أسرة منبر الدفاع الإفريقي
أخذت مقاطع فيديو غريبة تنتشر عبر وسائل الإعلام الاجتماعي في بوركينا فاسو في كانون الثاني/يناير، تعرض عدة أشخاص يحثون بوركينا فاسو على مساندة الطغمة العسكرية.
قالت شخصية نسائية في الفيديو: ”مرحباً بالشعوب الإفريقية وخاصة شعب بوركينا فاسو! اسمي أليشا وأنا من أنصار الوحدة الإفريقية؛ أنادي بتضامن الشعب البوركينابي، وأناشد شعب بوركينا فاسو بمساندة السلطات الانتقالية بكل ما أُوتوا من قوة.“
ويظهر في مقطع فيديو آخر أربعة شخصيات أخرى تبث نفس الرسالة. وبدوا كلهم وكأنهم متيبسون ولا تتزامن حركة شفاههم مع ما يقولون، وأخطأوا في نطق كلمتي «البوركينابي» و«بوركينا فاسو».
والسبب وراء طلتهم غير الطبيعية أنهم لم يكونوا شخصيات طبيعية.
وإنما كانوا شكلاً من أشكال الوسائط الاصطناعية تسمى «التزييف العميق»؛ وهي عبارة عن مقاطع فيديو يمكن إنشاؤها أو تغييرها عن طريق برنامج يستطيع صنع شخصيات أو نسخ مزيفة لشخصيات حقيقية، ويمكن للمستخدمين التلاعب بالشخصيات ليجعلوها تقول أي شيء.
يعد استخدام تكنولوجيا التزييف العميق لنشر معلومات مضللة مشكلة عالمية، ويتزايد استخدامها في إفريقيا مع انتشار الإنترنت في القارة.
وأعرب الخبراء في أرجاء العالم عن بواعث قلقهم من أنَّ هذه التكنولوجيا آخذة في التطور حتى أمست أداة أشد قوةً وتعقيداً لنشر المعلومات المضللة. وبوسع العناصر الهدامة في بعض البلدان الإفريقية استخدام تقنيات التزييف العميق لبث حالة من الريبة وعدم الثقة والفوضى وعدم الاستقرار.
قال الدكتور يوهان ستين، أستاذ علوم البيانات بجامعة ستيلينبوش، لمجلة « فوربس أفريكا»: ”تتزايد القدرة على إحداث الضرر أضعافاً مضاعفة في ظل زيادة قوة التكنولوجيا.“
وأضاف قائلاً: ”من وجهة نظر قانونية وحكومية للأخلاق، فهذه مشكلة كبيرة ولا أعرف كيف سيجري تنظيمها. فكيف يمكنك تقديم دليل إلى المحكمة وأنت لا تستطيع التأكد مما إذا كان مقطع الفيديو أو الصوت أصلياً أم مفبركاً؟ فلا تكاد توجد طريقة تثبت أنَّ التزييف العميق حقيقي .“
كشفت قناة «فايس نيوز» أنَّ مقاطع فيديو التزييف العميق التي نشرها النشطاء المؤيدون للطغمة العسكرية في بوركينا فاسو عبر فيسبوك وواتساب وتويتر مصنوعة باستخدام موقع «سينثيزيا»، وهو برنامج مصمم لعمل مقاطع فيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ورفض موقع «سينثيزيا» الكشف عن هوية صانع مقاطع الفيديو لكنه أعلن عن حظر المستخدم.
يتزايد استخدام تكنولوجيا التزييف العميق، ولكن ليس الكثير من الناس على دراية بهذا المفهوم.
فقد أجرت شركة «نو بي 4 أفريكا» للبرمجيات الأمنية مؤخراً استبياناً شارك فيه 800 شخص في كلٍ من بوتسوانا ومصر وكينيا وموريشيوس وجنوب إفريقيا تتراوح أعمارهم من 18 إلى 54 عاماً للتعرف على مدى وعيهم بالتزييف العميق.
فأظهرت النتائج أنَّ نسبة ”51٪ من المشاركين قالوا إنهم على دراية بالتزييف العميق، في حين كان 28٪ لا يعرفون شيئاً عنه، وكان 21٪ غير متأكدين أو لا يفهمون طبيعته.“
قال ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين (74٪) إنهم تلقوا رسالة عبر البريد الإلكتروني أو رسالة مباشرة أو صورة أو مقطع فيديو وكانوا يعتقدون أنها حقيقية ثم اكتشفوا أنها مفبركة.
وحذرت المهندسة آنا كولارد، النائب الأول لرئيس استراتيجية المحتوى بشركة «نو بي 4 أفريكا»، من أنَّ تقنية التزييف العميق باتت معقدة لدرجة أنَّ معظم الناس سيجدون صعوبة في اكتشاف الأشياء المفبركة.
وقالت لموقع «نيوز 24» الجنوب إفريقي: ”إنَّ منصات التزييف العميق هذه [مثل شات جي بي تي وستيبل ديفوشن] قادرة على خلق حالة من الاضرابات المدنية والمجتمعية، عند استخدامها لنشر المعلومات المضللة في الحملات السياسية والانتخابية، وتظل عنصراً خطيراً في المجتمع الرقمي الحديث.“
ومضت تقول: ”وهذا مدعاة للقلق ويتطلب نشر الوعي والفهم بين الجمهور وصناع السياسات.“
في إحدى الحالات النكراء التي وقعت في الغابون في عام 2018، كاد مقطع فيديو يستخدم تقنية التزييف العميق يطيح بالحكومة.
فقد ألقى الرئيس علي بونغو خطابه المعتاد بمناسبة حلول العام الجديد للمساعدة في تهدئة التكهنات المتزايدة بشأن حالته الصحية، إذ كان حينها خارج البلاد لأكثر من شهرين للعلاج من سكتة دماغية تعرض لها.
ولم يكن خطاب بونغو مباشراً، وإنما تحدث من خلال مقطع فيديو استمر دقيقتين، بدا فيه وكأنه متيبساً، ونادراً ما يرمش، ويتحدث بإيقاع ونمط مختلف تمام الاختلاف عن المعهود عنه في خطاباته السابقة.
فادعى نفر من المنتقدين والخصوم السياسيين أنَّ الفيديو مصنوع بتقنية التزييف العميق، غير أنَّ محللين مستقلين قالوا إنه من المحتمل أن يكون غير مفبرك.
وبعد أسبوع من بث الفيديو، حاول جيش الغابون محاولة انقلاب باءت بالفشل؛ وهي أول محاولة انقلاب في تاريخ البلاد منذ عام 1964، واستدل الانقلابيون بالفيديو الغريب على وجود خطب ما.
وقال أحد الصحفيين لصحيفة «واشنطن بوست» عن الأجواء الضبابية السائدة في البلاد: ”لم نكن نعرف ما كان يحدث، ولم تتوفر الكثير من المعلومات الرسمية، فانتشر الخوف.“
لا تزال محاولات منصات الإنترنت للحد من المعلومات المضللة في إفريقيا في مستهلها.
فقالت السيدة جولي أوونو، المديرة التنفيذية لمؤسسة إنترنت بلا حدود المعنية بالحقوق الرقمية: ”يجب أن تخرج المنصات بحلول، فكلما تأخرت في معالجة المشكلات، تفاقمت الأوضاع.“
وأياً كانت الإجراءات المضادة لتكنولوجيا التزييف العميق، فإنها تواصل التطور، وتتطور معها القدرة على هدم المصداقية.
فيقول ستين: ”نعيش في عالم لا نكاد نثق فيه بأي شيء.“