أسرة أيه دي إف
كان محمد توره سياسياً، وحاكماً، وغازياً ورجل أعمال. في أواخر القرن الخامس عشر، استغل مهاراته الهائلة في توسيع إمبراطورية صنغاي، وجعلها أكبر بلد في تاريخ غرب إفريقيا. وامتدت الإمبراطورية، في ذروتها، من المحيط الأطلسي شرقاً إلى ما تُعرف الآن بالنيجر.
مهد الطريق أمام توسيع إفريقيا نطاق تجارتها مع أوروبا وآسيا، وجعل الإسلام مكوناً رئيسياً من استراتيجية حكمه. أصبح يُعرف بآسكيا «الرجل القوي»، ويُذكر إلى يومنا هذا بأنه آسكيا العظيم.
اعتلى السلطة من خلال الإرادة، والظروف والقوة. فعندما توفى ملك صنغاي السني علي بير، رفض خليفته المختار التحول إلى الإسلام، مما دفع أفراداً من الجيش إلى العصيان. تبع ذلك معركة دامية عام 1493 شارك فيها 150000 جندي. وأصبح الجنرال المنتصر محمد توره الملك الجديد، وأطلق على نفسه إسم آسكيا.
شرع الملك آسكيا في تأسيس بيروقراطية متطورة في تمباكتو لم يُرى مثيل لها من قبل في المنطقة على الإطلاق. وشملت إصلاحاته نظما رسمية للتجارة وحراسة لطرق التجارة الجديدة.
ولكي يبقى سلالة السني الحاكمة السابقة بعيداً، تودد آسكيا إلى المثقفين المسلمين في تمباكتو، وتصرف كراع لهم وشجع مكانتهم العلمية. وهو بعمله هذا، أبقاهم في حكومته ولكن بعيداً عن سلطته.
قام بتقسيم الإمبراطورية إلى أربع مناطق وعيّن نائباً له ليحكم كلاً منها. وبمرور الوقت كدّس حكومته بأقربائه. كما عزز سلطته بالزواج من بنات أتباعه من شيوخ القبائل، وقام بدوره بتزويج بناته إلى رجال سلطة. وفي مملكته، أصبحت معظم العائلات البارزة من أقربائه.
قام الملك ببناء جيشين قويين إلى جانب وحدة احتياط. وجهز أساطيل من السفن للحرب، والحماية والتجارة، وجعل أسطوله البحري الرئيسي متمركزاً وسط نهر النيجر.
وأثناء حكمه، قام مهندسوه ببناء موانئ وحفر قنوات. وحدد معايير للأوزان والمقاييس لمملكته. وشجع على دراسة العلوم إلى درجة أن علماء الفلك التابعين له كانوا من أفضل العلماء في العالم.
لكن حكمه كلف البلاد، حيث أن ما حققه من تقدم وبيروقراطية شاسعة كان لها ثمن باهظ، تمثل في وجود طبقة متنامية من الأرستقراطيين الجدد. فقد اعتمدوا على عمال السخرة والعبيد في إنتاج الغذاء، والإمدادات والأسلحة. ولم يكن آسكيا حاكماً رقيقاً، فقد أعدم كل من هدد سلطته.
لقد تجاوز آسكيا قدرته على الحكم. ومع كبر سنه أصيب بالعمى، وأخفي ذلك عن مملكته لسنوات. وأطاح أبناؤه به، ونفوه إلى جزيرة بنهر النيجر. وسُمح له في نهاية المطاف بقضاء سنواته الأخيرة في قصر الملك، حيث توفى عند 96 سنة. وحكمت سلالته 50 سنة قبل أن تنهي حروب أهلية من الداخل، وغزو مغربي، مملكته. ولكن ظلت إمبراطورية صنغاي لبعض الوقت واحدة من أعظم الحضارات في العالم.