Africa Defense Forum
Africa Defense Forum

تكاليف خفية

الاستغلال وعدم الاستقرار ثمن الخدمات التي يقدمها مرتزقة الفيلق الإفريقي الروسي

أسرة‭ ‬منبر‭ ‬الدفاع‭ ‬الإفريقي

لاتفتأ‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ ‬الروسية‭ ‬توسع‭ ‬رقعة‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬جنبات‭ ‬إفريقيا‭ ‬إذ‭ ‬تَعد‭ ‬بنشر‭ ‬الأمن‭ ‬ومساندة‭ ‬القادة‭ ‬المستبدين،‭ ‬بينما‭ ‬تعاني‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الاستغلال‭ ‬والعنف‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬

ومنهاجها‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2024‭: ‬فهي‭ ‬تستهدف‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬غير‭ ‬المستقرة،‭ ‬وتَعدها‭ ‬بحماية‭ ‬سيادتها،‭ ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬حملة‭ ‬استغلال‭ ‬مربحة‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية‭ ‬اعترفت‭ ‬بأنها‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬روائح‭ ‬الاستعمار‭.‬

قال‭ ‬السيد‭ ‬جاك‭ ‬واتلينغ،‭ ‬خبير‭ ‬الحرب‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لهيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭: ‬”تقوم‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تروج‭ ‬لها‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬متمسكة‭ ‬بفكرها‭ ‬الاستعماري؛‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬للسخرية،‭ ‬فما‭ ‬النهج‭ ‬الروسي‭ ‬إلا‭ ‬نهج‭ ‬استعماري،‭ ‬إذ‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬عزل‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬نخبها،‭ ‬واستخراج‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭.‬“

شارك‭ ‬واتلينغ‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬تقرير‭ ‬نشره‭ ‬المعهد‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬الروسية‭ ‬خارج‭ ‬أوكرانيا‭:‬‭ ‬2022-2024‮»‬،‭ ‬يتناول‭ ‬دور‭ ‬المرتزقة‭ ‬الروس‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مصالح‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬وحلفائها‭ ‬السابقين‭.‬

تتقرب‭ ‬مجموعة‭ ‬فاغنر‭ (‬الفيلق‭ ‬الإفريقي‭ ‬حالياً‭) ‬من‭ ‬القادة‭ ‬المستبدين‭ ‬وتعدهم‭ ‬بما‭ ‬يسميه‭ ‬تقرير‭ ‬المعهد‭ ‬‮«‬حزمة‭ ‬بقاء‭ ‬النظام‮»‬‭. ‬وتقدم‭ ‬روسيا‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والتدريب‭ ‬والخدمات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعملاء‭ ‬السياسيين‭ ‬لحشد‭ ‬الدعم‭ ‬المحلي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حملات‭ ‬تضليل‭ ‬متقنة‭.‬

وتطالب‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بحقوق‭ ‬على‭ ‬أهوائها‭ ‬لاستخراج‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬والذهب‭ ‬والليثيوم‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬والذهب‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬واليورانيوم‭ ‬في‭ ‬النيجر‭. ‬وتملأ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصفقات‭ ‬خزائن‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية،‭ ‬وتحرم‭ ‬القوى‭ ‬الغربية،‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا،‭ ‬من‭ ‬مقدرات‭ ‬الطاقة،‭ ‬إذ‭ ‬تعتمد‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬اليورانيوم‭ ‬لتشغيل‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬لديها‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المعهد‭: ‬”ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬شركاء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن‭ ‬يكتسبون‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬قدرة‭ ‬سيادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المرتزقة‭ ‬والحراسات‭ ‬الشخصية‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يستغنون‭ ‬عنها‭ ‬ويُحرمون‭ ‬من‭ ‬مقدمي‭ ‬خدمات‭ ‬الأمن‭ ‬البديلين‭. ‬وعلى‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬الطويل،‭ ‬فإن‭ ‬التنازلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بها‭ ‬روسيا‭ ‬تهدد‭ ‬بتشكيل‭ ‬علاقة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬للغاية،‭ ‬تأخذ‭ ‬فيها‭ ‬موسكو‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬تعطي‭.‬“

المدعو يفغيني بريغوجين، أحد المقربين من فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، ترأس مجموعة فاغنر حتى لقي مصرعه في حادث غامض في عام 2023 بعد تمرد مُجهض. آسوشييتد بريس

لطالما‭ ‬كان‭ ‬يُعتقد‭ ‬أن‭ ‬مرتزقة‭ ‬فاغنر‭ ‬منفصلون‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية،‭ ‬لكن‭ ‬تقرير‭ ‬المعهد‭ ‬يدحض‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬فاغنر‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬شركة‭ ‬عسكرية‭ ‬خاصة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬تمولها‭ ‬تمويلاً‭ ‬مباشراً‭ ‬وبعقود‭ ‬تجاوزت‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و2023‭. ‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬التقرير‭: ‬”في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬أيَّار‭/‬مايو‭ ‬2022‭ ‬إلى‭ ‬أيَّار‭/‬مايو‭ ‬2023‭ ‬وحدها،‭ ‬أنفقت‭ ‬روسيا‭ ‬نحو‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬على‭ ‬أجور‭ ‬ومستحقات‭ ‬مقاتلي‭ ‬فاغنر‭.‬“‭ ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ %‬77‭ ‬مما‭ ‬أنفقته‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬منظومتها‭ ‬الصحية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭.‬

