصنة طروادة وبرامج التجسس لسرقة المعلومات الشخصية. والتصيد الاحتيالي شكلٌ من أشكال سرقة الهوية؛ وهو ممارسة احتيالية تتمثل في إرسال رسائل بريد إلكتروني أو رسائل أخرى تزعم أنها من شركات مرموقة من أجل الحصول على معلومات شخصية مثل كلمات المرور وأرقام بطاقات الائتمان. وأمسى لهجمات التصيد الاحتيالي على الشركات مصطلح مخصص لها: اختراق البريد الإلكتروني للأعمال.
•الهندسة الاجتماعية: ويُقصد بها التلاعب النفسي بالناس للقيام بأشياء معينة أو الكشف عن معلومات سرية، ويستخدم مجرمو الإنترنت الهندسة الاجتماعية للاحتيال على الإنترنت، ويمكن أن توفر مواقع المواعدة الإلكترونية فرصاً لإجراء محادثات مع من يمكن استغلالهم بهدف سلب أموالهم.
•قرصنة البرامج: ويُقصد بها إعادة إنتاج البرامج وتوزيعها واستخدامها دون إذن. فقد شاع أن أجهزة الكمبيوتر كانت محملة ببرامج مقرصنة تحتوي على فيروسات في مستهل التكنولوجيا الشخصية في البلدان الإفريقية، وتأخذ البرامج المقرصنة شكل منتجات تجارية مزيفة، كأنظمة التشغيل والبرامج المكتبية. وتشير تقديرات مجموعة «بي إس إيه» التجارية إلى أن ما يصل إلى %37 من البرامج المثبتة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية على مستوى العالم ليس لها رخصة. وكثيراً ما يضيف مجرمو الإنترنت برامج خبيثة إلى البرامج المقرصنة.
وسوف يتزايد التعقيد عند التعامل مع الجرائم السيبرانية بسبب ظهور الذكاء الاصطناعي وتطوره، فقد نوَّه مؤشر إكس فورس لاستخبارات التهديدات لعام 2024، وقد راجعه فريق من المخترقين والمستجيبين والباحثين والمحللين، إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيجبر الجميع على إعادة النظر إلى التهديدات السيبرانية وطريقة تعاملهم معها، إذ يستخدم نماذج التعلم العميق لإنشاء محتوىً جديد كالنصوص والصور والموسيقى والصوت ومقاطع الفيديو.
وأفاد موقع «بيزنس إنسايدر أفريكا» أن المؤشر قال: ”يشعر واضعو السياسات ومديرو الشركات والمتخصصون في الأمن السيبراني جميعاً بالضغط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في عملهم؛ والإقبال على الذكاء الاصطناعي [التوليدي] يفوق حالياً قدرة قطاع التكنولوجيا على فهم المخاطر الأمنية التي ستنجم عن هذه القدرات الجديدة.“
بلاء برامج الفدية
ظهرت برامج الفدية منذ عام 1989، وتكاد تكون قوة هدامة في كل مكان تُستخدم أجهزة الكمبيوتر فيه. وكثيراً ما يرفض الضحايا أن يذكروا ما إذا كانوا قد دفعوا فدية، وإذا قالوا، فلا يذكرون المبلغ الذي دفعوه. ففي تقريرها السنوي عن الجريمة، حسبت شركة «تشينالسيس» المعنية بتتبع العملات المشفرة أن المبالغ التي دُفعت لبرامج الفدية تجاوزت 1.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بناءً على تتبعها لتلك المبالغ في سلاسل الكتل (بلوك تشين). وكان ذلك أعلى رقم أحصته الشركة في عام واحد، ويكاد يكون ضعف الرقم المسجل في العام السابق.
ويقول الدكتور ناثانيل ألِن، الأستاذ المشارك في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، إن الدول والشركات الإفريقية باتت هدفاً لبرامج الفدية.
