بقلم: إيبونولوا جورج أوجو آمي ومارسيل بليشتا
شنَّت ميليشيا قوات الدعم السريع السودانية هجوماً بالمسيَّرات يوم 4 أيَّار/مايو على منشآت عسكرية ومدنية في بورتسودان، وهي من المواقع الاستراتيجية التي تستخدمها القوات المسلحة السودانية. وورد أن هذه المسيَّرات عبارة عن نسخة صينية من مسيَّرة «شاهد-136» الإيرانية الهجومية أحادية الاتجاه، وألحقت أضراراً بالبنية التحتية مثل مستودعات الوقود، وأسفرت عن سقوط 12 قتيلاً على الأقل و30 جريحاً.
وهذا الهجوم يكشف لنا مصدر قلق أوسع نطاقاً، وهو أن الكثير من الموانئ الإفريقية عُرضة لهجمات المسيَّرات التي تشنها جهات حكومية وغير حكومية.
وكلما شاعت المسيَّرات في ساحات القتال في أرجاء القارة، باتت البنية التحتية البحرية أشد عُرضة للهجوم عليها. إذ تُستخدم المسيَّرات بالفعل لضرب الموانئ والمنشآت الساحلية في بقاع أخرى من العالم، فقد شنَّ الحوثيين هجمات بالمسيَّرات بين عامي 2016 و2022، استهدفت مصافي ومحطات تحلية مياه ساحلية سعودية، كما استهدفت مسيَّرات روسية صوامع الحبوب الأوكرانية في مدينة أوديسا الساحلية مراراً وتكراراً.
الموانئ شريان حياة مكشوف
تكمن أهمية الموانئ الإفريقية في أنها تحرك النشاط الاقتصادي، وتدخل منها المساعدات الإنسانية، وتمثل مراكز للقوة العسكرية والنفوذ السياسي. ولطالما تعرَّضت لخطر القرصنة والصيد غير القانوني والتهريب. أما الآن، فقد أمست ضربات المسيَّرات خطراً جديداً وشراً مستطيراً، وباتت المنشآت البحرية أشد عُرضة لضربات المسيَّرات نظراً لتخطيطها المفتوح، وصعوبة حماية محيطها، وكثرة بنيتها التحتية الحيوية. وهذه السمات تجعل الموانئ لقمة سائغة لشن هجمات منخفضة التكلفة وموجعة الأثر.
يمكن أن تتأثر الاقتصادات الوطنية والإقليمية عند استهداف ميناء تجاري بالمسيَّرات، ومثال ذلك أن إثيوبيا، وهي دولة حبيسة (غير ساحلية)، تعوِّل بشدة على بضعة موانئ في دول الجوار لاستقبال البضائع المستوردة، ويمكن أن يؤدي الهجوم على أحد هذه الموانئ إلى تأخير السفن التي تحمل سلعاً أساسية وتعطيل الاقتصاد. وإذا لم تتمكن الشركات من الوصول إلى أحد الموانئ لشحن بضائعها للتصدير، فقد ترتفع التكاليف على طول سلسلة الإمداد. ويشتد هذا الخطر على بلدان مثل أنغولا والجزائر التي يعتمد اقتصادها على تصدير الموارد الطبيعية.
ويرينا الهجوم على بورتسودان كم أن الأضرار فادحة والخسائر عظيمة، فلقد ألحقت المسيَّرات أضراراً بمستودعات الوقود، ومحطة الحاويات الرئيسية في المدينة، والمطار الدولي. فقد استخدمت قوات الدعم السريع المسيَّرات لضرب اقتصاد السودان المتأثر بالصراع، ونشر الأعمال العدائية في مناطق كانت تنعم بالاستقرار فيما مضى، وكل ذلك بتكلفة منخفضة نسبياً. وأدى الهجوم إلى تهجير السكان وارتفاع أسعار الوقود.
تُدرك الجهات غير الحكومية في شتى بقاع العالم قوة المسيَّرات في نشر الخراب والدمار في الحرب غير المتناظرة، فقد استخدمها الحوثيون في اليمن لمهاجمة الموانئ الحكومية والبنية التحتية الساحلية، وورد أن متمردي جيش أراكان في ميانمار اغتالوا جنرالاً كان يدافع عن ميناء راخين.
وأسباب إقبال المتمردين على هذه الهجمات واضحة جلية، فهجمات المسيَّرات على الموانئ رخيصة نسبياً، وتُحدث أثراً دعائياً مدوياً، وتُجبر الدولة على الإنفاق على أنظمة مكافحة المسيَّرات، ومع أن خطر المسيَّرات في تزايد، فلا تزال الأطر الأمنية في إفريقيا قائمة إلى حد بعيد على ردة الفعل، وتركز على التهديدات القائمة على السفن.
