انقضى عصر الحرب التقليدية في القرن الحادي والعشرين، وأعقبه عصر الحرب غير النظامية، فلا تزال الجيوش تشتبك في ساحات القتال المعهودة، ولكن قلَّ الاشتباك بكثير عن الحرب غير النظامية، حرب الهجمات المتفرقة، وغير المتناظرة، والتي يصعب اكتشافها.
فقد أمست القوات المسلحة الإفريقية أمام تهديدات من جماعات حكومية وغير حكومية تستخدم أحدث التقنيات في هجماتها، وشاعت الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية للدولة، وصرنا قاب قوسين أو أدنى من تحويل الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الجديدة إلى سلاح فتاك.
فلا توجد صورة نمطية للتهديد، لذا ينبغي ألا يكون الرد العسكري ثابتاً، بل على قوات الأمن في القارة أن تتكيَّف وتتطور من أجل الصمود والانتصار.
أما الركيزة الأولى للاستعداد للتهديدات غير النظامية، فهي الاستثمار في الجاهزية التكنولوجية، والاستفادة من جيل الشباب البارعين في التكنولوجيا من الطرق التي تعين الدولة على الارتقاء بدفاعاتها في مجال الأمن السيبراني، والاستفادة من التعليم والمهارات الموجودة لدعم التحول التكنولوجي في قطاع الأمن.
وأما الركيزة الثانية، فهي إرساء دعائم التعاون الدولي والقاري والإقليمي والحفاظ عليه، فالجهات غير النظامية تستغل البلدان التي تعيش في حالة انعزال وانكفاء على نفسها والمناطق التي تسودها الفرقة والانقسام. فلا يجد المتمردون وكراً يؤويهم حينما تكون التحالفات الأمنية قوية. وحينما تتفكك، يسهل على الجهات الحكومية وغير الحكومية أن تشن هجمات مدمرة.
وأما الركيزة الثالثة، فهي الاستثمار في التعليم العسكري المهني. فالسبيل الوحيد لإعداد جنود اليوم لمواجهة تهديدات الغد التي لا يمكن التنبؤ بها هو تسليحهم بالتدريب اللازم، فلا غنى لهم عن التعليم، ويشمل الدراسة النظرية والدورات التي تُجرى طوال مسيرتهم العسكرية لشحذ المهارات وصقلها. ولا شيء يعلو على التدريب الذي يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والدروس الميدانية للحفاظ على جاهزية الفرد المقاتل للتعامل مع التهديدات الجديدة.
لا توجد خطة متبعة للتصدي للتهديدات غير النظامية، ولا سبيل لمعرفة شكل هذه التهديدات بعد 10 سنوات أو 20 سنة، ولكن هنالك مبادئ تصمد في وجه الزمن؛ فالتأهب والشراكة والاحترافية يمكن أن تساعد قطاع الأمن في أي دولة على الاستعداد لمواجهة التهديدات غير النظامية التي تتسلح بسلاح التكنولوجيا.