لما استولى متمردو حركة 23 آذار/مارس الذين يستقوون برواندا على مدينة غوما في أواخر كانون الثاني/يناير، مشى المدعو كورناي نانغا في شوارعها مشية الفاتحين المدلين بأنفسهم، وكان يرتدي زياً قتالياً وخوذة عسكرية، وتعلو ثغره ابتسامة مشرقة وسط لحية المشيب الكثيفة.
وبعد أن تولى قيادة الحركة، أمسى وجهاً لتمرد جديد أشد طموحاً يُسمى تحالف نهر الكونغو، وكان فيما مضى مسؤولاً حكومياً، بشوش الوجه حسن الطلعة، لكنه أمسى نذير شؤم على جمهورية الكونغو الديمقراطية لما أعلن عن رؤيته لمستقبلها.
فقال لوكالة أنباء «رويترز»: ”ليست غايتنا غوما ولا بوكافو، وإنما كينشاسا، أُس الفساد؛ فلدينا في الكونغو دولة محتضرة أو ميتة، ففيها نشأت كل الجماعات المسلحة، وكل ذلك بسبب غياب الدولة، وغايتنا أن نعيد للدولة هيبتها.“
كان ملعب يونيتي في غوما يعج بآلاف الأهالي يوم 6 شباط/فبراير، وذكر البعض أن مقاتلي الحركة أجبروا أصحاب المشاريع التجارية والشركات على إغلاقها وهددوا الناس للحضور، فحضرت جموع غفيرة، أوحت بتأييد كبير للحركة، واستمعوا إلى نانغا وهو يتحدث عن ثورة الميليشيا العنيفة على مستوى البلاد.
وقال السيد جوستين مواناتابو، محلل العلاقات الدولية، للجزيرة: ”يقول نانغا وجماعته إن غايتهم إنما هي دخول كينشاسا، لكنهم بحاجة إلى دعم الكونغوليين لهم، ولن يؤيد الناس أي خطط لضم أجزاء من الكونغو الديمقراطية، وإذا روج لهذه الأجندة، سيقولون إن هذه خطة وضعتها رواندا.“
كان السيد جوزيف كابيلا، رئيس الكونغو السابق، قد عيَّن نانغا في عام 2015 مديراً للجنة الانتخابات الكونغولية، ومرت الأيام، وأعلن عن فوز السيد فيليكس تشيسكيدي في الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2018، ثم أقاله تشيسكيدي من منصبه في عام 2021، وكثر الخلاف مع حكومة تشيسكيدي، فنُفي في كينيا، ثم ظهر في اجتماع لجماعات المعارضة والمتمردين في نيروبي في آب/أغسطس 2023، وأعلن نفسه رئيساً لتحالف نهر الكونغو.
وقال السيد كريستيان موليكا، عالم السياسة في مؤسسة «ديبول» البحثية الكونغولية، إن تحول نانغا من رجل تكنوقراطي بدون لحية إلى رجل ثوري، إنما يخدم مصالح حركة 23 آذار/مارس ورواندا في مواجهة تشيسكيدي على أرض الكونغو مترامية الأطراف.
وقال لصحيفة «واشنطن بوست»: ”مناط قوة نانغا بعد أن صار وجهاً للحركة هو أنه من محافظة أوت أويلي وليس من التوتسيين، فهذا يمنحها وجهاً كونغولياً جديداً وأكثر تنوعاً، فلطالما كان يُنظر إليها على أنها جماعة مسلحة مستنصرة برواندا، تدافع عن أقليات التوتسيين.“
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن رواندا نشرت ما يتراوح من 3,000 إلى 4,000 جندي في محافظة كيفو الشمالية لمساندة المتمردين في هجومهم، ولم ينكر نانغا ما تقوم به رواندا من دعمهم، ولكن لا تزال كيغالي لا تعترف بالأدلة الدامغة وتصر على أنها لم تعبر إلى الكونغو الديمقراطية.
وقال دبلوماسي لرويترز: ”بدأت حركة 23 آذار/مارس بالتأكيد على أنها حركة توتسية، ولكن انظر إلى عدد القوات التي تنشرها الآن، فهي تتألف من طوائف مختلفة كثيرة.“
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 3,000 شخص قُتلوا في حصار غوما، وأُصيب آلاف آخرون، وصرَّح السيد فولكر تورك، رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بأن استخدام الأسلحة الثقيلة في القتال العنيف بين الحركة والجيش الكونغولي وحلفاء كل منهما أجبر مئات الآلاف من أهالي المنطقة على الفرار من ديارهم.
وقال: ”لقد عانى الشعب الكونغولي الأمرين طوال عقود من الزمان“، ودعا إلى تحرك دولي تفادياً لنشوب حرب إقليمية: ”فكم من الأبرياء لا بدَّ أن تُسفك دماؤهم قبل أن تتوافر الإرادة السياسية الكافية لحل هذه الأزمة؟“
”فإذا لم يُفعل أي شيء، فقد يكون القادم أدهى وأمر على من يقطنون الجزء الشرقي من البلاد، وعلى من يعيشون خارج حدود الكونغو الديمقراطية.“