إن انتشار الإنترنت في إفريقيا قد جعل من دولها مختبراً لأصحاب الفكر الهدَّام في العالم، أولئك الذين لا يتورعون عن شن الهجمات السيبرانية، ولا يكفون عن ارتكاب الجرائم السيبرانية.
فقد كشف تقريرٌ جديدٌ صادرٌ عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية عن استفحال الجرائم السيبرانية في أرجاء القارة بين عامي 2023 و2025، فلا تكاد تسلم كلٌ من كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا من الهجمات السيبرانية المستمرة؛ وهذه الدول الثلاث هي أكثر الدول التي ينتشر فيها الإنترنت في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويقول باحثو المبادرة في تقريرهم: ”يتمادى مجرمو الإنترنت في تحويل إفريقيا إلى حقل اختبارٍ لأنواع جديدة من برامج الفدية وغيرها من الهجمات السيبرانية.“
زاد انتشار الإنترنت في البلدان الإفريقية في الـ 20 عاماً الماضية بنسبة 17% في المتوسط سنوياً، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، فكثر استخدام التكنولوجيا القائمة على الهواتف الذكية، مثل تطبيقات الدفع الهاتفية، إلا أن الأمن السيبراني والتوعية بالمخاطر التي يمكن وقوعها لم يواكبا هذا النمو.
وعلى إثر ذلك، لا يسلم الملايين من روَّاد الإنترنت من هؤلاء المجرمين، فقد ذكر 40% من سكان إفريقيا أنهم تعرَّضوا لجرائم سيبرانية في عام 2025. وتقول المبادرة إن السلطات الحكومية تجد نفسها باستمرار متأخرةً عن هؤلاء المجرمين إذ تحاول التصدي للهجمات السيبرانية والاحتيال الإلكتروني.
ويقول محللو المبادرة: ”لا تتوفر لمعظم أجهزة إنفاذ القانون الإفريقية الأدوات التقنية اللازمة، مثل مختبرات الأدلة الجنائية الرقمية المتقدمة، وأنظمة تخزين الأدلة الرقمية الآمنة، وتقنيات مراقبة الشبكات لحظة بلحظة، لإجراء التحقيقات في الوقت المناسب، وتتبع الأدلة الرقمية، وتفكيك الشبكات العابرة للحدود؛ فعدم التكافؤ بين قدرات الدول وبين قدرات مجرمي الإنترنت الذين يستخدمون أدوات رقمية متطورة يُنذر بتوسيع الفجوة التي تحول دون إنفاذ القانون.“
ويقول التقرير إن هؤلاء المجرمين يشحذون مهاراتهم في البلدان ذات القدرات الضعيفة في مجال الأمن السيبراني، إذ يهاجمون الشركات والهيئات الحكومية الضعيفة في القطاعات الاقتصادية الكبرى، مثل التمويل والطاقة والتصنيع. وبعد ذلك يهاجمون البلدان الأقوى منها في الأمن السيبراني.
وتتعدَّد أشكال هذه الهجمات، وأبرزها اثنان:
- برامج الفدية التي تغلق نظام الكمبيوتر إلى أن يفتديه صاحبه بالمال.
- حجب الخدمة الموزَّع الذي يُغرق النظام بوابل من الاتصالات السريعة، فيحرم المستخدمين من الوصول إليه.
تحرم الهجمات السيبرانية الناجحة دول القارة من عائدات بملايين الدولارات سنوياً، فربما خسرت غانا مثلاً ما يصل إلى 42 مليون دولار عندما شلَّ هجومٌ ببرامج الفدية في عام 2024 قدرة شركة الكهرباء الغانية على توزيع الطاقة على ملايين المشتركين، وقد وقع أثناء قيام الشركة بتحديث أنظمة الكمبيوتر لديها.
كما تسببت هجمات سيبرانية في إيقاف منظومة الإدارة الوطنية للمختبرات الطبية بجنوب إفريقيا والمكتب الوطني للإحصاء في نيجيريا. كما سرق مخترقون بيانات شخصية لعملاء شركة «تيليكوم ناميبيا» للاتصالات وراحوا ينشرونها عندما رفضت دفع الفدية. واخترقوا بنك أوغندا في عام 2024 وسرقوا 16.8 مليون دولار.
يستغل مجرمو الإنترنت ثغرات اللوائح والأمن السيبراني في القارة لتحويلها إلى بؤرة لتهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية، والاتجار بالحياة البرية وتهريبها لآسيا، وعمليات الاحتيال الإلكتروني الموجهة لأوروبا وأمريكا الشمالية. كما يتزايد دور المخترقين الأجانب، وكثيرٌ منهم من الصين، في الجرائم السيبرانية في إفريقيا. فيقول محللو المبادرة: ”ما لبث المجرمون أن استغلوا الثغرات الناجمة عن ضعف البنية التحتية، وتفكك اللوائح، وعدم كفاية تنسيق السياسات، وتخلف الأمن السيبراني.“
شكلت الجرائم السيبرانية ما يقرب من ثلث الجرائم المختلفة التي وقعت في غرب إفريقيا وشرقها في عام 2025. وذكرت المبادرة أن الجرائم السيبرانية كبدت البلدان الإفريقية خسائر تجارية وتشويه لسمعتها بنحو 3 مليارات دولار.
وأن الثغرات التي تعتري شبكة الأمن السيبراني في القارة توحي بأن حجم الجرائم السيبرانية في إفريقيا من المحتمل أن تكون أكثر بكثير من التقديرات.
فيقول الباحثون: ”أي إن القضايا التي تتصدر عناوين الأخبار ليست إلا نزراً يسيراً مما يحدث على أرض الواقع.“
فكثيراً ما لا يتيسَّر التحقيق في الجرائم السيبرانية بسبب غياب التعاون عبر الحدود، ونقص أدوات الأدلة الجنائية الرقمية، وصعوبة الحصول على المعلومات الأساسية من شركات الإنترنت الأجنبية، فتتعثر التحقيقات أو لا تُفضي إلى نتائج حاسمة، ولا تسلم البلدان من الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية.
وأضاف التقرير: ”ما لم يغدو الأمن السيبراني من الركائز التي تقوم عليها استراتيجيات التنمية في إفريقيا، لا مجرد إجراء يُتخذ عند وقوع مكروه، فلسوف تواصل الجرائم السيبرانية تفوقها على أجهزة إنفاذ القانون، فتُقوض مستقبل القارة الرقمي قبل أن تستفيد من كل إمكاناتها.“
