كشف بحثٌ جديدٌ أجراه مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن الإرهابيين سفكوا دماء ما يزيد على 150,000 نفسٍ في أرجاء إفريقيا في العقد الماضي، وأن معظم أعمال العنف وقعت في منطقة الساحل والصومال وحوض بحيرة تشاد.
منذ عام 2016، حينما كان الصومال بؤرة العنف على يد الإرهابيين، كثر عدد الهجمات والجماعات الإرهابية والمناطق المتضررة، والعديد من الجماعات تبايع إما القاعدة أو داعش.
وارتفع عدد القتلى سريعاً عقب الانقلابات التي وقعت في كلٍ من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وكان من دواعي هذه الانقلابات أن الجيش سينجح في دحر الإرهابيين بعد أن أخفقت الحكومات التي أتت بها صناديق الاقتراع في دحرها.
ولكن لم يزدد الوضع في الدول الثلاث إلا سوءاً حتى وقتنا هذا، وباتت بوركينا فاسو تتصدر العالم في قتلى الإرهاب، يعقبها جارتيها في منطقة الساحل. وقد سقط في منطقة الساحل 10,685 قتيلاً بسبب الإرهاب في العام الماضي، يمثلون ما يقرب من نصف قتلى الإرهاب على مستوى العالم.
كما تتسرب أعمال العنف إلى شمال بنين وتوغو، وإلى شمال غربي نيجيريا بالقرب من الحدود مع النيجر.
ويقول باحثو مركز إفريقيا في تقريرهم: ”لعلَّ وتيرة أعمال العنف ونطاقها في منطقة الساحل تفوق المُبلغ عنه؛ ذلك لأن العسكر الذي استولوا على مقاليد الحكم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر قد ضيقوا على وسائل الإعلام داخل المنطقة، وهي المصدر الرئيسي لبيانات الصراع.“
ويقدر المحللون أن الإرهابيين يسيطرون على 40% من مساحة بوركينا فاسو. وقد جنَّد العسكر الذين يتولون مقاليد الحكم آلاف المدنيين في ميليشيات «متطوعي الدفاع عن الوطن» خفيفة التسليح وقليلة التدريب. واتُهم عناصر الميليشيات بارتكاب جرائم قتل وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان بحق المدنيين، ولا سيما أبناء قبائل الفولاني.
وقام قادة العسكر في بوركينا فاسو ومالي بتجنيد مرتزقة من الفيلق الإفريقي الروسي (ومن قبله مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة) لمساعدة جيوشهم على قتال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعات أخرى.
وبعد انضمام المرتزقة الروس إلى المنطقة، كثفت القوات البوركينابية والمالية هجماتها على المدنيين، ويقول مركز إفريقيا إن هذه الهجمات تسببت على مدار الأربع سنوات الماضية في سقوط أكثر من 6,000 قتيل، أي أكثر ممن قُتلوا في الهجمات الإرهابية التي وقعت في نفس الفترة وعددهم 5,708 قتيل.
ومن أمثلة تلك الهجمات المشتركة التي شنها الجيش والمرتزقة، ذلك الهجوم الذي وقع في عام 2022 على سوق في بلدة مورا بوسط مالي، حيث قتلت القوات الروسية والمالية أكثر من 300 رجل، أكثرهم من الفولانيين.
تُعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة مسؤولة عن 83% من قتلى الإرهاب في منطقة الساحل، وقد صار في حوزتها مؤخراً مسيَّرات تقوي شوكتها على استهداف المواقع العسكرية والمدنية. ولا تزال الجماعات الأخرى الموالية للقاعدة، مثل حركة الشباب في الصومال، تمثل التهديدات المزمنة في المناطق التي تعيث فيها فساداً، مع أنها لا تسلم، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، من مناطحة الجماعات الموالية لداعش لها.
وقد شنَّ الجيش الوطني الصومالي هجوماً على حركة الشباب طيلة عامين، أسفر عن زيادة عدد الهجمات التي أدت إلى ضياع مناطق من قبضته وضاعفت عدد القتلى بين عامي 2022 و2025 لأكثر من 6,200 قتيل.
والعلاقات التي أقامها هؤلاء الإرهابيون مع الحوثيين في اليمن سمحت لهم بالاستكثار من استخدام المسيَّرات لضرب القوات الصومالية.
وفي حوض بحيرة تشاد الواقع بين الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، تراجعت أعمال العنف بسبب بوكو حرام بنسبة 50% عن ذروتها في عام 2015. بيد أن عدد قتلى الإرهاب في حوض بحيرة تشاد ارتفع بنسبة 7% في العام الماضي بسبب هجمات بوكو حرام وغريمتها، ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (داعش غرب إفريقيا).
وكثفت نيجيريا عملياتها العسكرية في ولاية بورنو الواقعة شمال شرقي البلاد، وكشفت البيانات التي نشرها الجيش النيجيري أن الضربات الجوية هذا العام أسفرت عن مقتل ما يقرب من 600 عنصر إرهابي وتدمير مئات المركبات والمعدات الأخرى.
فما كان من هؤلاء الإرهابيين إلا أن كثفوا أنشطتهم في المنطقة، واستعانوا بالمسيَّرات لمهاجمة القواعد العسكرية ومراكز الشرطة والأهداف المدنية.
وحذَّر السيد باباغانا زولوم، حاكم ولاية بورنو، لهيئة الإذاعة البريطانية إنه لا يكاد يمر يوم إلا ويغير الإرهابيون على مجتمعات كثيرة ويختطفون أهلها. وأخبر مسؤولي الأمن النيجيريين أن المتطرفين يسيطرون على مساحات من بورنو.
وأوضح خبراءٌ أمنيون أن القوات النيجيرية تبتعد عن منطقة بحيرة تشاد بسبب المطالبة بقمع قطاع الطرق في الشمال الغربي، وأن جهود مكافحة متطرفي بحيرة تشاد باتت أصعب بعد انسحاب النيجر من قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات.
فقال المحلل هاميسو ساني لهيئة الإذاعة البريطانية، متحدثاً عن بوكو حرام وداعش غرب إفريقيا: ”يمكنهم دائماً إعادة تنظيم صفوفهم وسيظلون خطراً علينا بغض النظر عن مدى نجاح جيشنا في إضعافهم.“