أسرة منبر الدفاع الإفريقي
لمَّا انتصف ليل 8 كانون الأول/ديسمبر 2023، أغار متمردون مسلحون من الحركة الانفصالية الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون على قرية بيليغيتي الحدودية، وأطلقوا النار في كل مكان، واقتحموا منازل الأهالي.
وكان المواطن مواه أوغسطين يزور والديه في تلك الليلة، فاقتحم نفرٌ منهم منزلهم.
وقال لموقع «هوم أنغل»: ”كنت نائماً عندما أتت الجماعة الإرهابية في الليل، فأطلقوا النار على الناس من حين لآخر، وجمعوا هواتفنا وكسروها، وضربونا ضرباً مبرحاً لم نُضرب مثله قط في حياتنا.“
وظل يبحث عن والديه ثلاثة أيام بعد أن اختفيا في هذه الفوضى.
وبيليغيتي عبارة عن قرية حدودية لا يوجد بها نقطة تفتيش، ويتحرك الناس فيها بين جنوب الكاميرون وشرق نيجيريا كما يشاؤون. وإذا نجح المتمردون الناطقون بالإنجليزية في الكاميرون في تحقيق مرادهم، فستصبح هذه القرية تبعاً لدولتهم المنشودة «أمبازونيا»؛ وأمبازونيا هو الاسم الدارج في الكاميرون لخليج أمباس الواقع شرقي خليج غينيا، وستضم هذه الدولة المحافظتين الناطقتين بالإنجليزية في الكاميرون.
ولكن لم يسفر التمرد على الحكومة الناطقة بالفرنسية في ياوندي حتى الآن إلا عن نشر الخراب والدمار في أرجاء المحافظتين والتهديد بتفاقم غياب الأمن السياسي والاقتصادي في غرب ووسط إفريقيا.
كانت المحافظة الجنوبية الغربية والمحافظة الشمالية الغربية تُعرفان بجنوب الكاميرون، وتشكلتا في عام 1961 كمنطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي في نظام اتحادي مع سائر الكاميرون الناطقة بالفرنسية. ولكن صيغ دستور جديد في عام 1972 ألغى هذا الحكم الذاتي وجمع أبناء جنوب الكاميرون في دولة واحدة في يد الناطقين بالفرنسية.
ثم ظهر التمرد الحالي في عام 2016 عندما احتج محامون ومعلمون على تمييز الحكومة الناطقة بالفرنسية، على حد قولهم، في معاملتهم منذ سنوات، ويقولون إن حكومة الرئيس بول بيا أجبرت الناطقين بالإنجليزية عشرات السنين على التعليم والتعامل مع المسؤولين الحكوميين باللغة الفرنسية فقط.
وحاول بيا قمع الاحتجاجات بالقوة، فأشعل فتيل القتال المستعر حتى اليوم. ويرى البعض أن التمرد شدد المعارضة لأي علاقات أخرى مع المحافظتين الناطقتين بالفرنسية.
وقال صمويل إيكومي ساكو، الذي نصَّب نفسه زعيماً للأمبازونيين، في بيان منشور في عام 2023: ”نؤمن بأن الضم جريمة.“
وأسفر الصراع حتى الآن عن مقتل 6,000 شخص، وبدأت أعمال العنف على يد الأمبازونيين مؤخراً تمتد إلى أماكن في نيجيريا، جارة الكاميرون، إذ فرَّ إليها أكثر من 70,000 مواطن كاميروني بحثاً عن الأمان، وخلت مجتمعات بأكملها من أهلها.
وصرَّح ساكو أن جماعته ترحب بالتوصل إلى تسوية بطريق التفاوض، ودعا أنصاره إلى بذل المزيد من الجهود لحل الصراع بين المحافظتين الناطقتين بالإنجليزية والحكومة المركزية.
لم يحرز الناطقون بالإنجليزية أي تقدم يُذكر منذ سبع سنوات على تمردهم، فعددهم قليل ومنظمون على أساس العرق، ويعتمدون على التبرعات المرسلة من الخارج، ولم يتمكنوا من الاستيلاء على أي مساحة في المنطقة والاحتفاظ بها، فما كان منهم إلا أنهم يلجؤون إلى غارات الكر والفر كالغارة التي شنوها على بيليغيتي.
فيقول المحلل مانو ليكونزي في مقاله على موقع «كونفرسيشن» مؤخراً: ”تعثر الصراع لأن المتمردين يفتقرون إلى العدد والمال والتماسك اللازمين لتجاوز مرحلة التمرد، وهذا يجعل انتصار المتمردين ضرباً من المستحيل.“
وذكر ليكونونزي أن المتمردين الناطقين بالإنجليزية ربما لا ينالون مبتغاهم في الاستقلال، إلا أن قتالهم المستمر والاضطرابات عبر الحدود يمكن أن تؤدي إلى تدهور الأمن الإقليمي.
فالكاميرون لديها ثاني أكبر اقتصاد في وسط إفريقيا، وتعتبر من أبرز مراكز الواردات والاتصالات والنقل لدول جوارها الحبيسة [غير الساحلية] تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية والغابون.
وأضاف ليكونونزي قائلاً: ”يمكن أن تتسبب حركات التمرد المتعددة في هدم الدولة، وهكذا تظل خطراً على الأمن القومي؛ ويمكن أن يتسبب غياب الأمن في الكاميرون في زعزعة استقرار المنطقة بسبب موقعها الاستراتيجي بين غرب ووسط إفريقيا.“