أفادت وكالة أنباء إيطالية أن روسيا وسَّعت وجودها العسكري في ليبيا، إذ نقلت أفراداً وعتاداً إلى قاعدة معطن السارة، الواقعة بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان، وقد كانت مهجورة منذ عام 2011.
فقد ذكرت وكالة أنباء «نوفا» أن روسيا أرسلت جنوداً سوريين لإعادة تأهيل القاعدة، إذ يمكن أن تمنح موسكو طريقاً مباشراً لإمداد بوركينا فاسو ومالي والسودان، فقام الفنيون الروس والجنود السوريون بترميم مدرجاتها ومستودعاتها، ولا تزال بحاجة إلى مساكن ومستودعات وأبراج مراقبة وأسياج أمنية جديدة.
وتوجهت قافلة عسكرية كبيرة تابعة للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إلى معطن السارة مؤخراً، وذلك لتأمين المنطقة وحماية الطرق التي تزود السودان بالأسلحة والوقود من ميناء طبرق، الواقع شمال شرقي ليبيا؛ ويُذكر أن حفتر يطمع في الاستيلاء على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
وإنما تتماشى هذه التطورات مع استراتيجية روسيا التي تحاول أن تجعل من القواعد العسكرية الليبية محطة مركزية لمرتزقة الفيلق الإفريقي الروسي الذي حلَّ محل مجموعة فاغنر، ولطالما دعمت روسيا حفتر، المتهم بإرسال المؤن إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية في حربها الأهلية الطاحنة مع القوات المسلحة السودانية.
وتقول منصة الاستخبارات مفتوحة المصدر «إيكاد»:”يتميَّز مطار معطن السارة بموقع استراتيجي، ومن المحتمل أن تتفق إعادة تأهيله مع خطة روسيا الكبرى لبسط نفوذها في إفريقيا من خلال ليبيا.“
يأتي الاستحواذ على القاعدة في إطار جهود الكرملين لفتح ممر تجاري وعسكري يربط بين البحر المتوسط وإفريقيا، كما عززت روسيا عملياتها في القواعد العسكرية الليبية في شرق الخادم ووسط الجفرة وشمال غرب براك الشاطئ وشمال وسط القرضابية، وتضم هذه القواعد مجموعة من المعدات العسكرية، منها منظومات دفاع جوي ومقاتلات من طراز «ميغ-29» وطائرات مسيَّرة، يشغلها عسكريون ومرتزقة روس.
ولكن يقول محللون إن جهود روسيا لزيادة قوتها العسكرية في ليبيا يمكن أن تزيد من زعزعة استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
فتقول الدكتورة ميرال صبري العشري، الرئيس المشارك لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز جامعة شيفيلد لحرية الإعلام، في مقالها في مجلة «أوراسيا ريفيو»: ”تمثل ليبيا موقعاً محورياً لعمليات روسيا المتوسعة في إفريقيا، إذ تفتح لها الباب للاستكثار من الوصول إلى دول مثل السودان ومالي وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.“
كما تعمل موسكو على توطيد علاقاتها مع المجتمعات القبلية في المنطقة الجنوبية من فزان، وهي منطقة صحراوية شاسعة متاخمة لتشاد والنيجر، وأفادت «نوفا» أنها أقامت تحالفات مع القبائل المحلية في المناطق الحدودية لتعزيز موقعها الاستراتيجي والوصول إلى مناجم الذهب الخاضعة لسيطرة قبائل التبو في جبال كالانغا.
ينتشر المرتزقة الروس في ليبيا منذ عام 2018، وكانوا يقاتلون لنصرة حفتر في حربه على طرابلس، وكانت تركيا تقف في صف طرابلس، وأمدت روسيا حفتر بمقاتلين من فاغنر وطائرات هجومية وأسلحة طوال المعركة التي نشبت أكثر من ست سنوات، ومع أن حرب موسكو على أوكرانيا هي التحدي العسكري الأول لفلاديمير بوتن، رئيس روسيا، فقد ذكر المجلس الأطلسي أن ليبيا لا يزال بها ما يتراوح من 800 إلى 1,200 مرتزق روسي، يسيطر العديد منهم على حقول لإنتاج النفط وشبكات تهريب، فضلاً عن موانئ رئيسية، مما يمنح موسكو مراكز إمداد وتموين يمكنها الاعتماد عليها.
فتقول السيدة كيارا لوفوتي، زميلة الأبحاث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، والسيدة أليسا بافيا، المديرة المساعدة لبرنامج شمال إفريقيا في المجلس الأطلسي، على الموقع الإلكتروني للمجلس الأطلسي: ”إن دلَّ بقاؤهم على شيء، فإنما يدل على أن الكرملين يؤمن بأن شمال إفريقيا والشرق الأوسط منطقةٌ لا يمكن الاستغناء عنها، فهي زاخرة بموارد هائلة غير مستغلة يمكن أن تساعد اقتصاد روسيا في الأمد البعيد.“
وتحدث الدكتور فريدريك ويري، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عن تنامي الوجود الدبلوماسي لروسيا، حتى في طرابلس نفسها، مقر حكومة الوفاق الوطني. وأضاف أن الجهود غير العسكرية تعضد نفوذ موسكو على صعيد السياسة والاقتصاد والطاقة.