يتنامى خطر الجرائم السيبرانية في إفريقيا، بل وتُمثل ما يقرب من ثلث إجمالي الجرائم التي تُرتكب في بعض المناطق، ولا تزال تستفحل وتتفشى، ويستكثر المخترقون من تحويلها إلى سلاح يضربون به الشركات والبنية التحتية العامة، وما عادوا يكتفون بسرقة البيانات الشخصية من الأفراد.
فقد خلص تقريرٌ صادرٌ عن الإنتربول مؤخراً إلى أن الجرائم السيبرانية تشكل 30% من إجمالي الجرائم التي تُرتكب في غرب إفريقيا وشرقها، وذلك استناداً إلى استبيان أجراه أفارقة يعملون في هذه الوكالة الدولية لإنفاذ القانون. وتوصل الاستبيان إلى أن الجرائم السيبرانية تشكل ما يتراوح من 10% إلى 30% من الجرائم التي تُرتكب في وسط إفريقيا وجنوبها، وأقل من 10% في شمال إفريقيا.
وقال السفير جلال شلبا، القائم بأعمال المدير التنفيذي للأفريبول، في بيان: ”الأمن السيبراني ليس مجرد مسألة تقنية، بل بات من أبرز ركائز الاستقرار والسلام والتنمية المستدامة في إفريقيا، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بالسيادة الرقمية للدول، وقدرة مؤسساتنا على الصمود، وثقة المواطنين، ونجاح اقتصاداتنا.“
تشير التقديرات إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في ربوع القارة يبلغ نحو 320 مليون مستخدم، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 500 مليون بحلول عام 2030. ولا يزال عددهم في تزايد بفضل انتشار تكنولوجيا الهاتف المحمول في المقام الأول. وهذا النمو يتجاوز القوانين والتثقيف اللازمين لحماية الأفراد والمؤسسات من الهجمات السيبرانية.
فقد كانت إشعارات الاحتيال الإلكتروني في العام الماضي أكثر من العام الذي سبقه بـ 30 ضعفاً في بعض بقاع إفريقيا، كما أن البلدان الأكثر استخداماً للإنترنت في إفريقيا (مثل مصر وكينيا والمغرب ونيجيريا وجنوب إفريقيا) هي البلدان التي لا يكف مجرمو الإنترنت عن استهدافها.
وقد انصرف مجرمو الإنترنت قليلاً في السنوات الأخيرة عن سرقة المعلومات الشخصية بعمليات احتيال محددة الأهداف مثل التصيد الاحتيالي، وركزوا على مهاجمة المؤسسات الحكومية والبنية التحتية الحيوية والشركات. ومن أمثلة ذلك ما يلي:
- تعرَّضت هيئة الطرق الحضرية الكينية لهجوم ببرامج الفدية في تموز/يوليو 2024، سُرقت فيه معلومات شخصية وسجلات مالية.
- تعرَّض المكتب الوطني للإحصاء في نيجيريا لهجوم في أواخر عام 2024، أدى إلى إغلاق موقعه الإلكتروني ثلاثة أسابيع، ودفعه إلى الإنفاق على رفع مستوى الأمن السيبراني.
- تسلل مخترقون في نفس العام إلى منظومة المختبرات الصحية الوطنية في جنوب إفريقيا، فتعطلت منظومة الصحة العامة في البلاد، فوضعت المنظومة خططاً لتدريب موظفيها على تدابير الأمن السيبراني.
- تعرَّضت شركة الطاقة الجنوب إفريقية «إسكوم» لهجمات سيبرانية متكررة، إلى جانب شركة الكهرباء في جوهانسبرغ. ويتوقع المحللون أن تتزايد التهديدات مع دخول شركات الطاقة الخاصة السوق.
ويقول محللون إن عناصر هدامة استهدفت أيضاً شركات إفريقية ببرامج خبيثة في صورة تجسس مؤسسي، فورد مثلاً أن مخترقين إيرانيين استهدفوا شركات اتصالات في مصر والسودان وتنزانيا في عام 2023، ربما للتجسس على عملياتها أو تمهيد الطريق لهجمات حجب الخدمة.
وأضح السيد ريتشارد فروست، رئيس قسم التكنولوجيا والابتكار في شركة «أرماتا سيبر سكيورتي»، ومقرها جوهانسبرغ، أن الشركات تستعين أيضاً بمخترقين للتسلل إلى مواقع منافسيها. وأضاف في مقال له بموقع «إندبندنت أونلاين» الإخباري الجنوب إفريقي أن هذه الشركات تسمح للمخترقين باختراق أنظمتها حتى تُبعد عن نفسها الشك والريبة.
فيقول: ”على المؤسسات أن تنتبه لهذه التهديدات، وأن تدرك أنها تُدخل أساليب جديدة ومعقدة للتأثير على الأعمال والسمعة.“
مع أن البلدان الإفريقية تُحسِّن أدواتها لمكافحة الجرائم السيبرانية، فقد نوَّه تقرير الإنتربول إلى أهمية تكثيف العمل، فلا بدَّ مثلاً من تعزيز التعاون عبر الحدود لمكافحة الجرائم التي لا تراعي حُرمة الحدود الوطنية.
وعلى البلدان رفع قدرتها على الإبلاغ عن الهجمات السيبرانية، وتوفير الأدلة التي تثبت وقوعها، وبناء قواعد بيانات استخبارية من المعلومات التي تُجمع بعد الهجمات. فقد أوضح الإنتربول أنه لا يقوم بأي من هذه الإجراءات سوى أقل من ثلث البلدان التي تُبلغ عن بيانات الجرائم السيبرانية.
ويقول محللوه: ”لا تزال معظم البلدان الإفريقية الأعضاء التي شملها الاستبيان، على تزايد عدد القضايا، تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات لمكافحة الجرائم السيبرانية.“