تضج وسائل الإعلام في بوركينا فاسو هذه الأيام بإنجازات النقيب إبراهيم تراوري، زعيم العسكر؛ ومنها أن البلاد نجحت في سداد ديونها الخارجية، وأنشأت مساكن جديدة لمحدودي الدخل، واكتشف تراوري مصدراً جديداً للنفط.
وشتان بين الواقع وبين الكلام؛ فأما الدين الخارجي لبوركينا فاسو، فلا يزال كما هو، ويبلغ 5.6 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 21.5% من ناتجها المحلي الإجمالي. وأما مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت عن مساكن تحت الإنشاء لمحدودي الدخل، فهي في الواقع من الجزائر. وأما «النفط» المتدفق من الأرض، فهو في الواقع لقطات لأنبوب صرف صحي مكسور في ولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة.
وخلاصة القول أن الواقع اليومي لحكم تراوري القائم منذ ثلاث سنوات في بوركينا فاسو يتناقض تناقضاً صارخاً مع ما يتردد في وسائل الإعلام البوركينابية والمؤيدة للعسكر، وبعضها تحركه الدعاية الروسية.
فيقول مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية في تحليله للادعاءات الأمنية الكاذبة: ”إن دلت هذه الحملات المضللة من حيث حجمها وتطورها على شيء، فإنما تدل على نمطٍ أوسع من التدخل الإعلامي برعاية أجنبية في إفريقيا.“
منذ أن أمسك تراوري بمقاليد الحكم في أيلول/سبتمبر 2022، استفحلت الهجمات الإرهابية في أرجاء هذه الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، وكثرت أعمال العنف وازداد عدد القتلى في صفوف المدنيين بشدة بعد أن استقدم مرتزقة روس من مجموعة فاغنر (الفيلق الإفريقي حالياً).
ويكاد يكون عدد قتلى الإرهاب في بوركينا فاسو قد تضاعف ثلاثة أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية حتى وصل إلى 17,775 قتيلاً. في حين لم يسقط فيها إلا 6,630 قتيلاً في السنوات الثلاث التي سبقت انقلاب تراوري، وما حدث هذا الانقلاب إلا ظناً بأن الجيش سوف ينشر الاستقرار في البلاد بين عشية وضحاها.
وكشفت دراسة أجراها مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن أعمال العنف التي ارتكبها الإرهابيون بحق المدنيين ارتفعت في عهد العسكر عن الفترة التي سبقت انقلاب تراوري بنسبة 87% لتصل إلى 2,823 شخصاً على الأقل. كما ارتفعت أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن البوركينية بحق المدنيين ارتفاعاً حاداً في عهد العسكر.
ويقول باحثو المركز: ”تشير التقديرات إلى أن القوات المسلحة البوركينابية لا تزال تفقد السيطرة على الأرض وتعمل الآن بحرية فيما لا يتجاوز 30% من مساحة البلاد، تاركة الـ 70% المتبقية موضع نزاع.“ وقد كانت الحكومة تسيطر على 50% من مساحة البلاد قبل وصول العسكر إلى الحكم. وقد خسرت هذه المساحة في ظل الحصار الذي يفرضه الإرهابيون على 130 بلدة ومدينة في بوركينا فاسو، ويقطعون الطرق الرئيسية بين العاصمة واغادوغو ودول جوارها جنوباً وشرقاً: بنين وساحل العاج ومالي والنيجر وتوغو.
ولم تستحِ وسائل الإعلام المؤيدة للعسكر ومروجي الدعاية الروس في ظل هذه الانتكاسات من عمل مقاطع فيديو وغيرها تتغنَّى بالعسكر وتراوري بالأخص. وقد حققت الصور ملايين المشاهدات على وسائل الإعلام الاجتماعي. ومعظمها صورٌ مفبركها مولدة بالذكاء الاصطناعي لتظهر تراوري وهو يصافح قادة العالم وينهال عليه المشاهير مثل المغنية بيونسيه بعبارات الإشادة والثناء.
وهنالك موادٌ أخرى مأخوذة من مقطع فيديو أصلي لكنه مستخدمٌ في غير سياقه ليجمل صورة العسكر، ويضرب معهد أبحاث السياسة الخارجية مثلاً على ذلك بمقطع فيديو لمساكن تحت الإنشاء لمحدودي الدخل في الجزائر، لكنه انتشر على أنه مشروع ينفذه العسكر.
وتحدث تقريرٌ صادرٌ عن هيئة الإذاعة البريطانية إفريقيا عن مقطع فيديو آخر، فيه آلافٌ ينظمون مسيرة ضد الفساد في صربيا، لكنه انتشر على أنهم مواطنون فرنسيون يملأون الشوارع لتأييد تراوري.
وقال التقرير: ”إن كثرة المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي تنم عن أن هذا الاتجاه ليس طبيعياً.“
وأوضح السيد رفائيل بارينز، الباحث في المعهد، أن اهتمام روسيا بتلميع صورة العسكر من خلال الدعاية اشتمل على ما لا يقل عن 19 حملة تضليل منفصلة في ربوع منطقة الساحل. وقد انضم الصينيون إلى هذه الحملات في سعيهم لبسط نفوذهم في المنطقة. وذكر بارينز أن حملات التضليل تزكي نار العنف التي لا تخمد، فتجعل من منطقة الساحل إحدى بؤر الإرهاب على مستوى العالم.
ويقول باحثو المعهد: ”إن النهج الذي ينتهجه نظام تراوري في مكافحة الإرهاب إنما يُؤجج الصراع العرقي المحلي، كما أن ذراعه الدعائية لا تفتر عن نشر فكر معادٍ للديمقراطية، وكل هذا يحول دون بناء مجتمع سليم؛ وما يحدث في بوركينا فاسو إلا لمحة تبث الرعب في النفوس عن عالمٍ يندفع نحو المستقبل بينما لا يزال عالقاً في الماضي.“