ويقول‭ ‬التقرير‭: ‬”لم‭ ‬تكن‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬فاغنر‮»‬‭ ‬موجودة‭ ‬قط‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كيان‭ ‬رسمي،‭ ‬وتولت‭ ‬شركات‭ ‬مختلفة‭ ‬تجنيد‭ ‬المقاتلين،‭ ‬ولكن‭ ‬أمست‭ ‬فاغنر‭ ‬الهوية‭ ‬المؤسسية‭ ‬للأفراد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬وكان‭ ‬يفغيني‭ ‬بريغوجين،‭ ‬أحد‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬رئيس‭ ‬روسيا،‭ ‬المايسترو‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬عملياتها،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬مدير‭ ‬التنظيم‭.‬“

وورد‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬نشره‭ ‬مركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬جوزيف‭ ‬سيغل‭ ‬والدكتور‭ ‬دانيال‭ ‬إيزنغا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬قاتلوا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬ثم‭ ‬انتقلوا‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا،‭ ‬”تصرفت‭ ‬موسكو‭ ‬كمن‭ ‬يهبط‭ ‬بالمظلات‭ ‬لمؤازرة‭ ‬القادة‭ ‬المعزولين‭ ‬سياسياً‭ ‬الذين‭ ‬يواجهون‭ ‬أزمات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬منطقتها،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬بموارد‭ ‬طبيعية‭ ‬وفيرة،‭ ‬ثم‭ ‬يصبح‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادة‭ ‬مدينون‭ ‬لروسيا‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬دور‭ ‬وسيط‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمي‭.‬“

وقد‭ ‬لقي‭ ‬بريغوجين‭ ‬مصرعه‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬تحطم‭ ‬طائرة‭ ‬غامض‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬وحدث‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬تمرده‭ ‬وزحفه‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬ثم‭ ‬تراجعه‭ ‬عنه،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تحول‭ ‬اسم‭ ‬فاغنر‭ ‬إلى‭ ‬الفيلق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬المجموعة‭ ‬الجديدة‭ ‬صارت‭ ‬تابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭.‬

وهذا‭ ‬تغيير‭ ‬مهم،‭ ‬لأنه‭ ‬يزيح‭ ‬عباءة‭ ‬المصالح‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة،‭ ‬ويزيح‭ ‬معه‭ ‬قدرة‭ ‬موسكو‭ ‬المعقولة‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬علاقتها‭ ‬بتجاوزات‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬مثل‭ ‬إعدام‭ ‬المدنيين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الوحشية‭ ‬الموثقة‭.‬

وورد‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬منشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬أوراسيا‭ ‬ريفيو‮»‬‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عصام‭ ‬العروسي،‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬الفيلق‭ ‬الإفريقي‭ ‬شبه‭ ‬العسكرية‭ ‬تَعد‭ ‬الآن‭ ‬بتقديم‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الأمنية‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬”مستوى‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار““‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬“”مع‭ ‬تمكين‭ ‬شبكتها‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬هجومها‭ ‬لاستخراج‭ ‬خيرات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الإفريقية‭.‬“

باقة‭ ‬من‭ ‬الخدمات

يتولى‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬الروسية‭ ‬الآن‭ ‬إدارة‭ ‬خدمات‭ ‬الفيلق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ويقدم‭ ‬الفيلق‭ ‬الإفريقي‭ ‬للمستعينين‭ ‬بهؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬‮«‬حزمة‭ ‬بقاء‭ ‬النظام‮»‬‭. ‬ويَعد‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬بتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬الشخصية‭ ‬لهم،‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬مرتزقة‭ ‬فاغنر‭ ‬لرئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬الأمنية‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭. ‬ويوفر‭ ‬الاتفاق‭ ‬حماية‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الدولية‭ ‬العنيفة‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬مثل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ويُقدم‭ ‬التدريب‭ ‬والعون‭ ‬العسكري‭ ‬للدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭.‬

ولتعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬للحكومات،‭ ‬يقدم‭ ‬المرتزقة‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬الداخلي‭ ‬بمجموعة‭ ‬متطورة‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الإعلامية‭ ‬والدعائية،‭ ‬إذ‭ ‬تعمل‭ ‬محطات‭ ‬الإذاعة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحتى‭ ‬المظاهرات‭ ‬العامة‭ ‬المفتعلة،‭ ‬التي‭ ‬تزينها‭ ‬أعلام‭ ‬روسيا،‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬مصداقية‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬مواطنيها‭. ‬