وقال لمنبر الدفاع الإفريقي في رسالة بالبريد الإلكتروني: ”تشكل برامج الفدية تهديداً جسيماً، ومن أسباب ذلك أنها ستضرب في بعض الأحيان ركائز البنية التحتية الحيوية، كالموانئ أو شبكات الكهرباء أو الخدمات الحكومية؛ فقد عطلتها كلها في بقاع مختلفة من إفريقيا في السنوات الأخيرة. وتشكل عقبة كؤود لإفريقيا، فالبلدان الإفريقية لا تمتلك البنية التحتية الحيوية المعتمدة على التكنولوجيا كالتي في الدول الغربية، إلا أن ما لديها كثيراً ما يخدم شرائح كبيرة من السكان ويمكن تشغيله على برامج قديمة، فيغدو هدفاً سائغاً.“
ويتفق سيبي وألِن على أن اختراق البريد الإلكتروني للأعمال بات من عمليات الاحتيال الضخمة في إفريقيا وسيؤدي إلى هجمات معقدة من التصيد الاحتيالي على المستخدمين الذين لا يرتابون فيها.
وقال ألِن لمنبر الدفاع الإفريقي: ”كشفت تقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالي أن مرتكبي اختراق البريد الإلكتروني للأعمال تسببوا في خسائر بعشرات المليارات من الدولارات؛ وكانوا من أنشط المخترقين الذين ارتكبوا عمليات احتيال في قطاع التأمين والفوائد أثناء جائحة كورونا (كوفيد19-)، فسرقوا مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، من الدولارات من المساعدات المخصصة لمن حُرموا من عملهم أو اضطروا إلى تعليق حياتهم بسبب الجائحة.“
وفي تقرير صدر في عام 2023، أفادت شركة «كنترول ريسك» للاستشارات أن قضايا الجرائم السيبرانية من المحتمل أن تغدو ”ذات أهمية متزايدة“ في إفريقيا كلما تطور مجرمو الإنترنت. وذكر التقرير أن الشركات العاملة في إفريقيا والشركات الإفريقية التي تتطلع إلى التوسع خارج القارة ”لن تفتأ تحتاج إلى مراعاة الأمن السيبراني مع الأمن المادي في تخطيطها.“ ولا يُستبعد أن تواجه الشركات العاملة في إفريقيا تهديدات أمنية سيبرانية متزايدة التطور ويتنامى تعرضها للإشكاليات المادية، مثل المنافسة الجيوسياسية أو الجريمة، التي تتصدر المشهد في الفضاء السيبراني.
المخترقون الخارجيون
تشير الدراسات إلى أن منبع بعض الجرائم السيبرانية في إفريقيا ما هو إلا إفريقيا نفسها، ولكن نوَّه سيبي إلى وجود ”مصادر كثيرة“ تدل على أن الكثير من الهجمات السيبرانية في إفريقيا ترتكبها عناصر هدامة في بلدان خارج القارة.
وكتب يقول: ”نُشرت عدة تقارير عن هجمات سيبرانية وقعت في إفريقيا وترتبط بجهات تهديد روسية ووكلائها في المشهد الإفريقي؛ وفي العام الماضي أيضاً، في فترة الانتخابات النيجيرية، أعلن وزير الاتصالات والاقتصاد الرقمي عن ملايين الهجمات السيبرانية التي استهدفت البنية التحتية الانتخابية في البلاد، وورد في البيان أن معظم هذه الهجمات نشأت خارج البلاد (والقارة).“
وأضاف قائلاً: ”وورد أن بعض الهجمات خرجت من آسيا في إحدى الانتخابات السابقة للولايات، وأصدر فريق الاستجابة لحالات الطوارئ الحاسوبية النيجيري في عام 2021 قراراً استشارياً مفاده أن مجموعة من المخترقين الإيرانيين تُعرف باسم «ليسيوم» كانت تستهدف شركات الاتصالات ووزارات الخارجية في نيجيريا ودول إفريقية أخرى.“
ونوَّه سيبي أيضاً إلى أن مجرمي إنترنت روس اُتُهموا في عام 2022 بشن هجمات على مواقع مراهنة نيجيرية شهيرة وغيرها. وورد في عام 2023 أن مجموعات تهديد صينية ترعاها الدولة نفذت هجمات متواصلة تستهدف شركات الاتصالات والمؤسسات الحكومية في البلدان الإفريقية.
