لا تفتر الصين عن الترويج لبوت الدردشة «ديب سيك-آر 1»الي يعمل بالذكاء الاصطناعي في إفريقيا، ويرى نفرٌ من الخبراء أنه خطرٌ على خصوصية بيانات المستخدمين، وما هو إلا واحدٌ من الابتكارات التكنولوجية الخارجة عن حدود السيطرة الوطنية للبلدان الإفريقية.
لشركة «هواوي تكنولوجيز» الصينية علاقاتٌ في الكثير من البلدان الإفريقية، وأبرمت شراكة مع صندوق التحوط الصيني «هاي فلاير» لتقديم النسخة مفتوحة المصدر من «ديب سيك إيه آي» لتكون بديلاً أرخص لبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل «شات جي بي تي» الموجودة في دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
إن الرسوم التي يُحصِّلها «ديب سيك» من الشركات الإفريقية التي تستفيد منه في بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أقل بكثير من الرسوم التي تُحصلها أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى، فهي أقل من رسوم «شات جي بي تي»، على سبيل المثال، بنحو 94%.
وفي مقابل استخدام «ديب سيك»، يخزن نظام التشغيل سجلات محادثات المستخدمين، والأسئلة التي يطرحونها، والطلبات التي يطلبونها، ومواقعهم على خوادم يمكن للحكومة الصينية الاطلاع عليها، ويرى النقاد أن «هواوي» بذلك يمكنها مساعدة الحكومات الاستبدادية في إفريقيا على التجسس على مواطنيها. ويقول نفرٌ من المدافعين عن الخصوصية إنها استخدمت شبكة «المدن الآمنة» الخاصة بها لمساعدة حكوماتٍ في القارة على مراقبة مواطنيها.
فقال السيد جيمس أونغانغا، مؤسس شركة «لوهو ليرنينغ» الكينية لتكنولوجيا التعليم ورئيسها التنفيذي، لوكالة أنباء «بلومبرغ» إنه تجنب نظام «ديب سيك إيه آي» لأنه يستبيح للحكومة الصينية الاطلاع على بيانات المستخدمين التي يخزنها، وأن نماذج الذكاء الاصطناعي التي ابتكرتها شركات في أوروبا وأمريكا الشمالية أفضل منه في حماية البيانات.
وأضاف قائلاً: ”عند الحديث عن التعلم الذي يركز على الطفل، فإن النماذج الغربية مفتوحة المصدر والمُستخدمة على الأجهزة الطرفية تتسم بأنها أكثر مسؤولية وأماناً ومواكبةً للمستقبل لإفريقيا، على الأقل في الوقت الراهن.“
ينتشر نظام «ديب سيك» بالفعل على نطاق واسع في بعض البلدان، مثل كينيا، إذ تستخدمه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا فيها، أو منافسه «كوين إيه آي» من «علي بابا»، لتحليل البيانات الاقتصادية وتقييم مخاطر الاستثمار، على سبيل المثال لا الحصر.
تتصف البلدان الإفريقية، ما عدا جنوب إفريقيا، بفقرها في المقومات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي للنمو في المستقبل، وأبرزها موارد الحوسبة، والمبرمجين المدربين، والكهرباء الرخيصة التي لا تنقطع.
وتتصدر جنوب إفريقيا منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأن فيها 49 مركز بيانات للذكاء الاصطناعي، تليها كينيا (18 مركز بيانات) ونيجيريا (16 مركز بيانات). كما تعمل أنغولا وغانا وموريشيوس وتنزانيا على إنشاء مراكز بيانات. أما مصر والمغرب، فهما أكثر بَلدان فيهما مراكز بيانات في شمال إفريقيا.
وإذ تُروج الصين لنظام «ديب سيك» وبرامج الذكاء الاصطناعي الأخرى في إفريقيا، فإن نفراً من المحللين يشبهون ما يحدث بمبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ نهضت بالبنية التحتية للبلدان الإفريقية، لكنها أثقلت كاهلها بديونها للصين. وقد شاركت «هواوي» في هذه المبادرة، إذ تولت إنشاء مراكز البيانات، وشبكات الجيل الخامس اللاسلكية، وأنظمة الألياف الضوئية التي يقوم عليها إقبال الصين حالياً على الذكاء الاصطناعي.
ويرى محللون أمثال سيدني إسيندي، الخبير الاستراتيجي في مجال الذكاء الاصطناعي المقيم في كينيا، أن البلدان الإفريقية المقصرة في الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المحلية ستظل تعول على الشركات الأجنبية؛ شركات يمكنها تعطيل الخدمة بما يخدم مآربها وأغراضها كما فعلت شركات الذكاء الاصطناعي الصينية في الماضي.
ويرى محللون أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المحلية ستكون أيضاً أقدر من غيرها على استيعاب اللغات والاعتبارات الثقافية المتنوعة في إفريقيا، وستتفوق عليها في حماية بيانات المستخدمين عند إضافتها إلى الشبكات، كالبيانات الشخصية والمالية والطبية.
قال إسيندي مؤخراً في منشور على «لينكد إن»: ”لزاماً على كينيا أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال؛ فإذا قصرت في الاستثمار، فإنها ستظل من المعتمدين على الذكاء الاصطناعي لا من المستفيدين منه، وإذا لم توفر الاستثمار المناسب، فستظل من مستهلكي الذكاء الاصطناعي لا من مبتكريه.“
