«مملكة الاحتيال» النيجيرية تدرب أجيال المستقبل من مجرمي الإنترنت
أسرة منبر الدفاع الإفريقي
يبدأ ما يُسمى بفتية الياهو النيجيريين في تعلم حيل الاحتيال الإلكتروني في سن مبكرة، فكثيراً ما يُجندون في سن 12 سنة في شبكة نيجيرية تُسمى «مملكة الاحتيال» للتدرب على الجرائم السيبرانية.
ويكون الكثير منهم عند تخرجهم من المدرسة الثانوية بارعين في خداع الضحايا على الإنترنت بحيل شتى، مثل عمليات الاحتيال التي تبتز الضحايا ومواقع المواعدة الإلكترونية ورسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية المصممة لخداع من تصلهم تلك الرسائل ليفتحوا شبكات الكمبيوتر لديهم أمام الهجمات.
يقول السيد سليمان لازاروس، وهو خبير نيجيري في الجرائم السيبرانية، في مقاله على موقع «كونفرسيشن»:”يقتضي حل المشكلة التعجيل بالاهتمام بها محلياً وعالمياً.“
عكف لازاروس على دراسة الأساليب التي ينتهجها خريجو مملكة الاحتيال النيجيرية للاحتيال على الضحايا على الإنترنت وسرقة مليارات الدولارات منهم كل عام، وبعض هؤلاء الضحايا يعيشون في بلدان إفريقية أخرى، ومعظمهم في أمريكا الشمالية وأوروبا حيث يشارك ”الأمراء النيجيريون“ (وهم محتالون) في عمليات الاحتيال منذ عشرات السنين.
وكما نوَّه لازاروس وغيره من خبراء الجرائم السيبرانية، فإن الاحتيال الذي يرتكبه فتية الياهو ليس بالجديد، إذ استغل المحتالون سذاجة ضحاياهم قبل ظهور الإنترنت بزمن طويل. إلا أن انتشار الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي والبريد الإلكتروني في العالم اليوم خلق بيئة أمسى فيها الاحتيال عند كثير من الناس أعظم نفعاً من العمل الحلال.
فقد أخبر أحد خريجي مملكة الاحتيال، ويُقال له «ويزي»، إذاعة «صوت أمريكا» مؤخراً عن السبب الذي جعله يؤثر الاحتيال الإلكتروني على العمل القانوني.
فقال: ”أنا مصمم جرافيك، وأعمل في مكتب، وبعض من يكلفونك بعمل لا يعطونك أجرك.“
وقال إن من يدفعون منهم قد يدفعون دولارين فحسب لما عملت لهم، أما عمليات الاحتيال الإلكتروني فإن مكاسبها بآلاف الدولارات.
ألقت لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية النيجيرية في تشرين الثاني/نوفمبر القبض على 10 رجال في ماكوري، الواقعة بولاية بينو، بتهمة مشاركتهم في عملية احتيال إلكتروني. وصور بعض هؤلاء الرجال أنفسهم على أنهم نساء على وسائل الإعلام الاجتماعي في إطار خطة غرامية.
وداهمت السلطات النيجيرية في عام 2022 أكاديمية مملكة احتيال تعمل في أبوجا، وعثرت فيها على 16 فتىً يتدربون على الاحتيال الإلكتروني، وألقت القبض على من يشغلهم، ويُدعى أفولابي صمد، وصادرت أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة وأجهزة أخرى، إلى جانب سيارة «لكزس» رياضية وسيارة «تويوتا هايلاندر» رياضية. وذكر لازاروس أن المركبات الفاخرة مثالٌ على الحيل التي يلجأ إليها زعماء عصابة مملكة الاحتيال لتجنيد عناصر جديدة، وذلك بعرض الثروة التي يمكنهم كسبها إذا عثروا على صيدهم على مواقع المواعدة الإلكترونية ومواقع أخرى.
ويقول لازاروس في دراسة عن الاحتيال الغرامي على الإنترنت نشرتها مجلة علم الجريمة الاقتصادية: ”لتزيين الثروة أثرٌ كبيرٌ في جعل الاحتيال الغرامي على الإنترنت طبيعياً ومباحاً في غرب إفريقيا.“
وأضاف قائلاً: ”يستخدم المحتالون مظاهر الثروة، مثل السيارات والمنازل الفاخرة، لإغراء وتجنيد الأفراد في مجتمعاتهم المحلية ممن ينظرون إلى ثرواتهم بعين الحسد والانبهار، إذ لا يستنكرون ما يفعله أولئك المحتالون، بل يحسبونهم من الأذكياء المهرة، فتزيد شرعية أنشطتهم الإجرامية في أعين المجتمع.“
وفي نهاية المطاف، تعمل مملكة الاحتيال النيجيرية على إدخال محتالي الإنترنت في شبكة متسعة تحكمها عصابة «الفأس الأسود» (بلاك آكس)، وهي من عصابات الجريمة المنظمة العنيفة. ويسعى الإنتربول منذ حين إلى تفكيك شبكة موسعة من الجرائم السيبرانية والاحتيال المالي التي تديرها «الفأس الأسود» والعصابات التابعة لها، ففي منتصف عام 2024، ألقت أجهزة الشرطة في 21 دولة القبض على أكثر من 300 شخص على علاقة بها، ووصف الإنتربول «عملية جاكل 3» بأنها ضربة قاصمة للشبكة الإجرامية.
وقال السيد تومونوبو كايا، وهو مسؤول كبير في مركز مكافحة الجرائم المالية والفساد في الإنتربول، لهيئة الإذاعة البريطانية إن محتالي الإنترنت ما لبثوا أن استعانوا بالتقنيات المالية مثل تحويل الأموال والعملات المشفرة في عملياتهم.
وذكر السيد ماثيو لا لايم، الباحث في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن أجهزة الشرطة الدولية نجحت في مكافحة «الفأس الأسود»، ولكن لم تحقق السلطات النيجيرية نجاحاً كنجاحها.
وكتب مؤخراً يقول: ”أمسى الكثير من عناصر «الفأس الأسود» من مجرمي الإنترنت المحنكين، إذ يتخصصون في الاحتيال على أصحاب المشاريع والشركات لينهبوا منهم آلاف بل ملايين الدولارات، وساهمت الأموال المكتسبة من الجرائم السيبرانية في تشكيل شبكة معقدة من شبكات غسل الأموال تنتشر في أرجاء العالم.“