ادَّعت السلطات في النيجر في آب/أغسطس أنها تمكنت من قتل المدعو باكورا دورو، أمير جماعة بوكو حرام، على إثر ضربة جوية بالمسيَّرات استهدفت وكره في إحدى الجزر الواقعة في بحيرة تشاد، ولكن نفت بوكو حرام ذلك الخبر.
وقع الهجوم على وكر دورو في وقتٍ يبدو فيه أن أقدم جماعة إرهابية في نيجيريا تعاود الظهور بعد انكسار شوكتها طيلة سنوات على إثر اقتتالها مع غريمها الإقليمي، ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (داعش غرب إفريقيا)، للسيطرة على الأرض، إذ أنهكها القتال وأضعف وجودها في المنطقة بشدة، ولكن سفك مقاتلوها في الأشهر الأخيرة الدماء في المجتمعات الواقعة في شمال شرقي نيجيريا والطرف الشمالي من الكاميرون. وكتب المحلل مايكل نوانكبا مقالاً في معهد هدسون، وصف فيه عودة بوكو حرام بعبارة ”بوكو حرام 2.0“؛ أي النسخة الجديدة منها.
وسفك مقاتلوها في أيَّار/مايو دماء 100 شخص في منطقتين بولاية بورنو النيجيرية بزعم ولائهم لداعش غرب إفريقيا، واختطفوا في آب/أغسطس 50 راكباً من حافلة كاميرونية كانت تسير في مقاطعة دياماري الواقعة بمحافظة أقصى الشمال، وأسروا الركاب طمعاً في الفدية، ثم أطلقوا سراحهم في نهاية المطاف. وبعد ذلك ببضعة أسابيع، أي في مطلع أيلول/سبتمبر، قتلوا 60 شخصاً في قرية دار الجمال بولاية بورنو النيجيرية. وقال أهلها لباحثي معهد الدراسات الأمنية إن القتلة كانوا يشتبهون في أن من قتلوهم كانوا يمدون الجيش النيجيري بالمعلومات.
ويقول خبراءٌ إن الحملة التي شنها الجيش النيجيري مؤخراً على بوكو حرام دفعت هؤلاء الإرهابيين إلى عبور الحدود التي يسهل اختراقها ودخلوا الكاميرون، فزاد عدد الهجمات في منطقتي مايو موسكوتا وكولوفاتا الواقعتين في محافظة أقصى الشمال الكاميرونية. وقد أجرى السيد سيلفينغ بوز غويستي، الباحث بالمعهد، تقييماً مؤخراً، ذكر فيه أن بوكو حرام هي التي شنت 54 من أصل 95 هجوماً إرهابياً وقع في المنطقة في أيلول/سبتمبر.
ويقول في منشور على موقع «لينكد إن» المصاحبٍ لتقريره:”لا يزال الوضع الأمني في أقصى شمال الكاميرون يثير بواعث القلق.“
وكتب المحلل سهيد باباجيد أوونيكوكو، الباحث بمركز دراسات السلام والأمن بجامعة موديبو أداما للتكنولوجيا بنيجيريا، مقالاً على موقع «كونفرسيشن» مؤخراً، يسرد فيه عدة عوامل وراء عودة بوكو حرام، منها أن أجهزة مكافحة الإرهاب انشغلت بالتصدي لداعش غرب إفريقيا الأكثر منها سطوةً وهيمنة.
وذكر أن دورو تأمَّر على بوكو حرام بعد مقتل أبو بكر شيكاو، ودورو معروفٌ ببعده عن الأنظار، وهذا أعان بوكو حرام على إعادة بناء صفوفها بهدوء حول حوض بحيرة تشاد. وقد كان قبل ذلك أميراً على فصيل بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد قبل أن يتأمر عليها في عام 2022.
ويقول: ”كما أنه ابتعد عن الدعاية الإعلامية، فانصرفت الأعين عن بوكو حرام، فتوارت عن الأنظار.“
أنشأت الدول الأربع المطلة على بحيرة تشاد (وهي الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا) قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وتشارك فيها بنين أيضاً على الرغم من أنها لا تُطل على البحيرة.
وقد ضعفت هذه القوة حينما سحبت تشاد قواتها في كانون الثاني/يناير على إثر هجوم قاتل شنته بوكو حرام على جنودها في جزيرة بركرام في عام 2024، ثم انسحب منها العسكر الذين يتولون زمام الحكم في النيجر في نيسان/أبريل، وتوترت العلاقات بين الكاميرون ونيجيريا بسبب انتشار أعمال العنف على حدودهما المشتركة.
ويخشى الخبراء أن تؤدي عودة بوكو حرام إلى عودة بعض المقاتلين الذين قبلوا العفو سابقاً وشاركوا في برامج إعادة الإدماج التي تديرها الحكومة النيجيرية وحكومة ولاية بورنو. وقد جُنِّد بعض هؤلاء المقاتلين السابقين لمحاربة زملائهم السابقين في بوكو حرام باسم الحكومة.
ويرى نوانكبا أن دحر بوكو حرام يتطلب من حكومات المنطقة تعديل نهجها بإصلاح الظروف الأساسية وراء الإرهاب، مثل غياب السلطة الحكومية والمحلية والاستثمار الاقتصادي.
وذكر أن الجماعات الإرهابية في بقاع كثيرة من حوض بحيرة تشاد تؤدي المهام الإدارية التي عادة ما تؤديها الحكومات.
وأضاف قائلاً: ”يبزغ نجم بوكو حرام وفصائلها في هذه الظروف، ويمكن للحكومة أن تُعجِّل زوالها بحرمانها من الدعم الشعبي، ولا سيما عن طريق تحسين الظروف البيئية والمادية للسكان وتوفير الأمن لهم، وهذا يستلزم تدخل الجيش في المستقبل المنظور.“