أخذ رجلٌ في فريتاون، عاصمة سيراليون، نفَسَاً من سيجارة كوش، وهو مخدر مُصنَّع يشبه الماريغوانا، لكن تأثيره أقوى من الفنتانيل بـ 25 ضعفاً، وكان واحداً من العشرات الذين يدخنونه تحت أحد الجسور، حيث تتناثر القمامة والبطانيات في التراب.
وكان يبدو لوهلة مستمتعاً بتأثيره، وما لبث أن غفا شيئاً فشيئاً، فجلس وذقنه ملقاة على صدره. وكان بجانبه رجلٌ منطرحٌ على ظهره على إطار سيارة، فاقد الوعي، وذراعاه مبسوطتان كأنما هو ملاكمٌ تلقى الضربة القاضية. وعلى مقربة منهما شابٌ فاقد الوعي أيضاً، لكنه واقفٌ على قدميه، وجسده مائلٌ للأسفل لدرجة أن رأسه يكاد يلامس الأرض.
وكانت إليزابيث، وهي شابة حامل تبلغ من العمر 24 عاماً وعندها من الأبناء طفل واحدٌ، تنظر إلى رفقائها المتعاطين، وكانت صادقة مع نفسها، إذ أقرت بأن تدخين الكوش أثناء الحمل محفوف بالمخاطر.
وقالت لقناة «سكاي نيوز»: ”لا أقلع عن تدخينه لأنه يُنسيني همومي وآهاتي.“
وبينما كانت تبكي، كان إبراهيم، وهو شابٌّ عاري الصدر، يبلغ من العمر 17 عاماً، مُستلقياً على التراب والحجارة على بطانيةٍ يبدو أنها من فوم بلاستيكي.
وقال: ”هذا المخدر شر، هذا المخدر بلاء. لا أعرف لماذا أعطوني هذا المخدر في هذا البلد. فإخواننا يُعانون، وبعضهم يموت، وبعضهم يُعاني من قروح في أقدامهم. لا ندري. فهذا المخدر وبالٌ علينا. انظروا إلى حالي، فقد أُصبتُ بقروح في قدمي بسبب هذا المخدر وحده.“
كان الكثير من المُتعاطين حول إبراهيم وإليزابيث يعانون من سوء التغذية، ولديهم قروح مُلتهبة في أيديهم وأقدامهم، وقال أبو بكر لسكاي نيوز إنه كان في الـ 12 من عمره حينما دخن الكوش لأول مرة، وها هو يبلغ من العمر 14 عاماً، وفي قدميه قروح مفتوحة، بلغ بها الالتهاب مبلغاً جعله عاجزاً عن المشي.
ولا يزال الكوش، على فتكه وآثاره الجانبية الضارة، رائجاً بسبب النشوة التي يشعر بها مُتعاطوه، وبسبب رخص سعره، إذ يمكن أن يبلغ سعر السيجارة الواحدة في سيراليون 5 ليونات فقط (أقل من السنت الواحد بكثير) ويمكن أن يدوم تأثيرها عدة ساعات.
وتقول المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ومعهد كلينغندايل في تقرير صادر في عام 2025 إن الكوش كثيراً ما يُصنع من مواد أفيونية مُصنَّعة شديدة التأثير تُسمى النيتازينات، ويُحشى أحياناً بمكونات أخرى، مثل الأسيتون والفورمالديهايد والترامادول والمذيبات الصناعية.
والكثير من هذه المواد الكيميائية مستوردٌ من الصين وهولندا والمملكة المتحدة، وكثيراً ما يُصنع المنتج النهائي ويُباع محلياً في معامل غير خاضعة للرقابة، وكثيراً ما تكون في الأحياء الفقيرة والمناطق التي قلما يُطبق فيها القانون. ويُوزعه كبار المستوردين والممولين، وصغار الكيميائيين والناقلين والبائعين، حسبما ذكره موقع «جيوبوليتيكال مونيتور».
وانتقل الكوش من سيراليون إلى كلٍ من غامبيا وغانا وغينيا بيساو وليبيريا والسنغال، ولعله، كما يقول محللون، أودى بحياة الآلاف في غرب إفريقيا منذ عام 2022. وأعلنت ليبيريا وسيراليون حالة طوارئ وطنية بشأن تعاطي المخدرات العام الماضي، وكان شيوع الكوش هو السبب الأول في ذلك.
وعلى حدود غامبيا مع السنغال، لا تفتأ الشرطة تُفتِّش سيارات الشباب أملاً في ضبط الكوش، ولكن أفادت سكاي نيوز أن الحدود مليئة بالثغرات لدرجة أنه يُمكن تجنِّب نقاط التفتيش الرسمية بسهولة. ففي العاصمة بانجول، تنفذ الشرطة الغامبية مداهمات منتظمة، تضبط فيها كميات من الماريغوانا والأمفيتامينات أكثر بكثير من الكوش، مما يدل على أن تجار الكوش يعملون في الغالب بعيداً عن الأنظار. وأعرب أحد مسؤولي إنفاذ القانون الغامبيين عن ثقته بإمكانية الحد من أزمة الكوش.
وقال لسكاي نيوز: ”وذلك لأننا لا نعاملها على أنها مسألة شخصية، بل قضية وطنية، فالكل معني بها.“
كما تحدثت القناة الإخبارية مع شباب غامبيين يطالبون بالقضاء على هذا البلاء، فقال شاب يُدعى عزيز إنه دخن الكوش ذات مرة وشعر وكأنه يبتلع لسانه، وبعد أن خرج من المستشفى، ساعده أصدقاؤه على الإقلاع عنه.
وقال أحد أصدقائه: ”الأمر شاق للغاية، فليست نصيحتك وحدها كفيلة بإقناع المتعاطي عن الإقلاع عن المخدر، بل نصيحتك واستعداده لقبول فكرة الإقلاع عن تعاطيه، وذلك هو السبيل الوحيد.“
وفي سبيل القضاء على ذلك البلاء، أوصى تقرير المبادرة والمعهد دول غرب إفريقيا برفع مستوى تبادل المعلومات عن مُركَّبات المخدرات المُصنَّعة، والنهوض بالقدرات الإقليمية لتحديد المواد المُصنَّعة وتصنيفها ومصادرتها ومراقبتها، وتعزيز الرقابة عند نقاط الدخول، وخاصة في سيراليون.