ولكن‭ ‬لوحظت‭ ‬حالات‭ ‬موثقة‭ ‬لمجازر‭ ‬وإعدامات‭ ‬وتنكيل‭ ‬بالمدنيين‭ ‬ضلع‭ ‬فيها‭ ‬المرتزقة‭ ‬الروس‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬وخارجها،‭ ‬وورد‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تنفير‭ ‬الدول‭ ‬المضيفة‭ ‬من‭ ‬الشركاء‭ ‬العسكريين‭ ‬الآخرين‭ ‬بطريقة‭ ‬”قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬موضع‭ ‬تقدير‭ ‬كامل‭ ‬عند‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭.‬“

كتب‭ ‬السيد‭ ‬دان‭ ‬وايتمان‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬لبرنامج‭ ‬أوراسيا‭ ‬يقول‭: ‬”ما‭ ‬أبسط‭ ‬أهداف‭ ‬روسيا،‭ ‬فما‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬معارضي‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬طغم‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬قادة‭ ‬مستبدون،‭ ‬ثم‭ ‬تنال‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬المذعورين‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬إعطائه‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر‭.‬“‭ ‬

فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، يرحب بإبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، أثناء لقائهما في سانت بطرسبرغ بروسيا في تموز/يوليو 2023.
صور غيتي

غياب‭ ‬الأمن

مع‭ ‬أن‭ ‬المرتزقة‭ ‬الروس‭ ‬يبيعون‭ ‬الوعود‭ ‬الأمنية،‭ ‬كالمساعدة‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬المتشددين‭ ‬التابعين‭ ‬لتنظيمي‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش،‭ ‬فلم‭ ‬تشهد‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬أي‭ ‬تحسن‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بل‭ ‬حدث‭ ‬نقيض‭ ‬ذلك‭.‬

فقد‭ ‬كشف‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2024‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬بسبب‭ ‬عنف‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المتشددين‭ ‬زاد‭ ‬بنسبة‭ %‬20‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬وزاد‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬حيث‭ ‬ينشط‭ ‬المرتزقة‭ ‬الروس،‭ ‬بنسبة‭ %‬43‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭.‬

ويشير‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬بسبب‭ ‬عنف‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المتشددين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬يُقدَّر‭ ‬بـ‭ ‬11‭,‬643‭ ‬قتيلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬قياسي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015‭.‬

وشهدت‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ %‬67‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬القتلى‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتشددة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬العدد‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭. ‬وكانت‭ ‬أكثر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تقع‭ ‬فيها‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬للعام‭ ‬الثالث‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬وشهدت‭ ‬مالي‭ %‬34‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المتشددين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وقالت‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬‭ ‬في‭ ‬آذار‭/‬مارس‭ ‬2024‭ ‬إن‭ ‬المرتزقة‭ ‬ساعدوا‭ ‬الجنود‭ ‬الماليين‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬وغارات‭ ‬بطائرات‭ ‬مسيَّرة‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬مدنيين،‭ ‬بينهم‭ ‬أطفال‭.‬

وقالت‭ ‬السيدة‭ ‬إيلاريا‭ ‬أليغروزي،‭ ‬الباحثة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الساحل‭ ‬بهيومن‭ ‬رايتس،‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لها‭: ‬”إن‭ ‬الحكومة‭ ‬العسكرية‭ ‬الانتقالية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬لا‭ ‬ترتكب‭ ‬انتهاكات‭ ‬مروعة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬حجب‭ ‬أي‭ ‬دراسة‭ ‬لوضع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فيها‭.‬“

لقد‭ ‬قتل‭ ‬المتطرفون‭ ‬الإسلاميون‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين،‭ ‬وارتكبوا‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬جنسي،‭ ‬واستخدموا‭ ‬العبوات‭ ‬الناسفة‭ ‬محلية‭ ‬الصنع،‭ ‬وفرضوا‭ ‬شعائر‭ ‬دينية‭ ‬متشددة‭ ‬على‭ ‬الأهالي‭. ‬والآن،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬رحلت‭ ‬بعثة‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الدولية،‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يشعر‭ ‬أحد‭ ‬بالأمان‭ ‬للمجاهرة‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬الوحشية،‭ ‬وتحدَّث‭ ‬الأهالي‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬وحشية‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجنود‭ ‬الماليين‭ ‬وحلفائهم‭ ‬الروس‭.‬

فقد‭ ‬أفادت‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬نينانبيلا،‭ ‬حيث‭ ‬أعدم‭ ‬جنود‭ ‬ماليون‭ ‬ومرتزقة‭ ‬روس‭ ‬رجلاً‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬قال‭: ‬”أياً‭ ‬ما‭ ‬نختار‭ ‬مر،‭ ‬وأينما‭ ‬ذهبنا‭ ‬نعاني؛‭ ‬فالمتشددون‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الرحمة،‭ ‬وفرضوا‭ ‬علينا‭ ‬منهاجهم‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬لكن‭ ‬الجيش‭ ‬و‭[‬مقاتلي‭] ‬فاغنر‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يحمونا،‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬سوى‭ ‬القتل‭ ‬والنهب‭ ‬والحرق‭.‬“‭  

التعليقات مغلقة.