اكتشفت السلطات في ناميبيا عملية احتيال استثمارية صينية في العملات المشفرة (وتُعرف باحتيال «ذبح الخنازير») في أواخر عام 2023، وألقت القبض على 14 شخصاً، بينهم تسعة صينيين، ووجهت إليهم 222 تهمة احتيال وابتزاز وغسل أموال واتجار بالبشر وجرائم أخرى.
قالت السيدة مارثا إيمالوا، المدعية العامة، في إفادتها الخطية المشفوعة بيمين، التي نُشرت في كانون الثاني/يناير:”تتضمن عملية الاحتيال ثلاث مراحل: البحث والتسمين والذبح.“ وأوضحت أن استثمار الضحية في العملات المشفرة يُذبح بعد تسمينه.
وأضافت: ”بعد أن يتمادى المستثمر في الإنفاق، تبلغ عملية الاحتيال ذروتها بخسارة مفاجئة ومفجعة، إذ تتبخر أمواله، ويدرك مرارة النصب عليه.“
بدأت عملية الاحتيال المحكمة تلك في الصين في نحو عام 2016، وكانت حينها تُسمى «شا تشو بان» أي «طبق الخنزير القاتل»، وتُنفذ بإنشاء هويات مزيفة على المنصات الإلكترونية، والتواصل مع الضحايا على الإنترنت لكسب ثقتهم، ثم تشجيعهم على استثمار أموالهم في مخطط احتيالي للعملات المشفرة.
وأمست هذه الحكاية شائعة في جنبات القارة، إذ أخذت العصابات الصينية المسؤولة عن جرائم سيبرانية بمليارات الدولارات ترسخ أقدامها في البلدان الإفريقية.
فقد كشف تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة يوم 19 نيسان/أبريل كيف حققت عصابات الصين وجنوب شرق آسيا عشرات المليارات من الدولارات سنوياً باستهداف ضحاياها في استثمارات وهمية، وعملات مشفرة، وعلاقات غرامية، وغيرها من عمليات الاحتيال السيبراني.
تشتت الشبكات الإجرامية بسبب العمليات التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون في الصين وجنوب شرق آسيا، وراحت تبحث عن أماكن جديدة تنصب فيها حبائلها، فتوسعت في العالم، وصار لها موطئ قدم في بلدان إفريقية مثل أنغولا وناميبيا ونيجيريا وزامبيا.
قال السيد بنديكت هوفمان، القائم بأعمال الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، في بيان صادر يوم 21 نيسان/أبريل: ”تنتشر كالسرطان، تعالجها السلطات في إحدى المناطق، لكن جذورها لا تختفي أبداً، بل تهاجر.“
ومضى يقول: ”فأمست المنطقة عبارة عن منظومة مترابطة، تُحركها عصابات متطورة تستغل مواطن الضعف كما تشاء، وتُهدد سيادة الدول، وتُشوه وتُفسد عمليات اتخاذ السياسات والأنظمة والمؤسسات الحكومية الأخرى.“
وورد في التقرير أن الصين ودول جنوب شرق آسيا خسرت ما يُقدَّر بنحو 37 مليار دولار أمريكي جرَّاء الاحتيال السيبراني في عام 2023، غير أن ”الخسائر التقديرية كانت أكبر بكثير“ في أرجاء العالم. فقد باتت التشكيلات العصابية الصينية وسائر الجهات غير المشروعة من جنوب شرق آسيا رائدة في الاحتيال السيبراني وغسل الأموال بالعملات المشفرة والخدمات المصرفية السرية، فصارت خطراً كبيراً على الأمن القومي للبلدان الإفريقية.
والشبكات الإجرامية تقوض البنية التحتية الحيوية، وتعطل الخدمات الأساسية، وتجعل البيانات الحساسة أشد عرضة للتجسس أو الحرب السيبرانية، وللجرائم السيبرانية عواقب اقتصادية وخيمة، وتهدم ثقة المواطنين في الحكومات والمؤسسات.
بدأت في مطلع عام 2024 تظهر أنباء عن عمليات كبرى قامت بها أجهزة إنفاذ القانون الإفريقية ضد شبكات الجرائم السيبرانية التي يقودها صينيون، فقد اكتشفت السلطات الزامبية عصابة احتيالية في نيسان/أبريل 2024 واعتقلت 77 مشتبهاً بهم، منهم 22 صينياً حُكم عليهم لاحقاً بالسجن لمدة تصل إلى 11 سنة لقيادتهم العملية.
واعتُقل عشرات الصينيين في أنغولا في أواخر عام 2024 بتهمة الضلوع في المقامرة والاحتيال عبر الإنترنت والجرائم السيبرانية.
وتكافح نيجيريا بالفعل جرائم سيبرانية محلية، وصارت من أبرز مقاصد شبكات الاحتيال الأجنبية هذه، ونفذت أجهزة إنفاذ القانون مداهمتين كبريين في لاغوس في كانون الأول/ديسمبر 2024 وأبوجا في كانون الثاني/يناير 2025، أسفرتا عن القبض على ما يقرب من 1,000 شخص، منهم 177 صينياً.
وقال السيد أولا أولوكويدي، الرئيس التنفيذي للجنة الجرائم الاقتصادية والمالية النيجيرية، في مؤتمر صحفي عُقد يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 2024: ”يستغل الأجانب سمعة بلادنا المؤسفة بعد أن صارت ملاذاً للاحتيال ليرسخوا أقدامهم هنا لإخفاء مشاريعهم الإجرامية الشنيعة، ولكن كما أظهرت هذه العملية، لن يكون في نيجيريا أي ملاذٍ للمجرمين.“
صرَّحت اللجنة بأن مواطنين أجانب استخدموا مبنىً يُشبه المقر الرئيسي لمؤسسة مالية لتدريب المئات من المتواطئين معهم من النيجيريين، وهذا يوضح خطورة التعاون بين العصابات الإجرامية الصينية والنيجيرية.
وقال أولوكويدي: ”جميع الطوابق مُجهزة بأجهزة كمبيوتر مكتبية متطورة، فصادر المحققون في الطابق الخامس وحده 500 شريحة هاتفية لشركات اتصالات محلية، اشتُريت لأغراض إجرامية.“
واستطرد قائلاً: ”تولى زعماء العصابة الأجانب تجنيد شركائهم النيجيريين للبحث عن ضحايا عبر الإنترنت بطريق التصيد الاحتيالي، وما إن يكسب النيجيريون ثقتهم، يتولى الأجانب مهمة الاحتيال عليهم.“
وحذَّر هوفمان من أن التشكيلات العصابية تتطور وتغدو من أخطر مصادر التهديدات السيبرانية، ويتزايد التكاتف والتآزر بين عمليات الجرائم السيبرانية وشبكات غسل الأموال، وسماسرة البيانات، والبرامج الخبيثة، والتزييف العميق، وغيرها من الخدمات التقنية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
وقال: ”إن التقارب بين تسارع هذه العمليات واحترافيتها من جهة، وتوسعها الجغرافي لدخول بقاع جديدة من المنطقة وخارجها من جهة أخرى، إنما يدل على عمليات مكثفة جديدة في هذا القطاع، على الحكومات التأهب لمواجهتها.“