يتعرَّض وسط منطقة الساحل لوابلٍ من الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة والإرهابية على القواعد العسكرية والمدنيين منذ بداية عام 2025، وذلك حينما انسحبت بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) التي كانت تدعمها في مكافحة الإرهاب.
وشكَّلت الدول الثلاث التي يتولى العسكر زمام الحكم فيها قوة دفاعية في إطار تحالف دول الساحل، ولكن لم تتوقف الهجمات الإرهابية التي تشنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وولاية تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل (داعش الساحل)، وسائر التنظيمات المنشقة عنهما. وصارت هذه الجماعات تستهدف المناطق الحدودية الواقعة بين بنين والنيجر ونيجيريا وتوغو.
يقول المحلل جوليان مكبرايد في مقال له في مجلة «مودرن دبلوماسي» الإلكترونية: ”أمست منطقة غرب إفريقيا قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر وتتحول إلى كارثة في السنوات القليلة المقبلة.“
كشف مجلس الأمن الدولي أن توغو سجَّلت 10 هجمات إرهابية، منها أربع هجمات شنتها جماعة نصرة الإسلام، أسفرت عن سقوط 52 قتيلاً في عام 2024، وكان قد سقط فيها 12 قتيلاً جرَّاء الهجمات الإرهابية في عام 2023. وقال السيد روبرت دوسي، وزير خارجيتها، لوكالة أنباء «رويترز» إن جماعة نصرة الإسلام قتلت ما لا يقل عن 54 مدنياً وثمانية جنود في 15 هجوماً بين كانون الثاني/يناير وأواخر تموز/يوليو 2025.
وشنت في مطلع كانون الثاني/يناير هجمات في شمال بنين، بالقرب من حدودها الشمالية مع بوركينا فاسو والنيجر، أسفرت عن مقتل 28 جندياً بنينياً. وقتلت في نيسان/أبريل 54 جندياً بنينياً في المنطقة نفسها. وصرَّح السيد ويلفريد لياندر هونغبيجي، المتحدث باسم الحكومة البنينية، بأن البلاد عازمة على محاربة الإرهابيين.
وقال في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية: ”لن نستسلم … أؤكد لكم أننا عاجلاً أم آجلاً، لنحن الغالبون.“
واقتحمت ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (داعش غرب إفريقيا) في أواخر كانون الثاني/يناير قاعدة عسكرية في بلدة مالام فاتوري النائية، الواقعة في شمال نيجيريا بالقرب من حدود النيجر، وقتلت 20 جندياً نيجيرياً. وكان ستة جنود نيجيريين قد قُتلوا قبل ذلك ببضعة أسابيع في ولاية بورنو، الواقعة شمال شرقي البلاد ومتاخمة للنيجر أيضاً.
وقتل داعش غرب إفريقيا في مطلع تموز/يوليو 11 شخصاً في هجوم على مخيم للمهجَّرين في مالام فاتوري. وتوترت العلاقات بين نيجيريا والنيجر على إثر انقلاب النيجر في تموز/يوليو 2023، فتوقفت الدوريات العسكرية المشتركة وكثرت الفرص السانحة للإرهابيين.
وتتأزم جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها بوركينا فاسو ومالي والنيجر بسبب طرد القوات الدولية ووجود مرتزقة الفيلق الإفريقي الروسي، ومن قبلهم مجموعة فاغنر. وتستخدم الجماعات الروسية مثل هذه الأساليب، ومنها ارتكاب فظائع بحق المدنيين بصحبة قوات الأمن الحكومية. وباتت بوركينا فاسو أشد من يتجرَّع مرارة الإرهاب في العالم، إذ تسيطر جماعة نصرة الإسلام على 40% من مساحتها أو تنازعها عليها. وأمست منطقة الساحل بؤرة الإرهاب على مستوى العالم.
وكشف تقريرٌ صادرٌ عن مؤسسة «ذا سينتري» أن الأساليب الوحشية التي يتبعها هؤلاء المرتزقة وعشوائيتهم في مكافحة الإرهاب في مالي تجعل كسب ثقة شعبها ضرباً من المستحيل، كما يشعر جيشها باستياء شديد منهم، إذ يدَّعي أن المقاتلين الروس لم يحترموا قيادتهم وسيطرتهم، وأن الماليين يُحمّلون الروس مسؤولية الثغرات الأمنية والأخطاء العملياتية التي أسفرت عن خسائر في العدد والعتاد. وسيطرت جماعة نصرة الإسلام في آب/أغسطس على قاعدة عسكرية في بلدة فارابوغو، الواقعة بالقرب من غابة واغادو والحدود الموريتانية.
ويقول مكبرايد: ”لغياب الحكم الرشيد بسبب العسكر، ناهيك عن فشلهم في مكافحة التمرد، عواقب وخيمة على القارة، وإذا لم يغير الضباط الانقلابيون فكرهم، ويسمحوا بالتنسيق الإقليمي لمكافحة القاعدة وداعش، فلن يكف المتشددون عن بسط نفوذهم، ولعلهم ينشئون قاعدة عمليات رئيسية لا عهد لنا بها منذ «خلافة» داعش على مساحات شاسعة من سوريا والعراق.“
لا تتراجع روسيا، على إخفاقاتها المتوالية في منطقة الساحل، عن محاولاتها لترسيخ أقدامها في غرب إفريقيا. فقد وافقت اللجنة التشريعية الروسية في تموز/يوليو على مشروع قانون للتصديق على اتفاقية إطارية للتعاون العسكري مع توغو، تشمل إجراء تمارين عسكرية مشتركة، وتدريب الجنود التوغوليين، وتبادل المعلومات الاستخبارية الأمنية، وتقديم المساعدات الطبية الطارئة والمجانية. ويقول موقع «توغو فيرست» إن برلمان توغو لا بدَّ أن يصدق على الاتفاقية قبل تنفيذها.