كشف تقريرٌ جديدٌ صادرٌ عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أنه ضُبط في إفريقيا 57% من إجمالي كمية المواد الأفيونية الصيدلانية المضبوطة على مستوى العالم بين عامي 2019 و2023، ويُقدَّر أن أعلى معدل لتعاطي المواد الأفيونية في القارة كان في وسط وغرب إفريقيا.
فقد كشف التقرير العالمي للمخدرات لعام 2025 الصادر عن المكتب أن تعاطي المخدرات يزداد في إفريقيا، مع أنها لا تزال معبراً للمخدرات المتجهة إلى بقاع أخرى، ولا سيما الحشيش (وهو أكثر أنواع المخدرات تهريباً وتوريداً وبيعاً فيها) والكوكايين والهيروين والميثامفيتامين والمخدرات المُصنَّعة. وقد جُمعت الإحصائيات الواردة في التقرير في عام 2024، وتُمثِّل مستويات تعاطي المخدرات والاتجار بها في عام 2023.
ويقول المكتب إن عصابات الجريمة المنظمة كثيراً ما تدير طرق الاتجار بالمخدرات، إذ تستغل مناطق الحرب والمناطق التي تعاني من ثغرات في إنفاذ القانون.
تتحول القارة تدريجياً من الأسواق التي يهيمن عليها الحشيش (إذ تعاطاه 10% من سكانها في عام 2023) إلى الأسواق التي تتنوع فيها المخدرات وتشتد خطورتها. وقد زادت ضبطيات الكوكايين المرتبطة بإفريقيا بنسبة 48% بين عامي 2022 و2023، وتشير بيانات العلاج إلى ارتفاع نسبة تعاطي الكوكايين، لا سيما في وسط وغرب إفريقيا، وتزامن ذلك مع مستويات إنتاج قياسية دفعت التجار إلى البحث عن أسواق جديدة.
وجاء في التقرير: ”يغدو الكوكايين … من المخدرات الضارة في المنطقة، إذ بدأ متعاطون يُعالجون من الإدمان واضطرابات التعاطي الناجمة عنه، ويُمثل تعاطي الهيروين واضطراب تعاطيه مشكلةً أيضاً، لا سيما في شرق إفريقيا وشمالها وبعض البقاع في جنوبها.“
تعاني البلدان محدودة الدخل في ظل تدهور الاقتصاد الكلي بها لتمويل تدابير الصحة العامة، ومنها علاج الإدمان.
وقال السيد أمادو فيليب دي أندريس، الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في غرب ووسط إفريقيا، في بيان صحفي: ”إذا تأخر الاستثمار العاجل والمستدام، ستتفاقم عواقب التقاعس عن علاج اضطرابات الإدمان، ومنها زيادة المخاطر الصحية والأضرار الاجتماعية وإثقال كاهل الخدمات العامة؛ فلا يُعالج إلا 3.4% من العدد التقديري للمصابين باضطرابات الإدمان في إفريقيا، ولهذا يجب إيلاء الأولوية لتعزيز التدخلات المسترشدة بالأدلة والمجدية من حيث التكلفة والمستندة إلى مبادئ الصحة العامة.“
يتزايد في وسط وغرب إفريقيا تعاطي الكوديين؛ والبريغابالين (المستخدم لعلاج آلام الأعصاب وبعض أشكال النوبات)، والترامادول. والترامادول، كالكوديين، من المسكنات الأفيونية المستخدمة في علاج الآلام المزمنة التي تتراوح من المتوسطة إلى متوسطة الشدة لدى الكبار. وهو من أقوى مسببات الإدمان وغير خاضع للرقابة الدولية، وبات بلاءً في وسط وشمال وغرب إفريقيا، حيث يمكن تصنيعه وبيعه بطرق غير قانونية بجرعات أعلى من الجرعات الطبية.
وورد في التقرير: ”أكثر من 90% من إجمالي كمية الترامادول التي ضبطتها أجهزة إنفاذ القانون في العالم خلال الخمس سنوات الماضية ضُبطت في إفريقيا؛ وعلى غرار الاتجاه السابق، فإن معظم الترامادول المضبوط في إفريقيا منشأه جنوب آسيا.“
تسبب تعاطي مخاليط المخدرات، مثل مخدر «الكوش»، فيما مضى وحديثاً، في أزمات صحية عامة في وسط وغرب إفريقيا. وتقول المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ومعهد كلينغندايل إن الكوش كثيراً ما يُصنع من مواد أفيونية مُصنَّعة قوية التأثير تُسمى النيتازينات، ويُحشى أحياناً بمكونات أخرى، مثل الأسيتون والفورمالديهايد والترامادول والمذيبات الصناعية.
وهو يشبه الماريغوانا، ويمكن أن يكون أقوى من الفنتانيل بـ 25 ضعفاً، وقد ظهر في سيراليون، ثم وصل إلى غامبيا وغانا وغينيا بيساو وليبيريا والسنغال. ولعله، كما يقول محللون، أودى بحياة الآلاف في غرب إفريقيا منذ عام 2022. ودفعت الأزمات الصحية الناجمة عنه كلاً من ليبيريا وسيراليون إلى إعلان حالة طوارئ وطنية العام الماضي.
وقالت الدكتورة غادة والي، المديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، في بيان صحفي:”أمست المخدرات المُصنَّعة من أكثر المخدرات التي تتطلب التعجيل بمواجهتها ومن أشدها إباءً على الحل، إذ تتطور يومياً، ويتوسع انتشارها، وتشتد قوة تأثيرها.“
شدد المكتب على ضرورة قيام أنظمة العدالة الجنائية بتخصيص المزيد من الموارد للتصدي لسلاسل الإمداد والشبكات الإجرامية لمواجهة التحديات المعقدة المرتبطة بتعاطي المخدرات والاتجار بها، ونادى بألا تصرف أجهزة إنفاذ القانون تركيزها إلى القبض على ناقلي المخدرات والسائقين والبائعين المحليين، بل تستهدف المستوى الأوسط من المديرين والكيميائيين وغاسلي الأموال الذين يصعب استبدالهم بغيرهم.
وقال دي أندريس في بيان صحفي: ”يجب أن يُتبع ضبط المخدرات بإجراءات قضائية، وكذلك التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخبارية والعمليات المشتركة، وذلك لتفكيك شبكات الاتجار بدلاً من تغيير مساراتها.“