التأهب للخطر
تكمن الخطوة الأولى لتغيير هذا الوضع في الاعتراف بالمشكلة، فالمدونة الدولية لأمن السفن والمرافق المينائية، المعنية بأمن الموانئ على مستوى العالم، تقر بوجود تهديدات مثل الهجمات السيبرانية، ولكن لا يوجد بها نصٌ محدد بشأن خطر المسيَّرات. وتعديلات إرشادات الممارسات المُثلى للإدارة للأمن البحري الآن تقر بخطرها، ولكن لا بدَّ من إدراج نصٍ مماثل في الاستراتيجيات الوطنية للموانئ والبحرية. فهذا التقاعس يُعرِّض البنية التحتية الحيوية للخطر، وقد طال منهج الاكتفاء بردة الفعل وتأخر العمل بالتدابير الاستباقية. فعلى الدول الساحلية الإفريقية أن تراعي السيناريوهات المتعلقة بمخاطر المسيَّرات في تخطيطها الأمني، والاستثمار في أنظمة المراقبة والكشف، والتعاون مع بلدان المنطقة لتبادل المعلومات الاستخبارية.
وكثيراً ما تكون دفاعات الموانئ غير مناسبة للتصدي لمثل هذه التهديدات، إذ تعتمد الموانئ في حالات كثيرة على أمن محيطها الأساسي، ولا توجد بها أنظمة مُخصّصة لمواجهة المسيَّرات. فحينما هوجمت بورتسودان، تمكّن الجيش من اعتراض بعض المسيَّرات بأنظمة تقليدية مضادة للطائرات، ويمكن أن تحقق هذه الأنظمة المراد منها، لكنها تستنزف الموارد، فمنظومات الدفاع الجوي تُكلِّف ملايين الدولارات لشرائها وتشغيلها. ولكن ما يبشر بالخير أن الجيوش والأجهزة الأمنية ربما لا تحتاج إلى منظومات دفاع جوي متطورة للموانئ إذا كانت المسيَّرات هي التهديد الجوي الوشيك الوحيد. فالمسيَّرات تحلق على ارتفاعات منخفضة، ولا تبلغ الطائرات الأخرى في سرعتها، ولهذا يمكن أن تحقق الأنظمة المضادة لها الغاية في ضربها وإسقاطها.
تتطور تكنولوجيا الأنظمة المضادة للمسيَّرات المتخصصة، مثل أجهزة التشويش أو أسلحة الطاقة الموجهة، إلا أن الكثير من البلدان الإفريقية لا طاقة لها بامتلاك الأنواع اللازمة لحماية ميناء بأكمله. وتكمن المشكلة في شقين: إذ يحتاجون إلى القدرة على اكتشاف المسيَّرات وتصنيفها، ثم إلى وسائل إسقاطها بأمان. وهنالك شركات مثل «تاليس» تصنع أنظمة متخصصة مضادة للمسيَّرات لاكتشافها والتصدي لها، ولكن نادراً ما تُستخدم هذه الأنظمة في موانئ إفريقيا. فبعض البلدان تمتلك أجهزة تجارية للتشويش على المسيَّرات، تحمي نقاطاً رئيسية في الميناء، لا الميناء كاملاً. ولا تكاد يوجد من شركات الدفاع الإفريقية من ينتج أنظمة مضادة للمسيَّرات، واستيرادها مكلف.
وتتفاقم المشكلة بسبب سرعة ابتكار المسيَّرات وتطورها، ويُعد التشويش الطريقة المُفضلة لإسقاطها خارج ساحة المعركة، ولكنه لا ينجح دائماً في إسقاط المسيَّرات ذاتية التحكم أو تلك الموجهة بأسلاك من الألياف الضوئية. ويمكن أن يستلزم تأمين الموانئ تتبع قدرات المهاجمين واتخاذ خطوات استباقية بتدابير مضادة جديدة. ويفضي ذلك إلى سباق تسلح دائم، يأتي فيه الابتكار بتدابير مضادة، تشعل شرارة الابتكار المضاد. فحرب المسيَّرات لا تعرف النصر الدائم؛ بل التكيف مع التهديدات قبل فوات الأوان. والتردد هنا يساوي الهزيمة.
ربما كان الهجوم على بورتسودان أول هجوم كبير بالمسيَّرات على ميناء إفريقي، لكنه لن يكون الأخير. فلن تسلم موانئ كثيرة من الخطر بدون العمل بنهج جماعي واستشرافي. فالتكاتف الإقليمي، وتكييف السياسات، والتدريب، والاستثمار في دفاعات مجدية من حيث التكلفة، كلها عوامل تُمكِّن سلطات الموانئ والجيوش وأجهزة إنفاذ القانون من الحفاظ على سلامة منشآتها واقتصاداتها وشعبها في بيئة سريعة التغير.
نبذة عن المؤلفين: فأما إيبونولوا جورج أوجو آمي، فهو محلل استخبارات بارز في شركة «آغوي غلوبال ليمتد»، متخصص في شؤون خليج غينيا، وله باعٌ في مجال المسيَّرات والأمن البحري. وأما مارسيل بليشتا، فهو باحث دكتوراه في جامعة سانت أندروز ومحاضر استخبارات في شركة «غراي داينامكس»، يهتم في أبحاثه باستخدام الدول الصغيرة للقوة والمسيَّرات في الحروب الحديثة.