ظفر إرهابيون موالون لتنظيم القاعدة بفدية ضخمة لإطلاق سراح شيخ إماراتي، وسينفقون هذه الأموال على تمويل ما يقومون به لخنق الحكومة في مالي وفرض تشددهم في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية.
فقد ورد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد افتدت أميراً إماراتياً اختطفته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فرع تنظيم القاعدة في غرب إفريقيا، بأكثر من 20 مليون دولار أمريكي. وكانت بعض المصادر الإخبارية قد قدرَّت أن الفدية تجاوزت 50 مليون دولار.
ذكر مسؤولون غربيون وشخصيات بارزة في مالي أن الخاطفين اختطفوا الشيخ الإماراتي في أيلول/سبتمبر الماضي عند الإغارة على مزرعته جنوب باماكو، وهو من أبناء الأسرة الحاكمة في دبي، ويبلغ من العمر 78 عاماً. وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن جماعة نصرة الإسلام نشرت مقطع فيديو يعرض مجموعة من المتشددين وهم يهاجمون حظيرة كان الشيخ الإماراتي يضع فيها طائرته الخاصة وطائراته الشراعية. وقال مسؤولون غربيون إنه يعمل في تجارة المعادن الثمينة وتهريبها من مالي.
وذكرت الصحيفة أن الفدية تضمنت كذلك الإفراج عن عشرات الإرهابيين المسجونين في مالي، ويتزامن هذا الحادث مع سعي الإرهابيين مؤخراً لإسقاط الحكومة المالية، كما فرضوا حظراً على الوقود في العاصمة باماكو، شلَّ اقتصادها.
ونقلت الصحيفة عن السيدة يوستينا غودزوفسكا، المديرة التنفيذية لمنظمة «ذا سنتري» المعنية بحقوق الإنسان، قولها: ”إن الفدية الضخمة التي دفعتها أبو ظبي … لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين إنما حدثت في أسوأ وقت، فهذا الدعم المالي الضخم يعطيها دفعة هائلة، وسيعينها على تحقيق طموحاتها المتطرفة في القارة.“
يقول معهد الدراسات الأمنية إن حوادث الاختطاف طمعاً في الفدية باتت منذ ما يقرب من 25 سنة مصدر دخل رئيسي للجماعات الإرهابية التي تعيث فساداً في منطقة الساحل، إذ تشير التقديرات في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أن إجمالي قيمة الفديات التي حصل عليها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحده بلغت نحو 90 مليون دولار. وذكرت بعض التقارير آنذاك أن حوادث الاختطاف كانت المصدر الأكبر لتمويل فروع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، وساعدتها تلك الأموال على التوسع وترسيخ أقدامها في المنطقة.
وقدَّر مؤشر الإرهاب العالمي في عام 2017 أن الفدية شكلت نحو 40% من الإيرادات السنوية لجماعة نصرة الإسلام، وتُعد من أبرز محاور تمويل الإرهابيين في منطقة الساحل، وإن لم تكن دائماً الدافع الأول لحوادث الاختطاف فيها.
وقال: ”تُستغل حوادث الاختطاف أيضاً لأغراض استراتيجية، إذ يُختطف أفرادٌ لأغراض سياسية ولتحقيق أفضلية استراتيجية أو استقاء معلومات استخبارية.“
وقد ارتفعت حوادث الاختطاف بشدة هذا العام، فقد كشف مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها أن الإرهابيين في مالي اختطفوا ما يتراوح من 22 إلى 26 أجنبياً خلال الفترة من أيَّار/مايو إلى تشرين الأول/أكتوبر 2025، وهو أعلى رقم يُسجَّل في مالي في هذه الفترة في السنوات السابقة. وكان المختطَفون من الصين ومصر والهند وإيران والإمارات. وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية أن منهم من كانوا أيضاً من البوسنة وكرواتيا وصربيا.
ويقول باحثون إن حوادث الاختطاف طمعاً في الفدية في مالي تُعد من الجرائم التي تدر مالاً كثيراً، ينفقه الإرهابيون على شراء الأسلحة ودفع رواتب المقاتلين وتمويل عمليات الإمداد والتموين. كما تلفت الانتباه، ويمكن استغلالها للضغط على الحكومات والمستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية العاملة في مالي، وتسهم في تقويض السلطة المحلية، ونشر الخوف، وفرض السيطرة بسلاح الترهيب.
وتقول صحيفة «واشنطن بوست» إن جماعة نصرة الإسلام عملت في صمت وهدوء على تعزيز قوتها البشرية وتسليحها خلال العام الماضي حتى أمست”القوة المتشددة الأفضل تسليحاً في غرب إفريقيا، ومن الجماعات الأشد قوةً وبأساً في العالم.“ وأفاد مسؤولون إقليميون وغربيون في حزيران/يونيو أنها تضم ما يصل إلى 6,000 مقاتل.
وأفادت الصحيفة أن السيد هِني نسايبيا، المحلل في مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها، قال: ”يقيمون شبه دولة تمتد كالحزام من غرب مالي وصولاً إلى المناطق الحدودية في بنين. وهذا توسعٌ كبيرٌ، بل وفائق السرعة.“
وصارت حوادث الاختطاف، مع حظر الوقود المفروض على باماكو، مما يُثقل كاهل الحكومة المالية إذ تتعامل مع مشكلات نقص الغذاء، وإغلاق المدارس والمستشفيات، والأزمة الأمنية. فقد أغار الإرهابيون على شاحنات الوقود القادمة من السنغال وساحل العاج وأحرقوها.
وقال السيد رضا اللياموري، الباحث في مركز السياسات للجنوب الجديد، لوكالة الأنباء الفرنسية إن هذه الفدية تجعل جماعة نصرة الإسلام قادرة على”الإبقاء طويلاً على مستوى العمل العسكري الحالي، مع الحصار الاقتصادي المفروض على باماكو.“
”ولسوف تعزز هذه الغنيمة طموحات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في التوسع والوجود الدائم في منطقة الساحل والدول الساحلية الإفريقية.“