غياب الوعي
ذكر سيبي أن المشكلة الرئيسية التي تواجه الكثير من البلدان الإفريقية هي أنها تعاني من غياب الوعي بالجرائم السيبرانية.
وقال لمنبر الدفاع الإفريقي: ”كما يُقال، فإن المستخدم كثيراً ما يكون الحلقة الأضعف في تنفيذ تدابير الأمان؛ فلن تختفي التحديات أياً كانت الاحتياطات الأمنية المُتخَّذة من دون مستخدم مؤهل، ولكن تحتاج المؤسسات والبلدان الإفريقية إلى الاستثمار في الأمن السيبراني لزيادة صلابتها وتحسين استعدادها، فلا تكاد تخصص معظم المؤسسات موازنة للأمن السيبراني، وتحتاج إلى زيادة صلابتها السيبرانية بتحسين البنية التحتية والعمليات والتدريب المنتظم للموظفين.“
وتحدث عن ضرورة تكثيف التعاون بين المؤسسات العامة والخاصة، والاهتمام بمحاكمة قضايا الجرائم السيبرانية. ونوَّه إلى وجود تشريعات مخصصة للجرائم السيبرانية في معظم البلدان الإفريقية، ولكن ما لم تكن أنظمة العدالة وأجهزة إنفاذ القانون ”جاهزة من حيث تقديم الأدلة الجنائية“، فإن مُجرمي الإنترنت سيستغلون دائماً الثغرات في المحاكمات.
وأضاف: ”وفي إفريقيا أقل عدد من خبراء الأمن السيبراني على مستوى العالم، فلا يمكنك شن حرب ضخمة على مجرمي الإنترنت دون كوادر متميزة، ولا بدَّ للحكومات من الاهتمام الاستراتيجي بالمؤسسات التعليمية لتبني حلاً مستداماً لهذه المشكلة، وتكمن الفكرة في تقديم الكفاءات لسد الفجوة الآخذة في الاتساع في مواهب الأمن السيبراني.“
ويرى ألِن أن مكافحة الجرائم السيبرانية لا تخلو من التعقيد لأن هذا المصطلح قد يكون أقل مما يحدث في إفريقيا.
فيقول: ”يرجع ذلك إلى وجود عنصر «سيبراني» على نحو متزايد في معظم ما نقوم به، مثل المجال الأمني.“ وذكر أن سوء استخدام الموارد السيبرانية يمكن أن يشمل التجسس والمراقبة برعاية الدول، والتخريب السيبراني أو الابتزاز الذي يستهدف المؤسسات الرئيسية أو الأفراد، وكثرة اعتماد الأنظمة العسكرية، كالأنظمة المستخدمة في إفريقيا، على مجموعة متنوعة من التقنيات الرقمية.
ونوَّه إلى أن النمو الاقتصادي في إفريقيا سيتوقف على حُسن تعامل الدول مع الجرائم السيبرانية.
فيقول: ”يتزايد ارتباط النمو الاقتصادي في إفريقيا وفي شتى بقاع العالم بالنمو الرقمي، فقد قدَّرت الدراسات، على سبيل المثال، أن الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا يتزايد بنسبة %2.5 مقابل كل زيادة بنسبة %10 في الاتصال في القارة. وفي الوقت ذاته، أوشكت الجريمة السيبرانية على أن تغدو قطاعاً يبلغ قيمته 10 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025، والشاهد أنه لا يمكنك تحقيق النمو الرقمي دون أنظمة رقمية آمنة، فكلما كانت الأنظمة في إفريقيا معرَّضة للتهديدات السيبرانية، حال ذلك دون تحقيق الرخاء الاقتصادي.“