يُبلغ المدنيون في حوض بحيرة تشاد عن مزيد من الهجمات التي يشنها إرهابيون ينهبون ممتلكاتهم ويختطفون أحياناً ذويهم من النساء؛ وهذه الهجمات تدل على عودة جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد الإرهابية، بل وتنطوي على وجه آخر يتمثل في الإغارة على المواقع العسكرية في المنطقة.
تشكلت جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد في عام 2002 تحت إمرة مؤسسها محمد يوسف، ثمَّ شكلت بعد مقتله نواة الجماعة الإرهابية المعروفة ببوكو حرام. ثمَّ انشق عنها المعارضون للمدعو أبو بكر شيكاو، أميرها آنذاك، وشكلوا ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (داعش غرب إفريقيا) في عام 2016.
وظلت الجماعتان تقتتلان عدة سنوات للسيطرة على الأرض في حوض بحيرة تشاد، ويبدو أن النصر كان حليف جماعة أهل السنة في هذا القتال.
ومنذ حزيران/يونيو، سرق مقاتلوها أسلحة عند إغارتهم على قواعد عسكرية في شمال شرقي نيجيريا ومنطقة أقصى الشمال في الكاميرون، وقتلوا جنوداً من قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات التي تقاتل الجماعات الإرهابية عند منطقة الحدود المشتركة بين الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا.
وناهيك عن الهجمات على القواعد العسكرية في المنطقة، كشف بحثٌ أجراه معهد الدراسات الأمنية أن حوادث الاختطاف والقتل والسطو كثرت بشدة في المجتمعات المحلية التابعة لولاية بورنو النيجيرية ومنطقة أقصى الشمال الكاميرونية.
ففي أيَّار/مايو، قتل عناصرٌ من جماعة أهل السنة 100 مدني اتهموهم بالتجسس لصالح داعش غرب إفريقيا في قريتَي مالام كرامتي وكواتانداشي بولاية بورنو. وقتلوا في أيلول/سبتمبر أكثر من 60 شخصاً اتهموهم بالتعاون مع الجيش في قرية دار جمال بولاية بورنو.
وذكر خبراءٌ أنها سيطرت على جزر في بحيرة تشاد كانت قبل ذلك في قبضة داعش غرب إفريقيا، ويبدو أن داعش قد تراجع بشدة إلى الداخل، واستولى على مناطق أخرى مثل غابة سامبيسا.
وتتصرف جماعة أهل السنة بعد غياب منافسيها كما تشاء في منطقة كثيراً ما تعاني القواعد العسكرية فيها من نقص العدد والعتاد. أما المدنيون الذين يعيشون في المناطق التي انتقلت من قبضة داعش غرب إفريقيا إلى قبضة جماعة أهل السنة، فهذا ينذرهم بعودة عمليات السطو والنهب التي تقوم بها جماعة أهل السنة، أو ما تسميه الفيء، ويستأثر القادة بمعظم ما يُنهب لأنفسهم، وينقلون جزءاً يسيراً مما ينهبون لمن فوقهم من القادة والأمراء.
يقول محللون في مجموعة الأزمات الدولية: ”بعد أن أحكمت جماعة أهل السنة قبضتها على شطرٍ كبيرٍ من بحيرة تشاد وجبال ماندرا، فمن المحتمل أن تمعن في السلب والنهب، ولن تسلم منها الكاميرون والنيجر وتشاد. ويمكن أن تغري بعودتها نفراً من الآلاف من مقاتليها الذين استسلموا من قبل ليحملوا السلاح من جديد.“
فقد صار لها موطئ قدم خارج بحيرة تشاد، وذلك في منطقة شيرورو بولاية النيجر غرب العاصمة الوطنية أبوجا، ومزجت فيها بين فكرها المتطرف وبين فكر قطاع الطرق من أهلها الفولانيين.
فيقول المحلل تايو أديبايو في مقال نشره له المعهد: ”لا تتشدد جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد مع قطاع الطرق في تفريطهم بأحكام الدين، فتستفيد من أسلحتهم ومقاتليهم ومعرفتهم بالتضاريس المحلية، فتحظى بموطئ قدم استراتيجي لها في وسط نيجيريا.“
كما بايعتها جماعة لاكوراوا الإرهابية النشطة في شمال غربي نيجيريا، والمعروفة بقطع الطرق وسرقة الماشية.
ويقول الخبراء إن البرامج التي تشجع الناس على الانشقاق عن كلٍ من جماعة أهل السنة وداعش غرب إفريقيا لم تحقق نجاحاً يُذكر في حوض بحيرة تشاد. فإعادة إدماج هؤلاء المقاتلين السابقين في المجتمعات التي آذوها فيما مضى يمكن أن تغضب أهلها.
فيقول أديبايو وآبي واتسون في مقال للمعهد العالمي للسياسات العامة: ”البون شاسع بين برامج الانشقاق في دول حوض بحيرة تشاد، مما يؤثر على فعاليتها على المدى الطويل.“
استسلم العديد من مقاتلي جماعة أهل السنة للسلطات الحكومية بعد مقتل أميرهم أبو بكر شيكاو وهو يقاتل داعش غرب إفريقيا في عام 2021. وها هي تشجع المقاتلين السابقين على حمل السلاح من جديد والعودة إلى صفوفها، فصار أعضاؤها السابقون أقرب إليها بعد عودتها.
ويقول أديبايو وواتسون: ”إذا أردنا أن تصبح برامج الانشقاق أكثر فعالية، فلا بدَّ من أخذ آراء المجتمع بعين الاعتبار من البداية ودمجها في البرامج الحالية، ومنها الوقوف على فرص التعايش السلمي والمصالحة.“